الإصلاح الديني أم تجديد الخطاب.. نحو أنوار إسلامية

أسماء عبدالله القطيبي

يطرح الباحث صلاح سالم في مقاله (الإصلاح الدينى والتجديد الثقافي في المجال الحضاري العربي) بالنظر إلى واقع الإسلام اليوم وما يمر به من فترة ركود وتراجع سؤالا مهما وهو: هل نحن بحاجة لتجديد وإصلاح الخطاب الديني أم بحاجة لإصلاح وتجديد الفكر الديني نفسه؟، مبدياً رأيه حول ضرورة إصلاح الفكر الديني لا الخطاب نفسه، بالنظر لواقع الحال، ولتجارب مفكرين إسلاميين مثل حسن البنا والألوسي ومحمد عبده وغيرهم.

مرَّ الإسلام كفكر بفترة ازدهار في بداياته تبعها فترات تذبذب وصولا إلى الوضع الحالي من التراجع الواضح في الإنتاج الفكري الديني، وعدم القدرة على التعامل مع الحداثة وما أنتجته من روئ وأطروحات تعارض بعضها مع الدين أو تتصادم معه، وبالطبع فإن هذا التراجع خلق فجوة بين الخطاب الديني الذي بقي تقليديا وبين واقع العصر الحالي، ونتيجة لذلك ظهرت جماعات متطرفة من اتجاهين متعاكسين، جماعات رفضت الدين بكليته وجماعات تشبثت بالموروث بحرفيته ومنها ظهرت داعش وجماعات القتل والتفجير. ومع هذا الوضع الجديد وجد المفكرون الإسلاميون أنفسهم في وضع حرج يتطلب منهم خلق ميزان وسطيينقذهم من هذا المأزق؛ فتبنى كثير منهم مشروع " تجديد الخطاب الديني" الذي ركزوا فيه على إظهار مقاصد الشريعة وروح الدين أكثر من الاهتمام بالفقه والشعائر والشكليات.

يعتقد صلاح سالم أن محاولات تجديد الخطاب الديني محاولات غير مجدية في الوقت الحالي؛ كون أن الخطاب يتطلب الإفصاح عن واقع، والواقع لا يبدو مشجعا،أما الحديث بمبالغات ومثالية تستجدي تاريخ فجر الإسلام وبطولاته فهو خطاب يفتقدالمصداقية، وإن أحدث تأثيرا فتأثيره محدود، خاصة أنه وبالنظر للخطابات المتصدرة في المشهد الإسلامي فسنلحظ أنها تلجأ لأسلوب السجال والرد على المعارضين، وخطابات إقصاء الآخر والرد على افتراءاته، وهذا عموما شأن المهزوم، حيث ينشغل بالدفاع عن نفسه بدل العمل على مشروعه الخاص؛ كونه يشعر بالدونية والتهديد. ومن وجهة نظر شخصية، فإن هذا المشروع وحده غير كاف في الوقت الراهن، وإنما يجب أن يكون جزءا من مشروع أكبر يستهدف الشباب ويلامس واقعهم، بحيث يزحزح تلك التصورات التي غرسها رجال الدين التقليديون في عقولهم، ويقدم الإسلام كمدخل للحضارة لا عائقا في تقدمها.

كما تحدث الباحث صلاح سالم في مقاله "الإصلاح الديني والتجديد الثقافي في المجال الحضاري العربي"عن الأصولي الانتهازي، وهو -كما يعرفه- المتدين الذي يستفيد من إمكانيات العصر الحالي، ويوظفها لصالح أفكاره التقليدية وللنيل من المجتمعات التي تحتضن الحداثة وتنتج أدواتها، وبرأي صلاح سالم فإن الأصولي الجديد استطاع أن يكون لنفسه هوية متناقضة تقبل التنوير في جانبه المادي، وترفضه في الجانب الفكري، كما تقبل بالعلمانية في التشريعات السياسية لكنها ترفضها بمعناها الوجودي. ويمكننا أن نجد هذا النموذج اليوم حاضرا بقوة في الفضائيات والإعلام والندوات التي تنظمها المؤسسات الدينية لمناقشة قضايا العصر، حيث نجد المظهر الحداثي في المكان والهندام وحتى المصطلحات، بينما الخطاب نفسه هو ذات الخطاب القديم بالعقلية التقليدية غير القادرة على تحريك النصوص أو النظر الأعمق من التفسير اللغوي فيها، دون مراعاة تغير الحال وتطور العلوم والحياة وتبدلها لأنماط جديدة. أستحضر هنا اقتباسا للكاتب هاشم صالح أورده في مقدمة كتاب معضلة الأصولية الإسلامية حيث قال:" ...وقد حصل اغتصاب للمفاهيم والمصطلحات في الآونة الأخيرة، فالحزب الأصولي التونسي مثلا يدعو نفسه باسم "النهضة" بدلاً من أن يدعو نفسه باسم حقيقي مطابق له:أي حزب المحافظين أو التقليديين". وهو مايشير إلى أن التبديل في المصطلحات جاء بمقتضى تغيير القشور، بينما جوهر الخطاب هو نفسه، سواء في الخطابات الفكرية المحضة أمالخطابات الدينية/السياسية إلا لندرة قليلة من المفكرين والجماعات التي استطاعت انتشال نفسها ودعت لمشاريع إصلاح جريئة.

وبالطبع فإنَّ الدعوة لتجديد الفكر الديني أمر ليس بالهين، ولا يتوقع أيٌّ من دعا إليه الحصول على تأييد مؤسسي أو مجتمعي، بل إن العكس هو ما يتوقع حصوله، بداية بالاتهام بالكفر والإلحاد، مرورا بالتشكيك في الأهداف وتغليب نظرية المؤامرة، وانتهاء بالتعرض للأذى كالسجن والاغتيال.كما يكمن خطر مثل هذه الدعوات في عدم فهم من يتبنونها لها بشكل كامل فيحورون مبادئها لتصبح لاحقاً حركات سياسية أو يتم تطويعها من قبل بعضهم للأفكار السلفية دون وعي مما يعيدها إلى نقطة الصفر.ولعل ذلك بسبب أن الغالب من المفكرين يؤمنون بأن الدين هو الحل وأن الإسلام بالذات يملك الحقيقة دون غيره، وبالتالي فهم يحشرونه في السياسة والاقتصاد والعلوم وجميع المعارف ويهمشون دوره في التكريس الأخلاقي والتهذيب الروحي.

إن الإصلاح الفكري مهمة شاقة تتطلب من المؤسسات الدينية مساندتها، كونها تمتلك التأييد الشعبي والسيولة المادية اللازمة لتبني برامج وسياسات على نطاقات واسعة ولكافة فئات المجتمع، كما يطلب منها الاستفادة من المفكرين الشبان، واستشارتهم في معضلات العصر،والبعد عن عقلية الإفتاء القديمة التي تمجد حفظ النص دون فهمه، وتحض على ممارسة الشعيرة دون فهم أبعادها الروحانية. كما يتطلب من الدولة الكف عن استخدام الدين في تمرير القرارات السياسية، وإن حصل ذلك ذلك فسيكون بداية مخاض عسير نحو التنوير الذي سيكون شاقا على الجميع لكنه سيحدث ذات الأثر الذي أحدثه التنوير الغربي، وسيكون واحدا من أهم الحلول التي ستضم الدول التي تدين بالإسلام إلى ركب الدول المتحضرة.

 

أخبار ذات صلة