عمر عبد السلام
فيلابوراتو عبد الكبير
لأول وهلة يبدو للقارئ من عنوان الكتاب أنه يحتوي في دفتيه رواية مُثيرة. وجميع عناوين الفصول داخل الكتاب أيضاً على نفس المنوال رائعة تثير اهتمام القارئ مثل "اللعبة التي اسمها الحياة"، "حين تصبح البومة طائرة داجنة" و"الطاس وصائغ الذهب" و"انتظْر قليلا سآتيك حالا بعد أن طبعت بيتا" و" لحوم أغنام تتوافر دون ذبحها" و"كلمات سر حيّة" و"مدائن عاقلة" و"البيت بحرا وسماء". هكذا يفتح المؤلف أبواباً إلى عالم من عجائب تُنتجها التقنية الحديثة. إذنْ من هي سامنتا هذه ومن هم عشاقها؟ يلتقي بهم القارئ في الفصل الأوّل ذاته. وذاك حكاية تيودار المصاب بمرض الكآبة بعد أن غادرته زوجته وصديقة صباه كاترين. غدا المسكين في معزل تام من الحياة الاجتماعية منقبضاً إلى داخله. ذات يوم يلتقي صدفة بسامنتا. تعمقت العلاقة بينهما واستعاد نشاطه حين مشيا على رصيف لوس آنجلوس، فعاد تيودار في مكتب عمله وبدأت تشغفه سامنتا حباً. وبعد فترة فوجئ بأنَّ لها أخدانا آخرين، كان لها 641 عاشقا، بالنسبة لسامنتا، وجميعهم كانوا سويا مثل تيودار في نظرها، وزادت دهشة تيودار حين صدمته الحقيقة بأنَّ سامنتا ليست إنسانة حيّة إنما هي كائنة آلية ذكية مصطنعة ومكلّفة لمُساعدة الناس.
وهذه الحكاية في الحقيقة أخذها المؤلف من فيلم أمريكي موسوم بـ Her صدر في عام 2013. والفيلم مقتبس من قصة علميّة خياليّة تحمل نفس الاسم. وثمة فيلم في نفس الموضوع صدر في الهند قبل سنتين من صدور فيلم Her بلغة "تاميل" باسم "يانتيران" (الإنسان الآلي)، وفي عام 2018 صدر فيلم آخر في الهند باللغة المالايالامية موسوم بـ "Android Kunhappan Version 5.25"، وفي المشهد الأول في الفيلم المذكور أخيراً يظهر كوب شاي مكتوب عليه كلام العالِم المشهور ستيفان هوكينغ الذي يفيد بأن "الذكاء الاصطناعي إذا حقق تطورا كاملا قد يُؤدي إلى دمار". بالتركيز على هذه العبارة تنتقل الكاميرا إلى روبوت صغير برمجه ابن عجوز للقيام بجميع الخدمات لوالده، ويدور الفيلم على محور التوتر الذي يتزايد بين هذا العجوز والروبوت.
وهناك نماذج كثيرة من القصص والحكايات الخيالية مما حققها العلم الحديث فيما بعد في أرض الواقع. وفي رواية "من الأرض إلى القمر"(From Earth To the Moon) التي كتبها الروائي الفرنساوي جولس فون في عام 1865 نقرأ عن 3 أمريكيين يركبون في المكوك الفضائي لينزلوا على القمر. حقق هذا الحلمَ الرائع نيل آمسترونغ الأمريكي عام 1969 بعد 104 سنوات من صدور هذه الرواية. ونشاهد في فليم Her تيودار يتعامل مع سامنتا كأنها إنسانة حساسة دماُ ولحماً. ويمكننا أن نرى بأم أعيننا الآن سامنتا وكثيرا من أخواتها قد خرجن من داخل الشاشة الفضية إلى عالمنا الخارجي. وفي عام 2017 قرأنا في الأخبار قصة صوفيا الروبوت الذكي الذي يحمل جواز السفر السعودي. تتميز صوفيا بتفاصيلها التي تشبه البشر إلى حد كبير، علامات الذكاء بارزة على ملامح وجهها وتظهر مشاعرها المُختلفة من خلال تعابير وجهها. وفي سبتمبر الماضي نشرت جريدة الغارديان اللندنية أول مقالة (كانت افتتاحية) كتبها كاملة روبوت مُتطور. كتب الروبوت في ذلك المقال: أنا روبوت مفكر أستخدم 0.12% فقط من قدرتي المعرفية، في هذا الأمر أنا روبوت صغير." يسمى هذا النوع من الروبوت الصحافي "جي. بي. تي 3 ". هو نموذج لغة متطورة يستخدم التعلّمَ الآليِّ لإنتاج نص يشبه ما يقوم بتحريره الصحفي المهني، يُمكن توظيفه لتحرير مقالات وتقارير صحفية. إذنْ هل تستطيع المؤسسات الصحفية الكبرى الاستغناء عن الصحفيين الممتهنين؟ فالمجال واسع أمام هذا "الحيوان" لأن يلعب دور الموسيقار والمطرب والبائعات في مجمّعات التسوّق والطبيب والمُمثل والرسام والروائي والشاعر وهلم جرا. وأخيراً هل يا تُرى ستصبح الروبوت سيد الإنسان ويكون هو عبده؟ وهل سيُؤدي هذا التطور إلى نهاية عهد الوظائف؟ الباحث الاقتصادي الأمريكي "جيريمي ريفكين" (Jeremy Rifkin) صاحب كتاب )1995) End of Work (نهاية عهد الوظيفة) يُنذِر بأنَّ البشرية مُقبلة على حقبة جديدة تتسم بالانخفاض المتواتر والحتمي في عدد الوظائف. و"ريفكين" يتوقع اختفاء ثلاثة ملايين وظيفة في فرنسا من الآن حتى 2025 بسبب الأتمتة وفقاً لدراسة قام بها المصرفي الفرنسي حكيم القروي لصالح رولاند بيرغر. والحل الذي يقترحه "ريفكين" لهذا المأزق هو تخفيض ساعات العمل بغرض حماية الأيادي العاملة من مجاهل البطالة، بينما يقترح أن تُحدَّد 30 أو 20 ساعة أسبوعيّا يُشدِّد أيضاً على ضرورة فرض قوانين صارمة على الدول الصناعية من أجل أن يتحقق هذا الحل. ومهما كان الأمر يُعتقد عموماً أن الروبوتات مسالمة لا تُخطط للسيطرة على البشر.
والفصل الأول في هذا الكتاب يتناول التفاصيل عن دور الروبوتات والذكاء الاصطناعي وما تأتي به من التغييرات الجذرية الهائلة في حياة الإنسان في المستقبل. وبفضل التكنولوجيا قد أحرز النسل الإنساني ازدهاراً فائقاً وملموساً في جميع مناحي الحياة. والهاتف الذكي خير دليل على ذلك. قبل ربع قرن لم تكن الهواتف الجوّالة إلاّ مجرد حلم. حتى أواخر الثمانينات للمكالمات الدولية عبر الهواتف الأرضية كنا مضطرين أن ننتظر ساعات طويلة، وربما يومًا كاملاً تقريباً لكي يتم تفعيل الخط الدولي، مع ذلك في بعض الأحيان تكون النتيجة يائسة. الآن لا نحتاج إلى ذلك الانتظار الممل. يمكننا أن نتصل مباشرة بأي شخص في أي ركن في العالم خلال دقائق وبمعاينة صورنا. والهواتف الذكية متوفرة الآن في السوق بأقل بضعفين تكلفة وبأقوى قوة من حواسيب سوبر مما كانت قبل 30 عاماً.
ويقوم المؤلف بتصنيف الذكاء الاصطناعي إلى ثلاثة أصناف بناء على الوظيفة التي يقوم بها. وهي (1) الذكاء الاصطناعي الضيق(Artificial Narrow (ANI- Intelligence (2) الذكاء الاصطناعي العام )Artificial General Intelligence – AGI 3) الذكاء الاصطناعي السوبر(Artificial Super Intelligence – ASI) ثم يشرح بالتفصيل امتيازات كل واحد منها وكيف أن الشركات الدولية العملاقة تستغلها لقراءة أذواق مستخدميها وتوجُّهاتهم، وذلك لتسويق منتجاتها في نطاق واسع وسط المستهلكين. ونقرأ في هذا الفصل أهمية دور الروبوتكس التي تقوم بها في مجال الصحة والطب والتعليم والاقتصاد.
ويُلاحَظ أن هذا الكتاب كما يصفه المؤلف مقدمة للثورة الصناعية الرابعة المقبلة. بعد أن تجاوز الإنسان مرحلة صيد الحيوانات في حياته البدائية في الغابات استقرت حياته بفضل الزراعة. أصبحت الزراعة مهنته الأسرية. ولما بقيت منتجاته الزراعية بعد قضاء حاجاته الأساسية توجهت اهتماماته إلى التجارة، قدر ما ترعرعت الزراعة والتجارة افتقر إلى مزيد من الآلات والأدوات، تحققت هذه المطالب من خلال المهن اليدوية التي وفّرت له تلك الآلات التي أدت إلى توزيع المهن وتنويعها، حين توافر له الوقت الفارغ بدأ أن يتوسع خياله، فبحث عن آفاق جديدة من العلوم والفنون بحيث ارتقى عمران الإنسان تدريجياً وبدأت تتطور ثقافته ومدنيته وحضارته حتى قامت الثورة الصناعية الأولى في النصف الثاني من القرن الثامن عشر إثر اختراع الأجهزة التي تعمل بالبخار وابتكار التلغراف. وفي أواخر القرن التاسع عشر اندلعت الثورة الصناعية الثانية التي ساهمت في توفير الهاتف والمذياع والتلفاز والمركبات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي عوضاً عن الآلات البخارية التقليدية. وللبترول أيضًا دور لا يُنكر في تعزيز هذه الثورة. أما الثورة الصناعية الثالثة فتولدت نتيجة لتَجمُّع إنترنت الاتّصالات، وهنا يجدر ذكر دور "إنترنيت الأشياء أو الكل" الذي يُعرف بالكلمات الإنجليزية المختصرة IoT ) (Internet of Things. بدأت تظهر معالمه عام 2013. يعمل هذا النظام من خلال تجميع البيانات وتَمرْكُزها في نقطة التقاء التكنولوجيات الثلاث – إنترنت الاتّصالات وإنترنت الطاقة المتجددة وإنترنت النقل الآلي – كما يوفر البنية التحتية اللازمة لإنشاء نظام عقلي وعصبي ورقمي عالمي للترابط الشامل. وفي الفصول التالية وعددها 19 تأتي تفاصيل وافية عن إنترنت الأشياء المذكور أعلاه بالإضافة إلى معلومات عن التقنيات الأخرى مثل الحلول الحسابية و"بلوك تشين" ونظام النقود الجديد مثل "بيتكوين" والائتمان الاجتماعي والطباعة ثلاثية الأبعاد والهجرة إلى الفضاء وغيرها التي تحمل في طياتها تحولات تفوق تصورنا.
إن أنظمة الحلول الحسابية المعروفة بـ "الغوريثم" قد سيطرت الآن على حياتنا اليومية، علماً بأن كلمة "الغوريثم" مشتق من اسم العالِم المسلم الشهير الخوارزمي. من عمليات البيع إلى السلفة من البنوك تجري المعاملات من خلال هذا النظام حتى بدون علم الأشخاص المعنيين به في بعض الأحيان. هذا النظام هو الذي يستخدمه "غوغل" لتزويد مستخدم الإنترنيت بالنتيجة الأقرب لما يبحث عنه. تستخدمها أيضًا الأنظمةُ الحسابية في رصد الإصابات بأمراض سرطانية وإعداد تقارير بالاستناد إلى بيانات خام. وقد استعان بها ترامب بواسطة شركات متخصصة خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة.
وفي المقال تحت عنوان "التَحوّل الذي تحوّلَ إليه ماوو" يمكننا أن نقرأ عن نظام الائتمان الاجتماعي (Social Credit System) الذي طبّقته الحكومة الصينية على الشركات والمواطنين. تقصد الصين من خلال تطبيق هذا النظام تحسين أداء أعمال الشركات ووظائف المواطنين وازدياد مصداقية الشركات والأفراد في المعاملات الاجتماعية. بدأ العمل بالفعل تجربةً في مدينة رونغ شينغ عام 2014، وفقاً لهذا النظام أعطت السلطات لكل ساكن في المدينة 1000 نقطة. ففي حالة مخالفات القانون أو ثبوت معاملات سيئة يتم خصم هذه النقاط ويُحرم له بعض المرافق قدرما يُخصم من النقاط. وأما الذين ثبّتوا حسن الأداء الوظيفي أو حسن المعاملات فسيحصلون على امتيازات خاصة. فمثلاً في حالة دفع الفواتر خلال المدة المحددة أو في حالة المشاركة في أعمال خيرية يحصل المواطنون على درجات تمنحهم الفرصة للوصول إلى امتيازات مثل تسهيلات ائتمانية وأفضل وسائل نقل عامة حتى أقصر أوقات في انتظار الخدمات الطبية. وأما في حالة التأخير في الدفع أو في حالة مخالفات القوانين تنخفض درجاتهم بحيث يتم القبض عليهم أو تُفرض عليهم عقوبات مالية أو قيود في السفر. ويُطبّق هذا النظام على الشركات أيضاً. يتم تقييم الأداء عبر شبكة مراقبة جماعية مترامية الأطراف مرتبطة بأنظمة التعرف على الوجوه وبشبكات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. ولهذا السبب وصفه البعض "الدكتاتورية الرقمية".
ومن أهم التقنيات الحديثة الوارد ذكرها في هذا الكتاب الطباعة ثلاثية الأبعاد و"بلوك تشين" وبصمات الصوت والوجه. فمجال البناء حالياً لا يزال يسيطر عليه الطابع اليدوي إلى حد كبير. تُستخدم فيه أطنان من الخرسانة وبراميل من الماء. كما أن التكاليف أيضاً بالغة جداً. فضلاً عن هذا، فإنَّ المباني التقليدية تأخذ وقتا طويلاً لاكتمالها. إن الخرسانة المطبوعة ثلاثية الأبعاد تُعد حلاً لهذه المشاكل. يَستخدم البناء ثلاثي الأبعاد تقنياتٍ مضافة للتصنيع، مما يعني أنه يتم إنشاء هياكل بإضافة طبقات جديدة من المواد. فالطرق التقليدية للبناء تنطوي على صب الخرسانة في القوالب، لكن البناء الإضافي يجمع بين التقنية الرقمية والرؤى الجديدة من تقنية المواد للسماح ببناء التصميمات والأشكال الحرة دون استخدام القوالب، ومن ثم فإنَّ القضاء على تكلفة تلك القوالب يُعدّ المحرك الرئيسي للبناء ثلاثي الأبعاد.
من خلال هذه التكنولوجيا يمكننا كسب الوقت والتحرر من البناء الممل كما يُمكننا تفادي النفايات. ويقال إن بناء المنزل الخرساني ثلاثي الأبعاد يتم في غضون 24 ساعة. وفي هولندا خلال ثلاثة أشهر قامت جامعة "أيندهوفن للتكنولوجيا" بإنشاء جسر خرساني مطبوع ثلاثي الأبعاد بطول 3 أمتار لراكبي الدراجات. وهنا يتضح مغزى عنوان مقال الكاتب "انتظر قليلاً سآتيك حالاً بعد أن طبعت بيتا". لا تزال البحوث في هذا المجال في مرحلتها البدائية، لأنَّ هناك عقبات أمام تطوير هذه التكنولوجيا، أكبرها تكمن في الخرسانة ذاتها. فالخرسانة التقليدية في شكلها الحالي ليست مناسبة للطباعة ثلاثية الأبعاد، فلابد من اكتشاف بدائل جديدة.
أمّا "البلوك تشين" التي تُعرف باللغة العربية باسم "سلسلة الكتل" فهي تقنية تتعلق "بالعملات المشفرة" (Crypto Currency) مثل "بيتكوين"، الظاهرة الجديدة في نظام النقود. تستخدم هذه التكنولوجيا لتخزين البيانات والحفاظ عليها بواسطة شبكة لامركزية من أجهزة الحواسيب. تُمكِّنُنا "البلوك تشين" من نقل الأموال الرقمية ندّا لندّ بدون اللجوء إلى المرور بالبنوك. وتُقلِّل هذه التقنية من الحاجة إلى وسيط في كثير من القطاعات التقليدية مثل البنوك والتأمين والوسائل الترفيهية والحكومية وغيرها. بالرغم من كون "البلوك تشين" في مراحل مبكرة من تطورها، إلاّ أنها قد استخدمت في العملات المشفرة، والدراسات على قدم وساق عن الاحتمالات الممكنة لاستخدامها في القطاعين العام والخاص. يتم تخزين المعلومات في سلسلة من الكتل التي تشبه الأوعية. فمثلاً في حالة "البيتكوين" تحتوي كل بلوك على بيانات مخزنة لـ 2000 عملية كما ترتبط كل العمليات مع روابط مساعدة التشفر. يتم فيها تخزين تفاصيل عمليات العُمْلات المُشفّرة ومحتويات سجل الأراضي وسجلات التأمين وتاريخ العلاج الطبي وتاريخ حوادث السيارات وسندات الملكية وغيرها كما يمكن استخدامها كمنصة للتطبيقات الأخرى. الميزات الكبرى لـ"بلوك تشين" هي عدم قابليتها للتعديل حيث أن أي تغيير عليها يتطلب قوة حوسبية هائلة ومن ثم تكون تقنية أكثر أمانا. لا توجد سلطة مركزية تحكمها على خلاف قواعد البيانات التقليدية التي يمكن مراقبتها من قبل مالكيها.
يحتوي الكتاب موضوعات أخرى مما يتعلق بتقنيات متطورة مثل الاختراق البيولوجي وتحليلات البيانات وعلم الأحياء الاصطناعي والهجرة إلى الفضاء إلا أن المساحة لا تسمح الخوض في تفاصيلها. والكتاب باختصار الأول من نوعه فيما يتعلق بالتكنولوجيا المتطورة ويُعتبَر إضافة قيمة إلى المكتبة العلمية في اللغة المالايالامية.
----------------------------------------------------
عنوان الكتاب: عشاق سامنتا،
المؤلف: عمر عبد السلام،
اللغة: مالايالام،
عدد الصفحات:207
سنة النشر: 2019 ،
الناشر: D.C. Books ، كوتايام، كيرالا
