جيبين هان، وواي لي
لينج لي وانج (أكاديمية ومترجمة صينية)
جيبين هان، عميد معهد دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة شيباي بالصين، ومشرف الدكتوراه، ونائل لقب "الكفء الرائد" الشريف في مجال العلوم الفلسفية والاجتماعية لـ "خطة عشرة آلاف نخبة"، ولقب "عالم نهر يانغتسي الشاب" من قبل وزارة التربية والتعليم الصينية. مجال بحثه تاريخ الشرق الأوسط، وقضايا الدول الاشتراكية العربية، ودول الخليج، وقبائل الشرق الأوسط، نشرت له عشرات المؤلفات والأبحاث في المجلات العلمية مثل "دراسات التاريخ" و"تاريخ العالم" إلخ .
أما واي لي، فهو أستاذ مساعد بمعهد دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة شيباي بالصين، وأستاذ الفلسفة في العلاقات الدولية بجامعة كيانج هيي في كوريا الجنوبية. مجال بحثه نظرية العلاقات الدولية، وأمن الشرق الأوسط، وكفاح الإرهاب، وقضايا إسرائيل. نشر له كتاب "إسرائيل والحزام والطريق: الدور والمستقبل" وعدة أبحاث وتقارير أكاديمية.
عُرض في الكتاب الأوضاع الحاضرة في إحدى وعشرين دولة واقعة في منطقة الشرق الأوسط على نحو شامل ومرتّب، وفيه دراسات عميقة وتوقعات وأحكام لتطور الأوضاع والخلفيات والأسباب والاتجاهات المستقبلية، كما طرحت فيه رؤى ووجهات نظر جديدة ذات قيمة مرجعية في دراسة قضايا الشرق الأوسط.
يضمّ الكتاب أربعة أجزاء كل جزء يخصّ إقليما، فالأول عن دول شمال إفريقيا بما فيها مصر والجزائر وليبيا والمغرب وتونس، والثاني عن دول البحر الأبيض المتوسط مثل إسرائيل وتركيا والأردنّ وفلسطين وقبرص، والثالث عن دول الهلال الخصيب تضمّ إيران والعراق وسوريا ولبنان وقطر، والرابع عن دول الخليج يتناول السعودية والكويت وعُمان واليمن والإمارات والبحرين.
بدأ الجزء الأول بمصر، في سياق ما تعرضت له الدول العربية من توتر منذ عام 2011 ومنه تورط سوريا وليبيا واليمن في الحروب الداخلية المتتالية. جاءت مصر في مقدّمة الفئة التي تعمل على التماس نمط إدارة سياسية لائقة جراء سلسلة من التقلبات المفروضة على هذه المنطقة، فنجحت في تفادي تهديدات الإرهاب وتحقيق الاستقرار السياسي وهي تحاول الآن حل المشاكل التي ظلّت تعيق التنمية الاقتصادية في مصر منذ عقود. أُجري في مصر استفتاء على تعديلات دستورية في الفترة من 20 إلى 22 أبريل عام 2019 وصوّتت نسبة 88.83% بالموافقة عليها حسب أنباء مجلس الانتخاب المصري، ومن الظاهر أن هذا الإجراء جزء من الجهود المبذولة من نظام السيسي من أجل إعادة بناء نفوذ الحكومة وهيبتها وتمركز سلطتها. حين عاد إلى يد الجيش زمام الحكم على نظام السياسي في الحياة السياسية المصرية، بدأ جهاز الأمن يلعب فيها دورا مهمّا أيضًا. ورغم ذلك ظلّ التنازع في النفوذ بين الرئيس والقوة العسكرية مستمرا، وبصدده انتهج الرئيس السيسي سياسة الكرسي الدوّار في السنتين الأخيرتين لعزل قادة القوة العسكرية عن المناصب العليا تخفيفا للتهديدات السياسية.
ومن جانب إحياء الاقتصاد أدخل بنك مصر المركزي معيار الفائدة العديمة الخطر في أبريل عام 2018، وفي حينه دفعت الحكومة خطة رفع رأس المال المطلوب إلى حدّ كبير وطرحت إجراءات جديدة لحماية المجتمع بما فيها خطة " تكافل وكرامة" وبرامج " الفرص" و"سكن كريم" ونظام ضمان العلاج الطبي الجديد، واعتمد البرلمان المصري في يوليو عام 2019 تعديلات قانون التمويل هدفا إلى جذب مزيد من الرأسمال إلى المقاطعات الأعجز اقتصادا ورفع مستوى معيشة المواطنين وتنويع مصادر التنمية الاقتصادية في أرجاء البلاد، إضافة إلى إطلاق إجراءات جديدة لتأييد الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. ومن جانب كسب الأمن بالتنمية، فقد عزّزت الحكومة السيطرة على الحدود الشرقية وحدّدت في استراتيجية عام 2030 هيكلا عاما للأهداف المشهودة التي ستحقّقها شتى المقاطعات، ومن هذه الأهداف توزيع السكّان جغرافيا بما يدفع انتقالهم إلى المقاطعات ذات الاستراتيجية مثل جزيرة سيناء والصحراء الغربية وجنوب البلاد. ومن جانب الدبلوماسية، شهدت مصر مستجدّات مستمرّة في سياساتها الخارجية ترمي إلى مواجهة التهديدات الأكثر خطورة على أمن البلاد مثل بناء سد النهضة في أثيوبيا وقضايا ليبيا، وبصددها بدأت مصر تعمل على تعزيز التعاون مع أشقائها الأفارقة في شتى المجالات وأظهرت مبادرة أقوى من ذي قبل في لعب دور إيجابي في آليات الحملات المشتركة في إفريقيا.
ويولي الجزء الثاني الاهتمام إلى إسرائيل، مع أنها دولة على ساحل البحر الأبيض المتوسط بسكّان ثمانية ملايين نسمة فقط، وأوضاعها السياسية معقّدة متقلّبة داخلا وخارجا. فيها أحزاب مختلفة الأفكار السياسية مُمثّلةً مختلف الجمعيات الاجتماعية والقوميات والطوائف، ما يدعو إلى تكوين اتحادات سياسية بين بعضها دون البعض لكي تفوز في معركة الانتخاب البرلماني وتمسك زمام الحكم. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن عناصر المجتمع الإسرائيلي معقّدة مع أن أكثر سكانها يهود، فبين جميع سكانها مليون ونصف من الفلسطينيين الذين يحملون جنسية إسرائيل، وبين اليهود طوائف مختلفة الجنسية منها طائفة أوروبا الشرقية والوسطى، وطائفة أمريكا اللاتنية، وطائفة العرب، وطائفة إفريقيا وغيرها، وهؤلاء اليهود ينقسمون أيدولوجيا إلى "اليسار" و"اليمين" أو إلى "العلماني" و"الإصلاحي" و"الأرثوذكسي"، وقد أدّت هذه الاختلافات قوميا وعرقيا وفكريا إلى التفاوت الشبكي بين فئات المجتمع ثم إلى نوع من التفتت في تشكيل الأحزاب السياسية.
شهدت إسرائيل أشدّ التقلبات السياسية في غضون عام 2019 حيث أجري فيها انتخابان ولم يتحقق تشكيل حكومة إثرهما، وفشل الانتخاب ألحق الشعب باليأس والرأي العام والوسائط الإعلامية بالتردد في اتهام السلك السياسي بالأنانية الذي يرى أن الانتخاب يكلّف تكلفة باهظة تعجز الدولة عن تحملها مرة بعد مرة، وأظهرت هذه التزعزعات ميزات جديدة فيما بين القوات السياسية داخل إسرائيل. أولا إن مجموعة الليكود وما تمثّله من القوة اليمينية هي حزب رئاسي في إسرائيل. ثانيا ظل المذهب الأرثوذكسي المتطرف يحيز قوة كبيرة. ثالثا إن تفاقم الخلاف بين الحزبين اليسار والوسط أسفر عن تفككهما وضعفهما. وفيما يخصّ دبلوماسية إسرائيل، فهي تمارسها من خلال أبعاد العلاقات مع أمريكا وفلسطين والدول العربية وإيران. في البعد الأول، تحاول إسرائيل أن تحافظ على العلاقة الصديقة مع أمريكا بغية أن ترفع مكانتها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط بالانتفاع من العلاقة مع أسرة ترامب. وفي البعد الثاني، تتمنى إسرائيل أن تدفع عملية السلام مع الفلسطينيين إلى التقدم في غضون مدة تولية ترامب لمنصبه، وأن تشرّع ما احتلّته من أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية بفضل تحيّز أمريكا لها. وفي البعد الثالث، تعمل إسرائيل على حفاظ الاتصالات الوثيقة مع الدول العربية الخليجية لتحقيق وثبة حاسمة في العلاقة الثنائية بينهما. وفي البعد الرابع، تثابر إسرائيل على سياسة الحذر من إيران ومعاداتها الإقليمية باعتبارها " أكبر تهديد على الأمن".
ثم تأتي إيران كدولة أولى في الجزء الثالث، وهي جمهورية ثيوقراطية مزدوجة بفكر الشيعة الإسلامية وفكر الجمهورية الحديثة حيث يتمتع الزعيم الديني بأعلى السلطات ويجرى الانتخاب الديمقراطي فيها في إطار النظام الإسلامي. لقد توسع الخلاف بين الاتجاهين لهيكل إيران السياسي المزدوج في غضون عام 2019 وذلك يتمثل في الجهات الثلاث: الأولى انفجار احتجاج شامل في البلاد. في يوم 15 من نوفمبر عام 2019 أعلنت حكومة إيران على صورة مفاجئة رفع سعر البترول بنسبة 20% ورفع سعر الكمية المجاوزة للحصّة المحدّدة له إلى ما يساوي ثلاثة أضعاف من سعره الأصلي، ويضاف إليه الحالة الاقتصادية السيئة التي لم تتحسن منذ مدة طويلة؛ ما أدى إلى انفجار احتجاج شامل في أرجاء البلاد أثّر على أكثر من مائة مدينة وأسفر عن مقتل مئات الأشخاص، الأمر الذي يظهر أن عامة الشعب الإيراني تمكن من الاتحاد ضدّ الحكومة في قرار ما صادر عنها حين تقع البلاد في مأزق اقتصادي، لذلك على حكومة إيران أن تتجنّب وضع أي قرار متسرّع يتناول الدستور في المستقبل القريب وقاية من إثارة غضب الشعب العام وإحداث زعزعة المجتمع. والثاني عودة السلطة إلى القوة المحافظة.
فبعد انسحاب أمريكا من الاتفاقية النووية مع إيران أصيب المذهب الإصلاحي المعتدل الممثّل بالرئيس روحاني بالإحباط والإعراض، وأتاح للمذهب المحافظ حجة لطعن روحاني وإدانة نظامه بالضعف والعجز وإهانة دبلوماسيته المقاربة للغرب، فتسير كل المستجدّات والمتغيرات منذ عام 2019 لصالح المذهب المحافظ ويبدو أن ميزان السياسة الداخلية قبل الانتخاب يميل إليه كذلك تدريجيا، ومن المأمول أن يفوز هذا المذهب في انتخاب الرئيس ثم يسيطر على أجهزة القانون والقضاء والإدارة الثلاث الكبرى. والثالثة تصاعد الصراع بين إيران وأمريكا. ومن الراجح أن هذه الحالة ستستمرّ؛ فالعقوبات المفروضة على إيران من قبل ترامب أعجزتها اقتصاديا وأوقعتها في مأزق في المجتمع الدولي. تبعا ذلك، أعلن الرئيس روحاني بعد سنة من انسحاب أمريكا من الاتفاقية أن إيران سوف تتراجع عن الاتفاقية تدريجيا إذا لم تحرز القضية أي تقدم دبلوماسيا، ثم نفذت الحكومة هذا الإعلان في أربع مراحل فأعلنت إيران في اليوم السابع من يوليو عام 2019 وباعتباره بداية المرحلة الثانية أن نسبة اليورانيوم قد جاوزت نسبة %3.67 المنصوصة في الاتفاقية إلى أن بلغت %4.5.
وبعد ذلك بدأت تطور أجهزة الطرد المركزي في المرحلة الثالثة وتصبّ غاز هاكسافلوريد اليورانيومي إلى 1044 في هذا النوع من الأجهزة في المرحلة الرابعة. بهذه الأعمال تحاول إيران أن تجعل أمريكا تعود إلى الاعتراف بالاتفاقية النووية الموقّعة معها في عام 2015 وتعود إلى مسلك التفاوض، وأن تضغط على دول أوربا أيضا، غير أن أمريكا ما زالت تواصل العقوبات على إيران حتى يتجه النزاع بين الطرفين إلى حدّ أشدّ. وبالنسبة إلى التنمية الاقتصادية في إيران، فهناك ثلاثة حوادث ذات أهمية في عام 2019 وهي تأسيس المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي، وإعاقة مسير التقنين المطلوب من قبل فرقة الحركة المالية الخاصة، وانخفاض قيمة العملة الإيرانية الريال. ومن الخطوات المهمّة التي تتعلق بتطور المجتمع الإيراني طرح السياسات العامة لحكم التقنين في عام 2019، التي تعترف بحقّ الزعيم في مراقبة أجهزة القانون والقضاء والإدارة، فيلاحظ في ذلك هدفه إلى التحكم في هذه الأجهزة السلطوية.
ويبدأ الجزء الرابع بالسعودية التي ظلت تواصل خطاها نحو الإصلاح منذ عام 2018 بقيادة الملك سليمان وولي العهد محمّد، وظهرت فيها معالم جديدة في مجالات السياسة والاقتصاد والمجتمع والدبلوماسية. يرى الكتاب أن الوضع السياسي المستقرّ على وجه عام في المدّة الماضية هو امتداد طبيعي لمنطق السلطة من جهة ومن جهة أخرى فهو هدوء مؤقت بحكم الوضع الحالي. لقد ثبت نفوذ ولي العهد وسيبقى في موقع صالح له، وفي يده زمام المبادرة. وفي الوقت نفسه فإن حالة الأمن في البلاد ومحيطها شابها التوتر من جراء الخلاف مع إيران، ومقاطعة قطر، وتدهور أزمة اليمن؛ فأصبح أمن البلاد الشغل الشاغل للحكومة السعودية. ومن الناحية الاقتصادية، فإنَّ الوضع في المملكة متأثر بتراجع الاقتصاد العالمي وتوتر الوضع الجيوسياسي والانتقال الداخلي بين النظامين القديم والجديد. قطعت السعودية شوطا اقتصاديا صعبا منذ عام 2018، وتبدو المؤشرات غير متفائلة خاصة من حيث نسبة النمو للقيمة الإجمالية للإنتاج الوطني التي تكوّن 0.3% فقط.
ورغم أن الحكومة لم تتوقف عن تحفيز الإصلاح الاقتصادي في إطار الرؤية 2030 وحصلت على نتائج معدودة في جهات تنويع تكوينات الصناعات وتحويلها، وتحرير السوق وفتحها تجاه الخارج، و تخصيص الرأسمال وإنهاض نشاط السوق، وتوطين التوظيف وتخفيف ضغطه، إلا أنه ما زال أمامها طريق بعيد. ومن الناحية الدبلوماسية، فإن الحكومة قامت بتعديل التكتيك الدبلوماسي وإبداء موقف الانكماش إزاء الشؤون الإقليمية والحوادث الساخنة ومواصلة التحالف بينها وبين أمريكا وإقامة إتحاد النفط الروسي السعودي وتطوير استراتيجية الجهة الشرقية والدبلوماسية المتعددة الأطراف. ومن المتوقع أن هذه السياسات الدبلوماسية الأكثر نضجا وعملا وتعددا وتوازنا سوف تصلح الوضع الأمني المحيط، وتوسّع ساحة حركة المملكة في المجتمع الدولي.
تفاصيل الكتاب:
الكتاب: وضع الشرق الأوسط واستراتيجيته
المؤلف: جيبين هان، وواي لي
الناشر: ناشر الشؤون السياسية الجارية
الطبعة الأولى، يناير، ٢٠٢١، باللغة الصينية
عدد الصفحات: ٣٠٧
عدد الألفاظ: ٣٣٠٠٠٠
