الأكل الجيني: علم السمنة والحقيقة حول الريجيم

40121850._SY475_.jpg

تأليف: يو جيليس

عرض: طلال اليزيدي

يعتبر الكثير من الناس حول العالم أنَّ السِّمنة مُشكلة بسيطة وغير مُهمَّة، هذا الكتاب المستخلص من قرابة العقدين من الزمن في مجال التغذية يهدف إلى تبيان العكس. وفي الحقيقة نعم، بالتأكيد يجب علينا الأكل بطريقة ترشيدية، وأيضا يجب علينا أن نمارس بعض الحركة للحفاظ على الهيئة الصحية لأجسامنا، لكنَّ السؤال الحقيقيالذي يحاول الكاتب أن يُجيبه في هذا الكتاب، هو: لماذا يأكل بعض الأشخاص أكثر من الآخرين؟ ولماذا يواجه بعض الأشخاص صعوبة كبيرة في خسارة الوزن أكثر من أشخاص آخرين؟ ولماذا ثقافتنا توفر لنا الإجابات السريعة غير المتخصصة والناقصة للتفسير العلمي من قبل ما يسمون بخبراء التغذية؟

يُقدِّم الكاتب يو بطريقة سردية موسعة، وبأسلوب فكاهي رائع في محاولة إجابته عن موضوع معقد جدا، في هذا كتابه "جينات التخمة" يو يجادل أن فهم الجينات وبيولوجيا هضم الطعام، والفوائد الغذائية للطعام المتناول مهم جدا للمقدرة على مجابهة وباء السمنة وتطوير مستوى صحتنا بطريقة فعالة، هذا الكتاب يطرح أفكارا رائدة في هذا المجال كشعاع من ضوء في مجال مليء بالمعلومات المغلوطة غير الدقيقة.

فالكتاب يطرح دلائل مبنيَّة على تقصِّي علمي من عالم مختص بطريقه سلسة وسهلة الاستيعاب للقارئ غير المتخصص.هذا الكتاب يركز بشكل عام على أسئلة: لماذا بعض الناس يأكلون بشراهة ومقدار أكبر من آخرين؟ وما السبب الذي يجعل من المملكة المتحدة حيث يقطن الدكتور يو تملك أكبر مقاس الخصر في أوروبا الغربية؟ هذا ليس كتاب حمية، ولكنه يتناول تفاصيل كثيرة حول أنواع مختلفة من الحمية، ولماذا قد تعمل أو لا تعمل بطريقة عملية ومضيئة.

الكاتب جيليس يو مختص في علوم الجينات بخبرة أكثر من 20 عاما في بحوث البدانة والجينات وتحكم العقل في تناول الطعام، يو حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة كامبريدج وبحوثه ساعدت على الكشف عن مسارات وطرق تحكم الدماغ بتناول الطعام. بحوثه الحالية تركز بشكل عام على فهم كيفية تحكم الدماغ في تناول الطعام وكيفية اختلاف آليه التحكم من شخص إلى آخر، وكذلك تأثير جيناتنا على علاقتنا مع الطعام وأسلوبنا في التغذية. الدكتور يو موجود في وحدة الأمراض المرتبطة بالتغذية والهضم، ويعمل هنالك كباحث، كذلكيحمل زمالة من كلية ولفسون حيث يعمل هناك كمدرس أيضا. جيليس يو يعمل أيضا كمقدم برامج علمية لقناه الـBBCالبريطانية، وهو لا يحب كتب الحمية الغذائية ويعتبرها "أنها تؤمن أجوبة سريعة وسهلة"، لكن العلم "يستطيع الوصول إلى الحقيقة الفعلية من فوائد الطعام".

ويرجح يو أنَّ نظام الحياة الحديثة والبيئة الغذائية في الوقت الحالي وفرت سبيلا إلى إنقاص الوزن أكبر معضلة صحية يواجهها المجتمع. الملايين من البشر في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى يكثرون الحديث عن نظام الطعام الصحي والحمية الغذائية وكذلك المنتجات التجارية الخاصة بالحمية وإنقاص الوزن مما جعلها قطاعا صناعيا يقدر بملايين الدولارات.

يو استطرد في بداية الكتاب ببعض من الاكتشافات المستسقاة من البحوث العلمية المتعلقة بعلوم الجينات والتخمة، فعلى سبيل المثال وضح أنه وبمجرد استهلاك سبعة من الكالوري (الكلوري هي وحدة لقياس الطاقة المستخلصة من الطعام بعد الهضم والأيض البيولوجي)كافية بزيادة الوزن إلى 15 كيلوجراما خلال ثلاثين عاما، وضح يو بفكاهة أنه لنفس ذلك السبب يصعب علينا معرفة ملامح الوجه لأصدقاء المدرسة بعد أن أبعدتنا السنوات بعد انتهاء المدرسة لنلتقي بهم مصادفة في عمر الشباب. يوضح يو الحقيقة المفاجئة بأن وراثة الوزن هي إلى حدٍّ ما قريبة من آلية توارث الطول. تحدث في كتابه عن شعب البيمبا من شعوب الهنود الحمر المتأصلين في أريزونا وجزر المحيط الهادي، الذين يعدون حاليا من أثقل الناس وأكثرهم وزنا في الكوكب، فهم سمينون لأن جيناتهم تطورت خلال مئات السنوات ليتمكنوا من التكيف على قلة الطعام في الأحوال القاسية. على الرغم من تغير نمط حياتهم إلا أن تركيبتهم الجينية لم تتغير؛ فعلى الرغم من تطور أسلوب المعيشة في العصور الحديثة، إلا أنهم ما زالوا بدينين بعض الشيء مقارنة بالبشر الاعتياديين بسبب وراثتهم لنفس جينات البدانة التي احتواها أسلافهم لتقيهم من خطورة قله الطعام في الظروف القاسية، فشعب البيمبا مثال حي وواضح على أن اهتمامنا كبشر لاستهلاك الطعام للنجاة هي في الحقيقة صفة تشكلت في ملايين السنين من التطور الجيني، فكون بعض الأفراد إلى حدٍّ ما فوق المعدل الطبيعي للبدانة هو بالفعل ردة فعل طبيعية تطورت خلال فترة زمنية طويلة.

يُوضح الكاتب أن الأشخاص البدناء ليسوا أخلاقيا مستهلكين، أو كسلاء أو سيئين، فهم في الحقيقة في صراع أزلي مع تركيبتهم البيولوجية في بيئة غذائية تغيرت بطريقة جذرية خلال الثلاثين سنة المنصرمة، فهو لا يزعم مزعم بعض الناشطين البدناء بأن البدانة شيء يستحق الحفاوة، فهو واضح جدا بشكل قطعي بأن البدانة تستقطب الكثير من المخاطر الصحية، كأمراض القلب، والسكري، والسرطان، لكنه حذر من استعجال الحكم على المصابين بالتخمة، ولا يتوانا في الحكم على منأسماهم بـ"كبار السن البيض" الذين تمكنوا من بناء إمبراطوريات من ملايين الدولارات في مجال التغذية المبنية على معلومات شاحبة،فتناولها في كتابه واحداً تلو الآخر. فهؤلاء الشخصيات يزعمون أنهم يمتلكون حلا لكل شيء، فحلولهم من حميات غذائيةوالمتمثلة في حمية الباليو، والحمية العالية في محتوى البروتين، والحميه الخالية من القمح، والحمية الغذائية النباتية، والنظام الغذائي الصحي، كلها معلومات متفككة متلاشية لا توجد لها أي قاعة علمية مبنية على معلومات مستقصاة من بحوث علمية تجريبية. وضح يو أن بعض هذه الحميات ليس فقط مبنيا على قاعدة علمية خاطئة فحسب، لكنه أيضا قد يتسبب بمخاطر جادة وحتمية، فكاتب معجزة الـ"ph" كتاب ينصُّ على حمية غذائية تعتمد على شرب ماء بمستوى معتدل من الـphالذي يعرض نمطا غذائيا جديدا أشبه بالمعجزة لعلاج السرطان لا يحمل أي شهادة طبية وتعرض للمحاكمة وسجن في الفترة التي كان يو يكتب فيها هذا الكتاب.

كما يُوضِّح الكاتب أنه قَلِق جدًّا من ارتفاع ما يعرف بالـorthodoxiesالخوف من الإسراف في الأكل، المصابون بهذا الهوس معنيون بأسلوب غاية في التفاني حول ما يوجد في طبق طعامهم، هذا الهوس بالفعل يقلص بشكل كبير من تنوع الطعام الموجود فيالحمية، وعندما تكسر قاعدة الأكل هذه المعتمدة على تقليص حجم الحمية تقود إلى دائرة من الإحباط والكآبة أو اضطرابات أخرى في تناول الطعام.

وضح يو أن التكنولوجيا تلعب دورا كبيرا لمساعدتنا على الانضباط لحمية غذائية معينة للتمكن من خسارة الوزن، أو على الأقل التكنولوجيا سوف تلعب دورا بارزاً مستقبلا؛ ففي تجربة أخرى قام بها يو على نفسه ثبت جهاز داخليًّا لقياس مستوى الجلوكوز في الدم، تماما مثل تلك الأجهزة التي تستخدم لقياس مستوى السكر في الدم من قبل المصابين بمرض السكري، ولاحظ يو من خلال تجميع بيانات الأيض لمجموعة من الأطعمة المختلفة بأن جسمه يتجاوب بطريقة مختلفة نسبةً إلى الطعام المتناول، فعلى سبيل المثال لاحظ يو أن الأرز الأبيض يتسبب في زيادة حادة في نسبة السكر في دمه مقارنة بالخبز الأبيض. كانت هذه معلومة صادمة ليو لأنه توقع بديهيا أن الخبز يحتوي على نسبة عالية من السكر مقارنة بالأرز،بسبب الزيادة الحادة في مستوى السكر في الدم عند تناول يو للأرز الأبيض كان سبباً كفيلا لتوقف يو عن تناول الأرز الأبيض. يتوقع يو أن التكنولوجيا مستقبلا سوف يكون لها دور كبير في التغذية وفي هيكلة حمية غذائية خاصة لأشخاص بعينهم؛ فعلى سبيل المثال يتوقع يو أنه من الممكن مستقبلا التقاط صورة قبل تناول الطعام، وباستخدام الخوارزميات والذكاء الاصطناعي سنتمكن من التعرف على تأثير تلك الوجبة على أجسامنا ومعدل دقات قلبنا ومستوى السكر في الدم بعد تلك الوجبة، لكن يو وضح أنه يتطلب الكثير والكثير من المعلومات الغذائية لنتمكن من الوصول إلى تلك المرحلة.

ذكر يو في كتابه أنَّه أيضًا أنتج فيلما وثائقيا عن الغذاء الصحي النظيف "clean eating" تطرق فيه إلى أنصاف الحقائق من قبل الغذائيين المسوقين لحميات غذائية غير مبنية على أسس علمية، فهذه الحقائق المغلوطة تلقى صدى واسعاً في شبكات التواصل الاجتماعي من قبل بعض الشخصيات المؤثرة في مجال التغذية. وضح يو أنه فتح صفحة في موقع الانستجرام قام من خلالها برفع صور تتعلق بالطعام والتغذية. ذات يوم قام برفع صورةلوجبة فطور تحتوي على قطعة من النقانق، بسبب تلك الصورة خسر ما يقارب 10% من متابعين بسبب المعلومات المغلوطة التي تتجول في واقع شبكات التواصل الاجتماعي بأن النقانق من الوجبات غير الصحية تماما.

ومن الطرائف أنَّ يو يقوم بإلقاء محاضرات على طلاب الجامعة حافي القدمين مما يساعد طلابه على تذكره، فهو يحاول أن يكون مميزا في عالم معقد من العلوم، يو أيضا يجرب بعضا من تجاربه على نفسه أيضا، ففي برنامج وثائقي حديث قدمه في قناة البث البريطانية BBC بعنوان "ثق بي.. أنا دكتور"، تحدث في كتابه أنه خلال هذا البرنامج قام بحمية غذائية خالية من اللحوم، فحدثت ليو بعض التغيرات الجذرية فقد تخلص من 10 أرطلٍ فقط باستخدام هذه الحمية، كذلك مستوى الكولسترول في الدمتناقص بشكل كبير. يو يؤمن بأنه يجب على كل أحد أن يجرب هذا الروتين الغذائي ولو لمرة واحدة. وبناءً على هذه التجربة، قلل يو من معدل تناوله للحوم بمقدار النصف.

في هذا الكتاب الشيق المليء بالقصص والطرائف والتجارب العلمية، تمكن يو من نقل صورة حقيقية عن الفوائد الغذائية والحمية الصحية بناء على قواعد علمية حقيقية مستقاة من علوم تجريبية ليتمكن من دحض المعلومات الغذائية المغلوطة. يختم يو كتابه بقوله "إنه على الشخص إذا ما أراد أن يخسر وزنه أن يبحث عن حمية غذائية تلائم جسمه، كذلك يجب علينا عدم الخوف من الطعام. يجب علينا أن نحبه لكن علينا أن لا نسرف في تناوله". هذا الكتاب هو جسر واضح بين العلوم المعقدة والحياة اليومية. سوف يغير حياتك ربما.

-----------------------
تفاصيل الكتاب

- الكتاب: "الأكل الجيني: علم السمنة والحقيقة حول الريجيم".

- الكاتب: يو جيليس.

- الناشر: "PEGASUS BOOKS"، 2019.

- عدد الصفحات: 352 صفحة.

أخبار ذات صلة