ماذا يقول التاريخ عن قاشان إيران؟

فاطمة بنت ناصر

إن وصف المكان لا يقل أهمية عن وصف الأحداث ، بل إنه قد يفسر بعضها ويوضحه وينفيه ويؤكده. و  بلاد فارس كانت  على مر الزمان ذات حضارة راسخة أكدت على وجودها الكثير من الدلائل من آثار وحرف و عمارة و مؤلفات مكتوبة. وهي تسبق الحضارة العربية بعشرات القرون، ولا نبالغ إن قلنا أن الحضارة العربية استفادت من التجربة الفارسية في كثير من شؤونها، وهذا نتيجة طبيعية للتواصل الحضاري الذي حدث بين الأمتين.

قد نعرف القليل عن سلمان الفارسي وقد نعرف قصة التقويم الهجري الذي سنه عمر بن الخطاب حين وجد العجم يؤرخون رسائلهم وهناك العديد من الأحاديث النبوية التي تشيد بالفرس منها قوله - صلى الله عليه وسلم- : ( لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء ) وكان النبي يضع يده على سلمان الفارسي. ورغم تقدم الفرس الحضاري الذي استنفدنا منه في وقت من الأوقات إلا إننا نعيش اليوم في شبه قطيعه ثقافية بيننا وبينهم ويكاد الذين يعرفون عن بلاد فارس محصورين في طائفة معينة للأسف.

إن المقال الذي سنلخصه هنا سيلقي الضوء على واحدة من أهم المدن الفارسية من الناحية التاريخية وهي مدينة قاشان أو أصفهان أو أصبهان كما تكتب في بعض المصادر ولكن للتحديد فإن قاشان في الأغلب مدينة تقع شمال أصفهان الكبيرة . و المقال كتبه هاينزغاوبه.

 

قاشان  قبل الإسلام

 

إن الحضور التاريخي لأي مدينة يوثقه أمران:

١- الآثار المادية الأركيولوجية  و ٢- المصادر المكتوبة

أما عن حضور مدينة أصفهان الأثري فهو ضارب في القدم ويعود إلى ما قبل التاريخ والتدوين. و أهم الشواهد على ذلك موقع ( تيبي سيالك) الذي به (زيغورات) وهو جبل بناه الإنسان ليقيم عليه معبدا ويعود إلى مايزيد عن ٥٠٠٠ عام ، بالإضافة إلى منطقة سكنية تعود إلى ٥٥٠٠- ٦٠٠٠ عام.

غير أن الآثار المكتوبة لحقبة ما قبل الإسلام تكاد تكون معدومة. ولكن الآثار للحقبة الساسانية شاهد على ذلك التاريخ كآثار بقايا معابد النار، ولاتزال نقوش النقود والتوقيعات غير معروفة حتى اليوم.

 

قاشان بعد الإسلام

 

ذكر هذه المدينة العريقة العديد من الجغرافيين المسلمين أهمهم : الإصطخري وابن حوقل و المقدسي، و أهم ملاحظاتهم حول هذه المدينة:

  • الإصطخري يقول " مدينة صغيرة وأغلب بيوتها مبنية من الطين" وقد يقصد مدينة أخرى وليس أصفهان حيث يذكر ياقوت الحموي أن قاشان مدينة قرب أصفهان.
  • ابن حوقل : " مدينة مهمة ذات عائد مكوس مرتفع ".
  • المقدسي : " مدينة كبيرة الرسم وقديمة الاسم " ويذكر أنها مدينة مزدهرة - بها قنوات مياه مكشوفة وأخرى تجري تحت الأرض. العقارب مما تشتهر به هذه المدينة وقد استخدمها أبو موسى الأشعري عند فتح المدينة فرمى جرارا بها عقارب في الحصون، آذتهم فاستسلموا.
  • ياقوت الحموي : يذكر أن أهل  قاشان  كلهم من الشيعة الإمامية مشهورون بالصناعات الخزفية المدهونة.
  • حمدالله المستوفي القزويني - جغرافي فارسي- كان آخر شرقي يكتب عن قاشان في العصر الوسيط  : ذكر بأن قاشان شيدتها زبيدة زوجة هارون الرشيد و ذكر بإعجاب معمار قصر ( فين).

 

قاشان في كتابات الغرب

من أوائل من زارها مبعوثان أوروبيان يوسوفا و كانتاريني عام ١٤٧٤ م و أبرز ملاحظاتهما عنها :

  • أهلها يصنعون الحرير والأثواب بكميات كبيرة  ويشتريه الدوقات بمبالغ كبيرة  ( جمع دوق ) . وهي مدينة محصنة مترامية الأطراف.
  • السير توماس هيربرت ( ١٦٢٨-١٦٢٩) : قاشان مدينة عظيمة يهتم بها شاه عباس الأول بشكل كبير. ويذكر أنها مشهورة بالعقارب التي تتوالد بكثرة فيها. بها سوق فسيح يحتوي على منتجات الحرير والصوف. الناس حرفيون مهذبو السلوك يعتنون بلباسهم. فنادقها ومبانيها ذات عمارة أخاذه خاصة الفنادق التي شيدها شاه عباس للمسافرين ليستريحوا بها دون مقابل.
  • آدم أولياريوس ( ١٥٩٩- ١٦٧١) : يذكر أيضاً جمال المعمار والحدائق. كما يذكر أن الناس ينجبون العديد من الأبناء لهذا يعملون ويكدحون وتسمع الناس في الأزقة يحكون قصصاً عن : العناكب و العقارب و عن علي وعن عمر.
  • تافرنيي بائع مجوهرات فرنسي زارها (١٦٣١ - ١٦٦٨م) : ذكر وجودا كبير لليهود في قاشان حيث يبلغ عددهم ١٠٠٠ أسرة. وهي تنتج أجود الفواكه والخمور. من صفات الفرس التي تشبه الأتراك: عادة بناء الجديد عوضاً عن صيانة القديم.
  • شاردان (١٦٤٣-١٧١٣ ) تاجر مجوهرات: يذكر أن بالمدينة ٦٥٠٠ بيت و ٤٠ مسجدا و ٣ مدارس و أكثر من ٢٠٠ مزار لأضرحة من ذرية الإمام علي. ويذكر أن البيوت مبنية بالطين وأن سوق المدينة والحمامات أجمل من البيوت. لا يوجد بالمدينة الكثير من البقرو الغنم و الدجاج ولكن هناك الكثير من الحبوب والفواكه.
  • كايمبفر (١٦٥١- ١٧١٦ م) رحالة ألماني: يذكر عنايتهم الشديدة بالأضرحة التي حالها أفضل من حال معظم المساجد. و أبرزها مزار بير سلطان حبسبي بن موسى الذي يجلس فيه أربعة يقرؤون القرآن وقبته بها مصابيح ويضعون بيض النعام على أعمدة.
  • لوبرين الهولندي ( ١٦٥٢ - ١٧٢٦ ): يقول إنكم في هذه المدينة بمنجى من الأمطار وبها العديد من المقاهي والناس يدخنون بشدة. والفواكه هناك تنضح قبل أوانها. بها ٧٠ قناة تجلب الماء و١٢٠ حماماً عمومياً.
  • الأنترموني الأسكتلندي ( ١٦٩١-١٧٨٠): يذكر أنها موبوءة بالعقارب ومشهورة بصناعة الأقمشة.
  • جوستينيانموريي (١٧٨٠ - ١٨٤٩ ): يصنعون حزمة من أواني الطبخ وهي أوعية جامعة تحتوي معدات يحتاجها كل بيت و يصنعون فوانيس مميزة مزركشة بالرسومات الفارسية. وأشهر الصناعات الحريرية يدعى ( شال قاشاي).
  • بينيغ (١٨٥٠): يذكر أن زبيدة زوجة هارون الرشيد هي من بنت المدينة وهي من قاشان. يذكر أن أهلها مهذبون ولكنهم معروفون بالجبن فتشتهر مقولة: "من كل مائة قاشاني هناك واحد يصبح أن يكون جندياً". يذكر زراعة العديد من أشجار التوت لتتكاثر بها دودة القز ليصنعوا منها الحرير،ويقول: رغم أن ملابس الحرير محرمة على المسلمين فإن كثيرين يلبسونها دون حرج وينزعونها فقط لتأدية الصلاة.
  • غوبينو (١٨١٦-١٨٨٢ م): من أهم المدن المتحضرة صناعياً في فارس وصناعتهم تمتاز بالجودة. ورغم ذلك فأسعارها رخيصة. أهلها محبون للشعر والفلسفة وللثقافة بشكل عام. يذكر زيارته لمدرسة جديدة اختير لها الحكماء ليكونوا معلمين بها.
  • بروغش ( ١٨٦٠-١٨٦١ م ): لاحظ أنه في قاشان لم ير أي عملية لـ (شنق اللوطي) التي تشاهد في معظم بلاد فارس. عند زيارته كانت المجاعة تزحف إليها كما في طهران.
  • فوني (١٨٥١- ١٩١٦) تطورت المدينة للأحسن فأصبحت الشوارع تنظف باستمرار، وبنت جمعية التجار فندقاً من أجمل البنايات اسمه (طازا). ويذكر قصة ابن سينا حين كان بالمدينة وشكى للملك أنه بسبب ازعاج نحاسيقاشان يتوقف مجبراً عن الدراسة". ابن سينا (كتابالقانون).

إن تاريخ هذه المدينة وغيرها من المدن الفارسية يستحق الدراسة لتأثرها الكبير مما نقل إليها من الحضارة الإسلامية.

أخبار ذات صلة