«الكوكب الفارغ»

Picture1.png

داريل بريكر وجون إيبيستون

محمد السماك

حذَّر "نادي روما" منذ السبعينيات من القرن الماضي من أنَّ الكرة الأرضية معرّضة لخطر الانفجار السكاني. ونادي روما هو مؤسسة دولية معنية بمراقبة تطورات الحياة الإنسانية والمخاطر التي تواجهها، وتقديم المقترحات للمحافظة على سلامة الإنسان والبيئة والحياة على الكرة الأرضية. وقد لاحظ "النادي" في دراسة شهيرة له أنه مع تضخم عدد شعوب العالم نتيجة لتحسن الرعايات الصحية والغذائية، فإنَّ القلق على مدى قدرة الكرة الأرضية على تحمّل أعباء وتبعات هذا التضخم يتضخم باستمرار.

غير أنَّ الصورة التي تقدمها الدراسات العلمية اليوم تشير إلى اتجاه عكسي لهذا التطور. فالخطر لم يعد من جراء تضخّم العدد، ولكن مصدر الخطر هو "شيخوخة" المجتمعات، وتراجع نسبة الولادات. والأمران معاً، كما يشير الكتاب، يشكلان مصدر قلق الإنسانية على المستقبل والمصير.

فقد حذر المؤلفان من أنه عندما تبدأ عملية تراجع عدد سكان الكرة الأرضية، والتي يقولان في دراستهما المعمقة أنها قد تبدأ بعد ثلاثة عقود من الآن، فإنَّ هذه العملية لن تتوقف أبداً .

من هنا يشكل هذا الكتاب جرس إنذار. والإنذار ينطلق من القراءة الخاطئة لحالة أهل الأرض. فقد قضت هيئات علمية ومؤسسات حكومية وجمعيات أهلية، سنوات طويلة تدرس وتحذر من الانفجار السكاني . غير أنَّ الأمر اليوم هو على العكس من ذلك تماماً، كما يؤكد المؤلفان؛ فالإنسانية تواجه خطر الانفجار السكاني.

ويبين المؤلفان مصدر الخطر بأن الشيخوخة المرتفعة في المجتمعات المتقدمة تعني تراجع نسبة اليد العاملة. وهذا بدوره يعني تراجع الإنتاج وتراجع النمو الاقتصادي، كما يعني تضخم ديون الدول وارتفاع نسبة التزاماتها لتغطية النفقات الاجتماعية. ثم إنه يعني اتساع هوة اللامساواة الاجتماعية وما يترتب عليها من انعكاسات سلبية ومن اضطرابات خطيرة.

ويستند المؤلفان في دراستهما المثيرة للقلق على أبحاث علمية أعلنت نتائجها في عدد من دول العالم في آسيا وأوروبة والأميركيتين . وتُجمع هذه الأبحاث على أن نسبة الخصوبة (الولادة) تتراجع بمعدلات مرتفعة وبسرعة يعجز العلماء عن تفسير أسبابها؛ ففي البرازيل والصين مثلاً، فإن نسبة النساء اللاتي قرّرن عدم الإنجاب (وليس تقليله أو تأخيره) ارتفعت بشكل مذهل.

ويؤكد المؤلفان في كتابهما أن نصف النساء في الصين قرّرن سلوك هذا الطريق !!

أما في اليابان وكوريا الجنوبية فإنَّ المرأة هناك قررت تأخير الإنجاب إلى ما بعد بلوغها الثلاثينيات من العمر. ويؤكدان أيضاً أنه حتى لدى الأميركيات المتحدرات من أصول أميركية جنوبية، فإنَّ نسبة الإنجاب لديهن تراجعت حتى عن نسبة الوفيات، وهو ما تواجهه الأميركيات المتحدرات من أصول أوروبية (بيضاء) أيضاً.

وفي الحسابات الأخيرة، يقول المؤلفان إن نسبة الولادات في العالم تتراجع، وإن هذا التراجع يتصاعد، بحيث يبدو وكأنه لا رجوع عنه .. من هنا السؤال: إلى أين؟

يحاول الكاتبان الإجابة على هذا السؤال من خلال إلقاء المزيد من الضوء على أسباب المشكلة الراهنة والتي تزداد تفاقماً مع الوقت. كما يحاولان إلقاء الضوء كذلك على المتسببين في وقوعها نتيجة للقرارات الخاطئة للنمو السكاني. ومن الذين يوجه الكاتبان الاتهام إليهم، دائرة الدراسات السكانية التابعة للأمم المتحدة. ويوضح الكاتبان ذلك بالقول:

إن التقديرات الأخيرة التي وضعتها هذه الدائرة عن الولايات المتحدة الأميركية تقول إن نسبة الخصوبة (بين عامي 2015 و 2020) هي 1,9 طفل لدى كل امرأة أميركية. غير أن الحقيقة كما تبينها الوقائع والإحصاءات الرسمية هي أن النسبة لا تزيد على 1,8 طفل لكل امرأة بين عام 2015 و 2018 .

وتشير الأرقام الأولية عن عام 2019 أن النسبة تتراجع حتى 1,7 طفل لكل امرأة.

ويؤكد المؤلفان أن هذا الأمر لا يتوقف على الولايات المتحدة فقط، ولذلك فإن الأرقام التي تقدمها الأمم المتحدة هي أرقام خاطئة أيضاً بالنسبة للعديد من الدول الأخرى في العالم، بما في ذلك الصين والهند والبرازيل.

والنتيجة التي يؤكد عليها المؤلفان هي أن الأرقام التي تُقدَم باسم الأمم المتحدة لا يمكن الاعتماد عليها؛ فالمستقبل يحمل في طياته مخاطر أكبر كثيراً من تلك التي تشير إليها الأرقام الدولية. وعدد سكان العالم نتيجة لذلك سوف يكون أقل مما تقوله الأمم المتحدة، والفرق لن يكون بضعة ملايين .. بل ربما بضعة مليارات.

من هنا جاء عنوان الكتاب: "الكوكب الفارغ" . فالصين مثلاً التي يتوقع أن يرتفع عدد سكانها إلى 1,44 مليار إنسان في عام 2029، سوف تدخل بعد ذلك مرحلة الهبوط الذي لا تراجع عنه، كما تؤكد أكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية ذاتها . ففي عام 2050 سيرتفع عدد الصينيين الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً إلى 330 مليوناً. أي ما يعادل تقريباً عدد سكان الولايات المتحدة اليوم. وهذا يعتبر المشكلة الأولى والأزمة الكبرى التي قد تنفجر في وجه الصين الغد!!

لقد كانت نسبة الولادات في الصين تبلغ 8 بالمائة في عام 2016، ولكنها هبطت إلى 3,5 بالمائة في العام التالي، وهي تواصل هبوطها حتى اليوم.

وتؤكد ما ذهب إليه المؤلفان في هذا الكتاب، الأرقام التالية :

  1. إن 28 بالمائة فقط من اليابانيين سوف يشكلون اليد العاملة في عام 2050. وهذا يعني أن 72 بالمائة من سكان اليابان سوف يكونون متقاعدين يعيشون على تعويضات نهاية الخدمة، والرعاية الصحية والاجتماعية، مما يشكل أعباء تعجز الدولة عن تحمّلها.
  2. في عام 2030 فإن 20 بالمائة من الأميركيين سيبلغون سن التقاعد. وهذه النسبة تزيد على نسبة الولادة. وهي ظاهرة سلبية لم يسبق لها مثيل في التاريخ الأميركي.
  3. إن نسبة الإنجاب لدى المرأة الأميركية في الوقت الحاضر لا تتجاوز 1،7 طفل. وهي في تراجع أيضاً. ولكن حتى يستقيم النمو السكاني، فإن نسبة الإنجاب يفترض أن ترتفع إلى 2,1 طفل لكل امرأة. إلا أن ذلك يبدو مستحيلاً بموجب الوقائع الحالية.
  4. تشجيعاً لرفع نسبة الإنجاب، قررت روسيا تقديم حوافز مالية وتمديد الإجازات للمرأة الحامل. وكذلك فعلت سنغافورة حيث نسبة الإنجاب هناك تنخفض إلى 1,16 طفل لكل امرأة.
  5. تتوقع الصين أن ترتفع فاتورة تعويضات نهاية الخدمة في عام 2020 إلى 130 مليار دولار. علماً بأنَّ الدين العام في الوقت الحاضر يبلغ ثلاثة أضعاف الناتج المحلي.
  6. إن سبعة من كل عشر نساء أمهات صينيات يعملن في المؤسسات والمصانع. وتساهم المرأة الصينية في 41 بالمائة من الإنتاج القومي، رغم أن نسبة النساء القادرات على الإنجاب انخفضت 7 ملايين امرأة في عام 2018، كما انخفضت نسبة الشابات منهن خمسة ملايين شابة في ذات الفترة.
  7. انخفضت نسبة الإنجاب في كوريا الجنوبية إلى 0,95 طفل لكل امرأة في العام . وحتى يستقيم الوضع يفترض أن ترتفع النسبة إلى 2,1 طفل لكل امرأة . إلا أن ذلك يبدو مستحيلاً .
  8. يبلغ عدد سكان اليابان اليوم 127 مليوناً، ولكنه سوف ينخفض في عام 2100 إلى 83 مليوناً فقط نتيجة التفاوت بين الوفيات والإنجاب . وفي هذا العام سوف ترتفع نسبة اليابانيين الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً إلى ثلث عدد السكان .
  9. يبلغ عدد الأيدي المؤهلة للعمل في الصين 900 مليون شخص ولكن عدد العاملين منهم وصل إلى 780 مليوناً .
  10. بلغ عدد الولادات في الصين في العام الماضي(2018)، 15,23 مليون طفل مقارنة مع 17,23 مليوناً في عام 2017 و 17،87 مليوناً في عام 2016 .

 

تبيّن هذه الأرقام كيف أنَّ المشكلة السكانية في العالم ليست في التضخم ولكن في التقزّم. وحدها القارة الأفريقية – ومعها العالم العربي من المحيط إلى الخليج- تخرج عن هذا السياق. فالدراسات تشير إلى أن القارة السمراء ستبقى الخط الأمامي للدفاع عن نظرية زيادة عدد سكان الكرة الأرضية؛ ذلك أنَّ آخر الدراسات تؤكد أن عدد الأفارقة سوف يصل في

عام 2019 إلى 9 مليارات إنسان. أي أكثر من عدد سكان الكرة الأرضية اليوم بمليار ونصف المليار! ولعل هذا ما يفسر الهجرة الأفريقية المتصاعدة .

من هنا، يدعو المؤلفان في كتابهما العلمي الموثق إلى إعادة النظر في مقاربة القضية الديموغرافية العالمية من توصيف المشكلة على أنها مشكلة زيادة إلى حقيقة المشكلة على أنها نقص في عدد السكان، وبالتالي إعادة النظر في المقترحات لمعالجة المشكلة السكانية بما يتلاءم مع هذه الحقيقة .

ومن المقترحات التي كانت متداولة، العمل على مساعدة المجتمعات المتأخرة على النمو والتطور . وقد نجح تطبيق هذه المقترحات في العديد من دول العالم وخاصة في آسيا وحتى في بعض الدول الأفريقية . إلا أن هذا النجاح يعني من جهة أخرى الاستغناء عن هجرة شباب من هذه الدول الفقيرة إلى الدول النامية. وتالياً حرمان الدول النامية التي سوف تعاني من الشيخوخة من اليد العاملة .

وتشكل الصين ذاتها مثلاً واضحاً. فالصينيون هاجروا إلى الولايات المتحدة وكندا في القرن التاسع عشر. وهم الذين عملوا على مد السكك الحديدية التي ربطت شرق البلدين الكبيرين بغربيهما. وكانت هجرتهم لأسباب اقتصادية. أما الآن فإن الصين تحتاج إلى كل يد عاملة لديها. بل إنها قد تفتقر إلى هذه اليد العاملة في المستقبل غير البعيد. وقد افتقرت إليها اليابان اليوم التي قررت ربما لأول مرة في التاريخ فتح أبواب الهجرة رغم ما يشكله ذلك من خطر على نسيجها الاجتماعي الدقيق جداً.

وهنا يحذر الكاتبان من أنه إذا فعلت الولايات المتحدة ذلك أيضاً وعلى نطاق واسع "فإنها تخسر أسس العظمة التي قامت عليها"، والتي يرفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب شعارها من جديد.

يبقى إقرار الحقيقة الهامة التالية، وهي أن تغطية النقص في عدد السكان المترتب عن انخفاض معدلات الولادة بفتح أبواب الهجرة، يحمل في طياته قنابل اجتماعية سريعة الانفجار. لا يبدو أن المجتمعات الدولية المختلفة مهيأة لاستيعاب مثل هذا التغيير أو أنها قادرة على سحب فتائل التفجير . إن دول العالم تترنح الآن تحت ضربات التراجع في عدد السكان. وهي ضربات موجعة اقتصادياً واجتماعياً . ولكن عدم معالجتها، أو معالجتها بطريقة خاطئة سوف يوجه ضربات أشد وجعاً إلى هذه الدول وأكثر إيلاماً.

--------------------------------------------------------------

اسم الكتاب : الكوكب الفارغ

اسم المؤلف : داريل بريكر Darrel Bricker

   وجون إيبيستون John Ibbiston

اسم الناشر : كراون Crown

عدد الصفحات : 288

اللغة: الإنجليزية

تاريخ النشر : 2019

أخبار ذات صلة