مفهوم المواطنة في الفكر العربي والإسلامي

 ناصر الكندي

يتحدث الكاتب رضوان السيد في مقاله "آفاق المواطنة في الفكر الإسلامي" المنشور في مجلة التفاهم عن أزمة المواطنة التي تواجه الدولة الوطنية  في العالمين العربي والإسلامي، ويعزو ذلك لعدة أسباب مثل الاضطراب الاجتماعي والسلطوي، والاضطراب العميق في مسألة الشرعية، وظهور تيارات الإسلام السياسي والآخر الجهادي، وهشاشة حركات المجتمعات المدنية والأحزاب السياسية، وأخيرا السياسات التدخلية من أطراف في المجتمع الدولي والإقليمي.

ويقوم رضوان السيد بالإشارة إلى مقومات مفهوم المواطنة من خلال ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتتمثّل هذه المقومات في قيمة الانتماء الوطني، وقيمة المساواة، وقيمة حق المشاركة في الحياة السياسية، وقيمة الحرية والديموقراطية. يؤكد الباحث على أن مفهوم المواطنة هو مفهوم حديث وغربي، ولا يعني ذلك أن المجتمعات الإسلامية لم تعرف الكيانات السياسية والدول، بل إن مبدأ المواطنة مرّ في أوروبا حتى اكتمل بقرون من التطوروالتطوير. وعليه مبدأ المواطنة مغاير لمفهوم الرعية عند الإسلامإذ أن الأخير يقوم على تبعية المحكوم.

ويطرح الباحث كيفية تناول المفكرين المسلمين الأوائل لمفهوم الدستور منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، فرفاعة الطهطاوي ترجم كلمة الدستور الفرنسي إلى شرطة تعريبا La charte، وتركه خير الدين التونسي في لفظه الفرنسي أي كونستيتوسيون، واستخدم العرب والأتراك المفردة الفارسية "دستور" في أواخر القرن التاسع عشر، وترجمه الإيرانيون عام 1906م بالمشروطة، ويذكر رضوان أن منهم من كان شجاعا في نسبة هذا المفهوم للغرب دون الإسلام مثل صاحب مجلة المنار محمد رشيد رضا.

ويشير الباحث إلىأن مفهوم المواطنة عند المفكرين المسلمين الأوائل اقترن بثلاثة أمور وهي ضرورة إقامة أنظمة جديدة، ويكون ذلك من خلال اشتراع دساتير، وإبراز التلاؤمبين ذلك والموروث العربي الإسلامي. وتنطلق تسويغات هؤلاء المفكرين في عدة اتجاهات منها إحياء مفهوم الشورى، وتأكيد فكرة المنافع العمومية، واتجاه تثقيفي وتعليمي. ورشيد رضا وضح أمرين في ذلك: أنها لا تناقض الموروث ولكنها غير مشتقة منه، وأن الإصلاح السياسي عماده الحكم الدستوري، واتخاذ الشورى بالصيغة الجديدة عنوانا له.

يسمّي الباحثحقبة العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين بحقبة التحولات، وذلك في التفكير الإسلامي بشأن الدين وبشأن الدولة في إدارة الشأن العام. ويتّسم هذا العصر بظهور جماعات الهوية التي خشيت على المجتمع من التغريب، فكانت هناك جماعات تجترح الثقافة من خلال الموروث، بينما انصرفت جماعات الهوية الدينية لطرح سؤال الشرعية للمجتمع والدولة. لقد اندلع الصراعإذن بين جماعة الملاءمة وجماعة التأصيل، والجماعة الأخيرة نحّت الأمة والجماعة بوصفها مصدر الشرعية وأحلت الشريعة محلهما. وقد ظهر ذلك واضحا في سيرورة نخب مسلمة بالهند كسبت جمهورا عظيما واتفقت مع البريطانيين على فصل الأقاليم ذات الكثرة الإسلامية وإقامة دولة باكستان عام 1947م لأنه لا ولاية لغير المسلم على المسلم.

وهناك أسباب أخرى عمّقت الهوة بين الجماعتين مثل قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين وهزيمة عسكرية على يد إسرائيل، مما أدى إلى الحكم على النخب العلمانية على أنها فاشلة وغير شرعية في عيون النخب الإسلامية. ويقوم الباحث في دراسة موقف النخب الإسلامية من ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وذلك من مواقف المجادلة والانفصال، وذلك أن الميثاق لا يخدم العالم العربي والإسلامي وخصوصا قضية فلسطين، كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يقضي أن حقوق الإنسان هي حقوق طبيعية ، بينما تنبع هذه الحقوق والواجبات من الشريعة والسنة. وبدأت تظهر الدساتير الإسلامية والتي تهتم بالفعل بتقييد سلطة الحاكم، إلا أن موادها الأخرى تهتم بإبراز ملامح النظام الإسلامي والشريعة التي تراها واجبة التطبيق، وهي هنا تهتم بالمفهوم الإحيائي والطهوري أكثر مما تهتم بالحقوق والمواطنة.

ويستطرد الباحث أنه في العقود الثلاثة الأخيرة ظهرت مئات الكتب وآلاف المقالات عن نظام الدولة الإسلامية، وظهر ركن جديد للدين وهو الدولة. وينوّه الباحث بأن مفكري الإسلام السياسي بنوا تأصيلهم ليس على الآيات بل على صحيفة النبي أو عهده أو كتابه بيثرب قبل تسمية المدينة. ويوضح الباحث على أن الفقهاء القدامى جميعا يذهبون إلى أن النظام السياسي مصلحي وتدبيري ولا شأن له بالاعتقاد، ويطرح رأي الماوردي في ذلك بأن الدولة لا تتدخل في الدين بل هي حارسة له. من جانب آخر، يميل رضوان السيد إلى عدم تحميل أهل الإسلام السياسي تبعات ظهور الجهاديين إذ أنهم انشقاقيون.

ويطرح الباحث في خضم هذه الإشكالات سؤالا هاما: من أين يجب البدء لإزالة أو تنحية هذه الإعاقات التي تحول دون عودة السوية الدينية والثقافية/ المجتمعية إلى المجتمعات والكيانات؟ ويجيب الباحث أن ذلك يكون في نقد مقولة أن الإسلام دين ودولة، والإصرار على أن الدين لا يمتلك مهمات سياسية تفرضها ثوابته، وظهور تجارب للحكم الصالح الرشيد تقع المواطنة في أساسها. ويسلّم الباحث مهمة نقد مقولة الارتباط بين الدين والدولة إلى علماء الدين والمؤسسات الدينية، لأن في ذلك صونا للدين عن المهالك واستنفاذا له من الانشقاقات العنيفة التي وقعت فيه نتيجة اندفاع بعض الشباب المتدينين في مسألتين: إنجاز دولة دينية، ومصارعة ما يسمونه فسطاط الكفر في العالم.

يختتم الباحث رضوان السيد مقاله بضرورة تنحية الدولة عن الدين وذلك لضمان استتباب الدين وعودة الفقهاء له بعد قطيعة بسبب الانهماك في تسييسه ، مذكرا بعدة انجازات هامة تخدم هذا المضمار مثل بيانات الأزهر الخمسة، ومبادرة الملك عبدالله لحوار الثقافات، ومبادرة "الكلمة سواء" في الأردن، ومبادرات العلامة ابن بييه السلمية والتصالحية، ومجلس الحكماء وأعمال الدولة والمؤسسات الدينية المغربية في ‘فريقيا وأوروبا، وأعمال دور الإفتاء المنطلقة في عدد من البلدان، وإعلاني بيروت للحريات الدينية وللإعلام الديني المستنير، والمؤتمرات المتكاثرة لمكافحة الإرهاب، ومؤتمر الأقليات في المملكة المغربية.

 

أخبار ذات صلة