المرأة العمانية على طريق التكافؤ

la femme omanise sur.jpg

 جورج ساسين

منى القرطوبية (باحثة وكاتبة عمانية)

 

 منذ تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله- مقاليد الحكم في البلاد والمرأة كانت وما زالت في طريق المساواة المُتدرجة مع الرجل يداً بيد، حيث اعتبرها جلالته الجناح الثاني للوطن، والذي بدونه لا تحلق عُمان في سماء النمو والازدهار، بل تظل كسيرة، لا تقوى على التحليق. ولكي يرى العالم المعاصر جهود السلطنة المبذولة في سبيل تحقيق مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة وإعطاء المرأة كامل حقوقها في جميع الميادين، وإنجازاتها طوال سنوات من الزمان مضت، وتأثير ذلك لعقود قادمة مزدهرة بثمرات التكافؤ والعدالة، يأتينا كتاب (المرأة العُمانية على طريق التكافؤ).

صدر الكتاب عن دار النشر الفرنسية "لارماتان"، وهو ضمن سلسلة كتب تأتي تباعاً بعنوان "نظرات متلاقية حول عمان"، يتولى إدارتها الدكتور جورج ساسين، ممثل وزارة الإعلام العُمانية في فرنسا. وتهتم هذه السلسلة بتسليط الضوء على سلطنة عمان باعتبارها بلدًا يلعب في المنطقة دورا مركزيا متحفظاً في آن واحد؛ مما يعطي هذا السلسلة أهمية كبيرة عند القراء الناطقين بالفرنسية للكشف عن بعض الجوانب التي قد تثير فضولهم حولها فيما يختص ببلد له تاريخه العريق وحضارته المترسخة على مدى قرون من الزمان. 

  ويقع الكتاب في 120 صفحة، ويُعد الأول باللغة الفرنسية شارحاً حقوق المرأة العمانية، وواجباتها، والمكانة التي حظيت بها منذ تولي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله-  مقاليد الحكم في البلاد. كما استند الكتاب إلى أوراق العمل المقدمة في مؤتمر نظمه سعادة السفير الشيخ الدكتور غازي الرواس، سفير السلطنة لدى فرنسا بالتعاون مع جمعية الصداقة مع عمان في مجلس الشيوخ في 22 أكتوبر 2018.

ابتدأ الكاتب كتابه بمقتطف من خطاب صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد في افتتاح الدورة السنوية لمجلس عمان عام 2009م: (لقد أولينا، منذ بداية هذا العهد اهتمامنا الكامل لمشاركة المرأة العمانية، في مسيرة النهضة المباركة فوفرنا لها فرص التعليم والتدريب والتوظيف ودعمنا دورها ومكانتها في المجتمع، وأكدنا على ضرورة إسهامها في شتى مجالات التنمية، ويسرنا ذلك من خلال النظم والقوانين التي تضمن حقوقها وتبين واجباتها، وتجعلها قادرة على تحقيق الارتقاء بذاتها وخبراتها ومهاراتها من أجل بناء وطنها، وإعلاء شأنه. 

ونحن ماضون في هذا النهج، إن شاء الله، لقناعتنا بأن الوطن في مسيرته المباركة، يحتاج إلى كل من الرجل والمرأة فهو بلا ريب، كالطائر الذي يعتمد على جناحيه في التحليق إلى آفاق السماوات، فكيف تكون حاله إذا كان أحد هذين الجناحين مهيضا منكسرا؟ هل يقوى على هذا التحليق؟).

ويحسب للكاتب هذه الانطلاقة الموفقة من خطاب جلالته كمُقدمة لكتاب يستعرض حقوق المرأة العمانية ومكانتها في بلد أسس قواعد نهضته الحديثة، وأقام دعائمها القوية جلالته، لتبقى من بعده راسخة قوية أمام أي فتن وعقبات رجالا ونساء يدا واحدة نحو التقدم. 

واستند الكاتب كتابه -كما ذكرنا سابقا-  إلى عرض الأوراق والمداخلات المقدمة في المؤتمر، مبتدئا بمداخلة رئيس مجموعة الصداقة مع دول الخليج السيناتور جان ماري بوكل كمقدمة لكتابه، والتي بعنوان "عمان نموذج إيجابي لتنفيذ حق المرأة"، أكد فيها على الموقع الجغرافي والاستراتيجي المميز للسلطنة، ووضح أنَّ عُمان كانت أول دولة من أصل 6 دول CBEPS تعترف بحق المرأة في التصويت، كما أكد على أن الرجل أيضاً في عُمان يعتبر أنموذجاً إيجابياً لتطبيق حقوق المرأة. وتسليط السيناتور الضوء على دور الرجل يعطي صورة صادقة للحياة المتناغمة التي يحياها العمانيون في ظل حكومة تسعى جاهدة لتحقيق مبدأ العدل والمساواة في جميع نواحي الحياة. 

    ثم تلا ذلك عرض لكلمة سعادة السفير الرواس كمداخلة عامة هنأ من خلالها المرأة العمانية بيوم المرأة العمانية، والذي يصادف السابع عشر من يناير من كل عام، كما أكد على دور المرأة العمانية كشريكة في التنمية في سلطنة عمان، وموضحا دورها في تاريخ عمان منذ القدم، حيث أشار فيها إلى الملكة شمساء التي حكمت البلاد قبل 6000 سنة، طارحاً تساؤلا يفتح آفاق الحضور لمجال أوسع لمعرفة مكانة المرأة العمانية ودورها بقوله: إذا كان هذا هو وضع المرأة العمانية قبل 6000 سنة، فماذا عن منصبها اليوم؟ تاركا لمن بعده من المتحدثين في الندوة الرد على هذا السؤال من خلال ما سيعرضونه من بعده.

      وناقش الرئيس المنتدب في مجموعة الصداقة مع السلطنة السيناتور بيار ميديفييل موضوع "المساواة منعطف اجتماعي ومتدرج"، تحدث فيه عن كون سلطنة عمان هي أول دولة في منطقة الخليج أعطت المرأة حق التصويت في التسعينيات، فقد أعطت المرأة حقوقها بموجب القانون. كما بين أن سلطنة عُمان تسير نحو طريق المساواة بطريقة طبيعية وتدريجية.

     وهنا نجد أن السيناتور ربط ما بين تقدم السلطنة في مجال إعطاء المرأة لحقوقها في جميع الميادين، وبين الصفات التي عرفت عن السلطنة في المنطقة بوصفها بلدا اتسمت قيادته بالحكمة والقوة والروح المتجددة مع المحافظة على تقاليدها التي لا تتنافى مع كونها بلدا تسعى للحداثة والتطوير. 

     كما عرض مؤلف الكتاب محاضرة نائبة رئيس مجلس الدولة الدكتورة سعاد اللواتية، والتي حملت عنوان (المرأة في مسار التنمية العمانية)، قدمت من خلالها رؤية بانورامية وتحليلا مفصلا للدور المركزي للمرأة العمانية في التنمية الشاملة للسلطنة. مبينة قوة ومتانة العلاقات العمانية الفرنسية على مر التاريخ، كما قامت بالتعمق في موضوعها من خلال طرح ثلاثة محاور أساسية هي، سياسات الحماية الاجتماعية التي تستفيد منها المرأة العمانية، بينت فيه على أن النظام الأساسي للدولة الوارد في المادة 17 منه نص على أن جميع المواطنين متساوون بموجب القانون في الحقوق والواجبات، وهو الأساس الأصلي الذي يعتبر بمثابة الأساس للقوانين التشريعية داخل السلطنة، وهو مبدأ أكدت الدكتورة على أنه لم يكن غائباً منذ أن تولى جلالة السلطان قابوس -رحمه الله- مقاليد الحكم عام 1970م. والمشاركة المجتمعية في تعزيز دور المرأة العمانية في مجالات التنمية، ودور مجلس الدولة في تطوير السياسات والقوانين المتعلقة بحقوق المرأة، وقد أكدت الدكتورة سعاد على نجاح المرأة العمانية في تحويل النصوص القانونية البسيطة إلى ممارسات ملموسة، ومن ثم فهي تمثل حضورا فاعلا وبارزا في مجتمعها على جميع المستويات، كما ترى الدكتورة سعاد أنَّ التعليم والتدريب أفضل سبيل لتحقيق الازدهار والتقدم للمرأة العمانية، وهو ما تعمل عليه السلطنة في طريق التنمية الشاملة لمواطنيها سواء رجالا أو نساء، ولذلك نجد أن المرأة العمانية احتلت مكانة مهمة في جميع الأماكن وعلى جميع المستويات، بما في ذلك المجال العسكري، ودخلت مجال الفنون بأشكالها الأكثر تنوعا.

     ثم تلا ذلك ورقة للدكتورة صفية الشرجية، محاضرة في كلية التكنولوجيا في مسقط، بعنوان: (تجربة الهجرة وتمازج الثقافات)، وترى الدكتورة صفية الشرجية أن ترك الأرض والالتقاء بشعوب أخرى أدى إلى اكتساب مهارات وتعليم متنوع استفاد منه العديد من الفتيات والنساء العمانيات، كما أكدت فيها على أن تعليم وتدريب الشباب العماني بشكل عام، والبنات والمرأة العمانية بشكل خاص، هو في صميم الجهد الوطني، مؤكدة على دور البعثات التعليمية التي ترسلها السلطنة إلى خارج البلد دون التمييز بين الرجال والنساء.  وقد جاءت ورقتها للربط بين تجربة الهجرة من وإلى سلطنة عمان، وبين دور المرأة العمانية في المجتمع العماني، ودور هذه الهجرة في اكتساب المرأة العمانية ثقافة وتعليم متنوعين، من خلال ما مر به العمانيون من عدة أجيال في تعايش مع ثقافات لغوية مختلفة. حيث من المسلم به أنه من خلال هذه الهجرات نجحت المجتمعات العمانية في بناء ازدهارها من خلال مساهمة المرأة، والجمع بين تعليم الأطفال الصغار والمشاركة في التنمية؛ وبالتالي إنشاء شركة عائلية تجارية. كما ضربت مثالاً على دور السيدة موزة بنت أحمد بن سعيد البوسعيدية، والتي لعبت دورا عسكريا وسياسيا حاسما في تاريخ سلطنة عمان في فترة ذروة تدفق الهجرات، وأيضاً ذكرت الأستاذة فاطمة بنت سالم بن سيف المعمرية، والتي تتصدر قائمة النساء العمانيات الرائدات، كأول سيدة خليجية تحصل على درجة الدكتوراه عام 1955م.

     وألقت الصحفية أوراس زيباوي ورقة بعنوان: (المرأة العمانية بين التراث والحداثة) تحدثت فيها عن المرأة العمانية واصفة إياها بالمتعايشة مع الابتكارات والخبرات في مجالات مختلفة، والتعايش كصفة بحد ذاتها تعني التقبل والسعي للتطوير -وهذا هو حال المرأة العمانية-، حيث ترى أنها استلمت ما هو أفضل في تراثها الثقافي من خلال مزجها بانسجام مع الحداثة الثقافية والعلمية العالمية، مما أثر في ترسيخ التعايش وتقوية الأسرة كوحدة أساسية في المجتمع، مع الحفاظ على القيم. واعتبرت الصحفية أوراس زيباوي وجود مثل هذه الصفات المتميزة للمرأة العمانية نتيجة طبيعية لمنهج سارت عليه السلطنة في طريق التكافؤ قائم على الاعتراف بالحق في الاختلاف، وسياسة التسامح والانفتاح على جميع الأعراق والأديان واللغات المعمول بها، وأيضا إرساء المساواة القانونية والمدنية بين الرجل والمرأة. كما اعتبرت الرهان على تحديث التعليم  البوابة الرئيسة لتحديث المجتمع العماني؛ فالمرأة العمانية المتعلمة المثقفة حاضرة في جميع المجالات السياسية، والاقتصادية والإدارية، ووسائل الإعلام، وعالم الثقافة والفن.

       ثم تأتي مداخلة الوزير السابق، وعضو المجلس الدستوري السابق بيار جوكس الذي بدأها بوصفه لعُمان: "الجمال له عنوان، إنه عُمان" معتبرا اكتشافها من جميع النواحي مطلباً مهماً يجب أن يسعى له الفرنسيون، كما أكمل مداخلته بطلب قدمه بقوله: (أطلب من حكومتي أن تستنير من خبرة سلطنة عُمان في مجال التسامح وحقوق المرأة)، وهو رأي يحتسب لبلد التسامح من وزير سابق سياسي خبير يرى أن السلطنة منارة يقتدى بها بين بلدان العالم أكمله كبلد تسامح وعدل ومساواة بين المرأة والرجل.

       وجاءت الخاتمة مع الوزيرة المفوضة السابقة عضو مجلس الشيوخ هيلين كونواي ـ موريه (المرأة العمانية عبر التاريخ)، حيث أكدت على أن الدولة المنفتحة تقاس أولاً وقبل كل شيء بالحقوق الممنوحة للمرأة، وهذا ما رأته في نهج سلطنة عمان من خلال الأوراق المقدمة في المؤتمر، كما أشادت بنهج السلطنة في التأكيد على التعليم لأنه ينتقل في المدرسة وفي الأسرة، بشكل عام ترى أن الأم هي التي تدعم وتشجع وتحفز وتشرف، حتى لو كانت قد حصلت على الحد الأدنى من التعليم.

      وفي الختام عزز المؤلف الكتاب بمستندات ودراسات وإحصاءات عن النساء اللواتي طبعن تاريخ عُمان والنساء الطليعيات في مختلف القطاعات، وكذلك المكرمات في مجلسي الشورى والدولة، أعدها كل من نائب مديرة دائرة البحوث الاجتماعية والثقافية في مجلس الدولة سلطان الخروصي والباحثة الاجتماعية في هذه الدائرة صفاء بنت ناصر الخروصية، ودائرة الإعلام والتواصل في مجلس الدولة.

 

 الكتاب: المرأة العمانية على طريق التكافؤ.

المؤلف: جورج ساسين.

الناشر: دار لارماتان الفرنسية.

سنة النشر: 2019م

عدد الصفحات: 120 صفحة

اللغة: الفرنسية.

أخبار ذات صلة