إنغو رويتر
رضوان ضاوي
ولد الكاتب واللاهوتي والفيلسوف الألماني إنغو رويتر عام 1968 في دويسبورغ، وهو بروفيسور علوم التربية الدينية في كلية العلوم الثقافية في جامعة بادربورن. من اهتماماته العلمية:الأسئلة الثقافية التأويلية في علم الدين، والفلسفة والميديا. كتب ونشر العديد من المساهمات عن ظواهر الثقافة الشعبية. من كتبه: "الإيمان المسيحي في مرآة ثقافة البوب"، فيسبادن 2020، وكتاب "الموتى السائرون-البقاء على قيد الحياة في أسوأ مناطق العالم الممكنة"، فرتسبورغ، 2018. وقد صدر كتابه "عن دلالة روايات نهاية العصر" لإنغو رويتر ضمن سلسلة "ماذا يعني كل هذا؟" التي تصدرها دار النشر الألمانية الشهيرة ريكلام. وقد قدّم إنغو رويتر مجموعة من التصورات في هذا الكتاب لكنه قيم حول معنى الروايات التي تحدثت عن فكرة نهاية العالم. وهي فكرة قديمة قدم البشرية نفسها، حيث تحدث الكتاب المقدس عن سيناريو الرعب الشنيع لنهاية العصر، التي ستأتي على مرحلتين رئيسيتين: أولاً، سيدمِّر الله الدين الباطل، ثانياً، سيهلك الله جميع الأشرار في «حرب اليوم العظيم، يوم الله القادر على كل شيء» التي تسمى أيضاً «هرمجدون». وحتى يومنا هذا، ما زالت تعيش فكرة النهاية الكارثية في الأدب والرسم، وفي الأفلام، وأيضاً في ألعاب الكمبيوتر.
يمكن أن تدمر قنبلة نووية الأرض، فيصبح الكوكب الأزرق غير صالح للبشرية بسبب الإشعاعات النووية. رغم ذلك يوجد دائماً ناجون يعملون على إعادة تأهيل الأرض، وعلى إيجاد ناجين آخرين. هناك دائماً إمكانية لبداية جديدة لبعض الشباب الذين يعودون إلى الأرض. هكذا تبدأ السلسة التلفزيونية The 100 المقتبسة عن كتاب لكاس مورغان Kass Morgan صدر في أجزاء عديدة منذ عام 2003، وتدور وقائعه حول قنبلة نووية كانت سبباً في التدمير، ولكن أيضاً كانت دافعاً لبداية جديدة Neuanfang.
هكذا ينظر الكاتب لروايات الفيضانات باعتبارها آلية من آليات تنظيف العالم من خلال رواية Eine Geschichte der Welt in 10 1/2 Kapiteln لـيوليان بارنس وفلم Noah الذي صدر عام 2014. في هذه الروايات، يصبح الإنسان موضوع الفعل وصانع القرار. يطرح المؤلف سؤالاً جوهرياً عن مصدر التشدد والحتمية التي تتصف بها روايات نهاية العالم، التي انتشرت ابتداء من عام 1950 وساهمت في وضع تصورات لسيناريوهات عديدة؟ فمنذ تفجير أول قنبلة نووية حدثت تغيرات جذرية عميقة، ومنذ ذلك الحين أظهر الإنسان استعداداً غريباً لتدمير هذا الكوكب وبالتالي القضاء على البشرية بالكامل. فهي لم تكن مسألة مُفكّر فيها فقط، بل أصبحت تصوراً قابلاً للتطبيق والتحقق. ويعتقد الكاتب أن هذه السيناريوهات الكارثية تشكل على الدوام مصدر قلق كبير للناس، ما دامت تثير أسئلة وجودية تجعل منها، أو بعبارة أكثر دقّة وتعبيراً؛ من الروايات، سواء كانت كتبًا أو أفلامًا أو رسومات، تضفي إثارة اهتمامنا وتساؤلاتنا، وهو ما دفع بالباحث إلى مزيد من الدراسة والتدقيق في هذا الموضوع.
يستعين الكاتب في هذه الدراسة بمصادر مختلفة ومتنوعة جداً من الكتاب المقدس والروايات التاريخية إلى المسلسلات التلفزيونية وألعاب الكمبيوتر. يستند الكاتب إلى كل هذه المصادر الخاصة بسيناريوهات نهاية العالم، ليبحث عن المشترك في كل هذه الروايات المختلفة عن نهاية العصر، وعن ماهية الإنسان وارتباطه بالعدالة وبالشعور بالذنب والوضعية الراهنة للحضارة. فما الذي يمكننا أن نستنتجه من هذه المصادر؟ - ربما يستطيع الإنسان أن يتعلم مدى أهمية الحفاظ على إنجازات الحضارة، والحفاظ على الشبكات الأمنية للمجتمع، والآليات التي تضمن البقاء على قيد الحياة. على الإنسان، على الصعيد الفردي، أن يُكافح كثيراً لضمان بقاء العالم فضاءً حيوياً للبشرية والمخلوقات الأخرى، وعليه أن يستغل فرصته كي يستمر في الوجود.
في 25 يناير 2018، تم تقديم "ساعة نهاية العالم" الرمزية، والمعروفة أيضًا باسم "ساعة يوم القيامة"، من قبل لجنة من العلماء (بمن فيهم 15 فائزًا بجائزة نوبل) في دقيقتين إلى اثني عشر دقيقة؛ ما يشير إلى أنَّ النهاية قريبة، وأن البشرية تعيش في نهاية الزمان. ولكن لم يكن هذا الاكتشاف جديداً. ففي القرن السابع عشر استهل جريميلسهاوزن Grimmelshausen روايته الشهيرة "مغامرات سيمبليسيسوس تويتش" Simplicissimus من عام 1669 بملاحظة أن الأمر برمته حدث "في هذا الوقت من زمننا (الذي يعتقد / أنه سيكون الأخير)".
في بداية كتابه مباشرة، اقتبس الكاتب هذه الجملة المشهورة حيث يعلق المؤلف عليها بالتذكير بشعور الناس بالتهديد المستمر بالموت من خلال كارثة حرب الثلاثين عامًا )1618-1648( التي حدّدت شعور نهاية العالم بالنسبة لجريميلسهاوزن. ويذكر الكاتب أن الخوف المروع السائد من نهاية العالم في العصور الوسطى، منتشر أيضاً في العالم المعاصر، إنها نفس المخاوف القديمة الجديدة، ولكن التهديدات والمخاطر تنوعت واختلفت وأصبحت أكثر فتكاً وأكثر وضوحاً. كما أن مصدر هذه التهديدات لم يعد مُتعلقاً بالقوى الخارقة وبالله، بل أصبحت ذواتنا هي المصدر الأساسي لهذا الخطر.
اجتهد المؤلف في دمج سيناريو كورونا الحالي في كتابه، لذلك عندما يفكر في سيناريو الأسابيع القليلة الأولى من أزمة كورونا عام 2020: مدن فارغة، متاجر مغلقة، طرق سريعة مهجورة، صور مروعة من المستشفيات، في إيطاليا والصين وإيران وألمانيا، - فإنه يجد ذلك فظيعًا حقًا. وهي سيناريوهات كان الناس قد تعرفوا عليها من خلال أفلام الرعب السينمائية فقط. وقد أربك وباء كورونا العالم كله وأذهل الجميع. فما كنّا نفكر فيه دائمًا على أنه فيلم رعب، يمكن أن يصبح حقيقة بطريقة معينة. لكن الكاتب يقرأ ما وراء التهديدات الحقيقية لكورونا: فهي تجربة سيئة للغاية، بل أسوأ بكثير كسيناريو لنهاية العالم، إنها خطر حقيقي إذا جاز التعبير. ولهذا يعتقد المؤلف أن العدالة تتصرف بغرابة مع أزمة كورونا في النقطة التي يمكن تحديدها فيها: لا يصيب الفيروس الجميع بالتساوي، لكنه يصيب الفقراء، والذين لا يتلقون رعاية جيدة بشكل أقوى من أولئك الذين هم أفضل حالًا والذين يستطيعون الفرار أو لديهم رعاية طبية أفضل. ففي سيناريوهات الكوارث، يكون السؤال دائمًا: من يصل إلى سفينة الإنقاذ أولاً، ومن لديه فرصة لتأكيد ذاته وتفوقها حتى في أسوأ سيناريوهات الانهيار؟. في هذا الصدد، تعد العدالة موضوعًا أساسيًا جدًا في الأفلام وفي الروايات، وهو الأمر الذي ينعكس على واقعنا المعاصر.
تطرق المؤلف لأحداث المسلسل التلفزيوني "الموتى السائرون" "The Walking Dead" والذي يستيقظ فيه المأمور ليرى عالما مدمرا من حوله والموتى سائرين في الشوارع. بعد ذلك يلتقي البطل بعائلته وبعض الناجين ويقود المجموعة الصغيرة التي تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة. يعتبر المؤلف هذا النوع من الأفلام استعارة فيها تشبيه لشيء اجتماعي. ففي مثل هذه الأفلام نلاحظ أنَّ الناجين يعملون على صنع آليات الاستبعاد في المجتمعات: مجتمعات صغيرة تنقذ نفسها وتحارب الزومبي الآتين من الخارج. يقوم المؤلف بالإسقاط على ما يحدث في الزمن الراهن، فيلاحظ أن المجتمعات المسوّرة والمنغلقة على نفسها تعاني مشاكل اجتماعية كبيرة. في قصص الزومبي نكتشف ما يسميه المؤلف بالقبلية المعاصرة التي ظهرت بوضوح في سياسة الرئيس )السابق( ترامب، التي تحمست مرة أخرى لسيناريوهات اجتماعية وسياسية مرعبة تقوم قاعدتها على المبدأ القائل: "أن نقف معًا ضد الآخرين، أو أن نخطط نحن ضدّ الآخرين". ويهتم الكتاب كثيرا بالتحقيق في مسؤولية هذا الخطر. يكتب المؤلف: "كل من يتحدث عن نهاية العالم يتحدث عن الذنب"، فمن المؤكد أنه في الوقت الراهن لم يعد الناس يلقون بالمسؤولية عن هلاك البشرية للكوارث الطبيعية والقوى الطبيعية، ولكن المذنب الكبير في الروايات المعاصرة عن نهاية العالم، هو الإنسان نفسه. وهذا الدمار من صنع يديه، حتى ولو لم يكن مسؤولاً مسؤولية كاملة عنه. وإذا نحن تأملنا في روايات نهاية العالم، نجدها تروي أقل عن نهاية العصر، وأكثر عن النجاة والبقاء على قيد الحياة أثناء حدوث الدمار. وهذا ما يرويه فلم I am Legend الذي صدر عام 2007، وكذلك مسرحية Die Sündflut لعام 1924.
كانت الناشطة الشابة غريتا ثونبرج قد ألقت خطابا في المؤتمر العالمي لتغير المناخ في كاتوفيتشي في ديسمبر 2018، سلطت فيه الضوء على أن الفشل السياسي في مواجهة تغير المناخ يدفع العالم إلى الدمار. كان حلمها في هذا المؤتمر هو الاعتراف بأن البشرية تواجه تهديدًا وجوديًا. هذه أكبر أزمة وجدت البشرية نفسها فيها. وعليها أن تدرك ذلك ثم تنهض للقايم بأمر ما لوقف الانبعاثات والعمل على إنقاذ ما تبقى لديها. وفي يناير 2019، نزل تلاميذ المدارس الألمان إلى الشوارع للاحتجاج على تغير المناخ. فقد أصيبوا بالذعر حين تيقنوا من حقيقة أن العالم يغرق في العواصف والفيضانات، وربما أدركوا أن الاحتجاج على هذا الأمر أكثر أهمية بالنسبة لهم من التعليم الإلزامي، فعواقب تدمير العالم بسبب تغير المناخ وأسلوب حياتنا الخاطئ يهدد جيلهم أكثر من تغيبهم عن المدرسة. يكافح الشباب ضد تغيير المناخ، وضد تجاهل الكبار للقضية، ويحتجون عن عدم وجود بدائل، فهم لم يعودوا يصدقون روايات كبار السن عن مستقبل مخطط له مسبقا وغير قابل للتغيير. إنهم يتساءلون ببساطة عن علاقتهم بهذا العالم ومكانهم فيه، ويحاولون تفكيك هياكل السلطة من خلال إبداعهم لأشكال متنوعة وجديدة للمقاومة حيث يلعب الاتصال عبر وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في هذا الأمر.
يؤمن الكاتب بأن التركيز هنا على القضايا الاجتماعية الحاسمة يحيل على نهاية العالم، وأيضًا على العدل. لأن السؤال كان دائما: من يستطيع أن ينقذ نفسه في النهاية؟ من ينتهي عنده العالم؟ وكيف تستمر الحياة بطريقة أو بأخرى؟ ومن حجز لنفسه مكاناً آمناً على السفينة وبأي ثمن؟- تتناسل الأسئلة ليس فقط فيما يخص تغير المناخ، بل أيضاً، وبشكل أساسي، فيما يتعلق بالمجال الحيوي:من الذي لا يزال قادرًا على تحمل تكاليف الأدوية لمكافحة الأوبئة التي تستمر في الانتشار في أجزاء من العالم؟ كم عدد الأشخاص الذين سيحصلون على مكان في الملجأ؟- ربما ترتبط الأجوبة على كل هذه التساؤلات بقضية العدالة ومسألة الشعور بالذنب. كما أن النظام الاقتصادي العالمي العادل يجب أن يتحول إلى نمط حياة الفرد اليومية.
يشدد المؤلف على أن الفلمين Deep Impact الذي صدر عام 1998، وفلم Armageddon يقدمان لنا عناصر مهمة نستفيد منها لفهم سيناريوهات نهاية العالم: 1. في مواجهة الخطر تتحد الإنسانية، 2. يمكن حل المشكل تقنيا، 3. الشجاعة والتضحية بالنفس لدى الفرد خصلة متوفرة 4. تقدم العائلة نقطة انطلاق آمنة ومركز قوة لكل الفاعلين في مواجهة أي خطر أو هجوم خارجي: نظرا لأن العدو يأتي من الخارج، فإن الصراعات الأرضية ليست مهمة. ففي إطار الجهود من أجل دفع الخطر الخارجي تتوحد كل القوى. ولم تعد مسألة البقاء على قيد الحياة للبشرية مسألة وطنية. لكن إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية الفني يظهر دائما مزيداً من الثقة في الدور القيادي الخاص بأمريكا في العالم.
يتحدث الكاتب عن سيناريوهين لنهاية العالم حاليا: إلى جانب الانتشار العالمي للأمراض الفيروسية مثل ما نعيشه مع فيروس كورونا منذ عام 2020، وخطر تغير المناخ الحقيقي، يشعر الإنسان كأنه نموذج متوقف. وتبدو التقانة التي صنعت الرجل الآلي قد تجاوزته، وأنها ستنفي وجوده. إن مخاطر التقانة تصل إلى أبعاد وجودية، لأن البشرية يمكن أن تدمر نفسها، كما تحدث عن ذلك الفيلسوف Günther Anders عام 1956. يقدم فلم Autometa الذي صدر عام 2014 نسخة لنهاية البشرية واستيلاء الآلات على الحضارة المتطورة. هذا الفلم يصور بدقة ما يسميه الكاتب ما بعد النزعة الإنسانيةPosthumanismus ، حيث انتهى عصر الأنثروبوسين وبدأ عصر الروبوت الجديد، وهو عصر الصناعة والعمل والاستهلاك.
بخصوص الحروب النووية والتهديد الخارجي، يقدم فلم The War Game الذي صدر عام 1965 الحرب النووية، كذلك رواية Die Grossen in der Tiefe التي صدرت عام 1962 وتناولت أحداثها الحرب النووية الباردة. وهنا يستخلص الكاتب أن الفاعل المثر ليس الله أو التقانة، بل العنصر البشري. وقد بدأ الخوف من الإشعاعات مع كارثة تشيرنوبيل عام1986. وتحكي العديد من الأفلام عن انتشار الأمراض القاتلة، وعن محاولات احتوائها. من هذه الأفلام نذكر Outbreack، وفلم Twelve Monkeys وغيرها. وتسبب انتشار الفيروسات الإلكترونية في كوارث لها مستويات مختلفة جدا. هذا يعني، من وجهة نظر المؤلف، أن مثل هذا النوع من روايات نهاية العصر هي، إذا جاز التعبير، وصف ملتهب لحالة حضارتنا الحالية.
من الناحية الإبداعية، يعتقد المؤلف أنه من الممكن جعل العالم أجمل أدبيا. ذلك أن الروايات التي تدور حول كيفية جعل العالم أكثر جمالا تتحدث عن مساهمة كل فرد في هذا المشروع، لكن هذا الأخير يصطدم بحالة يأس تمنع تغيير الواقع المؤلم للعالم، فتكتسب معه سرديات نهاية العالم مصداقية أكبر. وقد تم نسيان حقيقة أن المصالح الهائلة للصناعة والأعمال ومصالح رأس المال الوحشية هي العامل الرئيسي وراء التدمير. تدمر البشرية موارد الأرض وبالتالي تعرض للخطر استمرارية وجودها.
تطرح العدوى الاجتماعية سؤالا مهما عن العلاقات الإنسانية أثناء وقوع الكارثة، وعندما تنهار الحضارة ويشكل أي شخص حاملا للعدوى أو يقوم بالسرقة والقتل تهديدا للشخص الآخر، وهو ما تقدمه أفلام الزومبي، حيث نرى أن الإنسانية تعود إلى الحالة الطبيعية للحرب التي تُخاض ضد الجميع. أما بخصوص فيروسات الكمبيوتر، ففي رواية Blackout لعام 2010، وصف الكاتب النمساوي مارك إلزبرغ ما قامت به مجموعة إرهابية حين أطلقت فيروسا إلكترونيا على شبكة الكمبيوتر الخاص بمصلحة الطاقة في بلد أوروبي، وكنتيجة لهذا الفعل الإرهابي، انقطعت الكهرباء في كل بلدان أوروبا، وفي جزء كبير من أمريكا. لم يطلع الألمان على التقارير المتخصصة للبرلمان الألماني، وهذا هو السبب في أن قصة إلزبرغ هي التي ساهمت في رفع الوعي العام بمثل هذه المشاكل، إضافة إلى تقارير الأجهزة المتخصصة. توجب على الروائي النمساوي التقصي والبحث في الوقائع كي يدرجها في روايته، بالتالي فالعمل التخييلي يقود القارئ إلى بداية اهتمامه بالحقيقة. في روايات نهاية العالم يتفاهم المجتمع مع نفسه، ويطرح الجميع السؤال: أين هو الإنسان؟ ومن هو؟ في حكايات نهاية العالم، يتفهم المجتمع نفسه، كل شيء يصل إلى ذروته: ما هو الإنسان في مواجهة حالة التهديد الوجودي والانحلال الاجتماعي للحدود؟ هذا يثير المزيد من الأسئلة على سبيل المثال حول طبيعة البشر في الكون، دوره ورد فعله على التهديدات أو سؤاله عن معنى العدالة ومن أين يأتي الخلاص في الكوارث. حكايات عن نهاية العالم، حكايات نهاية العصر، هي في الحقيقة عدوة لدمار العالم. من يحكي عن النهاية، هو يريد حقيقة أن يحذرنا من النهاية. قصص عن النهاية، عن الطوفان مثلا، توجد في كل الثقافات وتؤسس لعنصر مهم وأساسي في المعرفة الثقافية. اختلف الوضع اليوم، لكن حين يكون الروبوت هو مصدر الشر في عالمنا المعاصر، فإنه يحيل على صانع الروبوت، أي: الإنسان. أيضا فإن الطوفان في قفص نهاية العالم هو من صنع الإنسان اليوم، وليس من الله. تعيد هذه القصص والروايات والسناريوهات إلى الواجهة مسألة المذنب من جديد، ودائما يكون الإنسان هو السبب. وينبه على الطبيعة الخطيرة للإنسان، الذي بعد الكارثة سيكون ناجيا ويضطر للعيش في عالم ينقصه كل شيء مما يضيف له اليوم حياة إنسانية كريمة: أمن وعدالة وغذاء وأدوية، بنية تحتية ونظام دولة حر.
إن قراءة هذا الكتاب تمنح القارئ حساسية ثقافية خاصّة؛ فقد عمل المؤلف على توضيح الشعور بالرغبة الملحة في رسم نهاية العالم فنيّاً وأدبيّا باعتبار الفن والأدب هما مرآة للبشرية، التي تتساءل عن كيفية الاستمرار بعد الغرق، وعن حالتها بعد أن يخرج كل شيء عن سيطرة الإنسان ويصبح بيد القوى الخارقة، أو بيد التقانة، أو بيد الإنسان الشرير نفسه، والذي كتب روايات ورسم سيناريوهات عن سقوطه الذي صنعه بيده.
الكتاب: عن دلالة روايات نهاية العصر.
الكاتب: إنغو رويتر.
اللغة: الألمانية.
دار النشر: ركلام، ضمن سلسلة: ما ذا يعني كل هذا؟
سنة الإصدار وعدد الصفحات: 2020، 93 صفحة.
