خطوات الإصلاح نحو مجتمعات معرفية متقدمة

 موزة الخاطرية

يفتتح عبد الحميد عشاق أستاذ الدراسات الإسلامية ونائب دار الحديث بالمملكة المغربية في مقدمات الإصلاح بين جدلية الوعي وقوانين التاريخ الخطوات العامة التي لابد أن تتبعها أي أمة ترغب بالإصلاح من حالها لمواكبة قطار التطور التكنولوجي والصناعي وتغيير حالها الاقتصادي والمعرفي.

ويرى عبد الحميد أولى خطوات أي مشروع إصلاحي هو تحديد عناصر القوة من خلال بناء رؤية قائمة على البصيرة بعيدًا عن الضغوط الخارجية والداخلية حتى لا يكون الإصلاح مؤقتًا أو شكليًا، بالإضافة إلى وضع استراتيجية تُبنى على ثلاثة أزمنة وهي الحاضر والماضي والمُستقبل وأن تكون لها ثلاثة أبعاد أولها الإدراك لما يدور في الداخل والخارج والتنبؤ بالمتوقع، وأن يكون هناك إعداد جيِّد للاستراتيجية برصد ما يكفي لها من الموارد والإمكانيات ومن ثمَّ الحزم والالتزام بالتنفيذ والتقييم.

وأول عناصر القوة هو التسلح بالمعرفة المحملة بالبيانات والمعلومات والأفكار وكل ما يحمله الإنسان من رموز دلالية أو تاريخية، فالمعرفة معيار أساسي لأي توجه إصلاحي في الفرد والمجتمع والمؤسسة والأمة، والملاحظ في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وجود فجوة في المعرفة بين المجتمعات نفسها ومع الدول المُتقدمة في الصناعة والتكنولوجيا.

والثروة الأخرى بجانب المعرفة هي الاقتصاد والمال، فهما وجهان لعملة واحدة. المعرفة تُدير المال باتزان واعتدال وتحول النظام الاقتصادي من الاستهلاك إلى الإنتاج وتجنب الرأس مالية المفرطة. فالاقتصاد المعرفي مورد لا ينضب ينوع الطاقات الإنتاجية ويوسعها ويحقق الاكتفاء الذاتي ويولد فرص العمل مما يُؤدي إلى تحسين المستوى المعيشي للفرد.

ولا يكتمل الإصلاح إلا بخطوات تقوم على العدل والحرية والشورى أي حسن التنظيم المؤسسي وذلك بسن التشريعات والقوانين التي تكفل حقوق الأفراد والأسرة والعادات وخصوصيات المُجتمع.

وتبدأ فعالية هذه العناصر إذا وجدت إرادة لدى الشعوب والرغبة في الإصلاح يصاحبها تنظيم في توجيه الطاقات نحو خدمة المجتمع والإحساس بالمسؤولية، وإعطاء الشعوب الشعور بالعدل والإنصاف والتنعم بالاستقرار. ولأجل الحفاظ على هذا الشعور وعدم انزلاق المجتمعات نحو الانقسام والتشتت لابد من إيجاد مؤسسات مدنية تتوسط بين الأفراد والدولة.

والعنصر الآخر في خطوات الإصلاح هو امتلاك قدرة دفاعية قائمة على الاستثمار في مجال البحث العلمي بمُختلف مجالاته ومن أهمها العمل على العناصر المنتجة للتكنولوجيا الحربية، والصناعات العسكرية لتأسيس جيش دفاعي عصري يمتلك قوة داخلية وخارجية.

وصول الدولة إلى التقدم الصناعي والتكنولوجي ما هو إلا نتيجة توليفة قائمة على اقتصاد المعرفة وامتلاك البصيرة في  إعداد الرؤية، واستراتيجية منظمة تكفل حقوق الأفراد والمجتمع وتحقق العدالة الاجتماعية، وامتلاكها لقيادات مرنة تتقبل وتنبي الأفكار الخلاقة والإبداعية وتعتمدة على البحوث العلمية وبنوك الأفكار.

نستشف من خلال اطلاعنا على العناصر الخمسة للبدء بالإصلاح بأن مجتمعاتنا أهملت العلم والمعرفة والبحث العلمي وتوجهت نحو الاستهلاك دون الإنتاج فأصبحنا نفتقد إلى عنصر الاعتماد على الذات.

وعلى الرغم من كل ذلك فإنَّ إرادة الشعوب العربية  طالبت بالإصلاح وبالتحديد في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين ولكن موجة المطالبات بالإصلاح والحق في الحرية عن التعبير والعدل أغلبها كان نتيجتها الإجهاض والدمار لتلك الشعوب ولكن في المقابل كانت هناك إصلاحات في بعض الدول حركت الحكومات للتغيير في استراتيجياتها ورؤيتها بإشراك أفراد المجتمع في وضع خطوات الإصلاح.

ينتقل بنا عبد الحميد في مقدمات الإصلاح إلى الشرارة التي ينطلق منها الإصلاح  وهي عبارة عن ثلاثة أسئلة، السؤال الأول سؤال التفكير أي عقل الإصلاح، الثاني سؤال التعبير أي خطاب الإصلاح ومن ثمَّ سؤال التدبير أي فن الإصلاح.

 

في سؤال التفكير يكون العمل بعقلٍ مُصلح يستطيع أن ينقل المجتمع من حالة الغياب العام إلى الوعي المتجدد وذلك باعتماده على رؤية فاحصة متسلحة بالبصيرة وقادرة على رصد مشكلات المجتمع وتحليلها تحليلًا علميًا ومن ثم ابتكار حلول عملية.

 وكل عقل مُصلح يملك تفكيرا استراتيجيا تكتيكيا شاملاً قادرا على التصدي للمشكلات بعد فحصها والتعمق فيها، ويستطيع الإحاطة والإلمام بما يحدث داخليًا وخارجيًا، وقادر على استكشاف المُغلق والمختبئ، ولديه المرونة في  تقبل الأفكار والمناهج الجديدة وحريص على تحقيق الإنجاز دون الإلحاح المُفرط فيه.

 سؤال التعبير أو "خطاب الإصلاح "

اللغة المستخدمة في الإصلاح هي أن يتوافق القول مع العمل، ولا يمكن الحديث عن الإصلاح في التعليم والتعليم غير مُفعل، ولا يُمكن الحديث عن إصلاح الدستور وسلوكنا مخالف. وليدرك كل راغب في الإصلاح أنَّ اللغة لها سلطة مادية ورمزية ومعرفية قائمة على التعلم مدى الحياة، وأيًّا كان شكل هذه اللغة بيولوجية أم برمجية اصطناعية أو جينية، فلابد من إيجاد لغة قادرة على التعبير عن الإصلاح تنظيرًا وتعليمًا ومعجمًا واستخدامًا وتوثيقًا وإبداعًا.

سؤال التدبير " فن الإصلاح"

حسن التدبير هو فنٌ يتمثل في القدرة على توظيف الموارد المالية والبشرية والمادية لبلوغ أهداف الإصلاح، وهذا ما انتهجته دول شرق آسيا في بناء الإنسان من أجل إنتاج رؤوس الأموال.

لربما نحن بحاجة إلى تحديث منظومتنا التعليمية من أجل أن نبني الإنسان لكي يكون قادرا على إنتاج رؤوس الأموال وأن يتحول من مستهلك إلى منتج، وهناك رؤى واعدة في بعض المجتمعات العربية لإحداث ثورة في مجال التعليم، من خلال التوجه إلى الاستثمار في مجال التكنلوجيا والتقنية، وتحديث الأنظمة بما يتناسب مع المرحلة لمواكبة هذا التطور وسد الفجوة بيننا وبين الدول المتقدمة الأخرى.

إهمال المعرفة والعلم والبحث العلمي ومحاربته وعدم القدرة على حسن التدبير أو حتى التعبير هو الذي جعل مجتمعاتنا العربية ضمن الدول النامية المتأخرة في مجالات عديدة رغم امتلاكها لثروات هائلة تفوق الدول العالمية المتقدمة، ولكن أيضًا أحد أهم عناصر الإصلاح هو الإرادة في التغير من حال إلى حال أفضل.

أخبار ذات صلة