جون غازفينيان
محمد السماك
في الوقت الذي تتركز الدراسات والأبحاث الحالية حول أسباب ونتائج التوترات المُتواصلة في العلاقات الأميركية – الإيرانية، يصدر هذا الكتاب ليلقي الضوء على المرحلة التأسيسية لهذه العلاقات.يؤكد الكتاب، وهو باحث أكاديمي أمريكي من أصل إيراني، على المراحل التأسيسية لهذه العلاقات فيصفها بأنها كانت علاقات ثقة ومصالح مشتركة.
في المرحلة الأولى لم تكن الولايات المتحدة مهتمة بإيران. كانت إيران تحت الهيمنة البريطانية من جهة، وتحت التهديد السوفياتي من جهة ثانية. في تلك المرحلة، كما يقول المؤلف جون غازفينيان، كانت إيران ضعيفة. وكان التنافس السوفياتي – البريطاني عليها شديداً.
وفي تلك المرحلة أيضاً، لم تكن الولايات المتحدة ترى أي مصلحة في منافسة بريطانيا أو الاصطدام معها حول إيران، إلا أن إيران كانت تنظر إلى واشنطن على أنها القوة القادرة على تخليصها من بين براثن الهيمنة البريطانية من جهة، ومن التطلعات التوسعية السوفياتية من جهة ثانية.
من هنا يطرح الكتاب سؤالين ويحاول الإجابة عليهما بموضوعية أكاديمية؛السؤال الأول هو: كيف تحوّلت الولايات المتحدة في نظر إيران من ملاك إلى شيطان. بل إلى الشيطان الأكبر؟.
والسؤال الثاني هو: كيف انتقلت إيران من حليف يسعى وراء دعم الولايات المتحدة سياسياً وعسكرياً، إلى خصم، بل إلى عدوّ لدود؟.
يجيب الكتاب على السؤالين معاً من خلال عرض وقائع التحولات التي شهدتها العلاقات بين واشنطن وطهران وأسبابها وخلفياتها. من إسقاط حكومة محمد مصدق إلى وصول الإمام الخميني إلى السلطة والتخلي عن الشاه محمد رضا بهلوي.
هذه المسيرة في التحولات والمتغيرات، تغطي عقوداً عديدة حفلت بالأحداث التاريخية، حاول المؤلف الإحاطة بها . ولذلك يقع الكتاب في حوالي 700 صفحة .
ويستند إلى وثائق رسمية حصل عليها من الإدارة الأميركية "بعد مرور الوقت عليها". وخاصة تلك التي تتعلق بالتدخل الأميركي من وراء ظهر بريطانيا، بل حتى على حسابها. والتغيرات التي أسفرت عن حلول الولايات المتحدة محل بريطانيا في الهيمنة على إيران والتي ألقت بظلالها أيضاً على منطقة الخليج، وتلك قصة أخرى تجنّب المؤلف التطرّق إليها .
يقول المؤلف إنه عندما كانت الولايات المتحدة بمثابة "رئيس الملائكة" بالنسبة لإيران، كانت طهران تستقوي بها ضد المطامع الأجنبية، وخاصة السوفياتية والبريطانية . ويقول إنه في عام 1854 طلب الشاه رفع العلم الأميركي على السفن التجارية الإيرانية احتماءً بالولايات المتحدة. وعشية الحرب العالمية الأولى، أقرّ البرلمان الإيراني تعيين محام أميركي يدعى مورغان شوستر وزيراً للمالية. ولكن عندما سيطر "الكوزاك" على السلطة في طهران وطردوا هذا الوزير، اصطف الإيرانيون في الشوارع لوداعه وهم يلوحون بالأعلام الأميركية .
ويقول المؤلف –وهو نفسه من أصول إيرانية- إن السياسيين الأميركيين لم يكونوا مهتمين بإيران، غير أن البعثات التبشيرية الإنجيلية كانت تجد فيها حقلاً خصباً لنشر دعواتها. وكانت زيارة إيران من الأميركيين تكاد تقتصر على هذه المجموعة من الناس .
بعد الحرب العالمية الأولى وبعد اكتشاف النفط الإيراني، تغيّر الوضع وتوجهت الولايات المتحدة إلى إيران تحت عباءة المبادئ التي أعلنها في فرساي الرئيس الأميركي ودرو ويلسون حول حق الشعوب في تقرير المصير. ولكن حتى في ذلك الوقت لم تكن الولايات المتحدة ترى فائدة من الاصطدام ببريطانيا من أجل إيران .
تغيّر الموقف الأميركي عندما برزت أنياب الشيوعية في دولة بدأت تنتج النفط . حدث ذلك بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة عندما بادر الرئيس الأميركي الجنرال داويت إيزنهاور إلى اعتبار الشأن الإيراني الداخلي شأناً أميركياً . وهكذا في عام 1953 تحالفت الولايات المتحدة مع بريطانيا لإسقاط الحكومة الوطنية التي كان يترأسها محمد مصدق (وكان رئيساً منتخباً من الشعب)، وفرضت سياسة نفطية جديدة على إيران . وبموجب تلك السياسة أُلغيَ قرار تأميم شركة النفط البريطانية الذي كانت اتخذته حكومة مصدق. وردّاً على تلك المبادرة "منح" الشاه محمد رضا بهلوي شركات النفط الأميركية حصة في النفط الإيراني بلغت 40 بالمئة .
ومنذ ذلك الوقت، بدأت الولايات المتحدة تحلّ محلّ بريطانيا كدولة مهيمنة على إيران ومسيطرة عليها ؛ وحوّلت الشاه منذ ذلك الوقت إلى "دمية" تنفذ قرارات واشنطن، حتى أصبح السفير الأميركي في طهران، الحاكم الفعلي غير المعلن !!..
وبموجب معادلة الوضع الجديد، حصر الشاه برامج تسلّح إيران بالولايات المتحدة وبريطانيا، وتبوّأ رأس قائمة الدول المستوردة للسلاح الأميركي والبريطاني . ويقول مؤلف الكتاب إن الشاه امتلك في ترسانته العسكرية من دبابات "تشيفنن" البريطانية أكثر مما كانت تملكه القوات البريطانية نفسها.
وعندما قررت الدول العربية فرض حظر النفط ردّاً على العدوان الإسرائيلي في عام 1973، بادر الشاه إلى زيادة الإنتاج لتلبية حاجات إسرائيل حتى أصبح النفط الإيراني وحده يغطي نصف حاجة إسرائيل الاستهلاكية.
ويذكر المؤلف أن جهاز المخابرات الأميركي (سي.آي.إيه) وجهاز المخابرات الإسرائيلي (موساد) تعاونا على مساعدة الشاه لإنشاء جهاز المخابرات الإيراني (سافاك).
في عام 1979 عندما وقعت الثورة في إيران ضد الشاه، خاف الغرب (الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا) من أن يكون البديل هو عودة اليسار الذي كان أبعد في أيام محمد مصدق مما يشكل خطراً على مصالحه النفطية. وساد الاعتقاد وقتها بأن الإسلاميين الذين هم أعداء طبيعيون لليسار الشيوعي يمكن أن يشكلوا البديل الأفضل، ليس في إيران وحدها، ولكن أيضاً في جارتها أفغانستان التي بدأت تتحرر من الاحتلال السوفياتي؛ فكان دعم الغرب للإسلاميين هنا في (إيران) وهناك في (أفغانستان).
من أجل ذلك عندما نشبت الحرب بين العراق وإيران (والتي أدت إلى سقوط مليون ضحية من الجانبين)، اتفقت الولايات المتحدة مع النظام الجديد في إيران على توريد الأسلحة والذخيرة التي يحتاج إليها من إسرائيل. وقد استمر ذلك طوال سنوات الحرب العشرة والتي استنزفت الدولتين بشراً وحجراً، وأدّت إلى مقتل حوالي المليون إنسان من العراقيين والإيرانيين.
أما كيف تحوّلت الولايات المتحدة إلى "الشيطان الأكبر"، وكيف تحوّلت إسرائيل إلى العدو الأول، فإن مؤلف الكتاب يروي القصة التالية :
أعلن الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني مبدأً عاماً يقول إن إيران سوف تقبل أي تسوية يوافق عليها الفلسطينيون. وكان هذا الإعلان يفتح الطريق أمام اعتراف إيران بإسرائيل على خلفية التسوية المقبولة فلسطينياً. ولكن الردّ الأميركي على هذا الموقف كان رداً إهمالياً. وثبت فيما بعد أنه كان قصير النظر. فقد دعت الولايات المتحدة (تحت مظلة الأمم المتحدة) إلى مؤتمر مدريد في عام 1991، وتعمّدت عدم دعوة إيران إليه حتى بصفة مراقب؛ فكان ردّ الفعل الإيراني إنشاء منظمات حليفة لها وإقامة تحالفات خاصة بها؛ فكانت "حماس"، و"حزب الله"، و"الجهاد الإسلامي".
مع ذلك، جرت في عهد الرئيس محمد خاتمي محاولة إيرانية لإصلاح ذات البين مع الولايات المتحدة تمثّلت في تنديد الرئيس خاتمي بجريمة 11 سبتمبر 2001 في نيويورك. كما تمثّلت في دعوته في خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى حوار حضارات. وذهب خاتمي عملياً إلى أبعد من ذلك، عندما سمح للطائرات الحربية الأميركية باستخدام المجال الجوي الإيراني أثناء عملياتها في أفغانستان، غير أن الرئيس الأميركي جورج بوش (الابن) أدرج إيران على لائحة "محور الشيطان"؛ فردّت يومها إيران باعتبار الولايات المتحدة "الشيطان الأكبر".
يقول المؤلف إن الرئيس باراك أوباما قدّم العراق جزرة لاستعادة إيران إلى بيت الطاعة الأميركي، ولكن محاولته باءت بالفشل؛ إذ إن إيران تلقفت الجزرة من دون أن تعيد النظر في ثوابتها السياسية – العقدية، فحاول من بعده الرئيس دونالد ترامب أن يهدّدها بعصا العقوبات والانسحاب من الاتفاق النووي، ولكن محاولته لم تكن أحسن حالاً .
يقف المؤلف هنا ليكتب الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن الفصل الجديد في هذه المسيرة الطويلة من صعود وهبوط العلاقات بين إيران والولايات المتحدة .
تفاصيل الكتاب:
عنوان الكتاب: أمريكا وإيران: تاريخ في العلاقات من 1720 إلى الآن
المؤلف: جون غازفينيان
الناشر: كنوبف (26 يناير 2021)
اللغة: الإنجليزية
غلاف مقوى: 688 صفحة