التسامح وحرية الاعتقاد نهج الإسلام في الدعوة

موزة الخاطرية

إنّ المفاهيم المترسخة اليوم عن الإسلام ووصف المسلمين بالإرهاب والتعصب والعنصرية ماهي إلا أدوات للنيل من الحضارة الإسلامية والعبث بثرواتها، والحد من انتشارها. وهنا ارتأى الدكتور نايف محمد المتيوني من جامعة الموصل أن يستعرض نماذج من التشريع والتطبيق لسمات التسامح وحرية الاعتقاد لدى المسلمين في تعاملهم مع غير المسلمين، ليبرهن أن النظرة الحالية للدين الإسلامي هي نظرة قاصرة أحادية تنم عن أفكار المتعصبين.

حيث انتهج الإسلام أسلوب الترغيب في الدعوة الإسلامية، ويظهر  ذلك جليًّا في حرية الاعتقاد والتسامح  فالله سبحانه وتعالى أمر رسولنا الكريم بدعوة أهل الكتاب بالتبشير والإنذار ونهى عن دعوة أهل الكتاب إلى اعتناق الدين الإسلامي بالإكراه حيث قال الله " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" وتتجلى الحكمة من ذلك أنه لا يمكن أن يكون الإنسان مؤمنا فيما يعتقده بالإكراه، وفي أول فرصة تتاح له بالخروج عما أجبر عليه ينتهز الفرصة ويتخلى وينسلخ عنه.

والتعايش الذي دعا به الإسلام مع الآخرين له الأثر الكبير في انتشار الإسلام؛ حيث أتيح لغير المسلم التعرف على جوهر الإسلام عن قرب، فسمات التسامح والتعايش مع المعتقدات الأخرى في ديننا الحنيف هي أدوات تدعو بالتي هي أحسن لغير المسلمين على اعتناق الإسلام عن رغبة واقتناع مما يرسخ الإيمان في نفوسهم والتمسك بعقيدة الإسلام.

كما أنّ صفات التسامح التي تحلى بها رسولنا الكريم في أول تداخل له مع أهل الكتاب بعد هجرته إلى المدينة المنورة وإبرام وثيقة تكفل حقوق هؤلاء الدينية والدنيوية، كان لها الأثر في التعايش السلمي والاختلاط ببعضهم البعض مما نتج عنه تكاتف المسلمين مع اليهود في وقت الأزمات، ولكن ما روج عن تنكيل المسلمين باليهود هو ترويج نابع من أفكار يهودية متعصبة متناسين أول من غدر وخان الوثيقة.

 

كما أن الكثير من المتعصبين استخدموا الجزية التي فرضت على أهل الكتاب في قوله تعالى "قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" استخدمت على أساس أنها ظلم وإجحاف في أهل الكتاب ولكن الباحث والقارئ في ذلك سيكتشف أن هذه الجزية هي مبلغ زهيد مقابل حمايتهم وحماية ممتلكاتهم. كما أنها لا تفرض على الجميع، وإنما على الرجال ومن له القدرة على حمل السلاح، ولا تفرض على النساء والصبيان والشيوخ والعجزة والمقعدين والعميان.

وكذلك يظهر التسامح في تعامل الرسول مع غير المسلمين في أنه سمح لهم بالصلاة في مسجده وقد قبل هداياهم وزار مرضاهم وقبل دعواهم على طعام، ومثال على ذلك ما روي عن أنس رضي الله عنه أن يهوديا دعا النبي صلى الله عليه وسلم الى خبز شعير وإهالة سنخة، فأجابه الرسول إلى دعوته رغم أن اليهودي كان فقيرًا إلا أن الرسول لم يشأ أن يرده، كما أن رسول الله كان يتصدق على أهل الكتاب من بيت مال المسلمين، وهذه سمات اتصف بها رسولنا الكريم ساعدته على نشر الإسلام دون سيف.

كما أن الخلفاء الراشدين ساروا على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها معاملة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أهل الذمة بالعدل والتسامح.

ويعد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه نموذجا رائعًا في تعامله مع أهل الكتاب ويتجلى ذلك في المعاهدة المشهورة التي أبرمها مع بيت المقدس عند فتحه، ومن المواقف التي رويت عنه أنه عند ذهابه إلى بلاد الشام مر بقوم تحت أشعة الشمس فقال ما شأن هؤلاء؟ فقيل له عقوبة لهم لعدم دفعهم الجزية، فجاء رده: هو وما يعتذرون به فدعوهم ولا تكلفونهم ما لا يطيقون ثم أمر بهم فخلى سبيلهم".

كما روي أنّ يهوديا دخل الإسلام بعد حادثة مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وتعد نموذجًا رائعًا للعدالة والإنصاف لأهل الذمة، وتتلخص الرواية في أن يهوديًا أخذ درع علي رضي الله عنه وتقاضيا هو وعلي أمام القاضي وبحكم دهاء اليهودي استطاع أن يقنع اليهودي القاضي وحكم لصالحه، فاندهش اليهودي مما رآه فكيف لقاض أن يحكم ضد ولي أمره مما دفع اليهودي الاعتراف بخطئه وكانت الحادثة سببًا لدخوله الإسلام.

وفي عالمنا اليوم نحن لا نفتقر لمثل هذه النماذج، وإنما نعايشها في يومياتنا ولكن نفتقر لوسائل يمكن أن تصحح الأفكار السائدة عن الدين الإسلامي في بعض المجتمعات، وظهرت هناك بعض المبادرات كالتقارير في بعض القنوات والصحف العالمية عن نماذج لمجتمعات التسامح والتعايش السلمي، وهنا أذكر مثالا على ذلك الطفل العماني الذي أدهش فريق التلفزيون الدنماركي في حديثه العفوي عن التسامح والتعايش السلمي في السلطنة.

ما ينقصنا اليوم هو الترويج لهذه النماذج عالميًا لتغيير النظرة السائدة لبعض الشعوب عن التعصب والإرهاب والعنصرية للدين الإسلامي.

كما أنّ من واجب الوسائل الإعلامية العالمية الإسلامية بث وترويج هذه الأفكار لكون الإعلام أداة وعامل للتأثير ونشر الأفكار.

أخبار ذات صلة