كيف يتجنب العالم كارثة التغير المناخي؟

how to.jpg

عارف عادل مرشد

أكاديمي أردني

إن الآثار العالمية لتغير المناخ واسعة النطاق، ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، من تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، إلى ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية. وإذا لم يتم القيام باتخاذ إجراءات جذرية من الآن، فإن التكيف مع هذه التأثيرات سيكون أكثر صعوبة، ومكلفاً في المستقبل.

حتى إن ضبط "ساعة يوم القيامة" Dooms day clock)) لهذا العام على 100 ثانية قبل وصول عقارب الساعة إلى وقت منتصف الليل، جاء مبنياً على ثلاثة مخاطر تواجهها البشرية هي: الاحتباس الحراري، والحرب النووية، والتضليل أو انهيار أي نوع من الخطاب العقلاني. وتُنذر "ساعة يوم القيامة" مجازاً بقرب نهاية العالم بحسب تهديدات معينة أبرزها الحرب النووية. وهي ساعة رمزية تمَّ إحداثها عام 1947 من قبل مجلس إدارة مجلة علماء الذرة التابعة لجامعة شيكاغو، تُنذر بقرب نهاية العالم حيث إن وصول عقارب الساعة إلى وقت منتصف الليل يعني فناء البشرية.

فموضوع التغير المناخي يشغل حالياً مختلف الأوساط العلمية والإعلامية والدولية، والمقصود بالتغير المناخي بشكل عام، ارتفاع حرارة الهواء المحيط بكوكب الأرض، أو ما يُعرف بظاهرة الاحتباس الحراري (Global Warming) وهي عبارة عن ظاهرة ملازمة لكوكب الأرض منذ أن وجد هذا الكوكب مع غلافه الغازي في علاقته مع الشمس، ولولاه لانتفت الحياة عليه.

إلا أنه نتيجة أنشطة الإنسان المتنامية بفعل الثورة الصناعية، تم إنتاج كميات كثيرة من الغازات تعمل على امتصاص الحرارة وتخزينها في الغلاف الجوي، مما يزيد من الاحتباس الحراري وارتفاع حرارة الهواء.

فالأمر يُشبه أن تترك سيارتك تحت أشعة الشمس الحارة لمدة طويلة، مما يؤدي إلى نفاذ أشعة الشمس إلى داخلها عن طريق زجاجها الأمامي، ليبقى جزء من حرارتها مُحتبساً فيها، وما أن تعود إلى سيارتك حتى تشعر بأن حرارتها أعلى بكثير مما تصورت.

في هذا السياق، أصدر رجل الأعمال الأمريكي بيل جيتس (1955) مؤسس شركة مايكروسوفت، ومستشارها التكنولوجي، كتاباً جديداً في منتصف فبراير الماضي بعنوان "كيف نتجنب كارثة مناخية: الحلول المتوافرة لدينا والابتكارات التي نحتاجها"، وقد سلّط من خلاله الضوء، على التأثيرات المحتملة للتغيرات المناخية، مع وضع عدد من الرؤى والحلول للتعاطي مع هذه الظاهرة.

ويأتي صدور الكتاب قبل انعقاد الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP26) في نوفمبر 2021 في مدينة غلاسكو (إسكتلندا)، والذي يستهدف حشد الجهود الدولية للتعامل مع مسألة التغيرات المناخية.

ويُعد هذا الكتاب الإصدار الثالث لجيتس بعد كتابيه (The Road Ahead) (1995) -صدرت الترجمة العربية له تحت عنوان "المعلوماتية بعد الإنترنت: طريق المستقبل" عن سلسلة عالم المعرفة (الكويت) العدد 231 لعام 1998-وكتابBusiness @ The Speed Of Thought) )    

(1999)، وقد جاء محتوياً على اثني عشر فصلاً بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة، ويقوم في مجمله على ثلاث ثيمات (Themes) هي:

الثيمة الأولى، الاحتباس الحراري من الرقم (51) إلى الرقم (صفر): يعرض الكتاب رقمين مختلفين؛ الرقم الأول (51)، والرقم الثاني (صفر)، يمثل الرقم )51(الحالة التي نعاني منها حالياً والتي تتمثل في أطنان الغازات الدفيئة (Green house gases) المسببة للاحتباس الحراري مثل، بخار الماء "H2O"، وثاني أكسيد الكربون "CO2"، والميثان "CH4" التي تُضاف للغلاف الجوي سنوياً، والمنبعثة بسبب الأنشطة التي نقوم بها.

فالغلاف الجوي كما يرى جيتس، أشبه بحوض سباحة تملأه المياه، ونحن بحاجة مُلحة إلى إيقاف تدفق المياه-التي هي الغازات المنبعثة-قبل أن يفيض الحوض. ولا يقتصر الأمر على هذا الإجراء فحسب، فنحن أيضاً بحاجة إلى البدء بسرعة في تفريغ الحوض والتخلص من كل الماء الفائض.

هذه الغازات تؤدي الدور نفسه الذي تؤديه البيوت الزجاجية الزراعية، والتي تُعرف في بعض الدول العربية باسم الصوبة أو الدفيئة -ومن هنا جاءت هذه التسمية-والتي تعمل فيها الجدران الزجاجية على تقليل التدفق الهوائي، وزيادة درجة حرارة الهواء الذي ينحبس داخلها، بغرض زراعه أنواع من النباتات التي تحتاج إلى مثل هذا المناخ. وعلى الرغم من أن الغازات الدفيئة لا تشكل سوى نسبة صغيرة من الغازات التي يتكون منها الغلاف الجوي للأرض، إلا أن لها تأثير كبير على التغيرات المناخية التي نشعر بها حالياً.

أما الرقم (صفر) فيمثل حالة انعدام تلك الانبعاثات، أي التخلص منها تماماً، وهي حالة يجب أن نصل إليها بحلول العام 2050. فنحن بحاجه للوصول إلى نسبة صفر من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض.

وقد شرح جيتس كيفية القضاء على تلك الأطنان من الانبعاثات، والتي تتشكل وفقاً لخمسة مصادر، حيث إن استخدام مصادر الطاقة المتجددة (Renewable Energy)، مثل الرياح، والمياه، والشمس، وتقليل استخدام الوقود الأحفوري (Fossil Fuel) مثل الفحم، والغاز الطبيعي، والنفط، من شأنه أن يمثل نحو 27% من الانخفاضات المطلوبة، علاوة على تغيير طرق تصنيع السلع، والتي قد تحقق انخفاضاً مقداره 31%، كما يمكن أن يساهم تغيير طرق زراعة المحاصيل الغذائية، وتقليل السفر، والحفاظ على المباني دافئة أو باردة، في خفض الانبعاثات بنحو 18% و16% و6% على التوالي.

 

الثيمة الثانية، ما الذي علينا فعله حتى نتجنب وقوع الكارثة المُنتظرة؟ : 

يضع جيتس أمام الحكومات والمعنيين خطه عملية للخروج الآمن، بالتركيز على وضع الحلول والآليات التي يمكن من خلالها تحقيق الهدف الأكبر، المتمثل في إزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2050، ويمكن إيجاز هذه الحلول التي وضعها الكاتب في النقاط الآتية:

الابتكار في الطاقة النظيفة (Clean Energy): 

يعتقد جيتس أن هناك احتياجاً إلى الاستثمار بشكل جدي في الطاقة النظيفة، التي ترتبط بصورة كبيرة في الابتكار في هذا القطاع الحيوي، فلا بد من وجود كفاءات لديها القدرة على إقناع الحكومات بأهمية الاستثمار في هذا المجال. فنحن لدينا مصادر مناسبة، مثل: طاقة المياه، وطاقة الشمس، وطاقة الرياح، لتوليد الطاقة النظيفة وتخزينها مثل: الكهرباء، أو الطاقة النووية. وحتى يتحقق هذا، على الحكومات تشجيع الباحثين على العمل أكثر، وتبني أبحاثهم الحالية، فتدفع لهم أضعاف الأجور الحالية. مع تركيز جيتس على أهمية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، لكونه عاملا ًيساهم في القضاء على الانبعاثات، بالإضافة إلى العمل على توفير الإمكانات المختلفة للجامعات؛ من أجل المساهمة في تطوير تكنولوجيات تعمل على تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة.

التنسيق بين الأطراف المتعددة:

ويتمثل ذلك في التنسيق بين المستويين: الحكومي والخاص، وعلى المستوى الفردي. فعلى المستوى الحكومي يجب أن تتخذ الدول عدداً من السياسات تتمثل في تسعير الكربون، ودعم أسعار مصادر الطاقة النظيفة، فضلاً عن الإعفاءات الضريبية للسيارات التي تعمل على الكهرباء، والعمل على خفض أو التخلص ممّا أسماه "العلاوات البيئية" أو "العلاوات الخضراء" Green premiums وهي فرق التكلفة بين المنتجات والخدمات التي لا تصدر غازات دفيئة، مقارنة بمثيلاتها من المنتجات والخدمات قليلة التكلفة، التي ارتبطنا بها، والتي ينبعث منها غاز ثاني أكسيد الكربون.

أما على صعيد القطاع الخاص، فيمكن تحقيق قدر من التنسيق بين الجهود المشتركة للشركات المختلفة؛ لدعم مشاريع الطاقة النظيفة، وإطلاق مبادرات للتعجيل بذلك.

أما على المستوى الفردي، فيأتي ذلك عبر انتهاج سياسات فردية، تعمل على التعجيل بالتحوُّل إلى صفرية الانبعاثات، مثل: التوجه لشراء منتجات منخفضة أو عديمة الكربون، مثل: السيارات الكهربائية؛ مما يؤدي إلى المزيد من المنافسة بين الشركات المصنعة للسيارات في هذا المجال، ويحولها في النهاية الى مصادر صديقة للبيئة.

التعاون الوثيق بين الحكومات:

بما أن التغير المناخي قضية كونية، فهو إذاً من القضايا العابرة للحدود التي تحتاج لتكاثف المجتمع الدولي للتغلب عليها والحيلولة دون تفاقم تأثيراتها، فلا بد من العمل الموحد بين الحكومات على المستويات كافة. "فدرجات الحرارة – وفق جيتس-لن تنخفض في تكساس مثلاً، إلا إذا توقفت الانبعاثات الكربونية في الهند، والعكس صحيح"، وهذا ينطبق على كل بلدان العالم، وهو ما علينا وضعه نصب أعيننا، ونحن نتناول الحلول المحتملة. فعلى الحكومات أن توحد جهودها لتحقيق الهدف المنشود؛ عن طريق تبادل المعارف، والتأكد من أنَّ كل حلول الطاقة النظيفة ستُستخدم في كل بلاد العالم بأسعار رخيصة الثمن، خاصة أفقر البلدان.

الثيمة الثالثة والأخيرة هي، كيف يمكننا توظيف الدروس التي تعلمناها من أزمة جائحة (كوفيد-19) في العمل المناخي على أفضل وجه؟ :

يعتقد جيتس أن أزمة التغير المناخي أخطر بكثير من جائحة (كوفيد-19)، وذلك يعود إلى أننا قد اعتدنا ألا نحاول حل مشاكل توقعناها مبكراً، لأننا نفترض أنها من الممكن أن تختفي بعد حين، أو أنه بإمكاننا أن نجد لها حلاً بعد حدوثها. فنحن لا نتعامل معها كواقع إلا بعد حدوثها فعلياً. فإذا ما أردنا أن ننظر بشكل إيجابي لجائحة (كوفيد-19)، سندرك أن التحفيز والعمل لتجنب كارثة محتملة، هو خيار أفضل من الانتظار حتى وقوعها.

 

ومن أهم الدروس التي يمكننا تعلمها من جائحة "كوفيد-19" كما يعتقد جيتس في ما يتعلق بالتغير المناخي، هي:

المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق العلماء:

فأهم درس تعلمناه من (كوفيد-19) هو عدم تجاهل القدرات الإبداعية للعلماء، وذلك عن طريق تشجيعهم ودعمهم بكل ما يحتاجونه، لإنجاح تجاربهم وأبحاثهم. فمن الأفضل أن نزودهم بكل ما يحتاجونه لإيجاد الحلول الناجعة قبل حدوث الكارثة.

إيجاد الحلول العملية بواسطة الدول الغنية:

من المتوقع أن تكون تبعات "كوفيد-19" على الدول الفقيرة هي الأسواء، فهذا ما سيحدث بالنسبة لكارثه التغير المناخي المتوقعة، ومن ثم فعلينا العمل لتجنب حدوث مأساة أخرى. فتبعات التغير المناخي ستكون أخطر بكثير من "كوفيد-19"، كما أن نسبه الوفيات ستكون أكبر. وليس من العدل أن يعاني أكثر الناس فقراً من هذه الكارثة، في الوقت الذي يكونون فيه هم الأبعد عن مسبباتها. فمن المنصف أن تأخذ البلدان المسببة للكارثة على عاتقها مسؤولية إيجاد الحلول الجذرية، ليس فقط من أجل سلامتها، بل من أجل سلامة البشرية جمعاء.

العمل بجد وبأسرع وقت: خلال ما يقارب العام من ظهور المرض في كانون أول 2019 في الصين، ومن ثم انتشاره في بقية أنحاء العالم، أصبح بين أيدينا لقاحات تقاوم الإصابة ب(كوفيد-19). لكن بالنسبة لأزمة التغير المناخي، فلن تحل المشكلة في عام أو بضعة أعوام، فمن الممكن أن يأخذ هذا الأمر عقوداً، إلى أن ما علينا القيام به هو دعم العلماء وما لديهم من حلول مبتكرة تساعد على التخلص من الانبعاثات الكربونية؛ فالعلماء كانوا قد أكدوا أن (كوفيد-19) يُعد أمراً حتمياً لا يمكن تجنبه، لكن لا أحد منا كان قد أولى الأمر أهمية، ولذا فنحن دفعنا وما زلنا ندفع ثمناً باهظاً نتيجة هذا التهاون، وبما أن التغير المناخي أمر محتوم بلا شك، فما زالت لدينا فرصة مُتاحة للقيام بعمل حقيقي يمكننا تحويله إلى واقع قبل فوات الأوان. فجيتس متفائل بأننا سنحقق تقدماً حقيقياً بشأن تغير المناخ؛ لأن العالم ملتزم بحل هذه المشكلة أكثر من أي وقت مضى.

 

على سبيل الخاتمة:

على الرغم من أهمية طرح الكتاب في هذا التوقيت، بتزامنه مع عودة الولايات المتحدة الأمريكية لاتفاقية باريس للمناخ، وقبل انعقاد الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP26)، في نوفمبر 2021 في غلاسكو، إلا أن الكتاب يفتقر إلى إعطاء تصورات قابلة للتطبيق؛ لجعل دول العالم تأخذ قرارات حقيقية في هذا المجال بدل البقاء في عالم التنظير اللامتناهي. كما أن جيتس كان قد أهمل في كتابه مناقشة البعد السياسي لظاهرة تغير المناخ، فكتابه يخلو من مسألة مهمة للغاية وهو، الدور الذي أدّاه قطاع الوقود الأحفوري، وما زال يؤديه، في منع التحرك والتعبئة المناخية، وذلك قد يعود إلى الاستثمارات التي يقوم بها جيتس في شركات الوقود الأحفوري، بالرغم من إشارته في الكتاب إلى سحب استثماراته من تلك الشركات في نهاية عام 2019.

 

الكتاب: كيف نتجنب كارثة مناخية: الحلول المتوافرة لدينا والابتكارات التي نحتاجها.

المؤلف : بيل جيتس.

لغة الكتاب : الإنجليزية.

الناشر: الفريد نوف/نيويورك.

تاريخ النشر: فبراير 2021.

عدد الصفحات : 288 صفحة. 

أخبار ذات صلة