رحلة في فلسفات العالم

les.jpg

روجي-بول دروا

محمد الشيخ

كان قد ختم البيروني ترجمته لكتاب في اليوغا نقله عن الهنود بالقول: "سأعمل، بإذن الله، كتاباً في حكاية شرائعهم، والإبانة عن عقائدهم، والإشارة إلى مواضعاتهم وأخبارهم، وبعض المعارف في أرضهم وبلادهم". وكان أن وفى بوعده، فألف كتاب "تحقيق ما للهند من مقولة معقولة في العقل أو مرذولة". لكنه تلافى إطلاق لفظ "فلسفة" و"فلاسفة" على أنظار الهنود وعلى أرباب هذه الأنظار؛ مفضلا عليهما لفظي "حكمة" و"حكماء"، وما ذكر لفظي "الفلاسفة" و"الفلسفة" اللهم إلا مقرونين باليونان وببلادهم؛ معتبرًا أنَّ "اليونان فازوا بالفلاسفة". لكن البيروني نفسه سرعان ما أقصاه بعض ممن وضع ترجمات فلاسفة الإسلام واسترخص عليه أن يستحق اسم "فيلسوف"؛ فكان أن قال عنه البيهقي في كتابه "تاريخ حكماء الإسلام": "ولم يكن الخوض في بحار المعقولات من شأنه، وكل مُيسر لما خلق له"، وتبعه الشهرزوري في هذا. والحال أن هذه الحادثة تلخص لوحدها معضلة الكتاب الذي بين أيدينا وبغيته. 

ومغزى الحادثة والكتاب معًا: تُرى من ذا من الشعوب أنتج "فلسفة" وأنشأ "فلاسفة"؟ وهل بمكنة أمة بعينها أن تحتكر صناعة "الفلسفة" وتخريج "الفلاسفة"؟ يقول مؤلف الكتاب ـ الباحث الفلسفي الفرنسي الشهير روجي بول دروا (1949-      ) ـ إنه، شأنه في ذلك شأن مجايليه من الذين درسوا الفلسفة، ما تعلم فتيلا، خلال تكوينه الفلسفي، عن الهند والصين والتبت، كما ظل في جهالة عمياء بالفلاسفة اليهود والمُسلمين، وما تمرس إلا بنصوص فلاسفة الغرب. وما اكتفى أساتذته بالصمت، وإنما زادوا على ذلك بالإنكار. وفي سن الثلاثين، وقد بات أستاذ فلسفة، حدث له أن اكتشف نصوص علماء منطق بوذيين؛ في مبسوطات هندية في المنطق والميتافيزيقا. ثم تعلم شيئا من السنسكريتية، وقرأ للعديد من المتخصصين، وتردد عليهم، سعى إلى أن يُعيد توجيه مساره. وهنا سرعان ما انقدح في ذهنه سؤال: لماذا تمت المواربة عليه وحجب كل هذه الكنوز عنه حتى وإن ما كان الأمر عمدا وإنما توارثه أساتذته؟ ما أصل هذه المواربة؟ وما سرها؟ شغلته هذه التساؤلات حوالي 15 سنة، وخصص كتابين للحفر في هذا الانغلاق: الأول كتاب "نسيان الهند: فقدان ذاكرة فلسفي (2004)". وقد سعى إلى أن يفهم فيه كيف أنَّ المذاهب الفلسفية الهندية، وبعد أن كانت شغفت بها أوروبا في القرن 19، وجدت نفسها في القرن 20 منسية. والثاني كتاب: "عبادة العدم: الفلاسفة وبوذا" (2004) نزع فيه إلى إيجاد مفتاح منعطف النسيان هذا الذي أنشأ بوذية أوروبية متخيلة حولت بوذا إلى فزاعة عدمية تخبرنا عن حال أوروبا أكثر مما تنبؤنا بحال البوذية. ثم جاء كتاب: "صمت بوذا ومسائل هندية أخرى" (2004)، وهي دراسات على هذه الشاكلة. ثم  كان تأليفه لمختصر عن تاريخ الفلسفة العالمي (2010)، وإشرافه على مصنفين ضخمين: نصوص مختارة من الفلسفات غير الغربية (2009)، وهو عبارة عن منتخبات من أعمال فلسفية هندية وصينية وتبتية وعبرية وعربية وفارسية ... 

 

من المنغلق إلى المنفتح

يدافع المؤلف على دعوى ويمثل لها بأمثلة. فأما الدعوى فتصور للفلسفة يمكن أن ينعت بأنه "منفتح" يرى أن ما يحدد الفلسفة، من حيث هي فلسفة، ما كان لسانا معينا ولا ثقافة بعينها، لا ولا حتى كوكبة مسائل محددة، وإنما هو، قبل كل شيء، طريقة في التساؤل مخصوصة، ومنهج عقلاني في إعادة النظر في المعتقدات المشتركة وفي المفاهيم المتداولة. إذ أن أوبة الفكر على نفسه مسائلا ذاته إنما هو الأمر الحاسم. والحال أن هذا التصور للفلسفة يتعارض مع التصور الشائع في الغرب الذي يعتبر الفلسفة اعتبارا قصريا إقصائيا، ويعدها شأنا "منغلقا" يسيجه اللسان ـ اليوناني والألماني بالأساس ـ والمسائل المتداولة (الوجود، الحقيقة ...) والمؤسسات (الأقسام الجامعية، التخصصات، مراكز البحوث ...). ويحفر المؤلف في جذور تصور الفلسفة الموصدة. وعلى عكس ما يُعتقد يجد أنه ما كان قناعة قديمة راسخة في تاريخ الفلسفة، وإنما هو قناعة طارئة بنت القرن العشرين. إذ الأصل إنما هو فكرة "الفلسفة المنفتحة". ويسعى صاحب الكتاب إلى أن يفصلنا عن تاريخ الفلسفة الحادث، وأن يصلنا بتاريخها الراسخ. والذي عنده أن الفلاسفة القدامى ما عُهد عنهم أنهم كانوا يعرفون فكرة أن لا فلسفة اللهم إلا فلسفة الإغريق، وأبدا ما ادعوا أنهم وحدهم من أبدع فكرة الفلسفة، بل  كانوا يجهلون فكرة التفرقة بين "الفلسفة" و"الحكمة". وقد جروا على إطلاق لفظ "الفلاسفة" على الكهنة المصريين والمجوس الكلدانيين والزهاد العراة الهنود والحكماء العبرانيين والكهان الجوليين القدامى. ولنا أن نعود إلى أول عبارة يفتتح بها ديوجينيس اللائرتي ـ وهو أشهر مؤرخي الفلسفة من القدامى ـ كتابه الشهير: "سير مشاهير الفلاسفة ومذاهبهم وأقوالهم": "يقال إن الفلسفة بدأت لدى البرابرة [= يعني الذين لا يتحدثون باللسان اليوناني، وليس المتوحشين]". ولا غرابة أن يستمر هذا التقليد في العصر الوسيط وعصر النهضة والعصر الكلاسيكي إلى حدود عصر الأنوار. فلا أحد في العصر الوسيط، مثلا، كان يخطر بباله أن ينكر على المفكرين العرب  أو اليهود لقب "الفلاسفة"، على الرغم من الصراع العقدي المستعر. كما أن مبسوطات تاريخ الفلسفة تشهد بذلك إذ كانت تعم ولا تخص. أما اليوم، فقد اختفت الإحالة على الفلسفات غير الغربية في المؤلفات المدرسية. وهو ما يرى فيه المؤلف مثالا ناذرا عن "ردة ثقافية" بحيث أن ما كان الغرب يعلّمه بين 1830 و1850 بات أرفع مما صار يوصله في القرن 21 ـ ويا للمفارقة! 

ويوجه المؤلف التهمة في هذا الانغلاق الطارئ إلى "الهاءات الثلاثة": هيجل وهوسرل وهايدجر الذين تبنوا جميعا العبارة: "لسنا نجد من فلسفة اللهم إلا عند الإغريق"؛ بما يعني أن الفلسفة بدعة إغريقية استثنائية محفوظة، وأنهم ورثتها الوحيدون؛ بحيث توجد الفلسفة فحسب في أثينا وروما وبرلين وباريس ولندن ونيويورك، وتنعدم في بيناريس وبكين وأورشليم وبغداد. قال هيجل: "لدى الهنود (...) كل شيء غفوة حلم [ولا يوجد عندهم فكر]". وقال هوسرل: "فحسب لدى الإغريق نعثر على انشغال حيوي وكوني وعلى جماعة من الفلاسفة والعلماء جديدة الجدة". وقال هايدجر: "إنما الفلسفة يونانية في كينونتها الحميمية". وتعلة هذه الدعوى أن العاقلية اليونانية مميزة لا نظير لها قطعت مع أفق الأساطير والمعتقدات الإغريقية. وهي عاقلية ما ورثها سوى الغرب. ورد المؤلف أن هذه العاقلية الصرفة أمر متوهم، وأن القول بها يشي بنزعة طهرانية خلوصية، وأنه أبدا ما وُجدت عاقلية صرفة، وإنما العاقلية تكون دوما ممزوجة: نصوصها توجد مهجنة بنصوص أخرى وحيانية وبتقاليد فناء صوفية وبحكمات شرقية وغربية. والأمر أولى أن ينطبق على الفلسفات الغربية: فلا خلوص للفلسفة عند أفلاطون وأبيقورس وأفلوطين، من القدامى، ولا عند أوغسطينوس وتوما الأكويني، من الوسطويين، ولا حتى عند اسبينوزا وباسكال، من المحدثين. ومما طم الوادي على القرى الإرث الأنواري الذي صور للناس أن لا فلسفة إلا وهي ناقدة للدين النقد الجذري، مع أنه في قلب الفكر الديني تتولد الفلسفة التي لا تعادي الدين بالضرورة وإنما تحفظ المسافة النقدية معه. وزادت العولمة التأحيدية التنميطية ـ التي هي تغريب مقنّع ـ من فداحة تصور أن لا فلسفات ثمة اللهم إلا فلسفة واحدة، وأن سواها سراب ووهم، وأن الفلاسفة لا يستوطنون إلا منطقة واحدة، ولا يتكلمون اللهم إلا ألسن أوربا. 

ويسعى المؤلف إلى مراجعة تعريف "الفلسفة" الذي قُدَّ على مقاس الإغريق: لا فلسفة ثمة اللهم إلا الفلسفة الإغريقية، كما يهدف إلى مراجعة تسوية الفلسفة: الفلسفة هي هي في كل مكان، كينونة بلا بينونة. وتتمثل مراجعته في دعواه أن الفلسفة أشكال ثقافية متباينة، وألوان من التفكير المنطقي الصارم والنقدي متعددة، تتناول أمورا أساسية دائرة على المعرفة وعلى الوضع البشري. فلا مساغ إلى تضييق واسع، أو الحجر على مختلف. إنما كل الأمم تفلسفت بمقدار. وليس يعني هذا أن سائر الفلسفات سواء، وإنما تحتكم هي إلى جدل المماثلة والمباينة. "لا فلسفة اللهم إلا الفلسفة الإغريقية": تلك أسطورة سائرة إلى نهايتها في نظر المؤلف. وقد طفقت تتآكل بفضل جهود بذلت لإدخال أعمال فلاسفة غير أوربيين إلى مقررات الدراسة حتى بأوربا نفسها: تشوانغ تسو، أب الطاوية، نجاجونا، شيخ الجدل البوذي، ابن سينا، المازج المسلم بين الطب البدني والطب الروحي، ابن ميمون، الفيلسوف الطبيب العبري ... 

والحال أن الكتاب يعتبر مدونة رحلة يدعم  قارئه على استغوار "فلسفات العالم": محاورها الفكرية، طائفة من مؤلفيها الأساسيين، بعض من مفاهيمها الكبرى. وهو يأخذ بيد القارئ عن طريق اقتراح نصوص ومؤلفات وأدوات لقراءة الفلسفات الهندية والصينية واليهودية والإسلامية ... غايته أن ينجز  "سفرا في الرؤوس" أكثر من سفر في المؤلفات والمذاهب والمدارس ...  

 

فصول الكتاب الخمسة

 في بداية الفصل الأول، وهذه سُنَّة سوف يتبعها في سائر الفصول، يضع المؤلف خريطة ظهور وضمور التأمل الهندي من حواشي الفيدا إلى أفول البوذية الكلاسيكية مرورا بما يسميه العصر الذهبي للفلسفات الهندية (بين 300 و800 م). ويقسم فصله إلى مقاربات تدرجية، على نحو ما سوف يلتزم به في كل الفصول الأخرى من النظر الإجمالي إلى النظر التفصيلي، تتجول بنا في حدائق المدارس الفلسفية الهندية التي تطورت وتخلصت وتكملت شيئا فشيئا في تفاعل مع نقد البوذيين لها. وقد أجمعت على أن ثمة ست وجهات نظر تنشأت عنها ستة مذاهب فلسفية تآلفت في ثلاث مجموعات مثنى مثنى؛ فضلا عن مذاهب جانية ومادية وبوذية. على أن الأصل فيها هو الوحدة لا الانقسام. ومن الملفت للنظر أن هذه المذاهب، وعلى عكس التقاليد الغربية، لا تعزى إلى أسماء بعينها، وإنما هي أشبه شيء تكون بمذاهب من غير أعلام؛ إذ ما كان يهم في الهند هو ما قيل لا من قال. فضلا عن أن مظان هذه المدارس إما "مختصرات" أو "مبسوطات". وسمة ثالثة أخرى هي أن هذه المدارس تنهض على أساس واحد ـ الفيدا ـ بوصفها تصورا موحدا للعالم: ثمة خلف مظهر العالم المتنوع مخبر واحد، ولا يتم التحرر من آسار المتعدد اللهم إلا بالتعرف على الواحد. ثم سرعان ما تتفرع المدارس من غير أن تقوى على أن تتعارض في طرق قدد، وإنما يتم تقديمها على أنها "وجهات نظر"  ـ "دراسنا" ـ ومقاربات متباينة لحقيقة واحدة. وإذ تنشأ المناظرات بينها، فإنها لا تخرج الخصم من الملة الفلسفية، وإنما تعده قد زاغ وهو يطلب الحق. هذا وينهي المؤلف فصله بجامع مفاهيم الفلسفة الهندية ـ الأدياسا والأدفياتا والأنومانا والأيمان والبرهمان والدراسنا والدارما والموكشا والنرفانا والسمسرا ـ  وبعرض مقروءات للمبتدئ والمنتهي.  

ويخصص المؤلف الفصل الثاني إلى الفلاسفة الصينيين. وهو يرى أن ما يميز المدارس الفلسفية الصينية، بالأساس، إنما هو بعدها العملي؛ إذ تشهد سائر جدالات هذه المدارس نقاشا مستفيضا حول طيبة الإنسان وشريته، وإحسان المرء وإساءته، ولطفه وقسوته؛ لا سيما حين يتعلق الأمر بالحاكم. وقد وضع المؤلف ضربا من القاموس الموجز لهذه الفلسفة ضم مفاهيمها المفتاحية؛ شأن "الداو" أو "الطاو" الذي يعني النهج الذي على الإنسان اتباعه في الحياة، كما يعني "مجرى الأمور" الطبيعي الذي يلزم أن يقتفيه الإنسان في مسلكه الحياتي. و"الفاجا" التي تفيد تحكم قائد الآلة في آلته من أجل تحقيق الطاعة بناء على المصلحة والخيفة. و"الفان" الذي يفيد معنى الأوبة؛ إذ كل ما من شأنه أن ينطلق فأمره أن يعود في دورات، كما من شأن الحكيم أن يؤوب إلى طبيعتنا بالانفكاك من آسار الروابط الاجتماعية الشديدة الوطأة. و"اللي" الذي يعني ضربا من السكينة والروية. و"التيان" الذي يفيد التغير الدائم ودورة الدورات ... 

وفي الفصل الثالث يتجول بنا المؤلف في "رؤوس الفلاسفة البوذيين" (الهنود والصينيون والتبتيون واليابانيون) آخذا بيدنا في هذا البحر اللجاج من النصوص والشطحات والاستدلالات والنظريات والممارسات التي لا تقبل أن تُختزل، والتي يعسر ضمها في "جوامع كلم". وبنوع من التسمح في العبارة يمكن القول إن ما يوحد بينها هو القول بالسبيل المعتدل بين سبيلين: الدعة والبساطة، التوتر والاسترخاء، الحق والباطل، الإثبات والنفي. على أن المؤلف يرى أن "البوذية" بدعة أوربية لا حقيقة لها في آسيا. وحقيقة تعاليم بوذا أنها تتغيا الاستشفاء والتحرر أكثر مما تتغيا المعرفة؛ على أن المعرفة قد تفيد في تبديد الأوهام التي تتنشأ عن الجهالة. وبالجملة، الكلمة الفيصل فيها اتباع النهج الأوسط القائم على النفي المزدوج: لا هذا ولا ذاك، وهو طريق وليس مذهبا. وكعادته يورد المؤلف عصب مفاهيم فلسفة بوذا وأتباعه ذات الأصل السنسكريتي والتبتي والصيني والياباني؛ نظير "الأليافيجنانا" التي تفيد الوعي، و"الشان" أو "الزن" الذي يعني تركيز الذهن والخشوع، و"الكوان" الذي يفيد الأحجية التي تلقى على المريد بغاية إيقاظه من خموله، و"الدياماكا" التي تفيد طريق الوسط ...

وفي الفصلين الرابع والخامس، يتناول المؤلف الفلسفتين العبرية والعربية. ويذكرنا، بدءا أن الفكر اليهودي إنما نشأ قبل الفكر الإغريقي، وأنه كان على النقيض من الفلسفة بدءا، وأنه أعلى من شأن الزمن والتاريخ، وجمع بين القول والفعل والحكمة والمحبة مما فرقه الإغريق. لكن هذا الفكر اغتنى بهذه الفوارق؛ لا سيما بين الوحي التوارتي والفلسفة اليونانية، واللسان العبري واللسان العربي. ثم توجه هذا الفكر نحو البعد الصوفي  متمثلا في القبالة. وقد نبه المؤلف إلى أهم أعلام هذا الفكر الفلسفي من فيلون الإسكندري إلى ما سماه "مجرة ابن ميمون" مرورا بسعديا الفيومي وبابن جبيرول وبيهوذا اللاوي ... وافتتح فصله الخاص ـ في رؤوس الفلاسفة العرب والمسلمين ـ باقتباس من الباحث الفرنسي كرستيان جامبي لخص فيه تصوره لهذه الفلسفة: "كلا؛ ما كان هؤلاء الفلاسفة فلاسفة على الرغم من الإسلام، ولكن بدءا منه ومعه وفيه وبه". ثم خصص فقرات من هذا الفصل لما سماه "إسلام الأنوار"، متنقلا بين الكندي والفارابي والغزالي ـ "مضاد الفيلسوف" ـ وابن رشد ـ "آخر العظماء". وبعدها تناول السهروردي وإشراقيته. وفي هذا كله ذكرنا بالجانب الإبداعي عند هؤلاء الفلاسفة نابذا أطروحة كونهم مجرد مقلدة ومحشية على فلسفة الإغريق. 

 

على سبيل الختم

في خاتمة كتابه يثير المؤلف سؤالين: الأول يتعلق بما كان غائبا في هذه "الرحلة"؛ أي "الفلسفة الإفريقية" و"الفلسفة الأمريكية العتيقة". والثاني بوقوفه عند حدود القرن السادس عشر الميلادي وعدم تجاوزه في عرض "فلسفات العالم" إلى العصر الحاضر. وفي ما يخص السؤال الأول، يرى أن ما منعه من عرض الفلسفات الإفريقية والأمريكية القديمة إنما هو طابعهما الشفاهي؛ إذ كانت فلسفات نقدية شفوية، ولا فلسفة عنده إلا الفلسفة التي تنتج مكتبة. وفي ما يخص السؤال الثاني، يقر المؤلف أن "تغريب العالم" أدى إلى تهجين فلسفات العالم وأفقدها بعضا من هويتها. ولا يريد هو أن يختم كتابه إلا بتوجيه أربع نصائح إلى المقبل على دراسة "فلسفات العالم": أن يحفظ لكل فلسفة كرامتها، وأن يحيي في نفسه فضول الإطلاع، وأن يهتجس بهذه الفلسفات لا أن يتوجس منها، وأن يتفادى الثنائيات الضدية القاتلة: المُغالاة في تغريب الغريب وفي استيلافه الاستيلاف على حد السواء. 

 

تفاصيل الكتاب:

عنوان الكتاب: رحلة في فلسفات العالم

اسم المؤلف: روجي-بول دروا

دار النشر: ألبان ميشيل

سنة النشر: 2021

أخبار ذات صلة