عاطفة ناصر
كثيرا ما نسمع عن الاعتداءات اليهودية على الممتلكات في الأراضي الفلسطينية، والعائدة غالبا لتطرفهم المرتبط ارتباطا مباشرا بالقضية الفلسطينية-الإسرائيلية التي كانت ولا تزال من أكثر القضايا العربية أهمية للشعب العربي والإسلامي "ظاهريا على الأقل". إنَّ اليهود كشعب يؤمن بفردانيته التي تعطيه الأفضلية بين شعوب العالم أجمع، ومن السهل جدًّا التثبت من ذلك عبر قراءة كتبهم الأصلية أو المترجمة، ومن السهل جدًّا التثبت من ذلك؛ حيث يظهر جليًّا في منشوراتهم أصلية كانت أم مترجمة.
وتشير التعليمات الواردة في كتبهم المقدسة بوضوح إلى النظرة الفوقية التي يرمقُون بها باقي الأجناس البشرية من ديانات أخرى. حقيقة الأمر أنَّ اجتهادات العرب واضحة في دراسة الفكر اليهودي والخلفية التاريخية، العقائدية، السياسية والعرقية كذلك. ومن الجدير بالذكر في هذا السياق موسوعة اليهود لطارق السويدان التي كتبت باللغة العربية، وتحتوي على معلومات متعلقة باليهود في كافة النواحي الحياتية؛ ابتداءً من خلفياتهم التاريخية، مرورا بالتطورات الفكرية والثقافية والاجتماعية، ومساهماتهم في التعليم، الأبحاث والاقتصاد العالمي كذلك، انتهاءً بأبرز الشخصيات المرتبطة باليهود عالميا وفي مختلف المجالات. ومع ذلك، كثيرا ما يفضل القراءة للعناصر المحايدة في أي موضوع حرصًا على رؤية وتفحص الموضوع من كافة الزوايا. إنَّ العقيدةَ اليهودية مثلها مثل باقي العقائد تحتوي على شخوص متطرفة، وأخرى متسامحة مع أولئك المختلفين عقائديا. ففي اليهودية، ظهرتْ فئة تنادي بفصل العقيدة عن كافة الخلافات لإيجاد الحلول بشكل أسرع. بطبيعة الحال أي مشكلة سياسية-عقائدية تتطلب جهدا أكبر لحلها عما إذا كانت سياسية فقط. ومما لا يخفَى على أحد، فإنَّ حل المشكلات العقائدية السياسية أكثر تعقيداً من السياسية فقط، ونجد ذلك متجسدا في القضية الفلسطينية-اليهودية التي هي في الأصل -من وجهة نظر شخصية- سياسية بحتة، وألبست لباسَ العقائدية من أجل إيجاد مبررات مقنعة ومنطقية.
وكذلك توجد فئة من اليهود غير المتطرفين لا تُؤمن بتاتا بأحقية اليهود في الأرض الفلسطينية لا من ناحية عقائدية ولا عرقية ولا تاريخية. فبالاستناد إلى موسوعة اليهود التي بحثت في نصوصهم وكتبهم الأصلية، فإنَّ الذين يدعون اليهودية اليوم هم من أعراق لا تمت لليهودية بصلة بنسب كبيرة جدا. وعلى الرغم من ذلك، يحق لنا أن نتساءل اليوم عن سبب صمود هذه الادعاءات الزائفة، والتأمل فيها على جميع الأصعدة. يذكُر الدكتور فوزي البدواوي في مقال له بعنوان "معاني ودلالات الثوران الديني في اليهودية المعاصرة" هذا الأمر في قوله إن اليهود تعلموا من تاريخهم "تنازعوا وفشلوا فذهبت ريحهم". فمن يتعمق في الثقافة اليهودية وتعاملات اليهود نجد ذلك واضحا بشكل كبير حتى في أنظمتهم التعليمية؛ إذ المناهج تغرس كل الأفكار والخطط المرتبطة بأحقيتهم بالأراضي الفلسطينية. وتاريخ اضطهادهم ووجوب اتحادهم في الأجيال الناشئة لتكبر وهي مقتنعة تماما بكل ذلك، بل لتعمل بانتظام على الوصول لأهدافهم. ففي النظام أحادي القطب العالمي الحالي، نجدهم متواجدين بين أهم صناع القرارات السياسية بدليل وجود لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الأبحاث التنموية دائما ما نجد إسرائيل تتصدر القائمة، وكذلك في التعليم وتصدير العلماء في مختلف المجالات. أن تملك جماعة ما أياديَ في أهم المجالات العالمية لهو بالأمر المخطط له بعيدا عن الصدفة وانتظار الحصول على الفرص للتقدم. وفي السابق كأي أمة كانت تكثر الاختلافات فيما بينهم في الداخل ولا تزال، ولكن بعيدا عن أعين الصحافة والإعلام ولأمور ترتبط بمستقبلهم كأمة لا على اختلافات عرقية ولا سياسية إلا ما ندر، فينصبُّ كل تركيزهم على كيفية التقدم والخروج من القضية العربية-الاسرائيلية منتصرين.
إنَّ النظرة العدائية للطرف الآخر مشتركة بين اليهود والمسلمين؛ ففي قوله تعالى: "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى"، نجد تبرير المسلمين للعداء ضد اليهود ناهيك عن جرائمهم تجاه الفلسطينيين على مدى التاريخ. ومن جهة أخرى يقول أحد حاخامات إسرائيل المدعو بمائير ديفد كاهانا "الذي عُرف أيضًا بعدة أسماء مستعارة مثل: "مايكل الملك" و"ديفيد سيناء". هو حاخام إسرائيلي ومؤسس حركة كاخ وعضو سابق في البرلمان الإسرائيلي الذي اشتهر بالعداء الكبير للعرب" (كل العرب هنا طابور خامس ينتظر لحظة الانقضاض علينا، ومن ثم فلا يجب الاحتجاج وتطبيق أحكام غير توشاف أو الغرباء المقيمين في أرض إسرائيل، عليهم بل يجب إبادتهم وترحيلهم )! يوضِّح هذا أو يعكس جزءا بسيطا من العداء الكبير الذي يُكنه اليهود للعرب، ويؤكد هذه النظرة المتبادلة بين الطرفين. وفي كل الأحوال، لا يزال الطرفان يشددان على أن ذروة الحلول هي الانفراد بالأرض كحق طبيعي من وجهة نظر فلسطينية، وحق مكتسب تاريخيا وعقائديا وعرقيا من وجهة نظر يهودية. وبسبب ذلك، يصعُب تطبيق حل الدولتين الذي يشير الكثيرون إلى أنه غير مُنصف، أو أن محاولات تطبيقه باءت بالفشل بسبب الخيانة اليهودية وعدم التزامهم الدائم بالاتفاقيات. حيث إنَّه كلما طالت المدة تناقص الأمل وزاد الاحتقان بين الأطراف. بعيدا عن المنطق والأدلة التاريخية، إن الواقع يشير اليوم إلى اليهود كطرف قوي نتيجة الدعم الأمريكي الذي جعل من أمن اليهود أولوية ترتبط ارتباطا وثيقا بالسياسة الخارجية لدولتهم. وكثيرا ما يضغط اللوبي الإسرائيلي على الحكومة الأمريكية وحلفائها في انتهاز أي فرصة بل خلق الفرص للتخلص من الفلسطينيين والانتهاء من هذه القضية والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة؛ حتى إنه بعدد مرور فترة على أحداث 11 سبتمبر ألقى اليهود اللوم على الولايات المتحدة الأمريكية؛ كونها ارتكبت خطأً جسيما بعدم إعلان حادثة 11 سبتمبر سببا وجيها لإقامة الحرب على مكة والاسلام. هذا ما يُسمَّى انتهازا للفرص من قبل الإسرائيليين وليس من الغريب بعد ذلك أن تظهر بعض التفسيرات المشككة في حقيقة منفذي تفجيرات 11 سبتمبر بعيدا عن عقدة "نظرية المؤامرة"؛ فالاحتقان الإسرائيلي على العرب والمسلمين حقيقي جدا وأبعد ما يكون عن خيالات أو توهمات فردية أو جماعية وليس هناك ما يدعو للتفاؤل اليوم في ظل الأحداث الأخيرة المتعلقة بهذه القضية التي أصبحت أكثر تعقيدا وتطلبا للتنازلات التي تكون من نصيب الحلقة الأضعف دائما.
