الأفراد والمؤسسات في القرون المدرسية الوسطى

individuals and institutions.jpg

تأليف جماعي 

علي الرواحي

لفترة طويلة كانت العلاقة بين الأفراد والمؤسسات هي التي جعلتهم يظهرون، ويجتهدون، ولاحقاً يغيرون من تصورات وأفكار الآخرين تجاه العالم، والحياة، محل سؤال وبحث عميقين، وهذا العمل الجماعي يعتبر واحداً  من هذه الأعمال التي تستقصي هذا الجانب، حيث يدور هذا العمل حول الأسئلة الأساسية التالية: ما هي العلاقة بين مفكرين معينين وشبكاتهم الأوسع (بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر "المدارس")، وكيف شكل المثقفون مؤسساتهم، وكيف شكلتهم هذه المؤسسات؟ حيث تغطي هذه المجموعة من المقالات المختلفة، الكثير من المواضيع، كالجدل، والشعر الملحمي، وسجلات محاكم التفتيش، ومجموعة من المواضيع بما في ذلك التاريخ والأخلاق العملية والطب واللاهوت والفلسفة، ودستور الرهبانيات، وممارسات الطوائف، ومؤسساتها، وغيرها.

فعلى مدى فصلين وأحد عشر بحثاً  يُلقي هذا العمل بشكل ٍ مطول الضوء على هذه الجدلية الخصبة أحياناً، والقاحلة أحيانا ً أخرى، بين الفرد وعلاقته بالمؤسسة التي لا تعتبر جديدة، بل موغلة في القدم، غير أن التركيز على الفرد من الناحية التاريخية يمنح المؤرخ أو الناظر مساحة كبيرة للتأويل، والربط، والعودة والتقدم، لفهم التحولات الكثيرة المختلفة، فمن الواضح أن معايير اهتمامات الفرد وبديهياته تحدد بشكل جذري التاريخ الذي يكتبه وتغيره؛ ففي تاريخ الفلسفة وحده، على سبيل المثال، هناك مجموعة متنوعة من الأساليب الممكنة التي ظهرت بسبب هذه الجدلية، في حين أن التركيز على المدارس أو المؤسسات بما تتضمنه من علاقات عمودية بين المؤسس والتلاميذ، يجعل التغيرات تُجابه بالرفض والنعوت السلبية المختلفة من جهة، ويجعل التحليل يأخذ الجانب الجامد بعض الأحيان من الجهة الأخرى.

غير أنَّ الأمر لا ينحصر فقط بين الفرد والمؤسسات بالمعنى التقليدي، فهناك شبكات كثيرة ساعدت على نشوء تيارات واتجاهات مختلفة ساعدت على تطوير مجموعة أكثر دقة من المحاور للتفكير عن طريق الشبكات التي تربط الأفراد بعيدًا  عن الروابط التنظيمية الخارجية، والانتماءات الأيديولوجية، والمجموعات العمومية، والناشرين المشتركين والمستفيدين من هذا النشاط أو ذاك، وما شابه ذلك.

ولفهم هذه العلاقات المتداخلة سعى بعض الباحثين في هذا العمل، للاستفادة من نظريات مختلفة، مثل نظرية نيكلاس لومان Niklas Luhmann الألماني للنظم الاجتماعية، والتي تقدم طريقة لفهم كيف يمكن للأفراد تغيير المؤسسات على نطاق أوسع، حيث إن وظيفة جميع النظم الاجتماعية، والتي هي جميعها أنظمة الاتصال (بما في ذلك الفعل كشكل من أشكال الاتصال)، هو تقليل التعقيد، وتلبية حاجة البشر لتوجيه أنفسهم في العالم بطريقة مخططة ومنظمة بشكل مناسب. كما لا يقتصر تصنيف الأنظمة الاجتماعية على المنظمات الاجتماعية فحسب، بل يشمل أيضاً التفاعلات والمحادثات محدودة الوقت (تلميذ المعلم؛ الطبيب المريض؛ الطلاب في الفصل الدراسي؛ الشركاء في الأسرة) والمجتمعات بأكملها (الأنظمة الاجتماعية الشاملة التي تحتوي على أنظمة فرعية متمايزة وظيفياً) حيث يعرّف أي نظام اجتماعي نفسه بالرجوع إلى ما هو خارجه، أي بيئته، التي من منظور النظام، غير منظمة ومعقدة للغاية، كما يقوم النظام بتثبيت التوقعات فيما يتعلق بمجموعة الاتصالات أو الإجراءات التي يمكن أن تتم داخله من خلال توجيه الاتصال بين الجهات الفاعلة الاجتماعية والأفراد، بهدف محافظة هذا التوجيه على الحدود بين نظام الاتصال والبيئة غير المنضبط. في مقابل ذلك، نجد أن البيئات خارج النظام أو مساحته الممكنة للسيطرة تتغير بشكل ٍ مستمر، الأمر الذي يعني أنها تُدخل تغييرات على بنيته أيضا ً، بشكل ٍ غير مباشر، فهذه المجموعات قد تنشئ أنظمتها الاجتماعية بطرق مختلفة تماما ًباستخدام أدوات مختلفة بشكل ٍ كامل.

في الفصل الأول بعد مقدمة تمهيدية طويلة، يتناول المؤرخ الفرنسي بلاسي دوفالBlaise Dufal، سلطة آباء هذه المؤسسات في القرن الثالث عشر التي كانت تُعتبر سلطات محُرمة(طوطمية) لا يمكن الاقتراب منها، أو مناقشتها. ففي الكثير من الحالات نشأت هذه المدارس كتحالفات بين أفراد، أو علماء يشتركون في بعض النقاط الفكرية العامة، ينطلقون من منطلق واحد تجاه المعرفة حيث اعتبر البعض المعرفة في تلك الفترة كما هو الحال لدى أنسلم كانتربري Anselm of Canterbury، أن الإيمان يجب أن يسبق المعرفة، فيجب أن تؤمن لتعرف، ومع ذلك يمكن للإيمان أن يبنى على المعرفة، والتي بدورها توافقت بدرجة كبيرة مع منطلق أوغسطين Augustine الإيمان يبحث عن المعرفة "faith seeking understanding". وجدت هذه القناعة دورها في المؤسسة المدرسية في العصور الوسطى، كمؤسسة لإنتاج المعنى الذي كانت تحتكره رسميا ً في مجتمعات العصور الوسطى الغربية. كانت المدرسة في العصور الوسطى هي الأداة الرئيسية لعملية التحقق، أو تحديد الحقيقة، كنشاط اجتماعي وثقافي، فهي نظمت إنتاج الحقيقة وتداولها واستهلاكها لفترة طويلة. لقد كانت ذراعا ً للكنيسة، كمؤسسة إيمانية، ملتصقة بالمعتقد، مؤسسة تركز على الإرادة إلى الحقيقة والتي كانت أيضا ًنبوءة تحقق ذاتها (من حيث إن المعرفة الناتجة عن إجراءاتها الصادقة ستكون صحيحة) ومع ذلك، أكثر من أي مؤسسة مكتملة، كانت المدرسة في العصور الوسطى بحد ذاتها تمر بعملية طويلة ومعقدة لإضفاء الطابع المؤسسي.

يتضح هذا بشكل ٍ كبير في تطبيق الفكرة من القانون الكنسي الذي عُرف رسميا ً مؤسسة (Institutio) كفعل اعتراف بمجتمع ديني من قبل رئيس كنسي، والذي يظهر لنا المدرسة في العصور الوسطى كمجموعة من المؤسسات: الجامعات التي تأسست من خلال أعمال الاعتراف البابوية التي أعطتها الإرساليات والامتيازات المختلفة: هنا، كما في السلوك الأخلاقي الرهباني الكاثوليكي، تصبح الفردانية مستهجنة، ومذمومة، بل وينبغي محاربتها عن طريق القانون الكنسي. كما تأسس في المقابل مجتمع الرهبان - نموذج المجتمعات الجامعية - على نبذ الشخصية الفردية.

بهذا المعنى يُنظر للمدرسة بحسب المؤرخ الفرنسي بأنها المؤسسة بأنها القواعد التي تنظم المجتمع، وهي "قاعدة يقبلها الجميع''. وباعتماد هذه الصيغة يمكننا القول بأن المدرسة في العصور الوسطى كانت بنية اجتماعية تحددها قواعد العلاقات الاجتماعية (المواد القانونية، والاستثناءات القانونية، والقواعد الداخلية)؛ قواعد التدريس (التخرج، برامج التدريس، قوائم القراءة)؛ وقواعد التفكير والكتابة (أسلوب اللوم، طريقة حل الخلافات). كانت المدرسة في العصور الوسطى تخصصًا (انضباطيا) في التصور الرهباني الكنسي وفي تطبيقه العلمي. كان هذا النظام هو السبيل لضمان تنظيم الخلافات والنظام العقدي. أكدت هذه القواعد الأداء السليم للمدرسة وضمنت شرعية المعرفة. كان العالم المدرسي إذن مؤسسة تحكمها فكرة تأسيس الحقيقة وضرورة توفير المعنى في عالم مسيحي، وضرورة تعزيز الأسس العقائدية للكنيسة. 

وهكذا، في حين أن العالم المدرسي في العصور الوسطى لم يكن "مؤسسة كاملة" ببعض المقاييس الحديثة، إلا أنه كان مؤسسة لإنتاج تفسير كامل للواقع، ومؤسسة ذات معنى شامل مع تنوع كبير داخل أنظمة ثقافية أخرى والعديد من الامتدادات فيها. يجد هذا التصور للمؤسسات أصداءً في التعريفات الاجتماعية المعاصرة للمؤسسات باعتبارها معتقدات وسلوكيات جماعية. بالنسبة له، كانت المؤسسات طرقا ً للتصرف والتفكير يستخدمها الأفراد. ومع ذلك، إذا كان النموذج الرهباني قد لعب دورا ً مهما ً في بناء الجامعة والتمثيل الذاتي الأكاديمي في العصور الوسطى، فإن المؤسسة الأكاديمية كانت عمليًا أكثر انفتاحًا وشمولية، وأكثر مرونة وديناميكية. حيث سعت المؤسسة الدراسية لصياغة مؤسسية متوترة مصممة أصلاً لإنتاج المطابقة؛ لتشمل فردية العلماء، واختلافهم مما خلق مفارقة غامضة، بين الخضوع للتيار السائد والرغبة في التجديد.

في مقابل ذلك، ثمة نقطة تعود للفرد، لكنها مؤثرة جدا ً في المسار العام للمؤسسة، وهي كاريزما القائد وبعض النقاط الحيوية الدينية، التي يسعى بعض القادة الدينيين للخروج من الأسوار المغُلقة التي وجدوا أنفسهم فيها، مما يُظهر تناقضا ً كبيرا ً بين الطرفين. وهي النقطة التي وجدها بعض المؤرخين في هذا الكتاب في مرسوم جراتيان Decretum Gratiani الذي كُتب في 1140م تقريبا ً، حيث سعى لتوطيد القانون الكنسي وترسيخه عن طريق ما يقارب من 4 الآف مادة كنسية تتعلق بتعريف القانون الإلهي، ومصادره، وصفات رجال الدين، وفرص العمل، والشروط المتبعة للحصول على هذه الألقاب. كما يؤسس أيضا ً لطريقة تعيين وإلغاء الأساقفة، مدة العضوية، وطريقة الطرد في حالة الإتيان بالبدعة أو الهرطقة. 

وفقا ً لهذه القواعد الكثيرة، يمكن لأي فرد مقتنع بقدرته على استدعاء تواصله مع المطلق أن يتجاهل جميع المؤسسات الكنسية. في الواقع، لم يطلب الفرد أي تنظيم لحياته من خلال قنوات الكنيسة الرسمية. ذلك أن الاكتشاف الشخصي لقاعدة متجذرة من قبل الله في القلب شيء لا يمكن أن ينبع إلا من الضمير الفردي ويجب المطالبة به قبل ذلك الضمير – حيث يقف ضد القانون الوضعي لمؤسسة عرفت نفسها من حيث المبدأ على أنها وسيط الخلاص الذي تدخل فيه بين الله والفرد.هنا، واجهت المؤسسة بدلاً من ذلك الكثير من الأحاديث عن وصول بعض الأشخاص بشكل ٍ مباشر للمطلق، والذي يمكن بالفعل الاستدلال منه على حق أساسي في الحرية الفردية. لذلك، يستكشف هذا الفصل كيف حاول المفكرون والقادة المسيحيون في العصور الوسطى - وتحديداً منهم "صاحب الكاريزما" - التعبير عن حرية الحركة التي لم تكن عشوائية ولكنها منظمة من خلال المبادئ اللاهوتية والقانونية للتقاليد، حيث أن هذه الأخيرة تمثل "المدرسة" كمنهج هنا؛ وعلى الرغم من أن هذا الفصل لا يعلق بشكل خاص على القانون المدرسي بشكل منهجي في حد ذاته، إلا أن قواعد اللاهوت والقانون تتخلل استكشاف إشكالية كيفية تكون الفردانية الكاريزماتية أو التي تجذب الأفراد الآخرين.في هذا السياق، بدا الفرد متحررا ً من الالتزام بسلوكيات معينة وفقًا لقواعد الأنظمة المؤسسية. ونتيجة لذلك، بدا أن هناك فضاءً عابراً أو فوق مؤسسي ينفتح بحيث يمكن للفرد أن يتطور بحرية. (قد يؤدي هذا الفضاء إلى موقف مناهض للمؤسسات في الكثير من الأحيان). للوهلة الأولى، يبدو أن هذه النتيجة دقيقة؛ ولكن إذا نظرنا إليها عن كثب، نُدرك أنها تحتاج لتوضيح. حيث كان قطع العلاقات مع قواعد المؤسسات الدنيوية ممكنا ً فقط للأفراد الذين يعرفون أنهم مرتبطون بقواعد الله والنظام الإلهي وتصرفوا وفقا ً لها: أي أن المرء لا يتصرف وفقا ً لإرادته الخاصة بل وفقًا لإرادة الله. هنا يكمن الجوهر الأخلاقي للاستقلالية الفردية بعيدا ً عن مؤسسات هذا العالم. ومع ذلك، في الوقت نفسه، لم يكن هذا التعبير الأنثروبولوجي الملموس ممكنا ً إلا في إطار اكتسب فيه الإنسان هذه الاستقلالية، بوصفه مخلوقا إلهيا أطاع خالقه بمحبة، ولهذا منحته روح الله قدرة استثنائية على التعرف على الإله.هذا يقودنا إلى قلب الموضوع بشكل ٍ جذري: فالشخص الذي يلهمه الروح القدس مسموح له أن يتجاوز المؤسسة الأرضية فقط، بقدر ما كان مرتبطًا أيضا ً بالمطلق المتعالي. 

بالعودة لأهمية الكاريزما في التقاليد الدينية، يعود جيرت ملفيلGert Melville كاتب هذا الفصل إلى تعريف ماكس فيبر الشهير للكاريزما، حيث نجد أنها "هي القوة الثورية العظيمة في العصور التي تأسست على روابط التقاليد.  ومع ذلك، فإنها تعمل على النقيض من القوة الثورية المساوية لـ "العقل" [النسبة، أو التفكير الأداتي] الذي يعمل إما مباشرة من الخارج من خلال تغيير الظروف المعيشية والمشاكل العملية، وبالتالي، بشكل غير مباشر، من خلال المواقف المتغيرة. والنتيجة: يمكن للكاريزما أن تكون متحوّلة من الداخل إلى الخارج، فهي تدل على تحويل الاتجاه الأساسي لكل من الرغبة والفعل، الناشئ عن الإكراه أو الحماس، مما ينتج عنه توجها ً جديدا ً تماما ًلجميع المواقف تجاه جميع طرق الحياة المعطاة وإلى "العالم" بشكل ٍ عام. 

في هذا السياق، نجد أن هناك بعض النماذج الفردية التي كسرت تعاليم المدارس والمؤسسات المختلفة، التي تسعى لإنتاج نُسخ متشابهة تقريبا ً للأفراد بناء ً على هذه القوانين، والتعليمات المختلفة. ذلك أن هذه النماذج قد آثرت العزلة للغابات، والأماكن القصية عن العالم، والنصوص الوسيطة بين الفرد والمُطلق، أو بدون أي وسيط كنسي كما يقول الكاتب، وبالتالي وجد نفسه وجها ً لوجه أمام المطلق. في حالات الكاريزما الفردية أو الجاذبية الشخصية، كان هناك تجاهل صريح للمعايير التقليدية لصالح تشكيل معايير خاصة بالفرد؛ حيث ظهرت هذه، من حيث المبدأ، كقوة أساسية ومتماسكة، في كلمات ماكس فيبر المقتبسة، والتي يجب تعريفها بالفعل على أنها "توجه جديد تمامًا لجميع المواقف تجاه جميع طرق الحياة المعطاة و"العالم" بشكل عام. 

أراد هؤلاء الأفراد شكلاً من أشكال الحياة الدينية التي تمثل بديلاً كاملاً للأديرة القائمة تحت رعاية الأساقفة. من المحتمل إلى حدٍ كبير بأن أحد العناصر المحورية لهذا الشكل المختلف هو الفقر المدقع كما تشير اقتباسات الكاتب هنا. عندما سأل تلاميذ القديس ستيفن أوف موريه Saint Stephen of Muret وهو الشخصية المحورية لهذا الفصل، وهو على فراش الموت، عما سيخلفه لهم، قال: "إذا تمسكت بالله بثبات بدافع من حب الفقر، ولم تبتعد عن طريق الحق هذا، فهو هو يعطيك بوفرة حسب عنايته التي من خلالها يحكم كل شيء". كان هذا الفقر سببا ً رئيسيا ً في الهجوم المباشر على الأديرة الغنية في عصره، والتي كانت تجمع العشور، حيث كان هذا الاتجاه وآثاره كافية لتحديد الموقع الخاص للأفراد الكاريزماتيين في توترهم القروسطي بشكل خاص بين الأفراد والمؤسسات. ذلك أن ما تم توضيحه فيما يتعلق بالأفراد ينطبق أيضا ً على الشخصيات الكاريزمية في العصور الوسطى. بالإضافة لذلك، ركز هذا الفصل على العديد من القادة الكاريزميين للحركات الدينية من القرن الحادي عشر إلى القرن الثالث عشر لأن الافتراض القائل بأن القائد الفردي - كقائد - يجب أن يعارض تحديدا ً القواعد المؤسسية القائمة، يبدو أنه يتعلق بهم أكثر من أي شيء آخر. وهذا يثير التساؤل حول كيفية تحديد فكرة القائد الكاريزمي في حد ذاته. بالمعنى البنيوي، كان القائد الكاريزمي نوعًا خاصا ً للغاية من الأفراد الذين، بسبب قدراتهم المتأصلة، من السهل أن يتعارضوا مع المؤسسات؛ حيث لم يكتفِ هؤلاء القادة بزعم تحررهم الشرعي من القواعد المؤسسية، بل زعموا أيضا ً أنهم هم أنفسهم أيضاً حاملون للمعايير ومناصروها، وباستطاعتهم فرضها ليس على الأفراد بل على المؤسسات أيضا ً.

في الختام، يلفت هذا العمل النظر كيف أن التأثير الفردي للقائد الكاريزمي، الذي يتعارض بالضرورة مع الهياكل المؤسسية للسلطات القائمة، كان قادرا ً أيضا ًعلى التحول إلى شكل مؤسسي، كما يمكن أن يوفر ثقلا ً موازنا ً لمشروعية هذه السلطات. وعلى العكس من ذلك، استمرت الأنظمة الدينية في توجيه المؤمنين إلى الشخصية التأسيسية الأولى لدرجة كبيرة، حتى لو كانت الأجيال اللاحقة تختلف باستمرار حول الكيفية التي يجب أن يُنظر بها إلى هذه الشخصية واعتبارها نموذجا ً ينبغي الاحتذاء به.

 

الكتاب: الأفراد والمؤسسات في القرون المدرسية الوسطى. 

المؤلف: عمل جماعي 

الناشر: University of London Press، 2020

عدد الصفحات: 308

لغة الكتاب: الانجليزية




 

أخبار ذات صلة