الحروب الأهلية في الهند

الحروب الأهلية.jpg

 أن. كيه.بهوبيش

فيلابوراتو عبد الكبير

مضت سبعة عقود منذ أن أصبحت الهند دولة جمهورية، تُعدّ جمهورية الهند التي تبّنت العلمانية والنظام الفيدرالي أحد النماذج المشهورة في العالم للديمقراطية البرلمانية، ولكن يجب عدم نسيان التجارب المريرة التي جعلت الوطن كله في أتون التاريخ.

كانت الهند قبل احتلال بريطانيا دويلات ملكية مُبعثرة غير مُتحدة، كان الاستعمار البريطاني هو السبب الرئيسي لاتحاد الهند. ويُعدّ هذا من إسهامات الاستعمار الإيجابية. عندما أعلنت بريطانيا استقلال الهند وانقسمت الهند إلى دولتين، الهند وباكستان، مُنِح لكل من الدويلات الملكية السابقة خيارا يمكنها إمّا أن تنضم إلى إحدى الدولتين أو أن تبقى مُستقلة. كانت في الهند حين ذاك دويلات يحكمها ملوك مسلمون وجمهورها غير المُسلمين مثل "جوناغاد" و"حيدر آباد" كما كانت هناك دويلات يحكمها ملوك هندوس وجمهورها مسلمون مثل "كشمير". وكذلك كانت هناك مناطق ما زالت محتلة مثل "ماهي" في كيرالا، التي كانت تحت حكم فرنسا، و"جوفا" و"دييو" و"دامن التي كانت تحت حكم البرتغال. والأكثر من هذه الدويلات انضمت إلى الهند المتحدة.

 

وكان لـجهود "باتيل" وزير الداخلية آن ذاك كما لجهود في. بي. "مينون" سكرتير الحكومة الهندية دور مذكور في هذه المهمة. لمّا أبى حاكم حيدر آباد الاتحاد مع الهند قامت الحكومة الهندية بإجراءات عسكرية ضد تلك الدويلة واستولت عليها عنوة، وكان ذلك بُعيْد الاستقلال. تحررت "ماهي" من فرنسا نتيجة ثورة سلمية شعبية بينما تحررت "جوفا" و"دييو" و"دامن" من قبضة البرتغال بتدخل عسكري من الهند. أما كشمير فمَلِكها "هاري سينغ" اختار أوّلاً أن تبقى مملكته مستقلة، ولكن عندما تغلغل مسلحون إلى كشمير بتأييد من باكستان استعان بالهند، فانتهزت الهند هذه الفرصة وطلبت من المَلِك ضم ملكه إليها، فلم تكن أمامه أية طريقة إلا أن يُذعن لمطالبها. ولكن باكستان رفضت هذا الإجراء وجعلت كشمير قضية متنازعة كما رفعتها فيما بعد في جلسات الأمم المتحدة.

تختلف ثورة "تيلونغانا" الفاشلة عن هذه الأحداث المذكورة أعلاه. كان الحزب الشيوعي هو وراء هذه الثورة المسلحة التي قادها "راناديفيه" أحد القياديين الشيوعيين. ولكنّ الثورة لم تنجح بسبب خطأ وقع في حسابات القياديين الشيوعيين في "تيلونغانا"، المنطقة التي تنتمي إلى ولاية آندهرا برديش" آنذاك والتي أصبحت ولاية مستقلة مؤخرا. كانت نتيجة هذه الثورة الرعناء أن يصبح الحزب الشيوعي محظورا بعد أن تعرّض لإجراءات قمعية من قبل الحكومة. ولم يُرفع الحظر إلاّ بعد فترة من الزمن.

المناطق في شمال شرق الهند مثل "آسم" و"تريبورا" و"ناغالاند" و"بودولاند" كانت نقاطا ساخنة منذ الاستقلال. الحركات الانفصالية كانت نشطة في هذه المناطق وخاصة بعد الاستقلال. وولاية البنجاب ذات الأغلبية السيخية كانت أيضًا تغلي بمطالبة وطن خاص بالسيخ باسم "خالصتان". وفي الجنوب في ولاية "مدراس" (حاليا "تشيناي") الحركة "الدرافيدية" بقيادة "راما سوامي نايكر" تحدّت الحكومة المركزية بمطالبة وطن باسم "درافيداستان" وهي تقاوم محاولة المنطقة الشمالية للهيمنة على الجنوب بفرض لغتها "الهندية" على الجنوب. كانت هذه صورة الهند عند الاستقلال. قضايا مختلفة سياسية تحدت نظامها الداخلي، منها ما استطاعت الحكومة إيجاد حل لها بالتشاور والمناقشات أو باستئصالها بتاتا باتخاذ إجراءات قمعية. ومنها ما لم تستطع حتى الآن مقاومتها ولا إيجاد حل لها كاملا. 

عن هذه القضايا والحركات التي رفعت رؤوسها متحديةً البنية الأساسية للهند قبل تشكيلها في صورتها الحالية ينطق هذا الكتاب بالتفصيل. يتناولها الكاتب على أنها قضايا سياسية كاشفا عن الأسباب التي كانت وراءها ومشيرا إلى عواقبها. والأغلبية في تلك القضايا كانت مرتبطة بالقضايا الوطنية. ويستثنى منها ثورة "تيلونغانة" التي فشلت في حينها، والعمليات المسلحة المستمرة التي تقوم بها الحركة "الماوية" المحظورة. وجذورها ليست مرتبطة بالوطنية بل مرتبطة بالنظرية الشيوعية. هل استطاعت الحكومات التي حكمت الهند حتى الآن أن تواجه هذه التحديات إيجابياً وأن تسعى لحلحلتها سياسيا؟ هذا هو السؤال المطروح هنا في هذا السياق. الديموقراطية هي القاعدة الأساسية التي بنيَ عليها دستور الهند. طالما اتخذت الحكومة هذه القاعدة أساسا للتعامل مع العناصر المعادية لها نرى المفاوضات معها مُفيدة وناجحة. 

 

خصص المؤلف ثلاثة فصول في الكتاب للكشف عن خلفية قضية كشمير وشرح حالاتها الراهنة. في الفصل الأول يذهب بنا إلى تاريخ كشمير قبل استقلال الهند من الحكم البريطاني. وفي الفصل الثاني يلقي الضوء على التطورات بعد 15 من أغسطس 1947، يعني بعد تقسيم الهند، بينما يُركِّز في الفصل الثالث على الحملات العدوانية التي جرت على الأقليات في ولاية كشمير. إن تلك الإجراءات حسب ادّعاء الحكومة المركزية كانت تهدف لتوفير الأمن لهؤلاء الأقلية.

يفنّد الكاتب هذه المزاعم مشيرا إلى ازدياد عدد الهجمات "الإرهابية" على الأقليات الهندوسية بعد عام 2019. إن غياب السياسة الرشيدة من جانب الحكومة المركزية ساعد، حسب قول الكاتب، على تعكير الفضاء الطائفي وتعقيد القضية. إن طائفة "بانديت" والمسلمين في كشمير كانوا يتعايشون بأمن وسلام منذ فترة طويلة. وللثقافة الصوفية راسخة الجذور في تاريخ كشمير دور كبير في هذا التسامح والتعايش السلمي. في الحقيقة إن الاستقطاب الطائفي بين الهندوس والمسلمين في جامو وكشمير كان نتيجة مداخلات "جاغ موهان" الحاكم الذي عينته في كشمير حكومة بي جيه بي برئاسة "باجباي". حفّزهم "جاغموهان" بوعود جذّابة لترك مساكنهم ولكنه لم يوف بشيء منها. هو نفسه كان وراء هدم مساكن المسلمين في دلهي القديم أيام الطوارئ في عهد إنديرا غاندي. والفيلم "ملفات كشمير" الذي صدر حديثاً بدعم كبير من الحكومة والذي أُستعرِضَ في مهرجان جوفا الدولي للأفلام في الشهر الماضي يتناول هجرة الهندوس من كشمير في التسعينات. وقصة الفيلم خيالية وبعيدة عن الحقيقة تدور حول طالب جامعي اكتشف أن والديه من هندوس كشمير قد قُتلا على أيدي "متشددين إسلاميين" وليس في حادث كما أخبره جدُّه.

وقد أثار الفيلم جدلا كبيرا في أوساط النقاد والفنانين حيث وصفوه بأنَّه "استغلالي"، فيما رفض مودي هذه الانتقادات ووصفها مؤامرة لتشويه سمعة الفيلم. ويَجدرُ الذكرُ بأن محكمة منعته من تضمين مَشاهد تُصوِّر قائد سرب سلاح الجو ووفاته، بعدما رفعت زوجة القائد دعوى قائلة إن التفاصيل غير صحيحة من الناحية الواقعية وإنها في الحقيقة إهانة لشرف الراحل. وكانت انتقادات المخرج الإسرائيلي ناداف لاييد، الذي ترأس لجنة التحكيم لمهرجان الفيلم الدولي الهندي في جوفا في الشهر الماضي صفعة للمدافعين عن الفيلم حيث غدا عرض الفيلم محل الخلاف في المسابقة الرسمية. قال نادال: انزعجنا جميعاً وانتابتنا صدمة من فيلم "ملفات كشمير"، فقد شعرنا بأنه دِعائيّ، مُبتذل، ولا يليق بالمسابقة الرسمية في مثل هذا المهرجان المرموق". ورغم أنَّ السفير الإسرائيلي ناؤور جيلون أبدى اعتذاره عن انتقادات ناداف إلاّ أن الأخير لم يتزحزح عن موقفه.

 كتاب "بهوبيش" ذكّرني بمقالة مسلسلة نشرتها مجلة "بهودان تحريك"(حركة بهودان) حول قضية كشمير عام 1965 حين اندلعت الحرب بين الهند وباكستان.  كانت تلك المجلة يديرها "الغانديون". ومن الكتب المفيدة جدا لفهم قضية كشمير كتاب "نزاع كشمير"(Kashmir Dispute) بمجلدين ضخمين الذي ألفه القانوني الشهير أيه.جي(عبد الجليل) النوراني.

 

وفي الفصول التالية يتناول الكاتب القضايا الشائكة في مناطق شمال شرق الهند شاملة آسم ومانيبور وميسورام وناغالاند وتريبورا. ولو أن بريطانيا صرّحت في البداية أنها لا تريد السيطرة على هذه المناطق ولا حكمها ولكن استولت عليها فيما بعد. منذ أن انتهى نفوذ سلطنة "آهوم" في عام 1838 أصبحت هذه المناطق كلها مستعمرات بريطانيا لغاية 1947. وقد خصص المؤلف لـ آسم فصلين، فصلا يختص بعهد الاضطرابات والثاني بعد تطبيق قانون تسجيل الجنسية بثبوت الولادة في آسم خلال فترة مُعينة.

كانت آسم جزءا من ولاية بنغال حتى عام 1874. وبعد ذلك أصبحت ولاية مستقلة. وفي القرن التاسع عشر عندما أنشأ البريطانيون حدائق الشاي في آسم توجه كثير من العمال إليها من أنحاء الهند المختلفة. عند استقلال الهند لم تكن هناك إلا آسم وتريبورا ومانيبور في هذه المنطقة. انفصلت "ناغالاند" من آسم عام 1963 كما انفصلت "ميغهالايا" عام 1972 وميسورام عام 1975 حتى أصبح كل واحدة منها ولاية مستقلة. الوطنية المبنية على العنصرية والمرتبطة بالهجرة هي كانت أصل مشكلة آسم. وبما أن آسم كان جزءا من البنغال كان كثير من البنغاليين قد اختاروا الاستقرار فيها، وقد أدى هذا الوضع بعد فترة إلى الصراع الإثني بين الآسميين الأصليين وأبناء البنغاليين الوافدين. هؤلاء الوافدون من البنغال كان أكثرهم من المسلمين، ومما زاد الطين بلة سيل المهاجرين من بنجلاديش حين تشكلت، الأمر الذي أعطى للقضية بعدا طائفيا. الإبادة الجماعية في "نيلي" وقانون تسجيل الجنسية المتنازع فيه وبناء سجون الإبعاد كلها كانت نتيجة هذه الحالة. والذين أصبحوا فريسة لهذه القوانين الجائرة هم المسلمون.

نزعة التمرد في ناغالاند ومانيبور وتريبورا لها تاريخ يمتد إلى فترة الاستقلال. كان تمردا يقوده عدد من الفصائل المسلحة. بعض الفصائل كانت تنشط بهدف تأسيس دولة مستقلة بينما يسعى الآخرون لإنشاء حكم ذاتي. أكثر القاطنين في هذه المناطق تعرضوا للتنصير أيام الاستعمار ولكن استمروا متمسكين بتقاليدهم القبائلية وعاداتهم القديمة. ادّعوا أن ثقافتهم غير الثقافة الشائعة في أنحاء أخرى في الهند. خلافاً لما حدث في كشمير، اختارت الحكومة طريقة المفاوضات مع هذه الفصائل المسلحة وأعطت لهذه المناطق حكما ذاتيا ووضعية خاصة دستورية وجعلتها ولايات منفصلة عن ولاية آسم حسب المعاهدة التي تمت بين الفصائل المسلحة والحكومة الهندية. ذبح البقرة ليس ممنوعا في هذه المناطق كما أن قانون أحوالهم الشخصية أيضا محفوظ دستوريا. إن "فيزو" قائد طائفة ناغا المتمردة كان لاجئا في بريطانيا فترة طويلة، ولم يحالفه الحظ في أن يتنفس هواء الاستقلال الذاتي الممنوح لـ "ناغا لاند"، لأنه حين عاد من لندن إلى بلده الأم وقت استقلاله الذاتي عاد ميتا، إلاّ أن شعبه استقبل جسده بحفاوة وكرم. يشرح المؤلف هذه المستجدات في أربعة فصول منفصلة.    

 

تفاصيل الكتاب:

عنوان الكتاب: الحروب الأهلية في الهند

المؤلف: أن. كيه. بهوبيش 

اللغة: مالايالام

سنة النشر: 2022 

الناشر: DC Books، كوتايام   

أخبار ذات صلة