ستيفان موبيوس
علي الرواحي
يتناول الألماني ستيفان موبيوس، أستاذ النظرية الاجتماعية وتاريخ الأفكار، في كتابه هذا تاريخ علم الاجتماع في ألمانيا منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا. بداية من علم الاجتماع في الرايخ الألماني، وعمليات إضفاء الطابع المؤسسي في جمهورية فايمار، والصدمة العميقة التي سببتها الاشتراكية القومية، حيث يركز هذا العمل بشكل خاص على الفترة التي تلت عام 1945م. كما يقدم الدورات الفكرية والمؤسسية، واتجاهات علم الاجتماع في ألمانيا في سياقاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. ومع ذلك، لا يُقدم هذا الكتاب سوى نبذة مختصرة عن تاريخ علم الاجتماع في ألمانيا. نظرا للتقاليد الطويلة والمعقدة والمؤثرة للغاية لعلم الاجتماع في ألمانيا، فقد يتطلب الأمر في الواقع مشروعا طويلا بمجلدات كثيرة. لذلك، يقدم هذا الكتاب نظرة عامة تمهيدية تتعامل مع أهم إشارات التطور المؤسسي، والجهات الفاعلة، والنظريات، وأساليب علم اجتماع ما بعد الحرب في ألمانيا.
تنقسم مثل هذه التحليلات في هذا العمل وغيره من الأعمال المهتمة بعلم الاجتماع إلى ثلاثة أبعاد رئيسية للبحث في تاريخ علم المجتمع الاجتماعي: البعد المعرفي، والبعد الاجتماعي، وبُعد تاريخ التأثير والخطاب. يشتمل الإطار العام للبحث في تاريخ علم الاجتماع أولاً وقبل كل شيء على وضع السياق، من خلال الإشارة إلى الواقع التاريخي والتاريخ الاجتماعي، والأفكار والنظريات والأساليب والأدوات والمؤسسات والجهات الفاعلة وتاريخ التأثير المراد تحليله. بمعنى آخر، يجب النظر إلى موضوع البحث في السياق الأوسع للعمليات المجتمعية (الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية) في وقت ظهورها. حيث يهدف هذا التأطير إلى تفسير حقيقة أنَّ الأفكار لا تظهر في فراغ تاريخي واجتماعي ولكنها تقع ضمن سياق تاريخي واجتماعي.
في كل الأحوال يفُهم علم الاجتماع باعتباره استجابة حديثة محددة للمشاكل والأزمات الاجتماعية، وبالتالي طريقة علمية وفكرية لإدراك المشكلات الاجتماعية وتفسيرها وحلها. وفقا ًلذلك، فإن دراسة تاريخ علم الاجتماع أو الأفكار يجب أن تأخذ المجتمع المعاصر في الاعتبار كنقطة مرجعية أساسية للأهمية الملموسة للأفكار الاجتماعية.
يتألف البعد المعرفي، باعتباره المستوى الأول من التحليل، من الكشف عن السياقات التاريخية للبحث وفي تحليل الأفكار والنماذج المعاصرة والنظريات والأساليب والبحوث التجريبية والخطابات التي تتضمن تطوير وتوفير الخلفية لما يشكل التفكير الاجتماعي. يتبع البحث في البعد المعرفي دراسة البعد الاجتماعي. في البعد الاجتماعي، يميز بين تحليل الفاعلين وتحليل العمليات المؤسسية. كما يمكن أن تشمل التحليلات إضفاء الطابع المؤسسي على عدة مستويات: تكوين المجموعات، أو النُخب، أو المدارس الفكرية، أو المجلات المتخصصة، أو المنظمات المهنية. أخيرا ً، تذهب التحليلات على مستوى تاريخ التأثير والخطاب عن كيفية دخول المعرفة الاجتماعية إلى الخطاب الاجتماعي واستخدامها فيه، حيث تُطرح الكثير من الأسئلة في هذا السياق، مثل: ما الموقف الذي تشغله النظريات والأساليب والخلافات والأفكار في الخطاب الاجتماعي، وما الدور الذي تلعبه التقنيات وعلاقات القوة؟
بناء ً على المنهجية الموضحة أعلاه، يبدأ كل فصل بسياق تاريخي، تُوصف فيه العمليات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية المركزية للتاريخ الألماني. حيث يناقش الفصل الثاني بدايات علم الاجتماع في ألمانيا، والتعامل مع الرواد، والمنظمات المهنية الأولى، والخلافات المبكرة. كما يعرض هذا الفصل أيضا فترة ما بين الحربين العالميتين، عندما تأسس علم الاجتماع في الجامعات، وسنوات الاشتراكية الوطنية، التي أنهت علم الاجتماع كنظام مؤسسي.
في حين يُركز الفصل الثالث على العقدين التاليين لعام 1945م، فترة "مجتمع ما بعد الحرب، بعد الحرب العالمية الثانية (1945-1967)، حيث كانت ألمانيا تمر بعملية تغيير عميقة تماماً. فمثل المجتمع ككل، كان لابد من إعادة بناء علم الاجتماع عن طريق إعادة صياغة المجلات أو تأسيسها حديثا، فتم استعادة الجمعية الألمانية لعلم الاجتماع وأعيد تأسيس علم الاجتماع كموضوع جامعي. كما ظهرت "مدارس" مختلفة ومراكز إقليمية لعلم الاجتماع بحلول نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، حيث يمكن ملاحظة تغيير مؤسسي الأجيال، حيث تولى"جيل ما بعد الحرب" مناصب مركزية في المنظمات ومجالس تحرير المجلات والجامعات.
كما يناقش الفصل الرابع الصعود والهبوط في علم الاجتماع من عام 1968م إلى عام 1990م. وقد سلطت الحركة الطلابية الضوء على علم الاجتماع، حيث أصبحت بعض "المدارس" السوسيولوجية مرتبطة به ارتباطا وثيقا كموضوع جامعي، الأمر الذي أكسب علم الاجتماع أهمية كبيرة مرتبطا بالحاجة المتزايدة للتفكير الاجتماعي في جميع مجالات الحياة. كانت السمة المميزة لعلم الاجتماع في هذه الفترة هي التمايز المتزايد في الحقول الفرعية المتخصصة، حيث زاد عدد المناصب الأكاديمية لعلماء الاجتماع وعدد الطلاب، جزئياً نتيجة لتأسيس جامعات جديدة وإصلاحات في سياسة التعليم العالي؛ فالعدد المتزايد من مؤسسات البحث غير الجامعية يكمل البحث الاجتماعي في الجامعات. هذا التوسع، الذي ترافق مع علم اجتماع عام مرئي للغاية، أدى أيضا إلى حركات مضادة وتأثيرات معادية لعلم الاجتماع. في هذا السياق، تلاشت "نشوة التخطيط" في الستينيات والسبعينيات، ونظر الكثيرون إلى عام 1968م بخيبة أمل وابتعدوا عن علم الاجتماع. تغير هذا قليلاً في ثمانينيات القرن الماضي، وهو عصر ازدهار نظريات علم الاجتماع في ألمانيا.
يلقي الفصل الخامس نظرة سريعة على علم الاجتماع في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، حيث لم يظهر علم اجتماع جمهورية ألمانيا الديمقراطية حتى الستينيات، ولم يكن قادرا على التطور بنفس الطريقة كما في ألمانيا الغربية، ليس فقط لأنه طغت عليه الفلسفة الماركسية اللينينية والاقتصاد السياسي، ولكن أيضاً لأنه كان في خدمة السياسة الاقتصادية؛ حيث عزز الارتباط بالسياسات الاقتصادية، والمادية التاريخية الميل إلى الاختزال الاقتصادي في علم اجتماع ألمانيا الشرقية، عندما كان من غير الممكن وصف العمليات والديناميكيات الاجتماعية بشكل مناسب ضمن الإطار الأيديولوجي التقليدي، وحدث بعض التغييرات، كما يمكن ملاحظتها في الثمانينيات.
ويظهر الفصل السادس أثر سقوط جدار برلين وإعادة توحيد ألمانيا على تطور علم الاجتماع في التسعينيات. حيث عزز انتصار المجتمع الرأسمالي نظريات العولمة وعودة قصيرة لنظرية التحدي، ولكن مع تغير النظام ظهرت مشاكل اجتماعية حادة، فمنذ منتصف التسعينيات، انتقلت النظريات والمشاريع البحثية التي تركز على الإقصاء الاجتماعي والعمل غير المستقر وكراهية الأجانب أكثر فأكثر إلى مركز التفكير الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك ازدهار في دراسات النوع الاجتماعي ومختلف المجالات الفرعية للدراسات الثقافية، وكان مشهد النظريات الاجتماعية في ألمانيا يتغير: ففي حين كانت النظريات الكبرى سائدة، في الوقت الحاضر يمكننا ملاحظة اتجاه نحو التشخيصات الاجتماعية المختلفة بسرعة للمجتمع المعاصر.
تعود بداية التفكير الاجتماعي في ألمانيا إلى منتصف القرن التاسع عشر. حتى ذلك الحين، كان المجتمع يُفهم في المقام الأول في إطار نظرية العقد الاجتماعي كما هي عند توماس هوبز، وجون لوك، أي كشيء يجب بناؤه. حوالي عام 1850م، نشأت فكرة توصيف "المجتمع" على نطاق أوسع على أنه النظام الاجتماعي المكون من التعايش البشري". كان هذا التحول المفاهيمي ناتجا عن العمليات الاجتماعية والمشكلات المشابهة لتلك التي سهلت ظهور علم الاجتماع في إنجلترا (التي بدأها هربرت سبنسر 1820 1903)) وفي فرنسا (بدأها هنري دي سان سيمون (1760 1825) وأوغست كونت ( 1798-1857). كانت هذه العمليات والمشاكل هي: الانتقال من العصر الإقطاعي إلى المجتمع البورجوازي، والتصنيع والتكثيف الشديد لتقسيم العمل، وظهور الطبقات الاجتماعية داخل النظام الاقتصادي الرأسمالي ، وما يسمى بالمسألة الاجتماعية ( soziale Frage) التي نتجت عن التوترات بين الطبقات الاجتماعية .كما أظهرت هذه التطورات أن "المجتمع" لم يعد من الممكن اعتباره اتحادا مختارا بحرية لأفراد مستقلين، ولكن كان لابد من اعتباره كيانا منظما يحدده الاقتصاد إلى حد كبير، وديناميكيات "شكلتها الحدود السياسية" بشكل متزايد.
بالإضافة لذلك، كانت "المسألة الاجتماعية" نقطة البداية لكل من النظرية الاجتماعية المادية لكارل ماركس (1818م-1883م) وفريدريك إنجلز (1820م-1895م) وللخطوات الأولى نحو (علم المجتمع) في العالم الناطق باللغة الألمانية. حوالي عام 1850م، كان الممثل الألماني الأول لمثل هذا "علم المجتمع" لورينز فو شتاين (1815م-1890م)، الذي أسس مفهومه للمجتمع على تحليل الحركات الاجتماعية في فرنسا، وروبرت فون موهل (1799م-1875م)، الذين أرادوا التفريق بدقة بين علم تيارات علم الاجتماع و ما يُسمى علم الدولة. حتى تلك الفترة، كانت العمليات الاجتماعية موضوع السؤال في المقام الأول في فلسفة التاريخ، وذلك على النقيض من هذه الأنظمة، حيث زعم فون شتاين وفون موهل أن "المجتمع" يجب أن يُنظر إليه على أنه مجال اجتماعي مستقل، حيث يجب تمييزه بشكل صارم عن الدولة. علاوة على ذلك، على عكس الاشتراكيين والشيوعيين النشطين سياسيا، أراد فون شتاين وفون موهل حل "المسألة الاجتماعية" بطريقة علمية، وذلك بطريقة الإصلاحات الاجتماعية لتجنب حدوث ثورة اجتماعية.
علاوة على ذلك، كانت التطورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للرايخ الألماني، التي تأسست عام 1871م، مواتية لظهور وتأسيس وإضفاء الطابع المؤسسي على علم الاجتماع، لأن الديناميكيات التي يمكن ملاحظتها الآن وعواقب العمليات المكثفة والسريعة التي أدت للتفاوت الاجتماعي، والتحولات المجتمعية المختلفة، والتحديث، أفسحت المجال لمنظور تحليلي أوسع - "بصري اجتماعي" إذا جاز التعبير.
في مقابل ذلك، كان الافتقار إلى التحديث السياسي للرايخ يتعارض مع التحديث الاقتصادي والثقافي المتسارع. لذلك، ينظر بعض علماء الاجتماع إلى ألمانيا على أنها "أمة متأخرة"، أو يصفون التطور الألماني بأنه "مسار خاص".فالخصائص المركزية للتحول الاجتماعي والتحديث عبارة عن تصنيع مكثف وصعود الرايخ الألماني ليصبح ثاني أقوى دولة صناعية في العالم، وتوسع الاقتصاد النقدي، وتراكم الأسلحة الهائل، والسياسة الإمبريالية للتوسع ولفترة معينة أيضا من الاستعمار. كما تميز المجتمع بالنمو السكاني المتزايد، وتكثيف تقسيم العمل، والتفاوت الاجتماعي. في حين كان التوسع الحضري السريع مصحوبا بمشكلات الإسكان والفقر. كما نمت الحركات العمالية بسرعة، ومن ضمنها الحركة النسائية. من الجانب الآخر، شكك الميول نحو العلمنة في القوة الملزمة للديانة اليهودية والكاثوليكية والبروتستانتية. كما عززت التقنيات والاختراعات الجديدة مثل الكهرباء والسيارات والمنطاد الانطباع بأن هذه الحقبة كانت واحدة من التغييرات الكبيرة. بالإضافة لذلك، ظهرت خطوط علمية جديدة مثل علم الوراثة والدراسات الدينية والتحليل النفسي. حيث ازداد تأسيس النوادي وتشكلت أشكال جديدة من التواصل الاجتماعي مثل حركة Lebensreform (إصلاح الحياة)، والتي حاولت إرضاء التوق إلى المجتمع. كان هذا رد فعل ملموس على التمدن؛ ذلك أن التمدن سهّل مرة أخرى الثقافة الجماهيرية، التي انتشرت من خلال دور السينما، والروايات المختلفة. أدى التسويق المصاحب للثقافة إلى انتشار "الثقافة الموضوعية" (كما ذهب جورج زيملGeorg Simmel) وإلى نمو صناعة الإعلان. عموما، يتركز منطق الإنتاج الثقافي بشكل متزايد على الترفيه، وذلك مع نمو الطبقة الاجتماعية للموظفين الذين يتقاضون رواتب جيدة أدت لظهور جمهور جديد لهذه الثقافة الجماهيرية. في الوقت نفسه، كان النقد الثقافي والاجتماعي في ازدياد أيضا ، كما يتضح من فلسفة فريدريك نيتشه (1844م-1900م)، ومسرحيات جيرهارت هوبتمان (1862م-1946م)، وهينريش مان (1871–1950) وظهور بعض الروايات، والمجلات الساخرة. ففيما بين عامي 1871م و1918م، ظهرت العديد من الحركات الطليعية الجديدة في الفنون والموسيقى والأدب والهندسة المعمارية، وغالباً ما كانت متناقضة مع بعضها البعض، مثل الانطباعية والتعبيرية والمستقبلية أو الموسيقى اللاإرادية.
كل هذه التطورات – كما يذهب المؤلف - حطمت بشدة اليقينيات القديمة و مخططات الفهم، والفكر، والعمل البديهية.كما أدت الوتيرة السريعة للتغير الاجتماعي، الذي يتركز بشكل كبير في المدن الكبيرة، إلى أن يعاني الكثير من الناس من نوع من الحمل العاطفي والإدراكي على المستوى العام، حيث أدت هذه "الزيادة في الحياة العصبية" التي وصفها جورج سيميل (1995 [1903] ، ص 116) في مقالته الشهيرة عام 1903م بعنوان "المدينة والحياة العقلية" "The Metropolis and Mental Life"، كان ينظر إليها من قبل المثقفين والعلماء البرجوازيين على أنها "اجتماعية "أكثر من كونها " أزمة ثقافية "عميقة. ومن ثم، فإن المجتمع الألماني، في نظرهم ، لم يكن مضطرا فقط للتعامل مع المسألة "الاجتماعية" ولكن أيضًا - وربما أكثر من ذلك - مع "المسألة الثقافية".
من الفصول المهمة في هذا العمل، الحديث عن العلاقة الوثيقة في علم الاجتماع بين الشرح والفهم، والتي تعتبر من سمات علم الاجتماع في ألمانيا، حيث أنه متأثر بعمق بالفلسفة. كان هذا هو الحال بالفعل مع مؤسسي علم الاجتماع. تأثر كل من هوبز وآرثر شوبنهاور (1788م–1860م) بعمل تونيز .Tönnies لم يكن التأثير المركزي على زيمل وماكس فيبر فقط في كتاب ويلهلم ويندلباند(1848-1915) Wilhelm Windelband و هاينريش ريكرت Heinrich Rickert (1863-1936)، والكانطيين الجدد Neo Kantianism، ولكن أيضا ً على فريدريك نيتشه، وفيلهلم ديلتاي Wilhelm Dilthey، الذي نشر عام 1883م، مقدمة في العلوم الإنسانية.
في هذه الأطروحة، شدد ديلتاي على الاختلافات بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية. بينما تسعى العلوم الطبيعية جاهدة لاكتشاف العلاقات السببية التي تسمح بتفسير الظواهر الطبيعية، تحاول العلوم الإنسانية والاجتماعية إعادة بناء المعاني التي تسمح بفهم الظواهر الثقافية. بطريقة ما، استحوذ نهج ديلتاي على روح العصر، حيث كان الشاغل الرئيسي في تلك الأيام هو كيفية تفسير وفهم التغييرات الاجتماعية الدرامية والمنتشرة (بدلاً من تفسيرها).بمعنى ما، كانت بداية علم الاجتماع في ألمانيا، مع زيمل وماكس فيبر، "مناهضة لعلم الاجتماع"؛ لأنها كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بانتقادات نيتشه وديلتاي لعلم الاجتماع الفرنسي والإنجليزي.
في هذا السياق، كان ماكس فيبر على وجه الخصوص هو الذي روج لتشكيل علم الاجتماع كنظام مستقل من خلال محاولة التوسط بين النهجين المتعارضين تجاه التحقيق والشرح والفهم. وبناءً على ذلك، فقد عرّف علم الاجتماع على أنه مشروع يهدف إلى الجمع بين الفهم والشرح: "علم الاجتماع – يقول فيبر - يجب أن يعني: العلم الذي يسعى لفهم وتأويل الفعل الاجتماعي من أجل الوصول إلى تفسير سببي لمساره وتأثيراته".علاوة على ذلك، كان فيبرهو من دافع بقوة عن فهم جديد للعلم والمنح الدراسية بشكل عام. كما جادل فيبر في محاضرته الشهيرة "العلم كمهنة" ("Wissenschaft als Beruf") ، بأن البحث يتطلب الوفاء الصارم بالواجب والمتخصصين في النقد الذاتي، كما يقول فيبر إن علماء الاجتماع يتعين عليهم الامتناع عن أي "نبوءة أكاديمية"، أي ادعاء أنه قائد روحي أو نبي أو مُخلص. كما على العالم أن يكرس نفسه للقضية، أي لا ينبغي له الانغماس في الإثارة أو عبادة الذات.
ختاما ً، يُسلط هذا العمل الضوء على العلاقة الوثيقة بين العلوم المختلفة من ناحية، وأهمية وجود دراسات مستقلة وغير منطوية تحت المؤسسات الرسمية للدولة من جهة؛ لدراسة الظواهر التي تمر بها المجتمعات التي تشهد تحولات شبه حتمية في مساراتها المختلفة؛ لأن هذه الدراسات كفيلة بالكشف عن كيفية التعامل مع المستجدات بطرق منهجية رصينة، بعيدا عن الانفعالات البشرية المختلفة.
الكتاب : تاريخ علم الاجتماع في ألمانيا
المؤلف : ستيفان موبيوس Stephan Moebius
، 2021م.Palgrave Macmillan الناشر:
عدد الصفحات: 233.
