الهند ما بعد 2020: رؤية مستقبلية

322759.jpg

تأليف: أبو الفخر زين العابدين عبد الكلام وياغناسوامي سواندار راجان

عرض: رضوان السيد

مُؤلِّفا الكتاب هما: أبو الفخر زين العابدين عبد الكلام (1931-2015) وهو من العلماء العباقرة في الهند وكان مسؤولاً عن تطوير أول مركبة إطلاق قمر اصطناعي هندي، وعن تطوير الصواريخ الإستراتيجية وتشغيلها. وهو من الرواد الذين أعدّوا "رؤية الهند 2020"، كخارطة طريق لنقل البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة اقتصاديًّا بحلول 2020. تولى رئاسة جمهورية الهند بين عامي 2002 و2007.

ياغناسوامي سواندار راجان هو من العلماء المعروفين في مجال تطوير التكنولوجيا وإدارة التجارة. وكان أستاذاً ممتازاً فخرياً في قسم الفضاء لدى المنظمة الهندية للبحوث الفضائية في مدينة بنغالور. وهو رئيس هيئة مديري المعهد الوطني للتكنولوجيا.

 

ويقول المهاريشي باتانجالي وهو أحد الزهاد الهنود قبل 2500 سنة: "عندما يلهمك هدف عظيم أو مشروع استثنائي، فإن أفكارك جميعها تكسر قيودها، ويتجاوز عقلك حدوده، ويتسع وعيك في الاتجاهات كلها. وتجد نفسك في عالم جديد وعظيم ومدهش. وتنفخ قواك وقدراتك الهاجعة روحاً، فتكتشف أنك شخصية أكبر بكثير مما كنت تحلم بأن تكونها".

ويتساءل الكاتبان: لماذا لا ينظر قادتنا الحاليون والمستقبليون وبخاصة الـ600 مليون من الشباب الأقوياء يومياً إلى هذه الرسالة الملهمة الرائعة التي تركها هذا القديس العظيم للهند وللعالم بأسره؟فإذا قال كل مواطن: "أنا أستطيع أن أفعل هذا الأمر"، فإن ذلك يكون ناتجاً عن قولنا جميعاً "نحن نستطيع أن نفعله"، ما يؤدي أخيراً إلى القول "إن الوطن سيفعل ذلك"!

يقول عبدالكلام في مقدمة الكتاب إن الكتاب يتضمن 15 باباً مع تفاصيل مكثفة حول دفع الوطن من تقدم إلى آخر عن طريق إنجاز الأعمال الكبيرة في مجال الصناعات والخدمات والزراعة. ويضيف أن بلاده لا يعوزها أي نقص في الخطط وإنما يعوزها الوصول إلى الطرق الصحيحة لتنفيذ هذه الخطط واكتشاف سبل إيصال المنافع إلى الشعب الذي تمت لأجله صياغة هذه الخطط.

والتحدي القائم اليوم أمام الهند وأمام كل دولة يتمثل في الواقع بوصول الإصلاحات والمنافع إلى العدد المستهدف من السكان، ولا بد من صياغة إطار لنظام تنمية مستدامة على غرار مشروع توفير المرافق الحضرية الذي تجذر في المناطق الريفية في الهند. والمطلوب من المشروعات البحثية ومنتطبيقها معرفة كيفية وصول منافع التنمية المستدام إلى المُستهدفين من السكان في الهند حيث تم تطوير نظامين فريدين؛ هما: "هرم مجتمع المُستخدِمين" و"رادار التنمية الاجتماعية". فالأول هو حل متكامل مبني على التكنولوجيا وتطبيقاتها للتنمية المستدامة مع المستخدمين المحتملين في أسفل الهرم. ويجب أن يكون البحث مركزاً على مجالات المياه والطاقة والتلوث والتنقل والتنوع البيئي.

أما النظام الثاني، فهو يستعرض ويراقب كيف استفاد مجتمع المستخدِمين من هرم مجتمع المُستخدمِين. وتعني التنمية المستدامة نهج التنمية البشرية الذي يهدف إلى استخدام الموارد لتلبية الاحتياجات البشرية مع حماية البيئة، بحيث تُلبى هذه الاحتياجات من دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تحقيق أهدافها. وقد شهد العالم تطوراً سريعاً في الحقول كافة، لكن بسبب تقلّص الموارد الطبيعية والنمو السكاني (أكثر من 7 مليارنسمة في العالم حالياً)، فإن من الضروري اليوم التفكير بتنمية جوانب أساسية في الحياة تنمية مستدامة وفي جميع قطاعات الاقتصاد.

ويرى الكاتبان ضرورة الاستفادة من شبكات المعلومات والاتصالات المختلفة، كالأقمار الاصطناعية للاستشعار عن بعد والاتصالات والمتحسسات الأرضية وأنظمة الرحلات وجميع البيانات، وتحليل هذه المعلومات وتقديمها إلى الناس في الأرياف الذين يبلغ عددهم نحو 3 مليارات نسمة على مستوى العالم بغية تحسين مستوى معيشتهم.

ويقوم تصور الباحثين لهيكلية هرم مجتمع المُستخدمِين بربط العناصر التالية:

1- الموارد الطبيعية.

2- المعلومات والاتصالات.

3- التقارب التكنولوجي.

4- نموذج التجارة الإلكترونية.

5- التطبيقات.

6- المُستخدمِين.

وهناك مبادرات وطنية عديدة في الهند تعمل بمساعدة التكنولوجيات للاحتفاظ بالبيئة وتحقيق التنمية المستدامة؛ منها:

- استدامة المياه الصالحة للشرب والري.

- تخفيض التلوّث البيئي باستخدام التكنولوجيا وأفضل الممارسات.

- تبني المزيد من موارد الطاقة القابلة للتجديد لتخفيض الاعتماد على الوقود الأحفوري.

- تدبير المواد المتنقلة كي لا تؤثر في البيئة والصحة.

- إثراء التنوع الحيوي لجلب السلام والازدهار الاقتصادي للأمة.

والهدف من هرم مجتمع المُستخدمِين هو تركيز هذه المبادرات على الفائدة المستدامة لمجتمع المُستخدمِين. وعناصر هذا الهرم كالآتي:

* أسفل الهرم: يسمى المستخدمون بـ"أسفل الهرم" في هرم مجتمع المُستخدمِين. وهم الرابط الأساس للأنشطة الاقتصادية كافة ولجميع المستفيدين من التنمية المستدامة.

* الموارد الطبيعية هي أساس التنمية المستدامة مثل البر والبحر والأنهار والجبال والغابات والتغير المناخي. وينبغي الحفاظ على هذه الموارد وتخفيض التلوث البيئي الذي يؤدي إلى الاحتباس الحراري.

* التقارب التكنولوجي: تقدم لنا الابتكارات العلمية والتكنولوجية والحيوية والنانوية والتطبيقات الصالحة للبيئة والأنظمة المتعددة للمياه والطاقة والبيئة وإدارة النفايات والتلوث والتنوع البيئي ورعاية الصحة حلولاً لتوفير التنمية المستدامة. ويجب أن نضمن وصول هذه التكنولوجيات إلى مجتمع المُستخدمِين عبر استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وعبر تطوير نموذج التجارة الاجتماعية.

* المعلومات والاتصالات: بلغ تجميع المعلومات وتوليدها ونشرها عن طريق الشبكات الاتصالية وتكنولوجياتها من خلال تشبيك الأرض والقمر الاصطناعي، أبعاداً جديدة بفضل تقارب التكنولوجيات والجغرافيا المكانية التي تساعد على مراقبة الموارد ومتابعتها، والتخطيط لتحسين البيئة وإثراء التنوع الحيوي، بحيث تتحول المعلومات الغنية وتحليلها إلى معرفة.

* النموذج التجاري المجتمعي: يتم استخدام البيانات والمعلومات لتطوير النموذج التجاري المجتمعي ولكي يصار إلى استخدام نتائج بحوث التقارب التكنولوجي في سبيل التنمية البشرية المستدامة، من خلال حمل التكنولوجيا إلى المستخدمين لخلق أنظمة تنمية مستدامة، وابتكار تطبيقات اجتماعية اقتصادية من النموذج التجاري المجتمعي الفريد الذي سوف يعزز المستخدمين ويقويهم مثل الفلاحين وصيادي الأسماك والعمال المتدربين والناس في الأرياف.

* رادار التنمية الاجتماعية: إن هدف إنشاء رادار التنمية الاجتماعية هو استعراض كيفية إفادة هرم مجتمع المُستخدمِين ومراقبة ذلك. ويعتمد منهج الباحثين الهنود حول رادار التنمية الاجتماعية على ثماني صفات ذات أهمية لبناء مجتمع سعيد ومزدهر وآمن؛ هي:

1- الوصول إلى الغذاء والتغذية.

2- الوصول إلى المياه الصالحة للشرب والري، والصرف الصحي.

3- الوصول إلى الرعاية الصحية.

4- الوصول إلى توليد الدخل.

5- الوصول إلى التعليم وبناء القدرات.

6- الوصول إلى جودة الطاقة وتطبيقات تكنولوجيا الاتصالات.

7- تجنّب النزاعات الاجتماعية.

8- الوصول إلى الخدمات المالية.

يجب على المجتمع العلمي والتقني إعادة التركيز على كيفية استخدام التكنولوجيا في القرن الحادي والعشرين أثناء حل المشكلات، وعلينا التفكير بالكيفية التي يمكن من خلالها للتقارب التكنولوجي المتاح لدينا حل بعض مشكلات سكان الأرياف في العالم الذين يبلغ عددهم ثلاثة مليارات، وكيفية مساعدتهم على إطلاق إمكاناتهم من أجل حياة بشرية أفضل، ومن دون إتلاف البيئة من حولنا. وهذا تحدٍّ رئيسي وعاجل، وعندما يتم إنجازه لا بد أن يقلص الفوارق الطبقية بين الغني والفقير وبين الحضر والريف. فأفقر الناس في العالم يدفع تكلفة عالية لكل واحدة من المرافق الأساسية مثل المياه النظيفة والأطعمة المغذية والرعاية الصحية.

وللتغلب على هذه التحدي الكبير، هناك ثلاثة مناهج عمل أمام الاجتماعيين الهنود:

أولا: المساعدة على تحديد وضعية المياه الصالحة للشرب في المنطقة من خلال توفير المعلومات الخاصة عن المياه الجوفية وأوضاع التلوث، وأنواع الأمراض المنقولة بالمياه، وبيانات الاستخدام.

ثانيا: المساعدة على تحديد "النقاط الساخنة" لتوليد الطاقة المحلية، بما فيها الطاقة من النفايات ومن الوقود الحيوي، الذي يمكن تنميته في الأراضي المقفرة ومصانع الهيدرو على المستوى الصغير.

ثالثا: ينبغي للتكنولوجيات المصمّمة للتنمية المستدامة في المناطق الريفية أن تمتلك قوة لتعزيز إمكانية توظيف السكان الريفيين.

 

الهند في 2014

كان يوم 27 مارس 2014 يوماً عظيماً بالنسبة إلى الهند، لكن للأسف لم يلاحظه أحد تقريباً.فبفضل عقود من العمل الشاق الحكومي والمحلي والبلدي تم انجاز مشروع استئصال شلل الأطفال من الهند.

ولا تزال دول عديدة في العالم غير قادرة على استئصال هذا المرض بينها دول مجاورة للهند. ويبقى التحدي هو الحفاظ على هذا الإنجاز.

وفي الهند نفسها، وفي العام 2014، يموت نحو 1.5 مليون طفل بمرض الإسهال، وكان يمكن تجنب هذا المرض بسهولة عن طريق تحسين الأوضاع الصحية وتزويد الأطفال والأسر بالسكن الأفضل وتوفير المياه النقية للشرب لهم. لكن هذه المهمة تستغرق وقتاً أطول من إدارة حملة استئصال الشلل.

ويقول الكاتبان إنه في العام 1995 أفاد نحو 5000 خبير ومتخصص في نواحي الحياة المختلفة مجلس التكنولوجيا والمعلومات والتنبؤ والتقييم بأن الهند مستعدة للنهوض باستغلال قوة مواهبها في الموارد البشرية والطبيعية كقوة اقتصادية وإستراتيجية عظيمة. وكانت الهند آنذاك لم تدخل العولمة بعد ولم تحرر اقتصادها إلا في عام 1991 وكانت اتصالات الهند العالمية محدودة.

ولم يتمتَّع المواطن الهندي بنمو اقتصادي عالٍ أبداً بسبب البيروقراطية الحكومية الممتدة على مدى أربعة عقود. وكان مستوى المعيشة للطبقة الوسطى والفقراء منخفضا جداً. وخلال المناقشات في الرؤية التكنولوجية الهندية للعام 2020، وقعت مناقشات ساخنة، حيث اعتبر معظم الخبراء الاقتصاديين نسبة 5 بالمئة من النمو نموًّا أكثر طموحاً. لكن يقول الكتاب إنهم خططوا وحددوا، في كتابهما الصادر في العام 1998 بعنوان "الهند 2020: رؤية للألفية الجديدة"، توقعات عمومية للهند تحولت إلى أعلى بكثير في النهاية؛ لأنه لم تكتشف كامل إمكانات الهند بعد استقلالها لعقود من الزمن، وبسبب أن معظم الذين شاركوا في الرؤية الاقتصادية كانوا قد كبروا خلال عهد الاقتصاد المخطط ولم يفهموا جيداً مدى قوة تحرير الاقتصاد التي كانت لتحرر اقتصاد البلاد لقوى السوق والعولمة، والتي كانت تسمح لقوى السوق من البلدان الأخرى أن تشارك في الاقتصاد الهندي.

اشتملتْ العناصر الأساسية للنمو الاقتصادي على النمو في القوى التكنولوجية في فئات الاقتصاد جميعها؛ مثل: الزراعة والتعدين والصناعة والبنية الأساسية والخدمات، وقام القطاع الإستراتيجي بدور مهم في النمو. لكن كل ما عمله المخططون في ممارسة الرؤية 2020 هو إعطاء الهنود طريقة جديدة للتفكير، حيث بعد قراءة كتابهم عن هذه الرؤية، فإن معظم الهنود بدأوا يؤمنون بأن الهند قد تصبح دولة متقدمة بحلول 2020، حتى بدأ البعض يستخدم تعبير "القوة العظمى" للهند.

 

الهند في العالم

تُعتبر الهند اليوم أكبر منتِج للحليب في العالم؛ إذ تُنتِج 105 ملايين طن سنويًّا، وهي ثاني أكبر منتج للفواكه والخضراوات (150 مليون طن سنوياً)، وثالث أكبر منتج للحبوب الغذائية (230 مليون طن سنويًّا)، وثالث أكبر منتج للأسماك (7 ملايين طن سنويًّا). وخلال إعداد الرؤية 2020 كانت الهند تحتل الدرجة الثانية في إنتاج الحليب.

لقد نَمَا الإنتاجُ الزراعي منذ العام 1995، ويُمكن أن يؤدي القطاع الزراعي دوراً أكبر، ولا يمكن محو الفقر في الهند، إلا إذا نال الفلاحون وعمال المزارع دخلاً جيداً، حينئذ تصبح حياتهم مزدهرة.

كما حقَّقت الهند نموًّافي التعدين وإنتاج الفولاذ والألمنيوم، لكنها لا تزال متراجعة في انتاج الطاقة الكهربائية نسبة إلى عدد سكانها (1.2 مليار نسمة) ومقارنة بدول أخرى.

وأصبحت الهند في قائمة الدول العشر الأولى بحسب الناتج المحلي الإجمالي، بينما كانت في المرتبة الخامسة عشرة في العام 1996. ويطمح الكاتب إلى أن تصل إلى المرتبة الخامسة أو الثالثة، لكن بسبب الركود المحلي والمشكلات الداخلية لم تصل بعد إلى هذه الدرجة.

لكن، لماذا الصين تمكنت من الوصول إلى المرتبة الثانية عالميًّا - بحسب الناتج المحلي الإجمالي؟

الإجابة هي أنَّ الصين قد أهلت شعبها للعمل في الصناعة والزراعة والخدمات ذات القيمة المضافة. كما تحتل اليابان درجةً عُليا في القائمة مع أن عدد سكانها يقدر بنحو عُشر عدد سكان الهند، وهي على الرغم من المشكلات الخطرة التي تعرقل نموها الاقتصادي وبعضها بسبب أن ثلث سكانها من المسنّين، لكن كل ياباني يعمل في سبيل القيمة المضافة للاقتصاد. ويتساءل الباحثان متى تستحق الهند أن تصل إلى معايير مثل هذا العمل الإنتاجي ذي القيمة المضافة للقوى العاملة الهندية؟

 

الاقتصاد بعد التكنولوجيا

أدى النمو الاقتصادي السريع والانتشار التكنولوجي في المجتمع في الكثير من الدول إلى النمو السريع في الطبقة المتوسطة. وأصحاب هذه الطبقة هم الذين يمتلكون الدخل الأفضل توافراً، واحتياجاتهم تزيد على الشعارات الشهيرة القديمة "الخبز والثوب والمسكن".

وأدى التحرير الاقتصادي والعولمة في الهند بعد العام 1991 إلى نمو سريع للطبقات المتوسطة. وكان لهذا النمو السريع في فرص العمل ذات الرواتب الجيدة أثر تعاقبي في الاقتصاد. إذ بدأ الناس بشراء السيارات والدراجات النارية والأغذية المصنعة وأفضل الملابس والأحذية الخ، أي السلع الاستهلاكية مع خيارات متعددة.

وفي السابق، كانت معظم السلع اللازمة مقننة وكانت الخيارات قليلة ومحدودة. وكانت امتيازات الوصول من خلال الاتصالات والتوصيات ذات أهمية أكبر. لاحقاً مع تحرير الاقتصاد شعر المواطنون أنهم أصبحوا مواطنين في دولة متقدمة مع فرص الوظائف والدخل الأفضل. وكان الآباء مستعدين للتضحية ببعض كمالياتهم في سبيل توفير التعليم الجيد لأولادهم. وكان هذا هو السبب في تسجيل الطلاب بأعداد كبيرة في المدارس في مستوى الثانوية العامة، ثم في فروع الهندسة والطب والتجارة والاقتصاد في الجامعات في القطاع الخاص، حيث دفع الآباء الرسوم المتصاعدة في مقابل الخدمات.

لكن ليس هناك من حل وحيد يمكن تنفيذه لحل المشكلات جميعها؛ فالحياة معقدة والاقتصاد معقد والعمليات التكنولوجية تتقدم بشكل مُؤثر وبأسلوب معقد. لذلك؛ فإن حل المشكلات التي يواجهها البلد متعددة الأوجه. فقضية الفساد حلولها ليست بسيطة ويجب على السلطة التنفيذية اتخاذ القرار بشأنها وهو القرار الذي يكون اتخاذه غير عادي ولا يمكن تبسيطه.

بعد رؤية 2020 بدأت الهند تسير نحو المستقبل وتتقدم. وما زالت القوة الأساسية للاقتصاد الهندي والموارد الوطنية والقدرات البشرية باقية والسكان الشباب هم فائدة تنافسية إضافية إذا تم إعدادهم وتوجيههم جيداً.

 

التعلّم من الفرص الضائعة

تحظَى الهند بموارد طبيعية رائعة من بزوغ الشمس على مدار السنة وتربة صالحة للزراعة، وشعب مطواع وذي ذكاء فكري، إذ يتعلم الهنود بسرعة فائقة ويتكيفون مع التغيرات بسرعة. وقد تناول كتاب الهند عام 2020 تحويل الإمكانات الهندية إلى حقائق.

من الفرص الضائعة: مسألة الإلكترونيات التي بدأ بعض المنظرين الهنود يعتبرونها منذ الستينيات عنصراً مهمًّا للمستقبل. وقام فيكرام سارابهاي بإنشاء دائرة حكومية مركزية للالكترونيات في سبعينيات القرن العشرين. وكان للهند في ذلك الوقت دور في صناعة إذاعة جديدة بصمامات إلكترونية وكانت هذه الصناعة الهندية مساوية أو أفضل مما كانت عليه في كوريا الجنوبية. وكان الهنود يسرعون في إنماء الإلكترونيات، فكانت الصناعات الجديدة والمنتوجات الجديدة مثل الدارات المتكاملة ICs آخذة في الظهور في تلك الأيام.

في ستينيات القرن الماضي، قام معهد ناتا للبحوث الأساسية ببناء جهاز كمبيوتر قائم على صمامات، وكان واحداً من المجموعات الأولية لأجهزة الكمبيوتر في العالم. كان ذلك إنجازاً كبيراً كافياً ليتم الإبلاغ عنه في السلسلة السنوية من الكتب التي تسمّى بالـ"تقدم في الإلكترونيات" وكانت لها تغطية إعلامية.

أما اليوم، فإنَّ الإلكترونيات الدقيقة والدارات المتكاملة هي بمنزلة الدم واللحم والعظم لأجهزة الكمبيوتر وصناعة تكنولوجيا المعلومات (تقنية المعلومات). لكن بحلول 2020، تتوقع الحكومة الهندية أن تستورد السلع الإلكترونية التي تقدر قيمتها بنحو 300 مليار دولار أميركي. ويسأل الكاتبان: ماذا حدث لصناعة الإلكترونيات في الهند؟

ويجيب أنه منذ سبعينيات القرن العشرين، لم تسمح الحكومة الهندية للشركات الأجنبية التي بدأت للتو تصنيع الدارات المتكاملة بإنشاء مرافق لها في الهند، من خلال سلسلة من التدابير السياسية والعقبات الإجرائية، ولم تبذل محاولات جادة لإنتاج حواسيب رئيسة داخل الهند، سواء بتعاون أجنبي أو من دونه، بحجة الاعتماد على الذات.

الآن، هناك إفراط في الإلكترونيات الدقيقة في العالم، وأصبحت الصين وتايوان من المحاور العالمية، لكن الفرصة فاتت الهند. لكن عزاء الهنود الوحيد أن "لديهم الموهبة والخبرة في التصميم، ليس لأجزاء من الرقاقة فحسب، بل في صنع الرقاقة كاملة"، حيث قامت شركة "تكساس انسترومنت" بتصنيع الرقاقة الكاملة للهواتف النقالة في منشأة في بنغالور.

لكن كان يمكن للهند أن تدخل تصنيع الإلكترونيات الدقيقة والكوبيوترات باكراً وتوفر استنزاف احتياطات النقد الأجنبي في شرائها من الخارج. كذلك يأتي الإهمال الكلي لقطاع الصناعات بأكمله وكان تأثير ذلك أكثر تدميراً، والعديد من مشكلات الاقتصاد والبطالة على نطاق واسع هي من نتائج هذا التفكير غير الحاسم الذي استمر عقوداً عدة.

ازدهرت تكنولوجيا المعلومات في الهند في منتصف التسعينيات بالاستعانة بمصادر خارجية لمشروعات الشركات الأميركية في الهند، وهو العمل الذي ضم عدداً كبيراً من العمال المهرة. فمن ميزات الهند التي تميزها عن البلدان الأخرى وجود شعب فيها ينطق باللغة الإنجليزية بطلاقة ووجود قوى عاملة من الشباب بعدد كبير، ووقوع الهند على الطرف الآخر من الكرة الأرضية من الولايات المتحدة، فعندما يغلق الموظفون في أمريكا مقرات أعمالهم في آخر اليوم، يكون الصباح في الهند قد طلع، ويحين الوقت للعمال الفنيين في الهند لبدء أعمالهم، بحيث تستمر الأعمال التجارية بسرعة الضوء.

كانت فرصة العمل هذه جيدة جدًّا للهند، فانتهزتها ووفرت كليات الهندسة في القطاع الخاص أغلبية القطاع العريض من الشبان والشابات المهرة الذين يتولون المهمات في وظائف تكنولوجيا المعلومات. وكان للدخل الجيد تأثير كبير في حياة الشباب واستهلاكهم، وتم استحداث وظائف جديدة. وكان هذا النمو جديراً بالترحيب.

لكن تمَّ إهمال التصنيع من مشروعات دقيقة وصغيرة ومتوسطة الحجم وحتى شركات التصنيع الكبرى، فيما جاء نمو قطاع السيارات والمستحضرات الصيدلانية لإرضاء مفخرة الهند في التصنيع. وتضاءل قطاع الأدوات الآلية الذي هو في صميم التصنيع، والهند الآن تعتمد على الواردات في ذلك، بعكس الصين التي أضحت تحتل مرتبة عالية في صادرات هذه الأدوات الآلية.

كما ينتقد الكاتبان ركود التصنيع، وهي أكبر قصة للفرص الضائعة حيث رفعت أصوات التحذير بشأنها منذ مطلع القرن الحادي والعشرين وذهبت كلها سدى. وقد أثر ذلك سلباً في نمو العمالة والاستثمار وفي الصادرات كذلك، وخلقت هذه الظاهرة فجوة كبيرة بين الواردات والصادرات الهندية؛ مما أدى إلى أزمة النقد الأجنبي.

--------------------

تفاصيل اكتاب

- الكتاب: "الهند ما بعد العام 2020: رؤية مستقبلية".

- المؤلف: أبو الفخر زين العابدين عبد الكلام وياغناسوامي سواندار راجان.

- ترجمة: د. صهيب عالم.

- الناشر: مؤسّسة الفكر العربى، 2019.

 

أخبار ذات صلة