الانشقاق البروتستانتي

عاطفة المسكرية

يُناقش جان بول ويام في مقالته بعنوان "الإصلاح الديني البروتستانتي … وطأة خمسمائة عام" الانشقاق الديني الحاصل في المسيحية ما بين الكاثوليك والبروتستانت تحديدًا، والذي يبدو مثيرًا للانتباه؛ حيث إنَّ ملامح الاختلاف قد لا تبدو واضحة للوهلة الأولى لعامة الناس الذين لا تجمعهم صلة بالديانة أو أحد معتنقيها. ترتبط البروتستانتية بعصر الإصلاح الذي قام به مارتن لوثر كينج بعد رفضه عدة أفكار مرتبطة بالمذهب، كمسألة تفسير الكتب المقدسة على أنها غير منحصرة على القساوسة بل يمكن لأيّ كان فهمها بطريقته الخاصة. على الرغم من هذه الأفكار، فإن أسس الديانة المسيحية لا تزال حاضرة في العقيدة أو المذهب البروتستانتي. بدايةً وفي سبيل محاولة فهم عقلية الشخصية التي انطلقت منها هذه الأفكار – مارتن لوثر- لابد من التركيز على كونه انضم لإحدى المناهج المُتشددة في الكاثوليكية ومن ثم تعمق فيها حتى حصل على الدكتوراه في علم اللاهوت. وفي مرحلة متقدمة من حياته أصبح مدرسًا للعقيدة، وحينها أبدى اعتراضًا على الأفكار المتشددة في الكاثوليكية. ومن ضمن الأفكار التي كان يُعارضها بشدة هي مسألة صكوك الغفران في المسيحية حيث يُذنب الناس ويذهبون بعدها لدفع المال طلبًا للمغفرة من البابا والذي يُعتبر في أعلى المراتب الدينية المسيحية – يعمل كوسيط بين العبد وربه – وفقًا للديانة المسيحية. اعترض مارتن على ذلك حيث كان مؤمنًا بأنَّه لا حاجة لوجود وسيط في سبيل طلب المغفرة من الرب، مؤكدًا أن الإيمان وحده يُعد كافيًا لذلك. كانت للوثر أعمال كتابية منشورة ولكنها سرعان ما أشعلت غضب الكنيسة الكاثوليكية، فتم إصدار أوامر بحرق كل ما تمَّ كتابته من قبل لوثر، بعدها وكردّة فعل، قام مارتن لوثر بحرق رسالة البابا الذي أصدر تلك الأوامر وكانت النتيجة طرده من الكنيسة الكاثوليكية بشكل نهائي، ومن هنا جاء تأسيس كنيسة بروتستانتية تختلف في قواعدها عمّا جاء بالعقيدة الكاثوليكية، أول هذه القواعد ألا سلطة على متّبع الديانة المسيحية عداهُ، حيث تنبع هذه القاعدة من تأثر مارتن لوثر بالاستغلال الذي كان حاصلاً تحت مسمى الدين والعقيدة من قبل القساوسة وأصحاب السلطة كذلك، ومن ضمن الأمور التي تغيرت مقارنة بالكاثوليكية هي إنكار مرتبة البابا نهائيًا وكذلك أعمال الرسل وخلافتهم، حيث كان مارتن لوثر ثائرًا على كل أنواع الوساطات بين العبد والرب مُنكرًا حدوثها ووجودها، وأخيرًا كان بمقدور الكهنة الزواج امتثالا للفطرة البشرية التي لا تستثني أحدًا منها ومن ضمنهم الكهنة، لقيَ هذا المذهب بدوره دعمًا من كبار الشخصيات في الدول وتحديدًا بعض الأمراء والنبلاء فيها، ومن ثم جاءت الأسباب الأخرى عبر التاريخ لدعم المذهب سياسيًا واجتماعيًا وتاريخيًا؛ مما أسهم بزيادة معتنقيه حول العالم بشكل عام ودول أوروبا عبر التاريخ بشكل خاص. تُرجمت أطروحة مارتن لوثر من اللاتينية إلى الألمانية وتكررت طباعتها وانتشرت في كل قرية في ألمانيا في غضون أسبوعين، كان هذا نذيرًا للأشياء القادمة فقد استخدمت وسائل كثيرة لنشر رسالة لوثر مثل رسومه الكاريكاتيرية (واحدة من أكثر وسائل الاتصال دراماتيكية للناس العاديين اليوم)، وكان ذلك من خلال الرسائل المشفرة في الرسوم الكاريكاتيرية، وأيضاً تم استخدام الموسيقى في الإصلاح لحمل عقائد وعواطف البروتستانتية من خلال كتابة التراتيل، وكان أحد أهم العوامل تأثيرًا هو الآلاف من الطلاب الذين درسوا في جامعة فيتنبرغ وتلقوا تعليمًا في اللاهوت اللوثري وعلم الإيكولوجيا، مثل أكاديمية كالفين في جنيف، سويسرا، حيث أصبحت الجامعة محورية لنشر أفكار الإصلاح. وفي نفس الفترة كانت الكنيسة الكاثوليكية بطيئة في الاستجابة بشكل منهجي للابتكارات اللاهوتية والدعاية للوثر والمصلحين الآخرين. لقد أوضح مجلس ترينت "مجلس كاثوليكي، والذي التقى من 1545 إلى 1563، إجابة الكنيسة للمشكلات التي أدت إلى الإصلاح وإلى ظهور الإصلاحيين أنفسهم، نمت في الكنيسة الكاثوليكية حركة مكافحة الإصلاح وكانت أكثر روحانية من ذي قبل وأكثر معرفة وتعليمًا، جُمعت أوامر دينية جديدة ولاسيما اليسوعية، حيث كانت هذه الأوامر بين الروحانية الصارمة والفكر ذي العقلية العالمية وتمت إعادة تنظيم عمليات التفتيش لمحاربة تهديد البدعة البروتستانتية، كان الإصلاح البروتستانتي هو بمثابة الاضطراب الديني والسياسي والفكري والثقافي في القرن السادس عشر الذي انشق عن أوروبا الكاثوليكية، ووضع الهياكل والمُعتقدات من جديد.

تحدى المصلحون مثل مارتن لوثر وجون كالفين وهنري الثامن السلطة البابوية وشكّكوا في قدرة الكنيسة الكاثوليكية على تحديد الممارسات المسيحية، لقد طالبوا بإعادة توزيع السلطة دينيًا وسياسيًا في أيدي القساوسة والأمراء الذين قرأوا الكتاب المقدس. أدى الاضطراب إلى نشوب الحروب والاضطهاد وما يسمى بمكافحة الإصلاح، وهي استجابة الكنيسة الكاثوليكية المتأخرة لكن القوية للبروتستانت، حقيقةً، ليس من المستغرب أن يتم تطوير "إصلاح مضاد" لمكافحة الإصلاحات الجديدة وتعزيز عقيدة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وممارساتها، لقد كانت إسبانيا هي القائد بلا منازع في هذه الحركة فقد كانت أوثق حليفٍ للبابا، ولإنهاء الانشقاق الحاصل في عام 1545، فتحت الكنيسة مجلس ترينت للتعامل مع القضايا التي أثارها لوثر. كان مجلس ترينت يتكون من مجموعة من كبار المسؤولين في الكنيسة الذين التقوا -مرارًا وتكرارًا لمدة ثمانية عشر عامًا- بشكل أساسي في مدينة ترينت بشمال إيطاليا بعدد 25 جلسة وخرجوا بعدة نتائج مختارة، حيث نفى المجلس الفكر اللوثري عن التوبة وطلب المغفرة دون "صك الغفران". وأكدوا من جديد الاعتقاد في (الاستحالة) transubstantiation وأهمية جميع الأسرار السبعة التي كانت تعتد بها الكنيسة الكاثوليكية ونفتها البروتستانتية لاحقًا. أكدوا من جديد سلطة الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة وتقاليدها وأهمية تقديس الرموز الدينية والشخصيات المقدسة التي عارضتها البروتستانتية وحينها فقط استعادت الكنيسة الكاثوليكية شيئًا من سلطتها. اليوم هناك أنواع كثيرة من الكنائس البروتستانتية وأيضًا الكاثوليكية، ولفهم حركة الإصلاح البروتستانتي بشكل مفصل، نحتاج العودة إلى التاريخ في أوائل القرن السادس عشر عندما كانت هناك كنيسة واحدة فقط في أوروبا الغربية - ما نسميه الآن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية - تحت قيادة البابا في روما. وهناك العديد من أنواع الكنائس الأخرى (على سبيل المثال اللوثرية، والكالفينية، والأنجليكانية) وكل واحدة من هذه الكنائس تعكس جزءًا تاريخيًا مهمًا من القصة.

 

أخبار ذات صلة