حوارات

حوارات.jpg

 في. دي. ساتيشان

فيلابوراتو عبد الكبير

 الحوارات والمحادثات التي تجري باستمرار هي روح الديموقراطية وضمان بقائها. إنما تنجح الديموقراطية في حين تتخذ فيه القرارات بناءً على آراء تُجمع من الشعب وتَقود إلى تغيير إيجابي في حالات البلاد. إذا كانت المبادرة في هذا الشأن من جانب أحد نُوّاب مجلس الشعب فلا شك أن لها أهمية خاصة تُلفت إليها أنظار الجمهور. وهذا الكتاب خير مثال لذلك. لأنه يحتوي على حوارات هادئة أجراها نائب في مجلس الشعب في كيرالا اسمه في. دي. ساتيشان. يحاول ساتيشان من خلال هذه الحوارات الممتعة تقديم أفكار واضحة لبناء كيرالا من جديد التي تقع في أقصى جنوب الهند.

وللكتاب ميزتان، أولاهما أن مؤلفه حالياً زعيم المعارضة في مجلس شعب كيرالا، السياسي الواعد من الجيل الجديد الذي ينتمي إلى حزب المؤتمر، وثانيتهما أن وجهات النظر المختلفة التي تَنعكس فيه تشير إلى اهتمام الكاتب باختيار الماهرين في مجالاتهم ليُعبِّروا عن آرائهم في موضوعات تتعلق بمستقبل الولاية. ويُلاحظُ أن هذه الحوارات بعيدة من أي انتماءات حزبية ضيقة حيث نرى فيها شخصيات مثل الدكتور طوماس أيساق، الاقتصادي البارز في الحزب الشيوعي وغريم الكاتب في السياسة. وقد سبق له أن تقلد منصب الوزير المالي في ولاية كيرالا تسع سنوات. ولم يتردد المؤلف أن يضع الحوار معه في مقدمة سلسلة هذه الحوارات. يَذْكر فيه سجالات كثيرة جرت معه سابقا مؤكدا أن هذا الحوار يختلف عنها تماما؛لأن هذا الزمان يختلف عن سائر الأزمنة السابقة حيث إن العالم قد تغير كثيرا بعد سيطرة جائحة كورونا على جميع أنحائه.

 كان الركود الاقتصادي عام 1930 من الأزمات الكبيرة التي واجهها العالم. نتيجة لهذا الركود وما تبعه من الحرب العالمية كانت هناك تحولات كبيرة في العالم. يطرح المؤلف سؤالا عما ينتظر الاقتصادي طوماس من حالات ومآلات قد تأتي بها جائحة كورونا على المستوى الاقتصادي العالمي وخصوصا في الهند وولاية كيرالا. يقول طوماس إن الأزمات، أيا كانت طبيعتها، قد سببت تحولات كبيرة مثلما سبّب الانهيار الاقتصادي في الثلاثينيات. هنا ينقل نظرية الدورة الطويلة التي تختص بالاقتصاد. سابقاً كان النقاش يتمحور على دورة انحدار أو ازدهار الأعمال التجارية التي تنحصر في حدود ثماني أو تسع سنوات. أما هذه الرؤية الجديدة فتنص على أن الظروف الاقتصادية صعودا وهبوطا تتم بشكل دوري يمتد من 20 إلى 25 سنة. ولذلك الجميع مشغولون في الفكر عن مستقبل اقتصاد بلادهم في مرحلة ما بعد كوفيد. قبل أن يكون كورونا سيّد العالم كانت العولمة واقتصاد السوق تُضيّقان اقتصاد البلدان المتطورة وغير المتطورة. كنا نتمنى عالما بلا حدود. ولكن كورونا أغلق أبواب جميع البلدان بحيث يُعيق التبادل التجاري بانسياب. كنا نعتقد أن ظواهر مثل العولمة واقتصاد السوق وهيمنة البلدان النامية غير قابلة للتغيير. ولكن جائحة كورونا جعلتنا نفكر في البدائل في جميع الحقول. لمّا آل عز العولمة إلى أفوله بدت الأسواق المحلية تستعيد عافيتها من جديد حتى أن رئيس الوزراء الهندي بدأ يتحدث بصوت عال عن الاعتماد على الذات، ودوي الهتاف الذي رفعه جوهر لال نهرو الذي يحاول مودي تعتيم صورته في المشهد العام. وكذلك حين أُغلقت الدكاكين عند الحجر الصحي تنقَّلَ التسوق إلى منصات الإنترنيت. لما خاف الناس من لمس الأوراق المالية توجهوا إلى استخدام النقود الديجيتالية.

العالم الآن على أعتاب عصر العملات المشفرة مثل بيتكوين. وقد تستبدل الروبوتات بمكان الأيادي العاملة ويتقلص دور العاملين مما تستقوي سيطرة الرأسمالية واستغلالها بصورة جديدة. وقد يزداد تحكم الذكاء الاصطناعي على الأعمال الإدارية والمالية والصناعية. المدارس والجامعات أيضا تتنقّل إلى مواقع الإنترنيت مما قد يؤدي إلى تقليل الحاجات إلى المباني في المتسقبل. إذًا تتوسع الفكرة إلى كيف أن الأزمات تتبدل إلى الفرص. يقول طوماس إن الحزمات التحفيزية التي أعلنتها الحكومة المركزية لا تفي بالغرض في هذا الصدد. الشركات الكبرى التي تستلم القروض من البنوك بموجب هذه الحزمات المحركة لا تستطيع الاستفادة منها بشكل مطلوب إلا إذا تتوافر العملات الصعبة على أيدي الناس بحيث تزيد قوّتهم الشرائية؛ لأن الاقتصاد السليم مبني على دعامَيه من العرض والطلب. وهما عنصران متلازمان يحكمان اقتصاد البلاد. توازن السوق يعتمد على أن يكون العرض يساوي الطلب بشكل تام. ولو أن الحسابات المعروفة بـ" جن دهن" (حسابات تختص بالطبقة الفقيرة) قد تم فتحها في البنوك بموجب اقتراح الحكومة المركزية فلم تهتم الحكومة بضخ المال إلى تلك الحسابات كما يقول طوماس. ويشير إلى أن الحكومة الهندية لها أسوة في الحكومة البريطانية التي قامت بتزويد قرابة 80 % من المال إلى عمال الشركات الخاصة مباشرة. وفي نظر طوماس للاقتصاد حالتان، إن كانت حالته في منحنى بشكل حرف "أيل" L Curve) ( في الانجليزية، فصعب صعوده إلى الأعلى. أماّ إن كانت في منحنى بشكل حرف "في ( (V Curve قد يعود إلى حالته المستقيمة السابقة. فعلى الحكومات الحيطة والحذار أن لا يؤول المنحنى إلى L . ومن النقاط المهمة بهذا الصدد اقتراح "كوتش أوسيف تشيتيلا بالي" أحد الصناعيين البارزين في القطاع الخاص، وفي حوار آخر في هذه المجموعة يطالب للحكومة بالتنازل عن الفائدة للقروض التي تستلمها الشركات من البنوك. ويشرح في هذا الحوار تجاربه الشخصية في الوسائل التي اتخذها للتغلب على الأزمة الاقتصادية. 

 

يرى طوماس أن كيرالا سينخفض إنتاجها 15 في المائة كما ستنخفض الإيرادات من العملات الخارجية إلى 25 في المائة وفقا لإحصائيات البنك الدولي. ما الحل لهذه الأزمة؟ يقترح ساتيشان حلا لهذه الحالة، أن تكون ولاية كيرالا محجة سياحة صحية حتى تتمكن من استعادة عافيتها الاقتصادية. يوافق طوماس على هذا الاقتراح مضيفا إليه ضرورة تدريب عدد كاف من الممرضات. لأنه ينتظر فرصة ذهبية لهن حيث توجد وظائف شاغرة للممرضات المتدربة والعاملين في خدمات شبه الطبية في كثير من المستشفيات في دول خارج الهند. والعلاج أيضا بأنواعه المختلفة من "أيور فيدا"، العلاج التقليدي والطبيعي، و"الهوميوباتي" مجال جيّد لتوفير العُملات الخارجية، لأن العلاج في الهند وخاصة في كيرالا تكاليفه زهيدة بالنسبة للدول الأوربية. 

وفي حوار تال مع الدكتور أم. في. بيلاي يناقش ساتيشات موضوع الفرص التي قد تفتحها جائحة كورونا في مجال الصحة. الدكتور بيلاي طبيب إخصائي يترأس الشبكة الدولية لعلاج وأبحاث السرطان. وقد درس الطب في عدد من المؤسسات التعليمية الدولية مثل جامعة جافيرسون في أمريكا والجامعة الطبية في أوكلاند وجامعة فيرجينيا الطبية كما علّم في هذه الجامعات. وفي الحوار معه يطرح عليه ساتيشان سؤالا عن دور منظمة الصحة العالمية في التنسيق بين الدول العالمية بعضها مع بعض. فيجيب بيلاي أن أجمل شيئ أعجبه في هذا الصدد التعاون غير النظير الذي وُجد في عالم العلماء في مقاومة هذه الجائحة. يتمثل هذا التعاون في " التحالف لابتكارات التأهب الدولي" (The Coalition for Epidemic Preparedness Innovation) المعروف باسمه المختصر "سيبي" ("CEPI") ومقرّه في نورفيجيا. بداية قامت بتمويله مؤسسة بيل جيتس ومؤسسة "فيلكوم"(Welcome Foundation) فإذنْ تقدمت دول كثيرة بما فيها الهند وعامة الناس بمساعداتهم السخية.

يُركِّز هذا التحالف على تطوير اللقاح لمقاومة الجوائح، ويقدم مساعدات مالية لأي دولة تهتم بإنتاج اللقاح. والخطوة الثانية بهذا الصدد هي شبكة الفيروسات العالمية (Global Virus Network) شاركت فيها 32 دولة. ويوجد تحت الشبكة 52 مركزا في أنحاء العالم المختلفة. أحد هذه المراكز سيتم افتتاحه قريبا في "تيروفانانتابورام" عاصمة كيرالا. إنّ بناء هذا المركز في مساحة 25 فدانا من الأراضي يجري على قدم وساق. ولـ بيوتكنولوجيا راجيف غاندي ومعهد "آمريتا" الطبي علاقة مع هذه الشبكة، غير أنها منحصرة في حدود المختبرات. أماّ المركز المزمع بناؤه تحت الشبكة المذكورة فمجاله أوسع من المختبرات. وسيكون له عدد من أقسام مجهزة. وفي حالة انتشار أي وباء في أي منطقة من مناطق الهند سيتم اكتشاف فيروسه من خلال الأجهزة الموجودة في المركز. وكذلك يوجد فيه قسم للبحوث في الصحة العامة، وقسم لتدريب الفيرولوجيين وقسم لإنتاج اللقاح. وفي رئي "بيلاي" أن كوفيد ستنخفض شدته تدريجيا حتى يكون مرضا موسميا.

 

الحوار مع الدكتور دي. "فيجايا راجهافان"، الرئيس التنفيذي لحديقة التكنولوجيا في "تيروفانانتابورام" التي غيرت جيوغرافيا الصناعة التكنولوجيا المعلوماتية، يدور حول الاتجاهات المتغيرة في مجال الأشغال. وكان له دور حاسم في تخطيط كيرالا الاقتصادي حين كان عضوا في هيئة التخطيط. وقد ثبت أن القطاع الخاص والقطاع العام إن تعاونا معا يستطيعان أن يخلقا العجائب في إحراز التقدم والازدهار في الولاية. يرى أن سوق العمل جميعا لن تغلق أبد الأبد بعد كوفيد بل قد تُفتح مجالات وفرص جديدة. وقد فَقَد كثير من الناس وظائفَهم في صناعة السفريات والخطوط الجوية في زمن كوفيد، ولكن في مرحلة ما بعد كوفيد ستعيد هذه الصناعات عافيتها حتما، وربما تأخذ وقتا طويلا لذلك. ويشير إلى البطالة عند الأزمة الاقتصادية عام 2008 – 2009 وقبل ذلك إبان الحرب العالمية الثانية وكيف أن العالم تغلّب على تلك الأزمتين. وكذلك في زمن حين كان الشباب في كيرالا مشغولين بالكتابة الصوتية (Transcription) للأطباء في أمريكا. ولما فقدوا مجال ذلك العمل تنقّلوا إلى مجال آخر متعلق بالإيرادات الطبية. وعملية الروبوتات والذكاء الصناعي أيضا قد تأتي بأشغال ملتحقة بها. وعلينا التأهب والاستعداد لذلك. وعلينا تبديل سياساتنا في التعليم والتربية. يجب أن يكون التعليم عملية مستمرة. لأن مجال التكنولوجيا متطور باستمرار. فمن توقف خلال هذا التطور وتأخر قطاره فلا ينتظره المستقبل. ويشير إلى التخطيط الذي تقوم به الصين في هذه الصدد. وهم يختارون مجالا خاصا لمدة خمس سنوات ويتخذون القرار لأن يكونوا الأوائل في ذلك المجال ويبدؤون تدريب الفنيين مسبقا. ويشير إلى ما شاهده في زيارة إحدى الجامعات الصينية حيث وجد مصنعا في طابقها الأرضي.

إنَّ أول حقل يتعرض للضربة الشديدة عند الأوبئة هو السياحة والسفريات. وهي ضربة شديدة وسيئة وطويلة المدى في قول جوس دومينيك، من الرعيل الأول الذي قدّم أفكارا جديدة في صناعة الفنادق في كيرالا. يملك جوس الذي بدأ حياته الرسمية كمحاسب قانوني عددا من المنتجعات الفاخرة في مختلف أنحاء كيرالا. وقد سبق أن عمل رئيسا للغرفة التجارية في كوشين ورئيسا لاتحاد الصناعات الهندية. يحاوره ساتيشان عن حالة السياحة الراهنة ووسائل إنقاذها من الانهيار. يقول جوس إن السياحة من الصناعات المتأخرة جدا في كيرالا. إنما بدأت في التسعينيات من القرن الماضي. وفي قديم الزمان كانت حقيبة تُخصص لأضعف الأحزاب في الحكومات الائتلافية. كان السياح الذين يزورون كيرالا ذاك الزمان عددا ضئيلا جدا لا يتجاوز 25000 سنويا. وقد غدى الآن مليون سائح. تصل إيرادات السياحة 11% من إجمالي الإنتاج الداخلي في كيرالا. ولكن يشتكي جوس أن الحكومة لم تعر لها اهتماما كما تستحق. ويرى أن الحل للأزمة الحالية هو تشجيع السياحة الداخلية. كان يزور الهندَ 11 مليون سائح قبل كوفيد بينما يزور 22 مليون سياحي هندي الدول الخارجية. لا أحد يزور الآن الهند كما لا يغادر أحد من الهند إلى الخارج. هذا يعني أن هذا العدد الهائل من 22 مليون يمكن للهند الاستفادة منه بفتح سوق السياحة المحلية أمامهم. المهم تشكيل السوق الداخلي بدلا من بيع منتجاتنا السياحية للخارج. 

 

كانت هناك كوارث أخرى واجهتها ولاية كيرالا قبل جائحة كوفيد، منها إعصار "أوكي" عام 2017 والفيضانات في عامي 2018 و2019. وعن الكوارث الطبيعية مثل هذه يتحدث الدكتور "مادهو سودانان" في الحوار الذي أجراه معه ساتيشان. وهو حائز على الدكتوراه في إدارة الأنهار من معهد التكنولوجيا الهندي بمومباي. كانت هذه الدكتوراه لدراسته في موضوع التغييرات التي طرأت على توفر المياه بسبب التغييرات في الطقس واستخدام الأراضي. وقد مُنحت لدراسته جائزة أفضل بحث عام 2004، كما مُنحت له جوائز أخرى من معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" بالولايات المتحدة لمساهماته في حقول الطاقة المتعلقة بالمشاريع الكهرمائية الصغيرة. ويجدر الذكر هنا أن فريقا برئاسته كان قد تنبأ بالفيضانات الكبيرة التي تعرضت لها كيرالا عام 2018. الحوار مع "مادهو" يتضمن معلومات مفيدة في اتخاذ الخطوات اللازمة والمسبقة للتحكم بالكوارث الطبيعية مثل الفيضانات. يقول مادهو إن كيرالا منطقة قريبة من الخط الاستوائي تتوافر فيها كثرة الطاقة الشمسية التي تؤدي إلى أفضل نظام بيئي عضوي ممكن.

ولهذه الظاهرة سببان، أولهما الطاقة الناتجة من الشمس، وثانيهما المطر الغزير. مثل هذه المناطق لا توجد على الأرض إلا 10%، وتوجد فيها 40% من الموارد البيولوجية في الأرض. تؤكد البحوث الجديدة على أن هذه المناطق لها دور كبير في التحكم بإجمالي الحرارة في الأرض. أي تغيير في مناخها ولو بدرجة أو درجتين سيؤدي طبعا إلى كوارث. إن التغيير في أسلوب حياة الناس واستخدامهم الأراضي والطاقة حميعا ستُؤثِّر عليها سلبيا. لتفادي الكوارث الطبيعة يُلفِت الدكتور مادهو نظر الجهات المختصة إلى أمرين، أولهما المطر على المناطق الجبلية وثانيهما التغيير الذي طرأ في استخدام الناس الأراضي. وقد اختفت الغابات الكثيرة في المناطق الجبلية بعد أن جعلها الناس مناطق سكنية وحفروها بحثا عن المواد المعدنية. المطر الذي ينزل على الجبال لا يسيل مباشرة إلى الأنهار. فضلا عن هذا إن مقاومة الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات تعتمد على إدارة السدود ومياه الأنهار. قبل هطول المطر الغزير يجب ضخ المياه من خزانات السدود إلى الخارج. وللسدود والأنهار عدة إدارات في كيرالا مثل إدارة الكهرباء والري وتوزيع شرب المياه. ولتكون إدارة السدود ناجحة ومفيدة يجب أولا أن تكون هذه الإدارات إدارة موحدة. هكذا يقدم مادهو مقترحات بناءة تجعل مقاومة الفيضانات مؤثرةً. وفي الكتاب حوارات أخرى تدور حول الزراعة والصحة النفسية والرياضة كلها مفيدة جدا. 

 

تفاصيل الكتاب:

عنوان الكتاب: حوارات

 الكاتب: في. دي ساتيشان 

اللغة: مالايالام، عدد الصفحات: 162 ، سنة النشر:2021 

الناشر: "أوليف" ، كوزيكود، كيرالا 

أخبار ذات صلة