ماثيو ولكر
طلال اليزيدي
ليس غريباً أن يكون هذا الكتاب في قائمة الكتب التي يوصي بها بيل جيتس. فهذا الكتاب موصى به من الكثيرين إذا كنت تريد أن تحسن من أسلوب نومك. فالكتاب يشرح عملية عصبية معقدة جدًّا إلى عموم القراء.
عنوان كتاب والكر إلى حد ما مضلل مثلما رجح هو في الصفحات الأولى من الكتاب، فالعنوان نوعا ما يلمح إلى أنه من الممكن أن يكون هنالك سبب واحد للنوم. وفي الحقيقة، ماثيو قدم النوم كعلاج للعديد من الحالات المحيرة التي بدورها تتسبَّب في تدهور الصحة الجسمانية والعقلية. فافتتح ولكر كتابه بقوله "عالم في مجال علوم الأعصاب تمكن من التوصل إلى طريقة ثورية من أن يصبح المرء ذكيا، وجذابا، وصحيا، وبعيدا عن أمراض السرطان، هذا الاكتشاف الثوري يتعلق بليلة جيدة من النوم". واستطرد أيضا في فقرة من الصفحات الأولى، فوصف ماثيو النوم وكأنه يسوق إلى علاج جديد: "العلماء اكتشفوا علاجا ثوريا يمكنك من العيش فترة أطول، يصحح من قوه ذاكرتك، ويجعلك أكثر جاذبية، يساعدك على تخفيف الوزن وتقليل الشهية، هذا العلاج يحميك من السرطان وفقدان الذاكرة، يقي من البرد والإنفلونزا، ويقلل من خطورة إصابتك بأمراض القلب والسكتات القلبية، وكذلك يساعد على التقليل من أعراض مرض السكر، ويساعدك على الشعور بالسعادة، ويقلل من آثار الكآبة، ويقلل من التوتر.. فهل أنت مهتم بهذا العلاج".
إحدى نقاط القوة لدى الكتاب أنه وبكل وضوح يبين الآثار السلبية التي يسببها الجهل عن الغاية المعقدة والمهمة من دور النوم في حياتنا، والصعوبات التي يواجها العديد من الناس من التمكن من الحصول على قسط مناسب من النوم.
ماثيو ولكر عالم في علوم الجهاز العصبي والسيكولوجيا في جامعه كاليفورنيا، يركز في أبحاثه على النوم وتأثيره على صحة الإنسان. ففي هذا الكتاب يتحدث ولكر كعالم مختص، ويبسط العلوم المعقدة إلى عموم القراء. هذا الكتاب يختلف عن العديد من الكتب التي تتحدث عن النوم، يعتبر من أفضل الكتب حتى الآن في استكشاف وسرد العلم المتعلق بحاجتنا إلى النوم. الكتاب ينقسم إلى أربعه أجزاء رئيسية، كل جزء يحتوي ما بين الثلاث إلى خمسة وحدات.
الجزء الأول من الكتاب يستطرد بشرح ماهية النوم، وكيف تطوَّر مع جنس البشر، وعن الآلية البيولوجية للنوم. الجزء الأول من الكتاب مُثير جدًّا؛ لأنه يكشف جوانب علمية عن النوم لم يتعرض لها معظم القراء قبل قارئتهم للكتاب. فمعظم القراء يقدرون النوم من وجهة نظر الأداء الرياضي والتركيز العقلي، فليلة هادئة من النوم تساعد جدًا قبل منافسة رياضية أو منافسة تتطلب التركيز. لكن معظم القراء يجهلون العديد من الجوانب العلمية التي يعرضها الكتاب تتعلق ببيولوجية النوم، فوضع هذه المعلومات العلمية التي بالعادة تكون فقط في متناول الباحثين والمتخصصين في هذا الكتاب المتوفر للعامة، يُمكن القراء من معرفة حقيقة النوم والتعامل معه. الجزء الثاني من الكتاب يجيب عن التساؤل الرئيسي وهو: "لماذا ننام؟". هذا الجزء قد يكون مألوفا لمعظم القراء؛ حيث يسرد الأضرار الصيحة الناتجة عن قلة النوم، أو النوم غير الصحي. لكنَّ الشيء المثير للاهتمام في هذا الجزء هو تأثير قلة النوم على العقل، بالتحديد تأثيره على التفكير، والتركيز، والتعلم، والإبداع، وحل المشكلات بطريقة فعالة.
الجزء الثالث من الكتاب يركز على الحلم أثناء النوم.. وهذا الجزء من الكتاب مثير للاهتمام، ويتحدث عن حقائق في سماح النوم للتعامل مع الضغوطات التي تحدث خلال اليوم وتمكننا من تخطي هذه الضغوطات. الجزء الثالث من الكتاب ركز أيضا على تأثير قلة النوم على الأداء الرياضي، إلى الحد الذي من الممكن أن يصبح هذا التأثير فيه مستمرًا. لذلك؛ فإن أخذ قسط كافٍ من النوم سيساعد في عملية التعافي للرياضيين من الخمول في الأداء.
أما الجزء الأخير من الكتاب، فيعيد النظر في تصحيح أسلوب النوم لدى المجتمعات. فمن وجهة نظر صحية ينصح الكاتب في الجزء الأخير من الكتاب بتجنب الممارسات الباكرة جداً صباحاً. بالأخص للمراهقين؛ لأنهم يملكون نظاما قلبيا متأخرا، والنهوض في أوقات باكرة جدا قد يؤخر من نموهم الطبيعي لأنهم يحتاجون إلى النوم لساعات أكثر من الأشخاص البالغين. فالمباشرة بالمدرسة من ساعات باكرة جداً، بالأخص في الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى حيث تبدأ المدرسة قبل 7:20 صباحا، تؤثر سلبياً على الصحة النفسية والعقلية للمراهقين. فهنالك إثباتات علمية في غاية الجدية تشير إلى أن نقص النوم من الأسباب الرئيسية المسببة لنشوب الكآبة والشيزوفرانيا.
من الناحية الطبيعية، الميول البشري إلى النوم ينقسم إلى قسمين؛ يعرف علميا بـ(chronotypes)، ويُترجم حرفيًّا إلى "نوع التزامن النومي"، النوم عند البشر إما أن يتزامن مساءً وهو النوع الطبيعي، أو يتزامن في فترة النهار، وكلا النوعين يعمل على نوعين مختلفين من الخطوط الإيقاعية (circadian lines)، و من هذا الجانب لا يستطيع المائلون إلى نوم النهار تغيُّر تزامنهم النومي ليصبح مساءً. في الحقيقة ذلك حظٌ سيئ لأنَّ معظم المدارس والمؤسسات تعتمد على المستيقظين باكرا، وماثيو أوضح أن النظام الحياتي المعتمد على الاستيقاظ باكراً يسبب بعض العقد الصحية للبشر المتزامنين صباحيا في فترة النوم ، وهذا النوع بالتحديد يصاب بالأرق لعدم تمكنهم طبيعيا من النوم مساءً. لسوء الحظ هذا النوع يكون عرضة للاكتئاب، والتوتر، وأمراض السكر، والسرطان، وارتفاع ضغط الدم، وضعف الذاكرة، وأمراض القلب كالسكتات القلبية.
علم الأحياء يتعلق في نهاية المطاف بالتطور؛ فالبشر تطوروا على مدى مليوني سنة لنوم ثماني ساعات في الليلة. ويقدم ولكر دليلاً من البشر الأوائل (الصيادين-الجامعين) حول كيفية نومهم ثماني ساعات في الليلة، على الرغم من أن نومهم يكون غالبًا في جزأين. فكل الحيوانات تنام لكن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يختار دوريًّا بأن يقلل من المدة الزمنية المتطلبة للنوم. في الحقيقة الكثير من البشر يتجاهلون الحاجة البيولوجية الملحة لمقابلة المدة الأقصى التي يحتاجها الجسم من النوم.
نقطة الجدل الرئيسية لولكر في الكتاب هي تحديات الصحة العامة بالأخص في الدول المتقدمة؛ حيث يحتاج الفرد على الأقل من سبع إلى ثمان ساعات من النوم في كل ليلة. تلك المدة الزمنية من النوم مهمة جداً لأن مثل ما ذكر سابقاً قلة النوم تؤثر على الفاعلية الكلية للجسم والدماغ. وأوضح ولكر في كتابه أن قلة النوم لا يمكن أن تعوض، فالنوم الطويل في عطلة نهاية الأسبوع لن يغير التأثير السلبي الذي يسببه قلة النوم خلال الأسبوع. الأسوأ من ذلك هو أن مجتمعنا ينظر إلى النوم وكثرته بطريقة مذمومة، وفي نفس الوقت يقدر ويرفع من شأن بعض الأشخاص الذين يلجؤون لساعات قليلة من النوم من أربع إلى خمس ساعات كرئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارجريت ثاتشير، والرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجن. وأشار ولكر في كتابه إلى أن الاثنين انتهى بهما الأمر إلى فقدان الذاكرة، وقد يرجع ذلك إلى قلة ساعات نومهما أثناء فترات العمل. ولكر أشار إلى أن الأشخاص الذين لا ينمُّون المعدل الطبيعي من النوم ولا يتعرضون إلى آثار مستقبلية هم في الحقيقة قلة نادرة.
وذكر ولكر في كتابه بطريقة يحاكي فيها طبيب أطفال يتحدث إلى والدي طفل مولود حديثاً: "من هذه اللحظة فصاعدًا، وبقية حياة طفلك بأكملها، سيقع مرارًا وتكرارًا في حالة من غيبوبة واضحة. قد يشبه الموت في بعض الأحيان. وبينما لا يزال جسده مستقرًا، فغالباً ما يمتلئ عقله بالهلوسة الغريبة المذهلة. تستهلك هذه الحالة ثلث حياته وليس لدي أي فكرة على الإطلاق لماذا سيفعل ذلك، حظا طيبا وفقك الله!".
يجعلنا ولكر في كتابه نؤمن بأن هذه الحالة الغريبة يجب أن تكون لها بعض الوظائف الحيوية المهمة، وفي نفس الوقت يستنكر إيلاء مهنة الطب القليل من الاهتمام بأهمية النوم. فالطب على الرغم من تركيزه على المرض والخلل، أهمل أيضًا -إلى درجة ما- أهمية النظام الغذائي والنشاط البدني. كذلك أيضا من وجهة نظر ولكر قلة من الأطباء يصفون النوم على أنه ركيزة للصحة الجيدة، لكن ووكر يذهب إلى أبعد من ذلك: "لقد كنت مغرمًا بقول: النوم هو الركيزة الثالثة للصحة الجيدة، إلى جانب النظام الغذائي وممارسة الرياضة، لكن غيرت قولي.. النوم أكثر من عمود، هذا هو الأساس الذي يجلس عليه كل من النظام الغذائي وممارسه الرياضة؛ فإذا تضرر حجر الأساس النوم، أو ضعف قليلاً، أصبح تناول الطعام أو التمرين البدني أقل فاعلية".
ولكر يشرح في أفضل حالاته وظائف النوم، وعلى الرغم من أنه لا يزال أمامنا طريق طويل لفهم جميع آثار النوم. ولكر شرح باستعارة للنحت كيف أن نوم حركة العين السريعة (REM) ونوم حركة العين غير السريعة (NREM) ضروريان للذاكرة NREMالذي يسود في بداية النوم، وصفه وكأنه ينقل مجموعات الطين (مجموعه الذكريات المتعلمة خلال اليوم) ثم نوم REM، الذي يسود لاحقًا، ينقي ويشكل الطين لصنع الذكريات.
الكتاب تمكن من إلقاء الضوء على الأهمية الخاصة للأحلام وليس فقط نوم REM الذي تحدث فيه هذه الأحلام؛ فأظهرت التجارب العلمية أن الأحلام لها وظائف علاجية وحل المشكلات ووظائف إبداعية.
الكتاب يُعالج مشكلة وبائية، وولكر يؤكد أن قلة النوم هي مشكلتنا الرئيسة للصحة العامة. أعتقد أن أي شخص يقرأ كتابه سيكون مقتنعًا بأهمية النوم، وسيحرص على بذل كل ما في وسعه للحصول على ثماني ساعات من النوم في الليلة، ولكن هنالك العديد من القوى -بما في ذلك عادات ومتطلبات العمل، والضوء الكهربائي، والضجيج، والأدوات الإلكترونية (خاصة تلك المدعومة بأضواء زرقاء)، والكافيين، والترفيه الجماعي، والثقافة العامة التي لا تدرك أهمية النوم- تعمل ضد الحصول على ثماني ساعات من النوم كل ليلة.
-----------------------
- الكتاب: "لماذا ننام؟".
- المؤلف: ماثيو والكر.
- الناشر: Scribner، بالإنجليزية، 2018م.
- عدد الصفحات: 368 صفحة.
