تحت السيد: الرجال والنساء والعرابون في مافيا الزراعة الإيطالية

Picture1.png

ماركو أوميتزولو

فاتنة نوفل

إنه كتاب سياسي وقصة إنسانية أيضًا، يتحدث عن "هيكل سوق العمل الذي تعفن وتم تخصيبه بفيروس عدم الاستقرار؛ مما جعله أكثر ابتزازًا للفقراء والمهاجرين، الذين يفرون من الفقر والحروب وتغير المناخ للعمل كالعبيد لدى الشركات الجشعة متعددة الجنسيات والإيطاليين"، ومع ذلك فإنَّ العائد لا يفي بنفقاتهم حتى آخر الشهر وأولئك الذين يواجهون البطالة والاستغلال. ظروف تتعلق بالفئة الأكثر هشاشة وهامشية؛ أولئك الذين يُعتَبرون "غير مرئيين" ويتظاهرون بعدم حدوث شيء، في رحلة قام بها المؤلف ماركو أوميتزولو بالتسلل بين العمال الهنود في تحقيق ميداني بدأ من الملاحظة وذهب إلى التعبئة من الشكاوى والمظاهرات وصولاً إلى الإضرابات لإسقاط نظام يمكن هزيمته. إنه كتاب مهم يقودنا بمنهجية صارمة إلى معرفة حياة العمال الزراعيين وآليات الاستعباد والاستغلال، مصالح مافيا الزراعة وأيضًا إمكانية الخلاص من خلال نضال العمال ووحدتهم وشجاعتهم في تجربة فريدة للتجمع ونضج الوعي "الطبقي" للمطالبة بحقوقهم.

إجمالي حجم مبيعات مافيا الزراعة هو 24.8 مليار يورو وفقًا للتقديرات الأخيرة الواردة في التقرير السادس لمعهد الأحصاء أوري سبس (Eurispes) من إيرادات الزراعة في إيطاليا التي تنتجها 80 منطقة زراعية؛ حيث ظروف العمل والسكن والصحة فيها، في انتهاك مستمر لحقوق الإنسان حيث الاستثناءات قليلة. في أوروبا، هناك حوالي 880 ألف عامل أُجبِروا على ممارسة أشكال مختلفة من التبعية والابتزاز. الشركات التي تجني المال من عمل النساء والرجال الذين غالبًا ما يكونون أجانب يتم استغلالهم في البيوت الزراعية المحمية الإيطالية، كحث العمال على تناول المنشطات للعمل كعبيد، شباب يموتون من التعب، نساء يعانين من الابتزاز والعنف الجنسي كل يوم. نظام متفشٍّ ومفترس يدفع بعض العمال إلى الانتحار، بينما يشترك الرؤساء والعرابون في غنائم تبلغ حوالي 25 مليار يورو سنويًّا.

وفي إيطاليا 62% من عمال الزراعة الموسميين ومعظمهم من المهاجرين، لا يحصلون على الخدمات الأساسية و64% منهم لا يحصلون على المياه الجارية و72% تظهر لديهم أمراض بعد أنشطة الزراعة والحصاد لم يكونوا يعانون منها من قبل.

تحليل الظاهرة أمر لا هوادة فيه؛ حيث من الأفضل عدم طرح الأسئلة عندما نرى على رفوف محلات السوبر ماركت منتجات متنوعة بأسعار منخفضة جدًا؛ بحيث تكون أقل قيمة من سعر التكلفة، وإلا فإننا سنفهم بسهولة أنها ناتجة عن الاستغلال الوحشي لعمال الأرض "إن مافيا الزراعة هي داخل النظام لأنها تساهم في الناتج المحلي الإجمالي، برفاهية البلد، والاعتدال في تكاليف السلع الأساسية، وتوفير الموارد للفقراء الذين لا يستطيعون شراء المنتجات المميزة بسبب ارتفاع التكاليف"، وعلينا أن نكون هادئين لأن الفاكهة والخضراوات والخبز واللحوم... وغيرها من الضروريات الأساسية يجب أن تصل كل يوم إلى محلات السوبر ماركت، في الوقت نفسه الذي تمر فيه صور العمال وجميعهم تقريبًا من الأجانب أمام أعيننا يعملون مقابل بضعة يورو في اليوم ويعيشون ظروفًا غير صحية وغير إنسانية، إضافة إلى ارتباطهم بظواهر خطيرة منها الأدوية التي يضطر عمال الرقيق إلى تناولها من أجل مقاومة الآلام التي تسببها العمالة اليومية اللاإنسانية عن طريق مضغ القليل من بذور الخشخاش المجفف المستخدم لاستخراج الكوكايين لتأثيره المسكن عن طريق شرائه من تجار المخدرات، وبإذن ضمني من صاحب العمل أو أي نوع آخر من المخدرات والمؤثرات العقلية المسببة لعدم الشعور بالإرهاق والألم، ليتحول العديد من الشباب الهنود من أيدٍ مفيدة إلى السيد إلى أيدٍ مفيدة لرؤساء الاتجار بالمخدرات في غضون بضع سنوات.

وفي هذا الواقع، دخل ماركو أوميتزولو بالصدفة، وظل هناك لأكثر من عقد من الزمان، في البداية كمراقب خارجي ومن ثم كباحث، حتى أصبح عضوا نشطًا معهم عندما أدرك أن الطريقة الحقيقية الوحيدة لفهم حياة وديناميكية العمل الزراعي هي أن تصبح واحدًا منهم.

موضوع تحليل ماركو أوميتزولو هو المجتمع الهندي من السيخ في أغروبونتينو (محافظة لاتينا والمناطق المحيطة بها) قرب العاصمة روما، والذي يعمل أفراده في قطاع الزراعة، في بيوت الزراعة المحمية وفي الهواء الطلق، والتي تنتج بشكل رئيسي الخضار والفواكه وحصاد محصولين أو ثلاثة كل عام. إن مجتمع الهنود متحد ومتماسك للغاية قَدِموا جميعهم من منطقة (البنجاب) ولديهم ثقافة دينية تقوم على قبول الإرادة الإلهية والتعايش السلمي. يبلغ عددهم الرسمي 11 ألف شخص في محافظة لاتينا، ويمكن أن يصل ضعف هذا العدد، موزعين في الريف في المناطق المنتشرة من أغروبونتينو خلف البيوت الزراعة المحمية والتي يعبرونها بدراجاتهم بدون أضواء وعمائم ملونة للذهاب للعمل.

غالبًا ما يُجبَر العمال من الهنود على العمل من عشرٍ إلى أربع عشرة ساعة في اليوم؛ بما في ذلك السبت والأحد، وبأجر ثلاثة يورو تقريبًا في الساعة مع عقد عمل قانوني يتحدث عن مدة ست ساعات لمدة ستة أيام في الأسبوع بأجر إجمالي 9 يورو للساعة. وكما هو واضح في الكتاب فإن ظروف عمال الزراعة متشابهة في جميع أنحاء الأراضي الوطنية، وبالتالي فهي دراسة متعمقة و قَيِّمة للقطاع بأكمله. أجور متدنية إذا لم تتم سرقتها من قِبَل السيد، نوبات عمل صعبة كل يوم وطوال العام؛ مما أدى إلى انتحار اثني عشر عاملاً هنديًا معلقين في بيوت الزراعة المحمية لأسيادهم خلال ساعات العمل في فترة الثلاث سنوات 2016-2019، الإهانات والعنف حتى على النساء، غالبًا ما يكون راتب العاملة أقل بمقدار الثلث من راتب زميلها الذكر في العمل، ثم هناك مسألة الابتزاز والعنف الجنسي، استخدام المنتجات الضارة دون أي حماية، الخوف والألم وأمراض تتم معالجتها بتناول المواد المنشطة التي تخفف من الجوع والإعياء. هناك حديث عن مواد سامة ومسببة للسرطان مفيدة للمحاصيل ولكن آثارها مدمرة للجميع منتشرة بواسطة أدوات البخاخ الذي يتنفسه العمال وكأنهم يستحمون به؛ لأن السيد يمر مع آلة البخاخ أثناء جمعهم المحاصيل، وهي محظورة في إيطاليا ومستوردة بشكل غير قانوني من الصين، جُلِبَت إلى موانئ نابولي وغويا تاورو ويتم تهربيها ليلاً وشراؤها بشكل غير قانوني، مواد تصيب الهواء الذي يتنفسه السكان وكذلك المياه الجوفية. العمال، أحيانًا حتى الأسياد والمستهلكين الذين يشترون المنتجات يعتقدون أنها أصلية.

تم جمع نتائج تحقيق الكاتب الميداني الطويل والقوي في كتاب" تحت السيد، الرجال والنساء والعرابون في مافيا الزراعة الإيطالية"، ويروي فيه المؤلف قصص المهاجرين من خلال روايته عن نفسه، والنتيجة نظرة ثاقبة لدولة بأكملها تتصارع بين ما هو صحيح وما هو مناسب، بين العدالة والانتهازية، بين المكر والخداع وبين الأخلاق والشر. تم فيها قول وقراءة كل شيء عن المهاجرين فهم مُتَهَمون بسرقة العمل وهم سبب البطالة وعدم الاستقرار وتدني الأجور، ولكن هل هو خطؤهم حقا؟ هل تنشأ المشاكل بالفعل من جنسية العمال؟

ويركز ماركو أوميتزولو على هذا الجانب طويلا، مشددًا على أنه بالتأكيد ليس مسألة عرق بل سياسة: "إنها ليست مسألة السماح للمهاجرين بالغرق من أجل العيش بشكل أفضل للإيطاليين بل إن مافيا الزراعة الإيطالية هي نتيجة الهمجية وعقود من السياسات النيوليبرالية "، أولئك الذين يرغبون اليوم في فصل الإيطاليين عن الأجانب ورفع شعار "الإيطاليون أولاً" "إلى مرتبة قانون دستوري"، لم يفهموا أو يتظاهروا بعدم فهم أن الإيطاليين الفعليين هم من" يعيشون بالفعل في ظروف الفقر والاستغلال والإقصاء الاجتماعي". وضع يمكن اعتباره بؤسًا حقيقيًا من ناحية اقتصادية ولكن فوق كل شيء من ناحية ثقافية وفكرية وروحية.

المؤلف على حق عندما يقول إنَّ المشكلة ليست في المهاجرين، ولكن في أرباب العمل الذين يستغلون العمال بغض النظر عن لون بشرتهم أو جنسيتهم. ليس المهاجرون هم الذين يسرقون الوظيفة بل السيد الذي يسرق أجورهم وحقوقهم. ويعني مصطلح سيد هنا كلا من صاحب العمل الفرد والنظام.

يؤكد ماركو أوميتزولو أن أسلوب اللغة المستخدمة بشكل شائع يُظهِر عدم الحساسية أو الاستخفاف والأسوأ من ذلك الأحكام المسَبّقة في كثير من الأحيان، فيستخدم مصطلح العبد أيضًا بكل سهولة في تداول المعلومات. ما زلنا لا نفهم أنه بهذه الطريقة أو من خلال اعتماد "لغة السيد" فإننا نقوم بإضفاء الشرعية على شكلها وقوتها ومعها النظام بأكمله. بدلاً من ذلك، يجب التأكيد بشدة على أن هؤلاء ليسوا عبيدًا بل إنهم أشخاص مُستَعبَدون، رئيس، سيد، عبد: تشير إلى أشكال الهيمنة والتبعية التي يجب التغلب عليها لصالح مصطلحات أكثر ملاءمة مثل صاحب العمل والعامل والعاملة.

بعد حوالي عشر سنوات من زرع بذور قال البعض إنها كانت في مهب الريح لحياة محطمة وسيقان متعبة في الليل وتتحرك بصمت داخل بيوت الزراعة المحمية، حان وقت الثورة والنضال والذي هو برأي أوميتزولو إقناع أولئك الذين يعملون بالتحدث ليس كالأسياد والعبيد ولكن كأرباب عمل وعمال لأنه كما قال نانني موريتتي إن الكلمات مهمة وهذا يعني عدم الاضطرار إلى خفض رأسك لأولئك الذين يستغلونك.

مثلت النضالات والتي شارك فيها ماركو أوميتزولو وآخرون مثله، والتي نفذها العمال الزراعيون المهاجرون في السنوات الأخيرة في أنحاء مختلفة من إيطاليا نقطة تحول لجميع العمال المُستَغَلين ودلالة على أن الدولة لم تعد تريد أن تكون عنصرية ورجعية وعنيفة ومافيا.

كان أساسيًّا فيها التحالف الوثيق بين المؤسسات والنقابات الوطنية والإقليمية والمحلية التي دعمت العمال في مطالبهم، كالنيابة وجهاز الشرطة ومدعي عام المحافظة الذين استمعوا للشكاوى وقبلوها وأصدروا أحكاما على رجال الأعمال المحليين لانتهاك تشريعات العمل والتحريض على الرق والمافيا.

وبالتالي؛ كان تاريخ الخلاص في المجتمع الذي تم تأكيده في 18 أبريل 2016 هو يوم مهم، نقطة وصول بعد سنوات من المعاناة والمخاوف والمناقشات والشكاوى: العمال الهنود و بدعم من عدة نقابات أعلنوا الإضراب من أجل حريتهم وحقوقهم. نزل أربعة آلاف عامل زراعي إلى الشوارع في محافظة لاتينا أمام مكتب ممثل الدولة مع سابق معرفتهم أنهم يخاطرون بالثأر منهم والعنف وحالات التسريح من العمل، ومع ذلك شعروا بأنهم جاهزون وقويون و بدعم أيضًا من قِبَل مؤسسات تدافع عن جميع حقوقهم مهما كلف الأمر، وقد وصلت الشكاوى إلى البرلمان وأعطى الأساس للموافقة على قانون رقم 199/2016 ضد استغلال العمال، وقام بالتلويح بالاقتراح الذي تم الإجماع عليه على الفور من قِبَل النقابات والبرلمانيين والمنظمات التطوعية لتنظيم الأجانب الموجودين على الأراضي بدون وثائق دفاعًا عن الاقتصاد، ولكن وفوق كل شيء الحقوق والشرعية والصحة للجميع التي مدت يدها إلى قطاع الأغذية الزراعية والعاملين الزراعيين وأيضًا إلى تناقض المنتجات الزراعية والاتجار بالبشر من أجل الاستغلال في العمل.

ومنذ ذلك الحين، تغير شيء ما لصالح العمال، لكن أوميتزولو يشير إلى أن رد فِعل الرؤساء المستعدين لاستغلال أولئك الذين هم أضعف وأقل اطلاعاً، كان ولا يزال خفيًا وعنيفًا. في الواقع، كان هناك تسريح للعمال وفي بعض الحالات تم استبدال العمال الهنود بعمال أجانب، معظمهم من الأفارقة المقيمين بشكل غير قانوني وأُجبِروا على قبول أجور وظروف عمل اعتقد العمال الهنود أنهم هزموها.

وفي الختام، يقول ماركو أوميتزولو إن اختياره سياسي، فهو اختار المُستَغَلين لأنهم يعرفون أحيانًا كيف يصنعون تلك الثورات الفريدة والبطولية التي تُعَّلِم الآخرين أن التغيير المحتمل يبدأ من القدرة على الانخراط في المجتمع ويستذكر هنا قول أحد الكهنة "بين القول والعمل هناك وسيلة للبداية".

-------------------

- الكتاب: "تحت السيد: الرجال والنساء والعرابون في مافيا الزراعة الإيطالية".

- المؤلف: ماركو أوميتزولو.

- الناشر: مؤسسة جانجاكومو فيلترينيللي، إيطاليا، 2019م.

- عدد الصفحات: 317 صفحة.

أخبار ذات صلة