تجديد الخطاب الإسلامي.. أسباب ونتائج

قيس بن حمود المعولي

"الإسلام والعالم (إعادة تخيل الأمة) بيتر ماندافيل".. مقال للكاتب رضوان السيد، ناقش بين جنباته التغيرات التي تطرأ على الإسلام في العالم. إنَّ الخطابَ الإسلاميَّ المعاصر لا يختلف عن سابقه من الخطابات، فمجملها يعتمد على الأصول الفقهية والشرعية، ولكن الزمن الحالي يفرض نفسه على هذا الخطاب من حيث المنطقية والواقعية والعقلانية والجوانب السياسية البحتة التي قد ألمَّ الناس بها لزيادة معدلات القراءة والكتابة، مثلما أشار الكاتب، ولكن: هل يا تُرى يعد هذا التغيير الجذري للخطاب الإسلامي موافقا للرؤية المحمدية أم أن البعض غالط وتجاوز ذلك؟ سأحاول أن أبسط المقال لأبعد حد ممكن مناقشا تغير الخطاب بمراحله وأسبابه.

إعادة الترتيب والتغيير تحتاج لتغير جذري في الوعي والإدراك الثقافي والمعرفي، خصوصا إذا كانت إعادة الصياغة تقترب من أصول وثوابت لديانة أو مجتمع أو قانون، فكل هذه في أصلها وعلومها تعتمد على مراجع لا تقبل التغير غالبا، ولكن دوام الحال من المحال، فكان لابد من التجديد لمواكبة عالم العقلانية والمنطقية والواقعية التي انتشرت انتشار النار في الحطيم بسبب تأثير الإعلام الغربي أو الإعلام المضاد غالبا لما جاء في نصوص الأصول. يقول د. محمد عناني" وهكذا فإذا كان من حق كل عصر أن يقرأ فكر الماضي وآدابه على ضوء مفاهيمه الجديدة المعاصرة، وكان من حق العربي أن يقرأ ما آل إليه من السلف على ضوء مفاهيمه الجديدة التي يتوسل فيها باللغة العربية المعاصرة، فإن من حق العربي أيضا أن يعيد ترجمة الآثار الفكرية والأدبية المهمة إلى هذه اللغة المعاصرة...." هنا يجب إعادة النظر فيما قاله؛ بحيث أنَّ الوعي اللغوي يختلف عن الوعي الفكري الذي من شأنه أن يغير بعض الشيء من الأصول الثابتة؛ فالأصل في ذلك توسيع مدارك اللغة تزامنا من توسيع مدارك الفكر.

وكذلك يذكر الكاتب فؤاد الحميدي في مقال نشره في الشبكة العنكبوتية: "عند الحديث عن الخطاب الإسلامي، فإنه قد يتم ربطه من قبل البعض بأصحاب العمائم سواء البيضاء أو السوداء، وهذا خطأ منهجي وإشكالية، إضافة لإشكاليات أخرى يعاني منها هذا الخطاب؛ لأنه بهذا الوصف أو الربط يتم حصره في خانة "التراث الديني"؛ وبالتالي فلا فاعلية له ولا أدوار، لأنه -كما يرى الدكتور محمد عمارة في كتابه أزمة الفكر الإسلامي المعاصر- "لا عِصمة لعالم دين ولا لمؤسسة العلم الديني". ولما كانت الساحة الإسلامية تعج بالتيارات المختلفة أدى ذلك بالتالي إلى تعددية الخطاب؛ فهناك الخطاب السلفي والخطاب الإسلامي الحركي والخطاب الإسلامي التكفيري والخطاب الصوفي والخطاب العلماني. هذه التعددية في الخطاب لم تؤد إلى التعاون والتكامل كما يفترض بها، بل أدت للاختلاف الذي في بعض الأحيان يؤدي إلى القطيعة وافتعال الفتن المذهبية في أحايين أخرى، ويتجلى هذا بوضوح فيما نجده اليوم من كتب وكتيبات وسيديهات وأشرطة تفيض بها المكتبات والأكشاك تحمل من الاتهامات المتبادلة والتجريح والتسفيه والقدح والتعريض والتشهير، مما يُربك العامة ويشوش أفكارهم ويزعزع ثقتهم في جدوى وأهمية وصلاحية الخطاب الإسلامي".

إنَّ التجديد الذي قد تقدم منذ انتشار الثقافة الغربية في المجتمع العربي له أسبابه وتوجهاته ونتائجه، ولكنني سأذكر الأسباب التي هي أولى بالتقدم عن غيرها ومن بعدها ستأتي النتائج تباعا لما قد أسس من توجهات، إن قوة الإسلام اللامتناهية فكريا وروحيا وعلميا وعمليا قد أرست الرعب والخوف في نفوس الضعفاء الذين تجاوزت بهم الأقدار ليكونوا أقوياء في نظر من اتبعهم بالعمي والصمم فأرادوا الإطاحة بما يقيم الحد والعدل والصدق الرباني، وأن ينأوا عن طريق الحق إلى ما تهواه أنفسهم وأشخاصهم الدنيئة؛ فأصبحوا ينادون بالتمدن الغربي والحرية اللامتناهية والمنطقية اللامحدودة والعقلانية المفرطة والواقعية التي أضحت أسراب أفكارها تدور بين الناس وكأنها الدين الأوحد فانطلق الناس يضعون العبارات والمقالات والكتب التي تفسر الأقوال والأحكام والخطابات والشرائع المحمدية الربانية التي ما هي إلا وحي يوحى، والتي ما كان ينطقها عليه الصلاة والسلام عن الهوى؛ فالله قد أعطاه مدارك الكلم والعلم والفهم. ولم يذكر عن هؤلاء انصرافهم إلى العلوم الأخرى غير الشرعية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والفلك وغيرها ليناقشوها، ولكن هذه العلوم إنما هي علوم متخصصة بمكان وزمان وظروف محدودة غير الإسلام الذي هو منهج الحياة فكل خطوة يخطوها المرء إنما هو محاسب فيها وكل حرف ينطقه كذلك.

... إنَّ الحراك في التغيير والتجديد من البعض، وإنما أعني التجديد الذي يمس الأصول ويبعد عنها الناس، كان له وطأ كبير في التفريق بين من يهتم بالإسلام ومن يصنف نفسه مدافعا عن حياضه، ويريد أن يعم الفساد الروحي ظنا منه أنه سيصلح الجوانب الأخرى. إن التجديد يجب أن يكون في الأمور المستحدثة من الناس لا الثابتة عن سالفيهم من الأخيار وأولي الرشاد، ولا أخص بذلك قوما أو مجتمعا أو عشيرة أو طائفة أو مذهبا أو حاكما أو عابدا أو عالما أو متعلما، بل كل من وجد أنه صالح السيرة حسن الخلق.

إذن، فما هو التجديد المحمود والمراد منه؟ إنَّ إعادة هذه الصياغة والتغيير الذي يبقي للشيء مراده وهدفه إنما ما يعاد فيه النظر إلى اللغة المعاصرة لا التأثير الفكري المعاصر؛ فاللغة السليمة المفهومة هي الوسيلة للفهم وأخذ ذلك العلم بأبسط الصور وأوضحها وأكملها. هي التي تسهل للناس عامة النقاش والمحاورة، فيجب على العالم باللغة التي استخدمها السلف الصالح في نقل الأفكار والمعتقدات والأصول الخطابات أن يسهل لأبناء جيله باللغة المعاصرة ما يفهمون به الخطاب الموجه إليهم ولغيرهم لكيلا يخوضوا في متاهات وأحاديث وجوانب ليس لهم بها علم ولا فهم ولا فقه.

أخبار ذات صلة