تأليف: ديفيد بلانشفلاور
عرض: محمد السالمي
منذ الأزمة المالية في عام 2008، وصلت نسبة البطالة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى مستويات منخفضةعلى الرغم من أنَّ نسبة الرواتب لم ترتفع لدى العمال البريطانيين منذ عشر سنوات،كما أن القوة الشرائية لدى الأميركيين هينفسها التي كانوا يتمتعون بها منذ الثمانينات. هذا يقودنا لسؤال معظم الاقتصاديين، الذين ينظرونللعمل كسلعة مثل أي شيء آخر،وحسب العرض والطلب ومع تحديد السعر أي (الأجر). يبدو من خلال البيانات أن الطلب على العمل قوي، لكن الأجور لم تتزحزح!.
ماهو سبب عدم ارتفاع الأجور،هل يمكن الاعتماد على انخفاض نسبة البطالة كدليل على أن سوق العمل بخير؟ الأمر ليس كذلك. في هذا الكتاب، يحاولديفيد بلانشفلاورDavid Blanchflowerرسم صورة شاملة حول سوق العمل، وتأثيره على المجتمع. كما يتطرق لتأثيره علىالرفاه الاجتماعي والصحة العقلية والقلق وأيضًا الاتجاهات السياسية الواسعة، ويحاول إقامة روابط بينها جميعًا، باستخدام وفرة من البيانات.
كتاب "لا يعمل" هو كتاب صريح حول كيف أن الشباب والعمال الأقل مهارة هم من بين أسوأ ضحايا نقص العمالةunderemployed ويقصد به"الحالة التي ينخرط فيها الأشخاص في سوق العمل في وظائف أقل من دوام كامل أو في وظائف لا تتناسب فيما يتعلق باحتياجاتهم التدريبية أو الاقتصادية"، وكيف يتحمل المهاجرون اللوم، وكيف سيستمر انتشار وباء التعاسة وتدمير الذات ما لم نتعامل معها.العمالة الناقصة، لا تزال فوق مستويات ما قبل الأزمة في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، هي الحلقة المفقودة بين معدل التوظيف ومتوسط الأجور كما يرى الكاتب.
الكاتب ديفيدبلانشفلاور هو أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة دارتموث،وأستاذ غير متفرغ بجامعة ستيرلنغ، وهو باحث مشارك في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.كما كان عضوًا خارجيًا في لجنة السياسة النقدية التابعة لبنك إنجلترا لتحديد أسعار الفائدة من 2006 إلى 2009.من أبرز مؤلفاته كتاب "منحنى الأجور".
ينقسم هذا الكتاب إلى اثني عشر فصلاً مقسمة على ثلاثة أجزاء. في الجزء الأول يأتي بعنوان"الكساد العظيموالمشاكل الكامنة". بعد المقدمة، وفي الفصل الثاني من الكتابيناقش المؤلف الأسباب التي تجعل البطالة سيئة، وكيف أنها تؤثر سلبًا على الرفاهية المجتمعية.
أما في الفصلين الثالث والرابع يؤكد المؤلفأن نمو الأجور كان ضعيفًا منذ الركود الكبير. وعلى الرغم من أن معدلات البطالة انخفضت في العديد من البلدان، بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة،إلا أن نمو الأجور ظل ضعيفًا. يقولد يفيد بلانشفلاور إن "العلاقة بين معدل البطالة والأجور التي كانت موجودة قبل فترة الركود قد تحطمت،وأنه على ما يبدو غير قابلة للاسترجاع". الاستنتاج الرئيسي لهذه الظاهرة يتمثل في أن الطلب على العمالة كان ضعيفًا جدًا لأننا كنَّا في المرحلة الحادة من الركودوهي فترة طويلة من ضعف نمو على الطلب.كما يناقش الكاتب أيضاعدم المساواة، لا سيما في ارتفاع الثروة وعدم المساواة في الدخل في الولايات المتحدة.
الفصل الخامس يناقش قضيةالعمالة الناقصةunderemployment. الفكرة الأساسية هي بسيطة ولكنها عميقة. يرى الكاتب أن معدل البطالة ليس مقياسًا شاملاً لركود سوق العمل. هناك عمال يعملون بدوام جزئي، لكنهم يرغبون في العمل بدوام كامل. وهناك عمال يعملون بدوام كامل، ويرغبون في العمل بعدد مختلف من الساعات. الفكرة هي أن بعض العمال، على الرغم من توظيفهم، لا يعملون بشكل كامل. ومن هنا، على الرغم من انخفاض معدلات البطالة، لا يزال هناك تباطؤ في سوق العمل. كما يتناول الفصل بعض التفاصيل لتوثيق كل من وجود العمالة الناقصة، وتأثيرها على الأجور. ووفقًا لاستنتاجاتالكتاب، فإن العمالة الناقصة لا تتمحور فقط حول الأجور.يأخذ المؤلف الحجة خطوة أخرى إلى الأمام، حيث يؤكد أن اعتماد العمالة الناقصة كمؤشر لركود سوق العمل وفي تحديد الأجور هو الافضل في حين أن مؤشر البطالة لا. في المقابل، هناك الكثير من الاقتصادين يختلفون مع هذا التفسير؛كون الاثنين مرتبطين إلى حد كبير. هذا يعني أنه من الصعب نسب آثار الأجور إلى واحد بدلاً من الآخر.
الجزء الثاني من الكتاب بعنوان: الاستجابة للازمة.في الفصل السادسينتقد المؤلفالاقتصاد الكلي الحديث، ويحتج بأن علماء الاقتصاد الكلي قد ضلوا طريقهم، حيث ركزوا كثيرًا على النظريات الرياضية والاقتصادية، وليس بما فيه الكفاية على تحليل البيانات. أما في الفصلينالثامن والتاسع يتمحورالنقاش حول الرفاة الاجتماعي والاتجاهات الاقتصادية،وصعود السياسيين الشعوبيين وتركيزهم على الهجرة. يتم إبراز التباين المذهل في تصور المهاجرينوتسليط الضوء عليهم أن هناك عددًا كبيرًا منهم يشغلون وظائفنا ويخفضون أجورنا، ونتائج البحوث المتعلقة بالمهاجرين تشير إلى أنَّ عددهم أقل مما يتصور الناسوأنه ليس هناك دليل مقنع على أنهم يشغلون وظائفنا أو أنهم يخفضون الأجور. هناك الكثير من التفاصيل المفيدة حول مختلف الآثار الاقتصادية المحتملة للهجرة التي تمت دراستها بتعمق. لا يقتصر الأمر على تأثير المهاجرين علىالوظائف والأجور، بل على العكس من ذلك، يبدو أن لديهم إسهاما كبيراعلى الإيرادات المالية والناتج المحلي الإجمالي للفرد.
وفي الفصل العاشر، يكمل المؤلفموضوع الاقتصاد السياسي؛حيث يتطرق للناخبين الذين صوتوا لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي(بريكست)ولصالح ترامب،حيث أنهم أكبر سناً وأقل تعليماً وبأجور منخفضة ويعانون من جودة خدمات عامة أقل، ويشعرون أنه قد تم إهمالهم، وأن الأحزاب السياسية الرئيسية،المؤيدة للهجرة، لم تعد تمثل مصالحهم. وقد زاد غضبهم من الوضع الراهن نتيجة للكساد الكبير. ويرون في دعم الشعبوية ودعم الميول القومية ما قد تفضي لحل مشكالهم. يوضح الكاتب أن صعود الشعوبية اليمينية كان مدفوعًا بالتطورات في أسواق العمل وبسبب فشل النخب في تصحيح السياسة الاقتصادية.
الجزء الثالث والأخير من الكتاب بعنوان: ماذا نعمل؟. حيثيتناول الآثار السياسية للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تم توثيقها. يشير المؤلف إلىأن ضعف الطلب على العمالة ونمو الضعيف للأجر هو السبب الرئيسي لكل الاستياء. وللوصول لعامل الرضا فإنه يجب على صانعي السياسة أن يحصلوا على نمو في الأجور يصل إلى حوالي 4 إلى 5٪،ويقلل من جاذبية السياسيين الشعبويين.يقدم الفصل الأخير توصيات سياسية محددة لتحقيق العمالة الكاملة ونمو الأجور المرتفع. الزيادات في أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا كانت حتى الآن خاطئة كما يرى الكاتب، وكانت قائمة على عدم وجود بيانات!. يرى ديفيد بلانشفلاورأنه يجب أن تعود أسعار الفائدة إلى الصفر أو تكون سلبية حتى يتجاوز نمو الأجور 4٪. كما يجب زيادة الإنفاق الحكومي على البنية التحتية. بالإضافة إلى زيادة التعليم حول الفوائد الاقتصادية للهجرة لتقليل المشاعر المعادية للمهاجرين. يجب تخفيف العبء الضريبي على أصحاب الدخل المنخفض. وينبغي دراسة فكرة ضمان الوظائف أو الدخل الشامل بمزيد من الدراسة وتنفيذها كبرنامج تجريبي لاختبار إمكاناتها.يقول الكاتب في الخاتمة" لم نكن نعرف أين كنا، ولم نعرف إلى أين نحن ذاهبونكما هو الحال الآن ".
وفي سياق آخر، غالبًا ما يستجيب بعض الاقتصاديين لقضية الأجور بالقول إن المشكلة ليست مشكلة العمالة الناقصة، ولكن الإنتاجية منخفضة. حيث يجب أن يكون طلب الشركات على العمالة مرتبطًا بالإنتاجية،لأنه لا يمكنها دفع أجور العامل أعلى من قيمة الإنتاج الذي ينتجه في ساعة واحدة. ولهذا فقد ظلت الإنتاجية ثابتة منذ الأزمة، لذا لم تتمكن الشركات من رفع الأجور. يتفهمديفيد بلانشفلاورهذا الافتراض القائل بأن نمو الإنتاجية المنخفض هو أحد الأسبابلانخفاض الأجور. لكنه يشير أيضًا إلى أن العلاقة بين الأجور والإنتاجية معقدة.في حين أن إنتاجية العمل تضع سقفًا لما يمكن دفعه للعمال، لا يمكن للشركات تحمل أجور العمال أكثر من قيمة ما ينتجونهولكن يمكنهم دفع أجور أقل. تقترح النظرية الاقتصادية السائدة أنه في مثل هذه الحالة،إما أن يغادر العمال، أو يفاوض اتحاد العمال من أجل زيادة الأجور. ولكن كيف من المفترض أن يجد شخص ما وظيفة جديدة خلال فترة الركود؟ كيف يمكن أن يفعلوا ذلك عند فقدان وظائفهم تشمل فقدان التأمين الصحي والمعاشات التقاعدية، وتلقى الحد الأدنى من استحقاقات العمل، وعدم القدرة على دفع الإيجار أو إعالة أسرهم؟ زيادة المرونة في سوق العمل تؤدي إلى تفاقم هذه القضايا. يمكن أيضًا أن تؤثر الأجور على الإنتاجية. كما يشيرالمؤلف،فإنالعمال ذوي الأجور المنخفضة ليسوا مدفوعين للعمل بجدية أكبر. يمثل انتشار الوظائف ذات الأجور المنخفضة، مع قلة فرص التقدم، مشكلة خاصة في مناطق المملكة المتحدة، حيث الإنتاجية أقل بكثير من مثيلتها في لندن.
كما تشجع الأجور المنخفضة الشركات على توظيف المزيد من العمال بدلاً من الاستثمار في اليد العاملة وتحسين الإنتاجية. كيف يبدو مستقبل سوق العمل؟، يشيرديفيدإلى أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا قد تبدأ في الظهور بشكل يشبه اليابان مستقبلا،حيثفرض رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في بداية ولايته الثانية سياسةAbenomicsأبينوميكس، تتمثل هذه السياسة في زيادة عرض النقود في البلاد، وتعزيز الإنفاق الحكومي، وسن إصلاحات لجعل الاقتصاد الياباني أكثر تنافسية وتجنب الركود.
يعد الكتاب نقدًا ممتازًا للاقتصاديات السائدة حيثيفسر العديد من أسواق العمل في الاقتصادات المتقدمة. هذا كتاب سيكون موضع اهتمام الاقتصاديين وواضعي السياسات في جميع أنحاء العالمكونه يحدد عددًا من العيوب العميقة في الرأسمالية الحديثة.
---------------------------------------------------------------
تفاصيل الكتاب:
اسم الكتاب: عاطل عن العمل: أين ذهبت كل الوظائف الجيدة؟
المؤلف: David G. Blanchflower
الناشر:Princeton University Press
سنة النشر: 2019
اللغة: الإنجليزية
عدد الصفحات: 451 صفحة
