المرتد.. التحول من المسيحية إلى الإسلام في عصر العلمنة والإرهاب

Picture1.jpg

تأليف: يورام فان كلافِرن

عرض: عبد الرحمن السليمان| أستاذ الترجمة في جامعة لوفان - بلجيكا

هذا الكتاب عبارة عن وثيقة مهمة يوثق فيها الكاتب عملية تحوله من النصرانية إلى الإسلام. لا يبرر مثل هذا التحول، بحد ذاته، تلك الأهمية الكبيرة التي اكتسبها تحول الكاتب، الهولندي يورام فان كلافرِرن، ولا الضجة التي أثارها صدور الكتاب. فالخارجون من هذا الدين والداخلون في دين آخر أصبحوا لا يعدون ولا يحصون في زماننا هذا. إلا أنّ هذا الكتاب يكتسب أهميته من أمرين اثنين مهمين. الأول: لأن الكاتب كان سياسيًا هولنديًا من أقصى اليمين المتطرف، وكان الرجل الثاني في (حزب الحرية) اليميني المتطرف الذي يرأسه السياسي اليميني الشعبوي خيرت فيلدرز (Geert Wilders)، وكان يدعو في البرلمان إلى حظر القرآن الكريم في هولندا وإلى التضييق على المسلمين فيها، فشارك في كل حملات الحزب على المسلمين، ومنها إنتاج فلم (فتنة) المسيء للإسلام عمومًا وللنبي محمد خصوصًا. والثاني: أن الكاتب مثقف ثقافة عالية نشأ في بيئة مسيحية بروتستانتية محافظة ومتشبع بمرجعية الكتابة للديانتين اليهودية والنصرانية ويتمتع بخلفية ثقافية واسعة، وأنه كان يوظف كل طاقاته الفكرية والمعرفية من أجل محاربة الإسلام في هولنداوإغلاق المساجد والمؤسسات الإسلامية فيها.

 

يتكون الكتاب من مقدمة واثني عشر فصلاً كتبت بلغة جميلة وبسيطة وعميقة في آن واحد. يستهل الكاتب مقدمته بالآية العاشرة من سورة الأنبياء (لَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَبًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُون)، ويبدأ كل فصل منه بآية أو حديث أو قول للمسيح أو الرسل أو لفيلسوف أو كاتب معروف. ويبدأ مقدمته بالقول إن "العقل يعبّر في الموروث العقلاني عما هو غير عاطفي، وإن كثيرًا من الناس لا يربطون العقل بموضوع الدينأصلاً ". ثم يؤكد في الوقت نفسه على أن رحلته في البحث عن الله "لم تخلُ من العاطفة، لكنها كانت رحلة عقلانية" في المقام الأول، ذلك أنّ "البحث في المصادر وتحليل المسائل الجوهرية بهدف فهم ما لم يكن يُفهم بسبب العاطفة" كانا الباعث الأول والأخير في رحلته الفكرية التي أدت به إلى اعتناق الإسلام. ثم يسرد الكاتب في كتابه المثير هذا أنه كان تفرّغ لكتابة كتاب نقدي حول الإسلام، وأنه من أجل ذلك عكف على دراسة عميقة لمصادر الإسلام الأولية بهدف إظهاره"على حقيقته" التي كان يرى فيها خطرًا على المجتمع الهولندي والعالم. إلا أنه - أثناء الدراسة والكتابة - اصطدم بأسئلة جوهرية مثل: هل يوجد ربٌّ لهذا الكون حقًا؟ وهل إلهُ القرآن هو ذاته إلهُ الكتاب المقدس؟ وهل يدعو الإسلام المسلمين إلى كره غير المسلمين وإلى اضطهاد المرأة؟ وكيف اكتسب الكاتب تلك النظرة السلبية عن الإسلام؟ وأي صراع عاطفي واجتماعي نشأ في داخله في رحلته الفكرية هذه؟.

ثم يستحضر الكاتب أن التحاقه بالجامعة لدراسة اللاهوت كان في الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001، وهو تاريخ وقوع هجمات برجي التجارة العالمية في نيويورك.ويضيف: "إنه يوم فظيع في التاريخ المعاصر يحدد النظرة إلى الإسلام" بطريقة مباشرة، وأن "هجمات مدريد واغتيال المخرج الهولندي تيو فان خوخ (Theo van Gogh) وعملية احتجاز الرهائن في مدرسة بيسلان في روسيا" – وكلها أحداث وقعت سنة 2004 – إنما "وقعت في أثناء دراسته في الجامعة"، مما جعله يكون نظرة سلبية جدًا عن الإسلام.وزادت الأحداث التالية – وأهمها ظهور تنظيم داعش والجرائم التي ارتكبها وكذلك الهجمات الإرهابية في الغرب – تلك النظرة سلبيةً، وكوَّنت لديه صورة جد قاتمة عن الإسلام، أراد أن يسطرها في كتاب ويوثق لها من المصادر الإسلامية نفسها، فعكف على دراستها لهذا الهدف.

يعالج الكاتب في الفصول الأولى من الكتاب مواضيع فارقة كالعَلمانية في الغرب التي أدت إلى إخراج الدين من الحياة العامة إخراجًا كليًا. فيقارن نسبة التدين لدى الهولنديين سنة 1900 (98 بالمائة) بنسبتها سنة 2015 (30 بالمائة) لا يزور 82 بالمائة منهم الكنيسة. ويستحضر الأبحاث العلمية التي تشير نتائجها إلى أن نصف الهولنديين لا يؤمن بوجود إله أصلاً، ويضيف بأن "للعَلمنة المستمرة تأثير سلبي على الثقافة والمجتمع"إذ تُفرَّغُ مجالات اجتماعية كثيرة من التأثير التاريخي للديانة المسيحية "لتصبح مجالات مستقلة تتطور بمعزل عن السياق الثقافي العام كالأدب والسينما والموسيقى والتعليم والصحافة والديموقراطية والمشاركة والفردانية ودور الدولة والمخدرات والجنس والسياسة والزواج". لقد "تآكل" العنصر الرابط بين هذا المجالات، ويقصد به الديانة النصرانية. وأدى هذا التراجع للدين "إلى طرح السؤال الوجودي: من نحن بصفتنا مجتمعًا؟" وكذلك "إلى استيراد التقدميين سياسة الهُوية من الولايات المتحدة"، وأخيرًا "إلى اعتبار ما بعد الحداثيين الحقيقةَ المؤسِّسةَ للحضارة، أمرًا نسبيًا". والنتيجة الحتمية لهذا التطور هو "حالة فردية وتجربة غير مختبرة في التاريخ الإنساني، أي: التطوير العضوي لحضارة بدون الله". وفي الحقيقة أدت هذه الحالة إلى فراغ روحي غير مسبوق في الغرب، أصبحت الحياة معه فعلاً ماديًا مطلقًا من الولادة إلى الموت.

ثم يتوقف الكاتب عند مقولة نيتشة الشهيرة "موت الإله"، ويسرد البراهين الكونية والدينية والأخلاقية الدالة على وجود الإله، ويستهل الفصل الذي يستحضر فيه البراهين التقليدية الدالة على وجود الإله بقول للفيلسوف الوجودي بول سارتر: "لا أنكر أني لا أؤمن بوجود الله، كما لا أستطيع أن أنسى بأن جميع وجودي يبحث بشدة عن الله". ويقارن بين مفهوم الإله المعبود بحق في الديانات السماوية مع التركيز على طبيعة الإله في الديانة النصرانية وفي الإسلام على الأخص. ويتوقف عند عقيدة التثليث في النصرانية ويرى أن الإله المعبود بحق قد عرف البشرية بذاته العلية من خلال عيسى الذي يُقدم على أنه الإله-الإنسان. ويتساءل بشأن هذه العقيدة: "هل كان مفهوم الإله-الإنسان الذي نعرفه اليوم هو نفسه مفهوم الإله الذي كان الجيل الأول من النصارى يعرفه؟". ثم يأخذ الكاتب القارئ معه في جولة تاريخية يستعرض من خلالها المجامع المسكونية التي عقدها أوائل النصارى في القرنين الرابع والخامس خصوصًا في القسطنطينية (سنة 381) وفي خلقيدونية (سنة 451). لقد أدت قرارات المجمع الأخير إلى انشقاق الكنائس الشرقية (القبطية والأرمنية والسريانية) عن الكنيستين البيزنطية والرومانية بسبب عقيدة التثليث الصوفية التي حدّها القديس أغسطين بقوله: "إن الله جَميعٌ مُفرَدٌ، ومُفرَدٌ جَميع". ويرى الكاتب أن هذا الحد للإله المعبود بحق أشبه باللغز الذي يستعصي على الفهم ويضيف: "إن الدليل على استعصاء هذه الفكرة على الفهم أن الكنيسة احتاجت إلى قرون عديدة كي تبرهن بطريقة تقريرية على تفسير النصوص الإنجيلية المتعلقة بالعلاقة بين الإله الأب وعيسى الابن والروح القدس". وهذا ما جعل البطارقة المشاركين في المجامع المسكونية التي انعقدت في القرون المسيحية الأولى يختلفون بشأنها،الشيء الذي أدى إلى نشوء فرق نصرانية كثيرة كاليعاقبة القائلين باتحاد الطبيعة اللاهوتية والطبيعة الناسوتية في بوتقة واحدة كاتحادالماء بالخمر في زجاجة واحدة ليشكلا عنصرًا واحدا؛ أو النساطرة القائلين باستقلال الطبيعتين اللاهوتية والناسوتية مثل استقلال الماء والزيت عندما يوضعان في زجاجة واحدة، فيبقيان عنصرين مستقلين. ويعزو في النهاية الفكرة التي يمكن من خلالها قبول أن يكون لإنسان ما أب أو أم من جنس الآلهة إلى الثقافتين اليونانية والهيلينية التي تأثر بها اليهود أيضًا حسب رأي الكاتب.

ثم يتحدث الكاتب عن مرحلة الشك لديه ويستعرض في فصل تالٍ فكرة الخطيئة الأزلية في العقيدة النصرانية بعد عصيان آدم وحواء الأوامر الإلهية وأكلهما من الشجرة كما جاء في الإصحاح الثالث من سفر التكوين، وتوارثَ الأجيال لهذه الخطيئة لأن العقيدة النصرانية تقرر أن كل مولود يرث هذه الخطيئة الأزلية عند ولادته. "باستثناء عيسى لأن أباه ليس إنسانًا ورث الخطيئة الأزلية"، لذلك كان عيسى من القداسة بمكان بحيث استطاع أن يفديالعالم وخطاياه بالقربان الذي قدمه من أجل ذلك، وهو نفسُه– "لذلك سمي المخلص". ويستطرد الكاتب: "أعاني منذ نعومة أظافري من هذه العقدة اللاهوتية التي اقتضت أن يضحي عيسى بدمه من أجل فداء خطايا العالم". ويمضي في شكه قائلا: "تلقي هذه العقدة اللاهوتية الضوء على صفات الإله وعلى منطق القراءة والتفسير لقصة الخطيئة الأزلية كما جاءت في سفر التكوين في التوراة"، وتفرض علينا الأسئلة التالية: "لماذا لم يستطع الله أن يغفر هذه الخطيئة بدون التضحية بابنه"؟  "وهل غُفرت خطايا أشخاص عاشوا قبل عيسى مثل آدم وإبراهيم ونوح" أم لا؟ وإذا كانت خطايا هؤلاء الأنبياء السابقين لظهور عيسى قد غُفرت، "فلم كان هذا الفداء للخطايا بدم الابن ضروريًا في مرحلة متأخرة من مراحل التاريخ"؟ ويستنتج في آخر الفصل بأنه بالإضافة إلى صعوبة استيعاب عقيدة التثليث فكريًا، فإن الأسئلة المطروحة أعلاه – بالإضافة إلى أسئلة أخرى – "قد أصبحتتشكل عائقًا حقيقيًا يحول بينه وبين قبول مفهوم الإله في الديانة النصرانية". ويختم الكاتب فصله هذا بالقول إن الإلحاد لم يشكل جوابًا مفحمًا على أسئلته المتعلقة بالحقيقة، لذلك لم يفكر في أن يصبح ملحدًا. كما لم تشكل الديانة اليهودية– التييعرفها جيدًا وكان يتقبلها أكثر من الإسلام – بديلاً له عن النصرانية بسبب تلازم الديانة اليهودية مع النصرانية تلازمًا يَصعب تفكيكه في خلفيته الدينية المؤسسة على التقليد اليهودي المسيحي."ومع ذلك فإن كرهي للإسلام الذي نشأ وتراكم مع السنين لم يكن حائلاً دون النظر من جديد في هذا الدين الذي يتبوأ عيسى فيه منزلة رفيعة لأنه فيه رسول الله" وكلمته وروحه، وينتهي بالقول إن غياب عقيدة التثليث في الإسلام فرضت عليه أن ينظر من جديد وبعمق في هذا الدين الذي يحاربه.     

يعالج الكاتب في فصلٍ تالٍ مفهوم الإله المعبود بحق في الإسلام، ويستهل الفصل بالترجمة الهولندية للآية (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيم) (سورة البقرة، الآية 163) ويطرح أن الإيمان بإله واحد خلق السماوات والأرض وما بينهما أساسُ الإسلام وأن هذا هو التوحيد الحقيقي. ثم يتوقف عند صفات الله وأسمائه الحسنى ويقول إنه "على الرغم من أن مفهوم الإله المعبود بحق في الإسلام، الذي ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، قد يوحي بشيء من المساحة بينه وبين المخلوقين" خصوصًا بالنسبة إلى المسيحيين، "فإن الإسلام يؤكد في الوقت نفسه على أن الله أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد" (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِليْهِ مِنْ حَبْلِ الوَريدِ) (سورة ق، الآية 16). ويستنتج بأن صورة الإله المعبود بحق في الإسلام "مضطردة تجريديًا مع ذاتها وغير متناقضة" وأنها – "ويالَلمفارقة" يضيف الكاتب – "أقرب بكثير إلى الرسالة التي يرسلها المسيح إلينا حسب إنجيل مرقص (الإصحاح 12 الآية 30) منها إلى مفهوم التثليث في العقيدة النصرانية: وَتُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ)". ويقول مقارنًا مفهوم الإله في الإسلام بمفهوم التثليث في النصرانية بأن مفهوم الإله في الإسلام "ليس سرًا لاهوتيًا غير قابل للفهم بل مفهوم يستطيع العقل البشري أن يستوعبه" ببساطة.

 

ويأخذ الكاتب يقارن بين الإسلام والنصرانية في مجالات كثيرة ويرى أن الإسلام والنصرانية قريبان إذا يلتقيان في مجالات كثيرة كالإيمان بإله واحد خلق السموات الأرض، والوحي إلى الأنبياء والرسل، والإيمان بالملائكة، وبالبعث بعد الموت، وبأنبياء كثر وردت أسماء بعضهم في العهد القديم والعهد الجديد. ثم يتوقف عند اشتقاق اسم الجلالة في العربية ليبرهن أن الله في الإسلام هو ذاته الإله المعبود بحق في النصرانية واليهودية، مفندًا في ذلك مزاعم بعض النصارى الغربيين الذين يزعمون أن الله هو "إله القمر" عند عرب الجاهلية، وليس الإله المعبود بحق في الديانات السماوية، ومنهم روبرت موري (Robert Morey) صاحب كتاب "الله، إله القمر كما جاء في حفريات الشرق الأوسط".  ويستعرض الجذرين (ألل) و(أله) اللذين اشتقت منهما الألفاظ الدالة على الإله المعبود بحق عند الشعوب السامية وهي:

الجذر الأول: /إل+ل/. جاء هذا الجذر في البابلية /إِلُّ/؛ وفي العبرية אל = /إِيل/؛ وفي الفينيقية والأوغاريتية: /إلّ/؛ وفي السريانية: ܐܠܐ = /إيلا/.(1) الجذر الثاني: /إل+ه/. جاء هذا الجذر في العبرية:  אלוה= /إِلُوَه/ (elōah)؛ وفي الآرامية والسريانية ܐܠܗܐ = /ألاها/ "الإله"؛ وفي العربية: /إله/، /إلاه/. ويضيف بأن أصل لفظ الجلالة "الله": الإله وأن الهمزة حذفت وأن اللام فخمت للتوكيد الشديد على تفرد اللفظ للدلالة على الإله المعبود بحق تمييزاً للفظ من غيره من الألفاظ التي تطلق على الأوثان، مثلما يفرد الغربيون الألفاظ الدالة على الإله المعبود بحق في لغاتهم برسم حروفها الأولى كبيرة مثل God في الإنكليزية وDieu في الفرنسية تمييزًا لها من تلك المرسومة بأحرف صغيرة (مثل god في الإنكليزية وdieu في الفرنسية) والتي تدل فيها على الأوثان.

ثم يتطرق الكاتب لشخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويطرح السؤال التالي: "هل محمد رسول بالمفهوم الكتابي"؟ للإجابة عن هذا السؤال، يستعرض الكاتب قصة نزول الوحي على النبي في غار حراء كما وردت في سيرة ابن إسحاق، ويقارن بين سياقها وسياقات مشابهة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد. ثم يتوقف عند الآية 18 من الإصحاح 18 سفر تثنية الاشتراع من العهد القديم، التي يخاطب الله فيها موسى حسب رواية التوراة بقوله: (أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلَامِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ). تقول هذه الآية: (1) إن هذا النبي مثل موسى؛ و(2) إن هذا النبي من وسط إخوتهم؛ و(3) إن الله سوف يجعل كلامه في فمه فيبلغهللناس حتى يأتيه اليقين. ويضيف أن أول ما يلفت الانتباه في هذه الآية هو أن النبي الذي سيقيمه الله حسب هذه النبوءة هو مثل موسى. ويفسر النصارى هذه النبوءة بأنها تنطبق على عيسى عليه السلام. لكن المثير للانتباه هنا – حسب الكاتب – أن سيرة عيسى لا تكاد تشبه سيرة موسى في شيء، وأن الشبه الكبير إنما هو بين موسى وبين محمد وبين سيرتيهما. والملاحظة الثانية تتعلق بنسب هذا النبي، لأن إخوة بني إسرائيل هم بنو إسماعيل وكلاهما من ولد إبراهيم عليه السلام، فيكون هذا النبي  من بني إسماعيل. وعليه "فإن النبي الذي يشبه موسى والذي هو من سلالة إخوة بني إسرائيل – أي من بني إسماعيل –هوبالتالي محمد وليس عيسى"كما يستنتج الكاتب. وهذا الاستنتاج تؤكده الملاحظة الثالثة التي تقول إن هذا النبي الذي يشبه موسى والذي هو من نسب إخوة بني إسرائيل "سوف يتلقى كلمات من إله موسى ليبلغها إلى الناس. ومن المعروف أن محمدًا في التقليد الإسلامي قد نزل عليه الوحي بواسطة جبريل وأنه بلغه للناس بدون أي تدخل منه" في الرسالة الموحاة إليه. ويضيف الكاتب بأن جوهر رسالة موسى لا يختلف في شيء مع جوهر رسالة محمد. فجوهر رسالة موسى هو (اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: ٱلرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ) (تثنية الاشتراع، الإصحاح 6، الآية 4)، بينما جوهر رسالة محمد هو (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيم) (سورة البقرة، الآية 163).

ثم يناقش الكاتب في سائر فصول كتابه بعض المواضيع الشائكة كمسألة النسخ وآية السيف والإرهاب الذي يمارسه تنظيم (داعش) باسم الإسلام،وكذلك المواضيع التي تثار حولها نقاشات كثيرة مثل وضع المرأة ومسألة صلب المسيح من عدمها وزواج النبي بعائشة والردة في الإسلام وأهل الذمة والعداء مع اليهود، ويضعهذه المواضيع بعد مناقشتها في سياقها الطبيعي. بعد ذلك يختم الكاتب كتابه بفصل يستحضر فيه قصة تحول اليهودي شاُول الذي كرَّس حياته لاضطهاد تلاميذ المسيح إلى المسيحية ليصبح القديس بولس فيها كما تروى في التقليد المسيحي. لقد كان شاوُل في طريقه إلى دمشق لاضطهاد تلاميذ المسيح فيها، فتجلى له عيسى وهو في طريقه، (فَسَقَطَ عَلَى ٱلْأَرْضِ وَسَمِعَ صَوْتًا قَائِلًا لَهُ: "شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي"؟).ويرى أن قصة تحول شاوُل إلى المسيحية هي قصة تحوله إلى الإسلام. فلقد كان الكاتب لسنوات عديدة شديد العداء للإسلام والمسلمين في هولندا، وكان لا يفوت مناسبة إلا ويهاجمهم فيها ويؤلب الناس عليهم.

إن كتاب "المرتد. التحول من المسيحية إلى الإسلام في عصر العلمنة والإرهاب" كتاب في غاية الأهمية نظرًا لخلفية الكاتب الدينية ومكانته السياسية في المجتمع الهولندي، ونظرا للمواضيع التي عالجها الكاتب فيه. ونحن نوصي بترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية.

.....

هامش:

1. يُنظر معنى /إلٍّ/ في الآية الكريمة: لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذِمة. سورة التوبة الآية 10. وكذلك قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما تُلي عليه بعض من كلام مسيلمة:  "إن هذا لشيء ما جاء به من إلٍّ. انظر مادة (ألل) في لسان العرب. وقد ذهب مجاهد وغيره من علماء التفسير إلى أن (إلّ) في الآية الكريمة هو الله. ويرد الاسم في العبرية كثيراً في أواخر الأسماء مثل اسماعيل وميكائيل وإسرائيل، وورد في العربية في أسماء مثل ياليل وشرحبيل.

----------------------------

التفاصيل:

العنوان: المرتد. التحول من المسيحية إلى الإسلام في عصر العلمنة والإرهاب

الكاتب: يورام فان كلافِرن / Joram van Klaveren

الناشر: دار المعرفة / Kennishuys.هولندا

اللغة: الهولندية

عدد الصفحات: 204 صفحة

سنة النشر: 2019

رقم الإيداع الدولي: 9789082701173

أخبار ذات صلة