مدرسة الحياة: تعليمٌ عاطفي

Picture1.png

آلان دي بوتون

طلال اليزيدي

نقضي سنوات عديدة في المدرسة لتعلم الحقائق والأرقام ولكن الشيء الوحيد الذي لم نتعلمه أبدًا هو كيف نعيش حياة كاملة ومُرضية. لذلك نحتاج منظمة مدرسة الحياة، منظمة حقيقية أسست من عدة سنوات. مدرسة الحياة لديها هدف واحد بسيط: تزويد النَّاس بأدوات التطوير الذاتي والازدهار في العالم الحديث. وأحد أهم هذه الأدوات هو الذكاء العاطفي (Emotional intelligence). السلسلة الجديدة من كُتُب المساعدة الذاتية التي نشرتها منظمة مدرسة الحياة التي تتخذ من لندن مقراً لها، والتي شارك في تأسيسها الفيلسوف السويسري آلان دي بوتون (Alain de Botton) كاتب الكتاب، تعكس صدى النهج النبيل الذي تتبعه المدرسة في التعامل مع المشكلات، مدعياً في كتابه أنَّ ذلك النهج "ذكي، وصارم، ومكتوب بطريقة جيدة كدليل إرشادي جديد للحياة اليومية ". الكتاب مُقسم إلى عدة مواضيع رئيسة (الذات، والآخرون، والعلاقات، والعمل، والثقافة) مع مقدمة كتبها آلان دي بوتون لها نوع من النبرة الحزينة. في الحقيقة يُوجد في الكتاب قسم كامل حول كيفية أن تكون الحياة حزينة في بعض المواقف لا محالة. يجمع هذا الكتاب عشر سنوات من نتائج الأبحاث حول الذكاء العاطفي. مؤلفات مدرسة الحياة ليست أقل من أن تكون دورة مُكثفة في النضج العاطفي. الكتاب يجمع ذكاء، وأناقة الكاتب، والعلامة التجارية التي أصبحت معروفة في عالم الفلسفة لكتابات آلان دي بوتون، المتجذرة في نصائح عملية وقابلة للتطبيق، توضح لنا طريقًا إلى حياة أفضل نُريدها ونستحقها جميعًا.

تلتزم مُنظمة مدرسة الحياة بالتثقيف العاطفي. تركز على تقديم العلاج النفسي مُعتمدة على الثقافة بشكل عام، بإلقاء الضوء على الموضوعات ذات الاهتمام العاطفي. أحدث مشاريع المُنظمة عبارة عن كتاب بعنوان "مدرسة الحياة: تعليمٌ عاطفي" يهدف إلى تلخيص الكثير من نصائح واستشارات آلان دي بوتون حول الذكاء العاطفي في مكان واحد. الكتاب يتضمن مقالات حول كيفية التعايش مع العالم الحديث من خلال السيطرة على عواطفنا. كفيلسوف وكاتب أدرك بوتون أهمية الصحة العاطفية وكيف يمكن لفهمها أن يُغير من حياتنا بشكل كبير. آلان دي بوتون فيلسوف ومُؤلف بريطاني لكنه سويسري المولد. تُناقش كتبه مختلف الموضوعات المُعاصرة، مع التركيز على علاقة الفلسفة بالحياة اليومية. نشر مقالات في الحب عام (1993)، وبيع منها مليونا نسخة. من بين أكثر كتبه مبيعًا كتاب كيف يمكن لبروست تغيير حياتك؟ (1997)، وكتاب حالة القلق (2004)، وكتاب هندسة السعادة (2006). درس التاريخ في جامعة كامبريدج، وتخرَّج بامتياز، ثم أكمل درجة الماجستير في الفلسفة في كينجز كوليدج بلندن (1991-1992). بدء الدراسة للحصول على الدكتوراه في الفلسفة الفرنسية في جامعة هارفارد، لكنه تخلى عن هذا البحث لتأليف كتب لعامة النَّاس.

 

الذكاء العاطفي هو قدرة الفرد على التَّعرف على مشاعره ومشاعر الآخرين، والتمييز بين المشاعر المُختلفة وتسميتها بشكل مناسب، واستخدام المعلومات العاطفية لتوجيه التفكير والسلوك، وإدارة وضبط العاطفة للتكيف مع البيئة لتحقيق الأهداف. على الرغم من ظهور المصطلح لأوَّل مرة في عام 1964، إلا أنَّه اكتسب شهرة في عهدٍ حديث من خلال كتاب الذكاء العاطفي عام 1995، الذي كتبه الصحفي العلمي دانيال جولمان (Daniel Goleman). عادة ما ترتبط القدرة على التعاطف مع الآخرين بالذكاء العاطفي، لأنَّ الذكاء العاطفي يتعلق بالفرد الذي يربط تجاربه الشخصية مع تجارب الآخرين، وبناءً على هذا الارتباط يتمكن من إظهار تعاطفه. توجد عدة نماذج تهدف إلى قياس مستويات (التعاطف) في الذكاء العاطفي. في الوقت الراهن يمكننا اعتبار أنَّ نموذج جولمان الأصلي للذكاء العاطفي نموذج مختلط يجمع ما بين "القدرة" على الذكاء العاطفي، و"سمة" الذكاء العاطفي، اللتين أصبحتا منفصلتين في النماذج الحديثة للذكاء العاطفي. عرّف جولمان الذكاء العاطفي بأنَّه مجموعة من المهارات والخصائص التي تدفع أداء القيادة. نموذج سمات الذكاء العاطفي تمَّ تطويره بواسطة كونستانتينوس (Konstantinos V. Petrides) في عام 2001. وهو "يشمل التصرفات السلوكية وقدرات الإدراك الذاتي، ويتم قياسه من خلال تقرير ذاتي". ويركز نموذج القدرة، الذي طوره بيتر سالوفي وجون ماير (Peter Salovey and John Mayer) في عام 2004، على قدرة الفرد على مُعالجة المعلومات العاطفية واستخدامها للتنقل في البيئة الاجتماعية.

أظهرت الدراسات أنَّ الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي العالي يتمتعون بصحة عقلية عالية وأداء وظيفي ومهارات قيادية أكبر، من المرجح أن تُعزى هذه النتائج إلى الذكاء العام وسمات شخصية مُعينة بدلاً من الذكاء العاطفي كمركب. على سبيل المثال، أشار جولمان إلى أنَّ الذكاء العاطفي يمثل 67٪ من القدرات التي تعتبر ضرورية للأداء العالي في القيادة، وهذه النسبة تبلغ ضعف نسبة أهمية الخبرة الفنية في القيادة. في الجانب الآخر توصلت أبحاث أخرى إلى أنَّ تأثير مؤشرات الذكاء العاطفي على القيادة والأداء الإداري غير مهمة بأهمية القدرة والشخصية، وأن الذكاء العام يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتفوق بالقيادة. فمنذ ظهور مصطلح الذكاء العاطفي تركزت الانتقادات على ما إذا كان الذكاء العاطفي مجرد ذكاءً حقيقي وما إذا كان يتمتع بصلاحية متزايدة من قبل الباحثين على نظير السمات الشخصية الأخرى.

الكتاب مقسم إلى خمسة أقسام: الذات، والآخرون، والعلاقات، والعمل، والثقافة. يوجد داخل كل قسم ثروة من الحكمة حول كيفية فهم أنفسنا وعيوبنا بشكل أفضل، وكيف نكون نسخة أكثر لطفًا من ذواتنا الحالية في تفاعلاتنا مع الذين لا نعرفهم جيدًا، وكيف نحقق السلام والرضا مع العمل الذي نقوم به، وكيف يمكن للثقافة العامة أن تكون منقذتنا من خلال دفعنا نحو القيم النبيلة. المحور الرئيس للكتاب هو تحطيم الأفكار القائلة بأنَّ مسألة العاطفة فطرية ومستقلة من التفكير العقلاني. الادعاء الرئيس في الكتاب هو أنَّ فكرة الرومانسية التي جلبتها لنا رواية القصص الشعبية أضرت بقدرتنا على الوصول إلى بصيرة العاطفة المُستدامة. ولا نعتقد أنه شيء يمكننا العمل عليه وتحسينه، حتى في خضم الحملة العالمية للصحة العقلية التي هي في أولويات المجتمعات في الوقت الحالي. أعتقد شخصياً أنَّ فكرة استقلال التفكير العقلاني عن العاطفة من الأفكار المتداولة والخاطئة التي تنطبق على الكثير في مجتمعنا. وهي إحدى الأفكار التي نحتاج إلى تغييرها. في الحقيقة هناك مساحة واسعة لتطوير تفكيرنا حول العاطفة؛ فيجب علينا استخدام العقل عند التفكير في الأسئلة الكبيرة في الحياة. وفي نفس الوقت يجب علينا أن نتعلم كيفية إدارة عواطفنا؛ فالذي يجب ملاحظته هنا هو أنَّ الهدف الدنيوي ليس تحقيق حالة من السعادة والرضا الأبديين، إنه عكس ذلك تمامًا. الهدف هو توقف البحث عن العلاجات المادية التي نعتقد أنها ستكون مسبباً للسعادة والاكتفاء بالمُواساة حول حالة الإنسان في ظروف الحياة القاسية. في البحث عن هذه المواساة، يقدم الكتاب أربع علامات للصحة العاطفية ذات قيمة كبيرة في تقييم حالة الإنسان وما إذا كنت تحرز تقدمًا في رحلة التعامل مع الظروف القاسية:

 

  • حب الذات: إلى أي مدى يمكننا أن نكون أصدقاء مع أنفسنا.
  • الصراحة: مدى إمكانية إدخال الأفكار الصعبة والحقائق المُقلقة إلى الذهن، واستكشافها وقبولها دون إنكار.
  • التواصل: هل يمكننا أن ننقل خيبة أملنا ويأسنا في كلمات تمكّن الآخرين، إلى حد ما، من رؤية وجهة نظرنا؟
  • الثقة: إلى أي مدى يمكن أن ننجو بسهولة في التحديات النفسية، كإلقاء خطاب أمام جمهور، أو الرفض الرومانسي من عشيق، أو نوبة من المشاكل المالية، أو رحلة إلى بلد آخر أو نزلة برد. فما مدى مرونتنا وثقتنا بأنفسنا في التعامل مع ضغوط الحياة المختلفة.

 

في ثنايا الكتاب جلب دي بورتون نظرته الحساسة إلى تعريف أكثر ثراءً وبأبعاد مختلفة للشخص الذكي عاطفياً، والقادر على إدارة عواطفه: " الشخص الذكي عاطفيًا يعرف أنَّ الحب مهارة وليس شعورًا، ويتطلب الثقة والضعف والكرم والفكاهة. الشخص الذكي عاطفيًا يمنح الوقت الكافي لتحديد ما الذي يُعطي معنى لحياته العملية، ويتمتع بالثقة والمُثابرة لمحاولة إيجاد تسوية بين أولوياته الداخلية ومتطلبات العالم. الشخص الذكي عاطفيًا يعرف كيف يتمنى ويكون ممتنًا للحياة التي يملكها، بينما يظل ثابتًا أمام البنية المأساوية للوجود. الشخص الذكي عاطفيًا يعرف أنه لن يتمتع بصحة نفسية إلا في مواقع قليلة وفي لحظات معينة، ولكنه متفهم بأنَّ هذه اللحظات ليست كافية لصحة نفسية أبدية".

الموضوع الرئيس الآخر الذي يناقشه هذا الكتاب هو القلق، فالقلق مهاجم ضروس للصحة النفسية متفشٍّ بشكل واسع في القرن الحادي والعشرين. يقول آلان دي بوتون عن القلق: "القلق ليس علامة على المرض، أو ضعف عقلي، أو خطأ يجب أن نسعى دائمًا إلى حل طبي له. إنه في الغالب ناتج عن استجابة معقولة وحساسة للغاية للتجارب الحياتية المُثيرة للغرابة، والرعب، وعدم اليقين، والمخاطر المستقبلية المحتملة من الوجود. الخطوة الأكثر أهمية للتعامل مع القلق هي القبول، قبول الأحداث السيئة في الحياة مثل قبول الأحداث الجيدة. أيضاً ليست هناك حاجة، فوق كل شيء آخر، للقلق من أننا قلقون. فتغير المزاج إلى السيئ ليس علامة على أنَّ حياتنا قد ساءت."

يُجادل دي بوتون بأن فشلنا الثقافي في جعل الذكاء العاطفي شيئًا قابلًا للتعليم، ينبع من افتراضين أساسيين معنيين بنظامنا التعليمي نفسه. ١)التعليم يركز على محتوى التعليم وليس على طرق التعليم. ٢) ميل التعليم إلى مغالطات المعلومات الدامغة بالحكم. دي بوتون يتصور البديل التعليمي للتنوير العاطفي في قوله: "قد يتطلب التعليم العاطفي منا اعتماد نقطتي انطلاق مختلفتين. بدايةً، قد تكون الطريقة التي نتعلم بها مهمة، لأننا نمتلك ميولًا راسخة لإغلاق آذاننا عن كل الحقائق الرئيسية عن عمق ذواتنا. دافعنا الراسخ هو إلقاء اللوم على أي شخص يكشف عن نقاطنا العمياء وأوجه قصورنا، لذلك يجب استرضاؤنا ببراعة وإغراء قبل الكشف عن نقاط ضعفنا وأوجه قصورنا. ثانياً، الإنسان بطبيعته ينسى كل شيء تقريبًا. فذاكرتنا عبارة عن منخل وليست دلاء قوية. فالمعلومات المُقنعة في الساعة 8 صباحًا لن تكون أكثر من ذكرى قاتمة بحلول منتصف النهار ونفاثًا يتعذر فهمه في أذهاننا الغائمة بحلول المساء. فحماسنا وتأملاتنا وذاكرتنا تتلاشى مثل النجوم عند الفجر."

الكتاب يحتوي على مجموعة رائعة من الحكم التي تمَّ تقديمها بدون أجندة خفية دينية أو تجارية. الكتاب واقعي بشأن المُعاناة الإنسانية، ومتفائل بشأن الإمكانات البشرية لتخطي هذه المُعاناة، ومريح لعالم يحتاج بشدة إلى الإرشاد النفسي.

---------------------------------------------------------

اسم الكتاب: مدرسة الحياة: تعليمٌ عاطفي.

الكاتب: آلان دي بوتون

دار النشر: Penguin Books Ltd

لغة النشر: الإنجليزية

سنة النشر: 2019

عدد الصفحات: 338

أخبار ذات صلة