فاطمة بنت ناصر
هذا المقال هو تلخيص ومُراجعة لمقال الكاتب ناجي حجلاوي والمنشور في مجلة التفاهم والذي يحمل عنوان: "الدين باعتباره أخلاقاً وإحسانا لدى بعض المفكرين المسلمين المعاصرين". يستهل الكاتب بالتذكير بدور القرآن في إزالة الأوهام من رؤوس الناس والتي كانت تخوض في عالم الغيب ومن ثم يوضح الكاتب أن القرآن تحيز موضوعياً للغيب الذي يمكن للعقل أن يقتنع به!. ورغم أنها جملة جاءت في سياق استفتاحي قبل البدء في الموضوع الرئيسي إلا أنها تستحق التأمل. فالإسلام بالشقين اللذين صنفهما الكاتب: النبوة (الحق والباطل) والرسالة (الحلال والحرام/ الطاعة والعصيان) تتضمنان، وخاصة شق النبوة، الكثير من أمور الغيب، كقصة الإسراء والمعراج، فهذه مثلاً أحد أمور الغيب التي لا يتصورها العقل.
ينتقل الكاتب بذكر فضل العلماء المذكورين في القرآن بأنهم يعلمون تأويله بعد الله تعالى، قال تعالى: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم". وقد أدلى العلماء المسلمون في شتى العصور بدلوهم في التأويل والشرح واختلفوا واتفقوا على مر العصور. إلا أن مجال البحث هنا فيما اتفقوا عليه بالإجماع وهو " المعروف" الذي يعد من القيم المقرونة بالصلاح والإصلاح ويشمل خيره الإنسان مهما اختلف دينه وعرقه. ولا زال أمر تطبيق الإسلام - الصالح لكل زمان ومكان - لم يتحقق بالشكل الذي يطمح إليه كل مسلم، رغم كل مابذل من اجتهادات. ويستعرض الكاتب اجتهادات حديثة لمفكرين معاصرين- كما سماهم ولم يسمهم علماء - وهم محمد شحرور وبرهان غليون - وهشام جعيط. ورغم قيمة ما أدلوا به إلا أن أسماءهم بعيدة عن شيوخ الدين وهم أقرب للمثقفين منهم إلى المتصدين للمشهد الديني. ورغم القيمة الكبيرة لأفكار واجتهادات هؤلاء الكبار إلا أننا يجب أن نتساءل هل يتبنى الشيوخ المؤثرون على عقول العامة آراءهم ويستشهدون بها لتخرج من حيزها النخبوي إلى حيز أكثر قابلية للتطبيق؟. إن كانت الإجابة بـ ( لا ) فعلى الأغلب سيبقى وضع الإصلاح مرهوناً بحال شيوخ المنابر وصراعاتهم.
محمد شحرور
يرتكز محمد شحرور في عمله إلى شرح مضامين القرآن آية بآية وتدبره ومقاربة الآيات بظروفها وبالتاريخ المرتبط من الأديان الكتابية حيث إن القرآن جاء متمماً ومكملاً لهذه الديانات. ويقول في ذلك: " إن الإسلام هو التسليم بوجود الله واليوم الآخر، وإذا اقترن هذا التسليم بالإحسان والعمل الصالح كان صاحبه مسلماً، سواء كان من أتباع محمد الذين آمنوا، أو من أتباع موسى الذين هادوا، أو من أنصار عيسى النصارى، ومن أي ملة أخرى من هذه الملل الثلاث"(1). فهو يرى أن التكاليف من صلاة وغيرها الهدف منها تحقيق غايات قيمية تتمثل في الصلاح، فالصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر لم تحقق غايتها الرئيسية فالله غني عن تقديم عبادات شكلية دون صلاح وإعمار حقيقي للأرض. وأن العلاقة التي يدعو إليها القرآن بين الفرد وربه هي علاقة تنعكس على سلوكيات الفرد وتعامله مع محيطه ومع الآخرين. فالأخلاق هي مايميز الإنسان عن بقية المخلوقات وهي العنصر المشترك بينه وبين كل البشر مهما اختلفت ألوانهم وشرائعهم.
برهان غليون
يرى برهان غليون أن فهم الذات مرتبط بمدى استيعابنا للحضارة وأن هذا الجانب التاريخي لا مفر منه غير أن التأخر الكبير الحاصل بيننا وبين غيرنا من الأمم يجعلنا في حالة عدم فهم وعدم اتزان. ويرى أن أهم وأفضل محاولات التجديد هي تلك القائمة على إحياء القيم حيث إن القيم لا تتغير بتغير أحوال الزمان. وكون أن العالم تغير وابتكر نظما لتحقيق قيم العدالة وغيرها كالديمقراطية والعلمانية ، نجد الاجتهادات تسعى إلى الموازنة بينها وبين الموروث كالموازنة بين الديمقراطية والشورى والعلمانية والعقل. وبرهان غليون لا يوافق على هذا النوع من المحاولات للموازنة فهي في نظره تعيق التجديد لتكون رهينة الماضي تحاول إحياءه دون إنجاز حقيقي. فالسلفيون من أتباع هذا الرأي يسخرون كل جهدهم في محاولة تكييف الماضي على الحاضر وليس في التجديد والإبداع. ونحن في أمس الحاجة كما يرى غليون إلى إعادة تشغيل المنابع القيمية التي توقفت عن العمل من زمن طويل. إن فشل الإصلاح كان لأسباب عديدة أهمها :
١- تدخل الاستبداد السياسي في الدين وفرض ما يناسبه بالقوة على الجموع.
٢- انعدام نظام التوحد الداخلي وتفرق الدين لشيع وأحزاب شتى لا يوحدها صوت واحد.
ويرى غليون أن إحياء القيم الأخلاقية سوف يساهم بمساعدة السياسة حيث سيوفر عليها الكثير من متطلبات صون الأمن والمحافظة عليه؛ لأن القيم حاضرة في النفوس ولا تحتاج للرقيب بل ستكون عوناً له ودرعا حصينا. فإن كانت الدولة تعمل بتطبيق القانون فالمجتمع يعمل بالإحسان وتطبيقه. كما أن إحياء القيم ومفهوم الإحسان يلغي حواجز الفرق والمذاهب فهي متفقة عليها. كما أن الإحسان الداعي إلى العفو والصفح " وإن تعفوا وتصفحوا فهو خير لكم " أقرب للكمال وصلاح المجتمع من تعزيز قيم الثأر البشري القائم على الانتقام الآني: العين بالعين والسن بالسن. كما أن الإحسان خيره شامل لا يقتصر على البلد الذي يضمه بل هو مبدأ إنساني ينشر الخير أينما حل صاحبه. ويرى غليون أن التجديد لن يتأتى سوى بعزل الهيمنة التي تفرضها السلطة الدينية على الناس بالإضافة إلى ترميم شامل يستهدف النظم المدنية والدينية والثقافية والقيم الروحية والعلمية.
هشام جعيط
يرى هشام جعيط أن التأخر الذي مرت به حضارتنا ناجم عن إغلاق باب الاجتهاد. كما أنه يرى التجديد الذي قمنا به خيانة للأصل حيث نسف بعض المفكرين من أمثال أمير علي نصوصاً ثابتة كتعدد الزوجات ونظام الرق في سبيل التكيف مع مقتضيات العصر. ويرى جعيط ضرورة العودة للأصل التشريعي والبدء بالإقرار أولاً بالمساواة بين الذكر والأنثى ليكون التشريع المصحح مبنياً على أساس سليم. كما أنه من الضروريات كبح تدخل السلطة وتلاعبها في الدين لما يخدم مصالحها، وقد ساهمت السلطة على مدار عمر الخلافة الإسلامية في خفت صوت قيم الإسلام تحت سطوة القوة والملكية. ومن أهم تلك القيم المهدورة والتي تعد قيمة أساسية في الإسلام هي قيمة حرية (الاختلاف) التي شوه معناها كحال العديد من القيم الأخرى. فمن المهم إعادة تأويل القيم الإيمانية لتعود مخاطبة ومنطقية للبسطاء ولأصحاب العقول الراجحة على حد سواء.
وبهذا قد نخلص إلى أن استنهاض القيم الأخلاقية الإسلامية من خلال اجتهادات جديدة لقراءة النص القرآني مهم بل ضروري للغاية لتحقيق مقولة صلاحية الإسلام لكل زمانومكان. فالحديث عن الإصلاح من خلال فتح الكتب القديمة ليس إصلاحا، بل الإصلاح أن نفتح تلك الكتب ونتعظ من هفواتها لصياغة مسار جديد يتصل بالقديم ولكن على أسس أكثر متانة وشفافية.
.......
- محمد شحرور. الإسلام والقرآن،ص٣٨
