إبراهيم- إسماعيل- إسحاق: شخصيات قيادية لليهود، والمسيحيين، والمسلمين

51Wr7Osi8DL.jpg

تأليف محمد سمير مرتضى

عرض: رضوان ضاوي | باحث في الدراسات المقارنة/ الرباط، المغرب

صدر كتاب الباحث في الدراسات الإسلامية محمد سمير مرتظى الجديد بعنوان "إبراهيم، إسماعيل، إسحاق، أيوب: شخصيات قيادية لليهود والمسيحيين والمسلمين" في سنة 2018 ضمن مشروع فكري يهتم بتطوير الدراسات الإسلامية المعاصرة المكتوبة باللغة الألمانية، من باب البحث عن مسالك للحوار والنقاش الجاد والمثمر والمنصف بين الديانات الإبراهيمية الثلاثة. وإذا كان الكتاب الأول ضمن هذا المشروع قد ركز على سيدنا آدم باعتباره أبا للبشر جميعا، فإن هذا الكتاب يركز على شخصية سيدنا إبراهيم الخليل القيادية وما يُمكن أن يقدمه نموذج سيدنا إبراهيم من أجل تشييد قنوات حوار بين الإسلام والمسيحية واليهودية.

مشروع حوار ديني باللغة الألمانية

 تواصل الكتابات الأكاديمية الألمانية في الدراسات الإسلامية والحوار الدّيني الاستفادة من مادّة قصص الأنبياء في القرآن وفي التّوراة، باعتبارها أساساً للحوار بين الديانات الإبراهيمية وجوهراً له. لهذا، يمكن الربط بين الكتابين من أجل تعميق وتوسيع التصورات التي قدمها الباحث في هذا الكتاب عن قصص الأنبياء. ومن خلال الربط بين مراجعتنا لكتاب "آدم، إدريس، نوح: الخلق المبكر للكتاب المقدس وللقرآن من خلال رؤية يهودية وإسلامية" لـ: محمد سمير مرتظى، الذي صدر سنة (2017)، ومضمون الكتاب الجديد للمؤلف ذاته والموسوم بــــ "إبراهيم- إسماعيل- إسحاق: شخصيات قيادية لليهود، والمسيحيين، والمسلمين" (2018)، بهدف تحيين فهم الإشكالات الدينيّة التي ظلّ الباحث مرتظى يطرحها في جل كتاباته، وهي إشكالات الحوار بين الأديان، نستطيع التوصل إلى نتيجة مفادها أنّ الباحث مرتظى - الذي يفهم حياة المؤمن على أنّها حوار متعدّد مع الله- يركّز على الحواريّة التي تجمع المؤمن بالله؛ بالتالي تكمن أهميّة كتاب "إبراهيم- إسماعيل- إسحاق: شخصيات قيادية لليهود، والمسيحيين، والمسلمين" في أنّه يقدّم قراءة جديدة في سياق النّقاشات الرّاهنة حول علاقة دور النّصوص الدّينيّة اليهوديّة والإسلاميّة ورؤى العالم في قصص الأنبياء. ويمكن الربط بين أطروحتي الكتابين من تعميق وتوسيع التصورات التي قدمها الباحث في كتابه الجديد عن قصص الأنبياء من خلال شخصية سيدنا إبراهيم الخليل. فمحمد سمير مرتظى الباحث في الدراسات الإسلامية يقتحم مسلكا جديداً بخطوات ثابتة لها امتدادها في مشروعه الحواري الذي أسسه في كتابه "آدم، إدريس، نوح، أيوب: الخلق المبكر للكتاب المقدس وللقرآن من خلال رؤية يهودية وإسلامية" وفي مؤلفات أخرى. ومن المفيد التأكيد على أن الأمر يتعلق هنا بمنظورات جديدة قدمها الباحث وعالج بها قصة الخليل إبراهيم عليه السلام في القرآن والتوراه: من خلال مبدأ المُماثلة بين القرارات الإلهية والقرارات الشخصية لإبراهيم، ومقارنة قصة سيدنا إبراهيم التوراتية والإنجيلية والقرآنية.

النبي إبراهيم في التوثيق النصي والبصري

استعان المؤلف في كتابه بمنهج المقارنة، من خلال استناده إلى الدراسات الإسلامية المعاصرة والتفاسير الجديدة، وبمصادر أصيلة مثل القرآن الكريم ومصادر يهودية ومسيحية، وضمّ الكتاب مجموعة من الصور/النقوش التي تعود إلى القرن الخامس عشر أو السادس عشر، وهي إما فارسية أو أويغورية. ومصدر هذه الصور الأرشيف الخاص بالمؤلف، باستثناء ثلاث صور حصل عليها الكاتب من كتاب « Bible Figures in Islamic Art. From Adam to Jesus. Chreston: 15. » لـمارليس بورغ Marlies Borg (2012). ويضم الكتاب ثلاث مجموعات من النقوش: 1- النقوش الفارسية التي تعود إلى القرن السادس عشر: نقش "وضع قوم إبراهيم له في النار" (ص.17)، ونقش "تقديم قصة الفداء" (ص.58)، ونقش بعنوان "إبراهيم ولوط متعمقين في حوار بعد إبلاغهما من طرف الملاك بخبر تدمير سدوم" (ص. 161). 2- النقوش الأويغورية التي تعود إلى القرن الخامس عشر: مثل "تقديم قصة الفداء" (ص. 90) و"لقاء النبي محمد بالخليل إبراهيم أثناء رحلة الإسراء والمعراج"( ص. 138)، و"تقديم الحرق الجزئي لإبراهيم"( ص. 202). 3- وهناك نقش لم يحدد الباحث أصله وهو عبارة عن تصوير لـ"تقديم آخر لقصة الفداء" (ص. 110). وبخصوص دور هذه النقوش والرسومات في الكتاب، يقول المؤلف إنها نقوش عبارة عن زخرفة تشير إلى مُعالجة سردية لقصة سيدنا إبراهيم في الفن الإسلامي، لا أكثر ولا أقل. لكن من وجهة نظري، وبغض النظر عن طريقة توظيف الكاتب لها في كتابه، تُعلم هذه النقوش أن النبي إبراهيم "أبو الأنبياء" تواترت أخباره في القصص الديني والشعبي معاً، وعمل الفن الإسلامي –باعتباره جزءًا من التراث الديني- إلى جانب التوثيق النصي، على توثيق قيمة هذه الشخصية بصرياً من خلال اللوحات الفنية والنقوش والحفر على الخشب. فمن المؤكد أن شخصية النبي إبراهيم قد أثرت تأثيراً قوياً وعظيماً في الأديان التوحيدية الثلاثة، وربما يدل على هذه الفكرة نعت الديانات الثلاثة بصفة الأديان الإبراهيمية. كما أن هناك العديد من التأثيرات وأوجه التقارب التي ربطت ما بين قصة النبي إبراهيم من جهة، وأنساق دينية وثقافية وشعبية مختلفة من جهة أخرى، باعتبار أنَّ الشخصيات الرئيسة في الديانات الثلاثة إنما هم شخصيات واحدة، وشخصية النبي إبراهيم، كان لها حضور مؤثر وتجليات على علم الكلام، من خلال الأخذ بالقواعد التي سار عليها إبراهيم للوصول لمعرفة الخالق: المحاججة، وشك إبراهيم الوارد ذكره في القرآن،" قصة ذبح إبراهيم لابنه والتضحية والفداء، والتوحيد المطلق، وقصة نجاة إبراهيم من النار. ويمكن للقارئ المطلع على الكتاب أن يشاهد النقوش ويكتشف أن القضايا التي عرضتا لها هذه الصور المهمة والتي تمثل تجليات شخصية سيدنا إبراهيم هي من المواضيع التي قُدر لها أن تلقى رواجاً وذيوعاً على مر القرون، ليس فقط في التوثيق البصري الإسلامي، والتوثيق النصي المسيحي واليهودي، بل أيضا في المخيال الشعبي الذي اهتم بهذه القصص وزاد فيها الكثير من التفاصيل التي تقترب أو تبتعد عن الحكاية الأصل الموجودة في النصوص الدينية.

هذا الكتاب ومفهوم النموذج/القدوة

ركز الباحث على المفهوم الجديد "النموذج" باعتبار سيدنا إبراهيم قدوة وصورة أصلية للخلق كله، وهو شخصية دينية قادرة على دمج كل الأمة الإبراهيمية ووضعها في طريق المستقبل المشترك والمصير المشترك. وقد رفع القرآن من قيمة سيدنا إسماعيل، الذي تم قمعه وتهميشه في الإنجيل العبري وفي اليهودية. بهذا يسلط تفسير سمير مرتظى المعاصر الضوء بشكل إيجابي على شخصية سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل باعتبارهما شخصيتين قياديتين وقيمة كبيرة جداً للحوار المتداخل الأديان.

 تتأسس أطروحة هذا الكتاب على التزام المحاضر بمشروعه الفكري وما قدّمه الباحث في عدة محاضرات في المعهد العالي الكنسي فوبرتال بيتل وقام بتوسيع قضايا تلك المحاضرات ومناقشتها بشكل مكثف ودقيق مع الطلبة. ولقيت هذه المحاضرات المدرسية السهلة الفهم اهتمام المستمعين، ليس فقط من حيث عمق الطرح العلمي، والأبعاد الجديدة التي تناول بها الباحث أطروحته الجديدة، التي يمكن فهمها بدقة من خلال قصة سيدنا إبراهيم، ومن خلال الحاضر أيضا. فهذه المحاضرات المنشورة في هذا الكتاب أعدت ليتم تلقيها من طرف جمهور عريض وعام، وهو كتاب يستحق قرّاء حيويين وإيجابيين ومتفاعلين، ذلك أن هذا الكتاب أريد له أن يكون مشجّعاً للحوار بين اليهود والمسيحيين والمسلمين. إن المحاضرات التي قدمها الباحث عن شخصية إبراهيم وإسماعيل وإسحاق الإنجيلية والقرآنية في العهد العالي الكنسي قدمت له فرصة وإمكانية "تعميق وتجديد منهجي التفسير الذين استعملهما في كتابه "آدم، إدريس، نوح، أيوب: الخلق المبكر للكتاب المقدس وللقرآن من خلال رؤية يهودية وإسلامية"، فمرتظى يعطي في تفسيره إمكانات فهم جديدة للأسئلة الجديدة ولا يقدم تفسيرات نهائية، ويمكن للقارئ دائماً طرح أسئلة على الكاتب، مما يحفزه على التفكير الجديد ويسند المنهج. ولا يتردد الكاتب في أن يكون كتابه عبر تنوع معانيه، لبنة أساسية للدفع بالحوار بين اليهود والمسيحيين والمسلمين. فبالنسبة لنا، كل الأنبياء هم شخصيات انعكاسية ترجعنا وتقودنا إلى ماضي البشرية بقليل من الأهمية، لكنهم يجبروننا بشكل فردي وشخصي على التعامل مع حالتنا الراهنة، من أجل تحفيز التفكير في كيفية تطوير أنفسنا باعتبارنا بشرا نطور أنفسنا.

قصة النبي إبراهيم في الكتاب المقدس

 أقصت التوراة إسماعيل بوضوح من عهد الله لإبراهيم وذريته، وبالتالي فإن انتقاد الإسلام لليهودية له ما يبرره. ويُعد الكتاب المقدس هو المصدر الأقدم تاريخياً، فيما يخص سيرة النبي إبراهيم، حيث نجد أن قصة ذلك النبي قد تم تناولها بشكل مكثف في سفر التكوين منذ رحلات إبراهيم مع أهله حتى ظهور الرب لإبراهيم، الذي أعطاه الوعد الإلهي عندما قال له "لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ"، ثم جاء الوعد الثاني من الرب لإبراهيم، وأمر الرب إبراهيم بأن يختتن، ويؤكد سفر التكوين أن إبراهيم لما طلب من الرب أن يستكمل عهده مع ابنه إسماعيل، فإن الرب رفض وقال له "عهدي أقيمه مع إسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية"، ثم يشرح الكتاب المقدس المحنة الكبرى التي تعرض لها إبراهيم عقب أن أمره الله بذبح ابنه اسحاق، وكيف أن الرب قد فدى الابن بذبيحة بعدما أظهر إبراهيم إمارات الطاعة والتسليم.

يمكن ملاحظة إقصاء سيدنا إسماعيل لصالح سيدنا إسحاق في المصادر اليهودية المتناقضة وأيضا عند المسيحيين. لذلك هناك نسيان لإسماعيل يجب التغلب عليه حتى يتعرف اليهود والمسيحيون على الإسلام كدين إبراهيم.

من خلال كل ما سبق نستنتج أن الغرض من معالجة الكاتب لقصص الأنبياء في التّوراة ومقارنتها بمثيلتها في القرآن الكريم هو الوصول إلى حقيقة أن إبراهيم هو أيضًا نموذج رائع لليهود، ولكن ليس كنبي، وإنما باعتباره أباً أصليا للمسلمين والمسيحيين واليهود. بالنسبة للمسيحيين، يلاحظ المؤلف أن إبراهيم يلعب دورًا أصغر بكثير من دوره عند اليهود والمسلمين، بالطبع، يستحضر المسيحيون إبراهيم، مما يؤكد أنهم ينتمون إلى الديانات الإبراهيمية، لكن الباحث مرتظى يعتقد أن الكثير من الانشغال بإبراهيم سيثير حتماً على الجانب المسيحي أسئلة كثيرة حول التفكير في الله، أي التوحيد الإبراهيمي مقابل عقيدة الثالوث.

قصة النبي إبراهيم في القرآن الكريم

رغم أن المصادر الإسلامية الرئيسة، القرآن الكريم والحديث النبوي، قد اتفقت مع سفر التكوين في العديد من الأحداث والتفاصيل التي وردت فيما يخص قصة النبي إبراهيم، إلا أن هناك بعض النقاط المهمة التي شهدت اختلافات وتباينات واضحة: اسم أب إبراهيم، ومسألة إلقاء النبي إبراهيم في النار وخروجه منها سالماً، علاقة إبراهيم بزوجتيه سارة وهاجر، ومسألة أهمية إسماعيل وإسحاق وحيز كل واحد منهما في سيرة النبي إبراهيم الخليل.

وبخصوص اسم أبي إبراهيم المذكور في القرآن، فقد قال بعض المفسرين إن اسمه آزر كما هو في النص القرآني، بينما قال آخرون إن آزر يمكن أن يكون صفة وليس بالضرورة اسماً، بينما ذهب مفسرون معاصرون مثل الشعراوي إلى أن آزر هو عم إبراهيم وليس أبوه. أما في الدراسات الإسلامية باللغة الألمانية فقد كتب محمد أسد في أن اسم أبي إبراهيم ليس آزر بل تراح، لكن من الممكن جدا أن يكون اسم آزر المذكور في القرآن مع أسماء أخرى مجهولة المعنى والأصل إشارة إلى الشكل المعرب ما قبل الإسلام لاسم Athor أو Zarah.

يمكن بسهولة كبيرة انتباه القارئ إلى كونية الأفق في قصة إبراهيم القرآنية: إبراهيم أول موحد. في مركز قصة إبراهيم القرآنية توجد وحدانية الله وتفرده. صورة الله هذه تم تطويرها بخلاصات أخرى لا يمكن إيجادها في القصة التوراتية. الإيمان بالبعث: في قصص إبراهيم مع الملك الذي ادعى الملك، وسؤال موسى عن كيفية إحياء الموتى يعلّم الله إبراهيم أن الموت ليس النهاية، إنه إيمان يعتمد على الثقة العقلانية.

ومن هنا يمكن أن ألخصّ أهداف هذا الكتاب كما يلي: في هذا الكتاب، يلقي الباحث الضوء على قصة النبي إبراهيم بحسب ما وردت في المصادر اليهودية والمسيحية، ويبين أهم التفصيلات التي قدمتها الرواية القرآنية لتلك القصة، وكذلك الكيفية التي أثرت بها شخصية النبي إبراهيم في الفكر الإنساني والقصص الديني عند المسلمين وغيرهم. يحتل النبي إبراهيم مقاماً كبيراً في الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية، حيث يعتقد أتباع الديانات الثلاثة أن إبراهيم الأصل الثابت والقوي الذي تفرعت منه سلالة الأنبياء والرسل فيما بعد. وبناء على ما تقدّم مرّة أخرى يؤكّد الكاتب على أنّ القرآن كتاب تعليمي أخلاقي وروحي وكوني. فإبراهيم نموذج وقدوة للبشرية، ومفهوم القدوة يحيل على شخصية تحمل قوة إدماجية كبيرة للأمة الإبراهيمية. أعطى سيدنا إبراهيم الخليل دروسا عديدة للعالم، حيرت الكثيرين وأضحت إنجازاته تتحدث عنه، والتي لم تقتصر على مجال واحد بل تنوعت، لهمته العالية وإصراره النادر، من بينها: الحكمة، والإنسانية، والقيادة، والإقدام، والتآزر، والكفاءة والاعتماد على النفس، ومواكبة للعصر. فمن خلال مسلك الفهم المتبادل والأخلاق المشتركة، والملاحظة الإسلاميّة واليهوديّة لقصة سيدنا إبراهيم وذريته يحصل القارئ على الفهم العميق والتّفكير باهتمام وبدقّة في الجذور الدّينيّة المشتركة. وفي الختام نكرر أملنا الكبير ونقول: عسى أن تتحقّق دعوات الكاتب إلى الحوار بين اليهوديّة والمسيحية والإسلام، على الأقل في المجال النّاطق باللّغة الألمانية، في انتظار تعميم هذه الوظيفة النّبيلة في عالمنا الإسلامي ضمن مراعاة التعددية.

---------------------------------------------------------------

تفاصيل الكتاب

الكتاب: إبراهيم- إسماعيل- إسحاق- أيوب: شخصيات قيادية لليهود، والمسيحيين، والمسلمين

الكاتب: محمد سمير مرتظى.

اللغة: الألمانية.

سنة النشر ومكانه: هامبورغ 2018.

دار النشر: tredition Verlag

أخبار ذات صلة