الصيف الذي أصبحت فيه أسود

الصيف.jpg

أنجليك بلندر بالاشتراك مع مارتين ر. دين.

رضوان ضاوي

غالباً ما يُشار إلى سويسرا على أنها بلد الحياد، بلد مُنفتح على الاختلاف، ونصيرٌ للتعددية الثقافية. لكنّ أصواتاً متزايدة ترتفع في سويسرا لإدانة العنصرية العادية أو الممنهجة والحوادث العنصرية، وبعضها يكون مأساوياً. لهذا أراد المؤلّفان السويسريان أنجليك بلندر ومارتين ر. دين إسماع أصواتِ بعضٍ من ضحايا العنصرية، وتوثيق تجربتهما مع الاختلاف والعنصرية من خلال نشر هذا الكتاب بعنوان "الصيف الذي أصبحت فيه أسود" للصحفية أنجليك بلدنر بالاشتراك مع الكاتب مارتين ر. دين. وتشتغل بلندر محررة ومنشطة في إذاعة وتلفزة SFR  منذ 2008. أما الكاتب الأديب السويسري مارتين ر. دين فقد نشر الكثير من الكتب التي تتناول موضوع العنصرية.

 يُشير المؤلفان في مقدمة هذا الكتاب إلى أنهما لم يكونا يفكران في توثيق تجاربهما الخاصة بالعنصرية في فيلم أو في كتاب. فهما لم يتحدثا طوال حياتهما عن لون بشرتهما. ذلك أنهما أرادا أن يُنظر إليهما بوصفهما أشخاصاً وأفراداً، بوصفهما مواطنين سويسريين، وحتى كوسموبوليتيين. وهما لا يُريدان أن يكون لون بشرتهما مُهمًّا، لا بالخير ولا بالسوء. ويؤكد المؤلفان على رغبتهما التي تتمحور حول تحقيق أهدافهما في الحياة رغم لون بشرتهما. وكانت هذه الإستراتيجية فعّالة وعملا جيدا يحسب لهما؛ ذلك أن فكرة العنصرية مستبعدة بالنسبة لهما. ليس لأنهما لم يختبراها أو يجرباها، ولكنهما لم يكونا يرغبان في منحها مساحة أو مجالاً في حياتهما. 

 

يدخل موضوع هذا الكتاب في حقل "دراسات بياض البشرة النقدية"، وهو مجال يركز على النواحي الثقافية والتاريخية والاجتماعية لـ"بياض البشرة" ويفحص كيفية نشوء هويات البيض والسكان الأصليين، وكذلك الأفارقة/السود، وكيف تفاعلت المؤسسات الاستعمارية والعمل الصناعي معها، مما يؤكد وجهة النظر التي تقول إن "لون البشرة" لا يمكن تجاهله ببساطة، وأنه وجب نقد "المعيار الأبيض". 

ويؤكد المؤلفان أن التحوّل في وجهة نظرهما حول الحديث عن العنصرية جاء في صيف 2020 الذي تغير فيه كل شيء. ففي 25 مايو 2020، توفي المواطن الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد، نتيجة لعنف الشرطة الأمريكية الوحشي. ثبتت الشرطة فلويد على الأرض بُغية اعتقاله حيث قام ضابط الشرطة منيابولس بالضغط على عنق فلويد بركبته لمنعه من الحركة أثناء الاعتقال لما يُقارب تسع دقائق، واُعتُقل الرجل بعد محاولته المزعومة استخدام ورقة عشرين دولارا أمريكيا في محل بقالة للسجائر والصودا، وصفها الموظف بأنها مزورة. وزعمت الشرطة أنَّ فلويد "قاوم جسدياً"، بعد أن أُمر بالخروج من سيارته قبل تصوير الفيديو. وقد سجّل أحد المارّة مقطع فيديو، أظهر فلويد الموقوف يُردد بشكل متكرر "لا أستطيع التنفس"، وانتشرت على نطاق واسع على منصات وسائل التواصل الاجتماعية، وبثتها وسائل الإعلام. يوضح المؤلفان أن فلويد ربما لم يكن متعاوناً في البداية مع الشرطة الأمريكية، لأنَّ تجارب ضباط الشرطة سيئة مع السود الآخرين. وقد كان الرجل الأسود بسبب تلك التجارب قلقا ومضطربا. بالتالي يقارن المؤلفان مقتل فلويد مع مقتل إريك غارنر عام 2014، وهو أيضاً رجل أفريقي أمريكي غير مسلّح، كرّر أيضاً عبارة "لا يمكنني أن أتنفّس" أحد عشر مرة بعد أن جثا أحد ضبّاط شرطة نيويورك بركبته على عنقه أثناء الاعتقال. هذه العملية البوليسية العنيفة التي قام بها ضابط شرطة أمريكي أبيض ضد مواطن أسود لم تكن الأولى. لكن هذه الحادثة بالذات هي التي جعلت العالم كله يخرج إلى الشوارع، وجعلت الكاتبة بلدنر مع الكاتب مارتين دين يقرران كتابة تجاربهما مع العنصرية.

وما ساعد على تأليف هذا الكاتب أن سويسرا احتجت على العنف ضد السكان السود في الولايات المتحدة، وضد العنصرية التي لا تزال موجودة في العديد من الأماكن الأخرى في العالم، بما في ذلك سويسرا. في هذا الصيف، طغى موضوع العنصرية على ما عداه من مواضيع، في كل مكان: في الشارع، وفي البيت، وفي وسائل الإعلام. وكان هذا هو الصيف الذي لم يعد يستطيع فيه الكاتبان تجاهل لون بشرتهما، وتجاهل عدد كبير من الناس ممن يقللون من أهمية كل شخص أسود اللون في هذا البلد. في وطنهما، حيث كانا يشعران بسعادة وأرادا أن يظلا سعيدين، واجها فجأة الكثير من الدعم الذي لم يطلباه، ولكن في نفس الوقت أيضاً الكثير من الفهم. كان هذا هو الصيف الذي أدرك فيه الكاتبان أنهما دائمًا ما قللا من أهمية كل شيء وقمعا أي تجربة تمييز، وأن الصمت لن يؤدي إلى أي تغيير على الإطلاق. 

التزم المؤلفان من خلال هذا الكتاب بالمقاومة بالكلمة، وبالكتابة، وبالنقاشات العميقة. شيء مهم يقول لهما إنه يجب أن يكونا مختلفين عن الأغلبية في هذا البلد، وأنه بالتالي عليهما أن يتصرفا مثل الأغلبية، أن يتحدثا مثلهم، وأن يتوافقا معهم، ولكن رغم ذلك سيظل يوجد دائمًا شيء ما يدل على أنهما ما يزالا مختلفين. هذا هو الصيف الذي توقف فيه الكاتب عن اعتبار لون بشرته عائقًا، وقد أصبح صيف 2020 رمزا ثقافيا وإثنيا، فهو صيف التوافق مع اللون الأسود. هنا بدأ الكاتب في التصدي للعنصرية في بلده. وقد أدرك الكاتب ما يؤدي إليه الصمت ونتيجة الصمت، فطوّر استراتيجيات سمحت له بتجاوز أزمة العنصرية بشكل جيد. ذلك أنه يمكن للمرء أن يتعلم من أخطائه. في صيف 2020 تم بث الفيلم الوثائقي على قناة SRF ضمن سلسلة المراسل بعنوان "العنصرية في سويسرا: الصيف الذي أغمي عليّ فيه" الذي أنجزته المؤلفة بلندر، بعد مشاهدة هذا الفيلم، تلقت بلدنر مئات الردود  بين داعم، ومتفهم، ومتسائل ومؤكد، وناقد. أعطت كل ردود الفعل هذه صورة لما وصلت إليه سويسرا عندما يتعلق الأمر بالعنصرية ابتداءً من عام 2020، فجاءت فكرة التعمق أكثر في موضوع العنصرية في هذا الكتاب ودمج بعض هذه التأملات والتعليقات فيه. 

 

وجاء هذا الكتاب على شكل حوار بين بلندر ومارتين ر. دين، الذي كتب تعليقاته في البريد الإلكتروني معبرا عن تأثره بالبرنامج، لأنه يصف أيضا جزءًا من سيرته الذاتية بصفته ابنا لأب من ترينيداد، وقد نشأ في مينزيكن في أرغاو في الخمسينيات من القرن الماضي. كان مارتين دين قد وصف العنصرية في العديد من كتبه، لكن في هذا العام كان لديه انطباع بأن السويسريين سمعوا بهذه التجارب وعايشوها. كما تلقت المؤلفة تشجيعا من حركة "حياة السود مهمة"،‏ وهي حركة نشيطة نشأت في المجتمع الأمريكي الأفريقي في 2013 تهدف إلى التخلّص من العنف ضد الأشخاص السود. وتنظّم الحركة مظاهراتٍ ضدّ مقتل أفراد من العرق الأسود من قبل ضباط الشرطة وضد التنميط العنصري وعنف الشرطة واللامساواة القائمة على العنصرية في النظام القضائي في الولايات المتحدة.

 وهذا الكتاب عمل مشترك يلتزم بموضوع العنصرية. كانت هي بداية العلاقة بين بلندر ومارتين دين منذ خريف 2020 بتبادل الأفكار بانتظام حول الهوية والخبرات والتجارب، ومن خلال فكرة خلق حدث أو عمل مشترك وإنجاز فكرة هذا الكتاب على شكل حوار، وردود أفعال حول الفيلم الوثائقي. وتتلقى السيدة تعليقات وردود فعل على الفيلم، من خلال الرسائل القصيرة أو البريد الإلكتروني أو حتى مكالمات هاتفية أو رسائل صوتية أو تعليقات تفاعلية. كتبت هذه التعليقات باللغات الألمانية والفرنسية والإنجليزية، وأغلب المراسلين وافقوا على ضمّ تعليقاتهم على الفيلم الوثائقي إلى الكتاب. وتحتوي هذه التعليقات التي تتحدث عن تجارب القراء في العنصرية في سويسرا وتتوفر ردود الفعل هذه على كلمات ذات مدلول عنصري واقعي.

يتطرق المؤلفان إلى موضوع "لون البشرة"، ذلك أن لون بشرتهما في مجتمع أغلبه من البيض، تعد علامة على الغيرية، ويعد مفهوم "لون البشرة" في اللغة الناقدة للعنصرية تصنيفا مبتكراً. كما يهتم هذا الكتاب بالمفاهيم ذات المحتوى العنصري مثل حداثة، وإفريقيا، وأوروبا، وترجمة، وألماني أسود، وأفرو-ألماني والألماني الآخر، وهي مصطلحات تدل على تسمية ذاتية لأشخاص مضطهدين عرقيا، وتبقى لاسم "أسود" دلالة سياسية ذاتية للأشخاص الذين عانوا من العنصرية والاستعمار. وقد يكون من المفيد الإشارة إلى المسرد في ملحق هذا الكتاب الذي يوفر لائحة مهمة بأهم المفاهيم والمصطلحات المتداولة في مجال العنصرية. وهذا ما شجع مارتين دين وأنجليكا بيلدنر على الإدلاء بشهادتما وتوثيقها في هذا الكتاب الحواري، ففي سويسرا يوجد ملونون يقللون من وجود العنصرية التي لها ضحايا بوصفها ظاهرة اجتماعية. فقد كانت المظاهرات في صيف 2020 تعبيرا عن غضب ضد العنصرية التي جُلبت إلى سويسرا. ويؤكد المؤلفان أن مفهوم الميشلينج، أحد دعائم نظرية العرق عند النازية، قد تقادم استعماله، وأنهما تجنبا استعمال مفهوم "أفريقي/أفريقاني"، لأنه مفهوم يثبت تصورات الصور النمطية السلبية بوصفه "الآخر"، وهو مفهوم لا يسمح بأي تمايز بين سكان القارة الإفريقية، الأمر الذي تؤكده مجموعة من الدراسات السابقة مثل الكتاب النقدي والمرجعي بعنوان "كيف تنطق العنصرية من خلال الكلمات: إرث الاستعمار في الإرشيف العلمي للغة الألمانية" لسوزان أرندت ونادية أوفواتي – الأتزارد (2019)، وكتاب "تشييد التشكيل والهجنة  الثقافية بين الذاتي والأجنبي: دراسة تثاقفية عن صورة الإفريقي في نموذج 'في مكان ما في إفريقيا' لستيفان تسفايغ" لغبرييل ثيور (2020)، وفي قصيدة الشاعرة الإفريقية-الألمانية ماي أييم بعنوان "شائن وبلا حدود: قصيدة ضد الوحدة الألمانية (الزائفة)، ضمن كتاب "البلوز في أسود-أبيض، أغنية ليلية"، (2021).

ويمكن أن نقرأ بتمعن ملاحظة مهمة للمؤلفين تقول إنه لا توجد دائما ترجمات ألمانية أو حتى عربية لمجموعة من المفاهيم التي ظهرت في حركة الحقوق المدنية الأمريكية في الستينيات، ومعظم الكلمات المقابلة لهذه المفاهيم هي ترجمة قابلة للتساؤلات والنقد. ومن بين المفاهيم التي يرتكز عليها مضمون هذا الكتاب المشترك مفهوم "عنصرية عمياء الألوان"، وهو مفهوم يصف ظاهرة البيض الذين ينطقون بعبارة "الملونون" دون النظر إلى لون بشرتهم، وبالتالي هم ينفون التمايز الموجود في العالم.ومفهوم "السود والملونون"، حيث يشير مفهوم السود إلى السكان الأصليين، أما "الأشخاص الملونون" فهو الوصف الذاتي للأشخاص والجماعات التي عرفت تجارب عنصرية، ويعتبر المصطلح جزءًا من بناء النظرية العرقية والمصطلح الاستعماري. بينما تم التخلي عن مفهوم "ذي بشرة داكنة" في نقد اللغة العنصرية، لأنه مرادف للآخر بالمعنى القدحي. ويعني مفهموم "الموروس" "أسود"، وكان المصطلح يستخدم سابقًا للإشارة إلى السود، بشكل سلبي، وهو يعتبر اليوم إشارة عنصرية. واستخدم المصطلح "هجين" سابقًا لأشخاص من أبوين أسود وأبيض، وهو مستعار من مملكة الحيوان ومشتق من نظرية عرقية. واعتبر المؤلفان مفهوم "العنصرية الإيجابية" مصطلحا مضللا إلى حد ما، فهو يعطي صفات نمطية تراتبية للسود، مثلا  كالقول: يمكن لجميع السود القيام بالرقص الجيد، ويمكن للسود الركض بشكل أسرع. وحتى لو كانت هذه الصفات حسنة النية،  فهي كليشيهات تعزز القوالب النمطية والأحكام المسبقة وبالتالي تديم مفهوم العنصرية. وبنفس المعنى تقريبا يأتي معنى "التنميط العنصري" الذي يشير إلى تعرض الناس إلى التضييق لدوافع عنصرية مثل لون البشرة في الجمارك ومع الشرطة.

ويحاول المؤلفان تلخيص تصورهما للعنصرية بالحديث عن إديولوجية تبرر التمييز العنصري حسب تصنيف المجموعات السكانية أو  البيولوجية أو الخصائص العرقية الثقافية للآخرين. ويشير المفهوم إلى طريقة التفكير والموقف والتصرف بوعي أو بغير وعي، بطريقة عنصرية. وتصنف لجنة الكونفدرالية لمناهضة العنصرية العنصرية كظاهرة، بينما ليس السود فقط من يتعرض لها، ولكنها تبدو أكثر وضوحا معهم. بالتالي فإن العنصرية ليست مشكلة فردية، بل نظام ترتيب وتصفيف وتمييز له تاريخ طويل. بينما تشكل العنصرية البنيوية نوعا من العنصرية الذي يتم التعبير عنه في الهياكل الاجتماعية؛ على سبيل المثال، مشاكل السكن والبحث عن العمل والأجور أو التوزيع غير المتكافئ للموارد من الاجتماعية، السياسية، الوسائل الاقتصادية والثقافية.

 

في التقرير الرائع على القناة السويسرية، أبدت أنجليكا شجاعة كبيرة لتعلن عن تجربتها بوصفها امرأة سويسرية سوداء. قرر الباحثان بدأ المحادثة انطلاقا من تجاربهما الشخصية، ومن حقيقة أنهما عانيا من التمييز، فهما يستمدان الحق في التحدث عن الموضوع علنا. إذن الغرض هو السير حثيتا من أجل تحرير الأقليات العرقية، والاهتمام بالأشكال العديدة التي تثير السلوك العنصري، وأثر التمييز على الحياة الطبيعية للناس. ويهدف الكتاب إلى أن يكون وثيقة لمناقشة مشتركة بين المتضررين؛ فقد أصبحت العنصرية والتنوع من الموضوعات المهيمنة في سويسرا. كان صيف 2020 شرارة أولية للكاتبين. ولكن من المهم الإشارة إلى أن إرهاصات سابقة بدأت بمناقشة التمييز والتنميط العنصري. فقد تمت إدانة العنصرية حيث سبق حوادث بازل انتقاد السود بشدة للرسم الكاريكاتوري الذي يصور أفريقيًا يشبه آكلي أسود يرتدي تنورة مع عظم في شعره. وكره الأجانب والعنصرية لهما جذور مختلفة في سويسرا؛ فقد تم نقل مشاعر كره الأجانب قبل الحرب العالمية الثانية كدفاع ذكي ضد كل شيء أجنبي. لكن ظهور الصور المهينة للآخرين التي تخلق أنماطًا عنصرية من الإدراك والفكر تعود إلى أبعد من ذلك بكثير في تاريخ الاستعمار والأنثروبولوجيا. 

ويحث المؤلفان في كتابهما المجتمع السويسري الذي أصبح أكثر تنوعا، على مواجهة الوضع ويهتم بمدى الحاجة لنقاش حول المساوئ والتفاوض حول الصور الاستعمارية للأجانب. كمواطنين سويسريين، يحاول المؤلفان خلق لغة لهما للعثور على هذه الخبرات والمواقف لمشاركتها مع الآخرين؛ فعندها فقط يكون المجتمع خاليا من هذه الآفة العنصرية. ويستشهد المؤلفان بقصيدة ماي أييم May Ayim  التي تقول: "أريد أن أكون إفريقيا، بالرغم من ذلك،/ حتى لو رغبت ذات يوم في أن أكون ألمانيا/إضافة إلى كل هذا، سأصبح ألمانيا،/حتى لو لم يناسبكم سواد بشرتي".

والاستشهاد بهذه القصيدة، وبكتب علمية أخرى، لمارتين ر. دين، ولباحثين سابقين، دليل على تكاملية محتوى هذا الكتاب الواضحة في الأدب وفي البحث الميداني والعمل المشترك والمرجعية العلمية. 

 

العنصرية تصنع التمييز بين الملونين والبيض، ويساهم السلوك الفردي في اتساع الشرخ بينهم. تتجلى العنصرية في أشخاص لديهم آراء مختلفة ويريدون فرض ثقافتهم على الآخرين. بالتالي يمكن لهذا الكتاب أن يرسم خارطة طريق لكل الأوروبيين وجيران سويسرا من أجل القضاء على العنصرية. يؤكد مارتن على أن اللون الأسود يشير إلى التجارب التي مرر بها، وإلى هوياته بصيغة الجمع، فهناك من يصفه بالأبيض، وآخرون يصفونه بالأسود، فهو إذن جزء من إفريقيا. لكن هي جرأة أن يتساوى مارتين مع المنحدرين من أصل أفريقي. لأنه إذا كان الحديث هنا عن الإقصاء، فإن الأفارقة بالتأكيد يلاقون معاملة مختلفة عن معاملة الهنود في أوروبا. وقد وصفت الكاتبة ميثو سانيال هذا في كتابها، حيث تقول إن النساء الهنديات في ألمانيا لديهن دائمًا  لمسة روحانية، وهو ما لم تنسبه للسود. والكاتبة والصحافية الألمانية، التي ولدت في مدينة دوسلورف عام 1971، تدور موضوعات كتبها حول قضايا رئيسة كبرى كالعنصرية والهوية وصراع الهويات وثقافة ما بعد الاستعمار. ويدل عنوان روايتها الأولى "الهوية" على مضمونها، فهي تدور في القرن العشرين، في حقبة ما بعد الاستعمار، حول أستاذة "بيضاء اللون" متخصصة في الأبحاث والدراسات ما بعد الاستعمارية، تتعرض لمواقف وأسئلة تتعلق بالهوية. وتنضاف هذه الرواية إلى نضال الصحفية الثقافي والحقوقي وفي عالم الدراسات الثقافية والإنسانية. والرواية يمكن للمرء أن يتعلم منها الكثير أثناء قراءتها، خاصة وأنها تعرض للفضيحة التي تتعرض لها الأستاذة الجامعية من خلال فضح أصولها الهندية عبر مَن يتتبعون سيرتها، وهنا نستنتج أن الكاتبة تستبعد التنديد والإدانة عند عرض الآراء المختلفة التي لا يمكن التوفيق بينها.

على سبيل الختم، يتهم المؤلفان الكُتَّابَ بإعادة إنتاج العنصرية من خلال إعادة تدوير المصطلحات العنصرية، ويدعوان الكتّاب والصحفيين إلى تجنب اللغة العنصرية؛ فالكلمات العنصرية، حتى لو كانت سياسيا صحيحة، فإنها تفقد وضوحها من خلال الاستخدام المتكرر لها.

 

تفاصيل الكتاب:

الكتاب: الصيف الذي أصبحت فيه أسود.

المؤلف: أنجليك بلندر ومارتين ر. دين.

دار النشر: أطلانتيس/كامبا، زيوريخ سويسرا، 2021.

اللغة: الألمانية.

عدد الصفحات: 192.

أخبار ذات صلة