ناصر الكندي
يتناول الباحث سلطان الحجري في مقاله " الفكر الإصلاحي: مفهومه ودور العمانيين فيه" المنشور في مجلة التفاهم عدة محاور أهمها تعريف الفكر الإصلاحي والتعريف بأهم شخصيات الإصلاح في التاريخ الإسلامي والعماني خصوصا.
فالفكر هو إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة المجهول، والإصلاحي من أصلح في عمله وأتى بما هو صالح. ولهذا يعد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا من ضمن المصلحين ويتوافق ذلك مع المصطلح القرآني. أما المعنى المعاصر المتداول عند الدارسين حسب رضوان السيد فهو أن له رؤية مختلفة عن العالم ولديه قدرة على فهم النص الديني فهما جديدا، وأن يكون جريئا في مراجعة التراث.
وهناك مصطلحات متداخلة مع مصطلح الإصلاح مثل التجديد والنهضة، ويشير الباحث إلىضرورةالتفريق بينهم؛ فمصطلح الإصلاح هو الأكثر ترجيحا لعنوان مقاله وذلك لأنه مصطلح قرآني، كما أن شخصية أبي نبهان الخروصي وهو أحد الأعلام في الإصلاح لعمان أقرب إلى المتعارف عليه بالفكر الإصلاحي بين الدراسين، وكذلك تلميذه المحقق سعيد الخليلي وبعده السالمي وغيرهم.
وذكر الباحث أسباب اشتهار بعض العلماء بالإصلاح ومنها عناية المستشرقين والدور السياسي والعامل الجغرافي. ويبدأ بناصر بن أبي نبهان الخروصي كأول علم للإصلاح في عمان، فقد عاش في مطلع القرن التاسع عشر وتعلم اللغات الأجنبية وأهمها اللغة الإنجليزية، كما أنه كان معاصرا لرفاعة الطهطاوي، وألّف كتابا عن لغة أهل زنجبار بعنوان "مبتدأ الأسفار في بيان نبذة يسيرة من لغة زنجبار بالمشهور من اللغة العربية"، ويذكر فيه خصائص الشعوب التي وجدها في أفريقيا وعاداتهم، وهو ما يُسمى بعلم الإنسان "الانثروبولوجيا" ، كما ألف كتابا في أسرار النبات السواحيلي.
كما أن لابن أبي نبهان آراءً جريئة تخالف النسق السائد في الإباضية مثل عدم تقليده لعبدالله بن أباض، ويقترح عرض النصوص الحديثية على القرآن والاهتمام بالمتن دون السند، كما أباح تصوير ذوات الأرواح، وله إشادة بأرسطو وأفلاطون، وتتميز مولفاته بالمنهج النقدي الذي يناقش الآراء وينظر في حجتها لا إلى قائلها.
ويخلفه في آماله الإصلاحية تلميذه المحقق سعيد بن خلفان الخليلي، والذي وجد نفسه في عالم نزاع سياسي بين الإمامة والسلطنة، وكان ضد الاستعمار البريطاني وانضم إلى صف الإمام عزان بن قيس وقُتل معه. تم تلقيبه بشاعر العلماء وعالم الشعراء، وكان الخليلي مطلعا على الصحف المصرية وبعض الكتب التي ترجمها بعض المصريين مثل رفاعة الطهطاوي المتعلقة بالعلوم التجريبية، وكان له دور كبير في إحياء الشعر إذ تزامن مع الشاعر المصري البارودي، كما ألف في العروض والصرف والبلاغة.
أما المصلح نور الدين السالمي فقد كان صاحب دور كبير في توحيد المجتمع العماني تحت راية واحدة ضد مخططات الاستعمار، وكان السالمي يتابع أخبار العالم الإسلامي وما يكتبه دعاة الإصلاح في مصر كمجلة نبراس المشارقة والمغاربة التي حررها قاسم الشماخي، كما بعث إليه الشيخ سليمان الباروني رسالة التمس فيها منه أن يضع الحلول الجذرية لوحدة الأمة الإسلامية، ومن إجابة السالمي عليه تتبيّن شمولية رؤيته الإصلاحية ومعرفته بالواقع.
ولا يمكن إغفال دور أبي مسلم البهلاني في العملية الإصلاحية في البلد، فمجلة النجاح التي يديرها شاهدة على مقالاته التي تقاوم المخططات الاستعمارية البريطانية في عمان والشرق الإفريقي، ولقد تقلّد البهلاني منصب رئاسة القضاء في زنجبار في عهد السلطان برغش بن سعيد، واستقال ليكون همه التأليف. وكان له علاقة بأعلام الإصلاح مثل عبدالله بن حميد السالمي وسليمان الباروني ومحمد بن يوسف أطفيش، وكان يعد من الشعراء الإحيائيين في الشعر، ويتجلى فكره الإصلاحي في تلك الرسالة التي وجهها إلى الإمام سالم الخروصي والتي حملت أفكارا تفصح عن بعد النظر لما هو الحال الذي ينبغي عليه أن تكون عليه الدولة.
وتعد قصيدته النونية مثالا بارزا على فكره الإصلاحي حين استنهض الأمة العمانية متجاوزا بها قيودها القبلية، واتصل أبو مسلم بأعلام الإصلاح في زمانه، كما اطلع على ما ترجمه الطهطاوي وغيره من المؤلفين الأوروبيين في الفكر والسياسة والاجتماع.
يؤكد الباحث أن هؤلاء الأربعة المصلحين كانوا علماء لهم قدم راسخة في الفقه في الدين، وهذا ما اشترك به الإصلاحيون جميعا خلافا لقادة وكوادر القوى الإسلامية السياسية التالية لهم. ويشير الباحث إلى أن المشكلات التي جابهها الرواد هي نفسها التي يواجهها العالم الاسلامي الآن، ويؤكد الباحث أن النهضة دون الفكر الإصلاحي هو مفهوم أعرج، وذلك أن النهضويين الإصلاحيين انتهى بهم المطاف عودة إلى (ساكن الحجاز)أو (هامش السيرة)، وذلك بسبب محاكاتهم المفرطة للغرب وهو مخالف للقاعدة القرآنية بأن أعظم التحولات في تاريخ البشرية جاء عن طريق الأنبياء.
على كل حال لكل زمن ظروفه وهمومه، وبغض النظر عن كون العمل إصلاحا أو نهضة أو تجديدا، فإن الواقع يفرض على المصلح معطيات جديدة ينبغي عليه أن يعيها ويداريها، فدور المثقف في ذلك العالم الطبقي والاستعماري يختلف اختلافا كبيرا عن العالم المعاصر الذي تختفي فيه الطبقات الواضحة إلى صراعات خفية، وكذلك ذهب عالم الاستعمار القديم إلى استعمار جديد ولكن بأدوات جديدة غير مباشرة. ناهيك عن تلاشي التنظيمات المدنية الداخلية الآن أمام وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار الفردانية الفجة.
