رُود كُوبمانس
عبدالرحمن السليمان *
ينتمي هذا الكتاب إلى سلسلة من الكتب تصدر تباعًا في الغرب منذ هجمات الحادي من سبتمبر على برجي التجارة العالمية في نيويورك سنة 2001، وزادت بعد أحداث الربيع العربي وصعود تنظيم داعش الإرهابي في العراق والشام. بعض هذه الكتب ينطلق من رؤية كتاب صدام الحضارات للأمريكي صامويل هنتنجتون، فلا يرى كتابها في الإسلام شيئًا إيجابيًا ويعتبرونه العدو الحقيقي للحضارة الغربية. وبعضها الآخر ينطلق كتابه من رؤية نقدية لما يجري في العالم الإسلامي ويحاولون تفسير ما بات يُسمى في الغرب بـ "أزمة العالم الإسلامي" تفسيرًا علميًا. يحاول كاتب هذا الكتاب، وهو أستاذ هولندي يدرّس علم الاجتماع والهجرة في جامعة هومبولدت في ألمانيا، أن ينتمي إلى الفريق الثاني. لكن القراءة الفاحصة لكتابه تجعله في صف كتاب مثل برنارد لويس، وصامويل هنتنجتون والألماني من أصل سوري بساّم الطيبي وأشباههم من الكتاب الذين يرون أن مشكلة العالم الإسلامي تكمن في الإسلام وذلك على الرغم من اختلاف أصولهم ومرجعياتهم الدينية والفكرية.
يتألف الكتاب من مقدمة وسبعة فصول يربطها حبل عريض – إن صح التعبير – حِيك حول السؤال التالي: لماذا تأخر العالم الإسلامي عن اللحاق بركب التقدم الاقتصادي والديموقراطية وحقوق الإنسان؟ ويتفرع عن هذه السؤال الرئيس أسئلة عديدة طرحها الكاتب في ثنايا كتابه تتعلق بالتطرف ووضع الأقليات الدينية في العالم الإسلامي ووضع المرأة والحروب المذهبية.
ينصص الكاتب في مقدمة كتابه على أنه يميز بدقة بين نقد الإسلام بصفته دينيًا عالميًا، وبين رِهاب الإسلام، وأنه لا يعاني من رهاب الإسلام. ولتأكيد ذلك يخصص الكاتب الفصل الأول من كتابه للحديث عن الحضارة العربية – الإسلامية وفترات ازدهارها. "ففي الوقت الذي كانت أوروبا بعد سقوط الدولة الرومانية تتراجع فيه إلى الخلف، كان العالم الإسلامي يزدهر ويتقدم إلى الأمام بسرعة فائقة". ويركز الكاتب في هذا الفصل على ازدهار العلوم الإسلامية وحركية الدين الإسلامي الذي بنى دولة مترامية الأطراف في أقل من مائة سنة بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. "ففي سنة 1492 سقطت غرناطة – آخر معاقل الإسلام في الغرب – ولكن في الوقت نفسه كان الأتراك العثمانيون يبنون قوة حقيقية في العالم الإسلامي مكنتهم من فتح القسطنطينية، ثاني أهم مدينة في العالم المسيحي بعد روما". ففي الوقت الذي خرج الإسلام فيه مهزومًا من أوروبا الغربية، "دخلها من شرق أوروبا منتصرًا وضم إليه أراضي كثيرة في البلقان وحاصر فيننا مرتين (سنة 1529 وسنة 1683)".
بعد استعراضه السريع للحضارة العربية – الإسلامية وحركية الدين الإسلامي، يقفز الكاتب عدة قرون في الزمن وينطلق في تحليله من السنة 1979 التي يرى أن أحداثًا كبيرة وقعت فيها أدت إلى نشوء تيار إسلامي محافظ أدى بدوره إلى التطرف وتراجع الحريات العامة في العالم الإسلامي. فالكاتب يتحدث باستمرار عن العالم الإسلامي أو "دار الإسلام" مع التركيز الدؤوب، من أول الكتاب إلى آخره، على العناصر المشتركة بين المسلمين، ويضع "دار الإسلام" مقابل "دار الحرب" أو العالم الغربي المتطور علميًا وتكنولوجيًا. وهنا يقع الكاتب في شرك التعميم لأنه ساوى بين الدول الإسلامية في التعميم وجعل الدول الإسلامية المتطورة اقتصاديًا كدول الخليج وماليزيا وإندونيسيا وتركيا في الحكم مثل أفغانستان والعراق وبنغلاديش التي تعاني من اضطرابات سياسية مزمنة أدت إلى عدم استقرارها وبالتالي إلى تخلفها اقتصاديًا واجتماعيًا.
يجعل الكاتب سنة 1979 "بداية للحالة التي أوصلت العالم الإسلامي إلى ما هو عليه الآن"، ويقصد بتعميمه هذا ما يجري في العراق والشام واليمن وليبيا منذ بداية الربيع العربي حتى اليوم. ويذكر الثورة الإيرانية وأحداث الحرم الشريف والحرب الأفغانية ويعتبرها أحداثًا وقعت كلها سنة 1979 وكانت بمثابة الأسباب بل المسببات التي مهدت الطريق لأحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر ثم لنشوء تنظيم القاعدة وتنظيم داعش والأحداث الدراماتيكية المرتبطة بهما في سوريا والعراق وخارجهما. ويرى الكاتب أن احتلال الاتحاد السوفييتي السابق لأفغانستان لتثبت أركان الحكم الشيوعي الأفغاني فيها، "ودعم السعودية وباكستان وأمريكا للثوار الأفغان" الذين أخرجوا السوفييت من أفغانستان بعد عشر سنوات من القتال، مسؤولان عن انتشار الفكر الجهادي السلفي. لكن الكاتب يجعل المشكلة كلها على عاتق ما يصر على تسميته بـ "العالم الإسلامي"، ويركز في ذلك على إيران وباكستان والسعودية، ويتجاهل كليًا دور القوى العظمى في الحرب الأفغانية، ويخلي مسؤوليتها كليًا مما يجري فيها. وهذا أول تناقض للكاتب مع تصريحه في مقدمته حول التزامه بالموضوعية.
ثم يتساءل الكاتب: "من هو الأصولي"؟ ويجيب: "إن الأصولية الدينية ليست حكرًا على الإسلام، بل نشأت في أوساط البروتستانت في أمريكا بداية القرن الماضي ردةَ فعل على التيارات الليبرالية داخل الكنيسة" وكذلك على الثورة الصناعية المتسارعة آنذاك. ثم يقدم تعريفًا مسهبًا مستمدًا من علم الاجتماع الديني مفاده أن الأصولية الدينية هي "الإيمان بمجموعة من التعاليم الدينية على أنها الحقيقة الإلهية المعصومة والمطلقة حول الإنسانية والعالم" واعتبار ما يتعارض معها شرًا كله ينبغي محاربته. ثم يقرر بأن ليس كل مؤمن معتقد بدين ما أصوليًا، "فالأصوليون ضد المؤمنين التقليديين أو المؤمنين العاديين"، لأنهم – أي الأصوليين – "يرفضون كل العناصر الدينية التي لا تنتمي إلى الدين الصافي بصورته الأولى" كما يرونه هم. ولكنه، وبعد أن ذكر بصريح العبارة أن الفكر الأصولي في الأصل مسيحي النشأة وأن اليهودية وكل الديانات تعرف تيارات أصولية، أخذ يشككك في جدوى توظيف هذا المصطلح لتوصيف التيارات الأصولية الإسلامية رغم استشهاده بإدوارد سعيد "الذي يؤكد على أن الأصولية ذات ارتباط وثيق بالمسيحية واليهودية والهندوسية". ثم يستحضر الكاتب – للرد على الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد – كلامًا للمستشرق البريطاني الأمريكي اليهودي برنارد لويس الذي يلتقي مع إدوارد سعيد في رفضه لتوظيف مصطلح الأصولية لتوصيف الحركات الإسلامية الأصولية ولكن لأسباب مختلفة عن أسباب إدوارد سعيد. إذ يرى برنارد لويس أن الحركة الأصولية نشأت ردةَ فعل على التيارات الليبرالية داخل الكنيسة وعلى أصحاب الطرح النقدي داخل المسيحية، بينما لا يعرف الإسلام تيارات ليبرالية ولا أصحاب طرح نقدي! يقول: "لا نجد عند علماء الإسلام مقاربة ليبرالية حداثية للقرآن. وعليه فإن جميع المسلمين – على الأقل فيما يتعلق بموقفهم من النص القرآني ونظرتهم إليه – أصوليون"! وهذه هي النقطة الثانية التي يناقض الكاتب نفسه فيها، فلقد انتقل من التقرير بأن الأصولية تيار مخصوص بالديانات وأن ليس كل مسلم أصوليًا ليتمترس أخيرًا خلف مستشرق معروف بموقفه السلبي من الإسلام ويعتبر أن جميع المسلمين أصوليون، ويخلص إلى التلميح الذي يقترب من التصريح بـأن الأصولية والتطرف مرادفان للدين الإسلامي.
ثم يعزو الكاتب في فصل آخر تأخر العالم الإسلامي عن اللحاق بركب الديموقراطية إلى انتشار الإسلام الأصولي والمتطرف في بداية الثمانينيات، وذلك دون أن يتساءل على أسباب انتشار الإسلام المتطرف ومن أهمها التدخلات الخارجية في العالم الإسلامي لأسباب اقتصادية وسياسية في المقام الأول. وفي الحقيقة يقدم الكاتب بعزوه هذا نصف الحقيقة لقراء كتابه. فهو من جهة يجعل الإسلام الأصولي مرادفًا للدين الإسلامي كما مر معنا، مما يعني أنه ينسب تأخر العالم الإسلامي عن اللحاق بركب الديموقراطية إلى الدين الإسلامي نفسه، وليس إلى الإسلام الأصولي المتطرف الذي نشأ بعد سنة 1979. ومن جهة أخرى يغض الكاتب الطرف بل يتجاهل كليًا توظيف الدين الإسلامي لتحقيق مآرب سياسة، مما أدى إلى تدهور أوضاع المرأة والأقليّات الدينيّة وإلى الحد من الحريات بشكل عام. كما أن تعميمه في جعله الإسلام سببًا في تأخر العالم الإسلامي عن اللحاق بركب الديموقراطية يفتقر إلى الدقة والموضوعية وحتى المصداقية، فهو يتجاهل حقيقة أن حكمه ينطبق أولاً وقُبُلاً على الجمهوريات العربية العلمانية التي أقصت الدين من حياتها الاجتماعية إقصاءً تامًا، وليس على الدول العربية ذات الأنظمة الملكية والطابع الإسلامي التقليدي. كما يتجاهل التجارب الديموقراطية في الدول التي تعرف تداول السلطة بالاحتكام للشورى (سلطنة عمان أنموذجًا) أو لصندوق الاقتراع (تونس وتركيا أنموذجًا) أو لتوريث الملك بطريقة سلسلة (المغرب والسعودية أنموذجًا). أما حكمه على العالم الإسلامي – بالتعميم من جديد – بالتخلف الاقتصادي فيكذبه الواقع القائم منذ عقود في الدول الخليجية وتركيا وماليزيا وإندونيسيا وغيرها. ثم يعزو الكاتب "التخلف الاقتصادي في العالم الإسلامي" إلى نظام الإرث في الإسلام الذي يعتبره أعدل من نظام الإرث في الغرب المسيحي الذي كان يجعل الإرث كله للابن البكر ويحرم الإخوة والأخوات من تركة الأب. ومع ذلك فيفضل نظام الإرث الغربي "لأن تراكم الثروة بيد شخص واحد أدى إلى نشوء تجمعات اقتصادية مهدت للثورة الصناعية، بينما يبدد نظام الإرث الإسلامي ثروة الهالك بتوزيعها على أطراف كثيرة" خصوصًا إذا كان للمتوفى زوجات وأبناء كثيرون. وفي الحقيقة إن الكاتب يتجاهل في كتابه التنوع الاثني والثقافي والفكري والمذهبي والسياسي الكبير في العالم الإسلامي ويصر على جعله كتلة واحدة يقارنها تارة بالشيوعية وتارة بالأنظمة الشمولية. بل إن التحيز في الطرح جعله يعتبر "نظرة المسلمين المحافظين للدور الاجتماعي للجنسيَن مثل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا"!
وقد أكثر الكاتب في كتابه من الإحصاءات المتعلقة بعدد ضحايا تنظيم القاعدة وداعش الإرهابيين، فتراه يعدهم في كل دولة ابتداء من أحداث الحادي عشر من سبتمبر حتى اليوم، دون أن يأتي على ذكر ضحايا الاستعمار الغربي والمآسي التي تسبب بها في المستعمرات الآسيوية والإفريقية والأمريكية الجنوبية. كما تجاهل في كتابه الحروب الكثيرة وأهمها الحربان العالميتان اللتان خلفتا أكثر من مائتي مليون قتيل مباشرة بسبب الحرب أو نتيجة للحرب كالإنفلونزا الإسبانية. وقد قامت الحرب العالمية الثانية على أسباب إيديولوجية وعنصرية تسببت في مآسٍ كثيرة منها تحريق اليهود والغجر وغيرهم من الشعوب بالغاز لا لشيء إلا لخلفيتهم الدينية أو الإثنية. هذا كله لم يخصه الكاتب، عالم الاجتماع، بشيء ولم يذكر تبعاته على الدول الإسلامية التي رزحت تحت الاستعمار الغربي لعقود كثيرة، بل اكتفى بتحميلها أسباب تخلفها بجرة قلم. واكتفى، عند حديثه عن العراق الذي نشأ تنظيم داعش فيه وعرف حربًا مذهبية طاحنة بالقول "إن التدخل الأجنبي فيه لم يساهم في تحسين الأوضاع فيه". وهو عندما قرر أن الغزو الأمريكي أدى إلى ضرب سمعة الولايات المتّحدة الأمريكيّة ومصداقيتها في العالم فإنه في الوقت نفسه لا يذكر شيئًا عن ضحايا هذا الغزو الذين ناهز عددهم مليون قتيل. وقد أشار الكثيرون من الكتاب الغربيين والشرقيين إلى المسؤولية المباشرة للغزو السوفييتي لأفغانستان والغزو الأمريكي للعراق في خلق الظاهرة الجهادية وإذكاء أوارها، ذلك أن التيارات السلفية الجهادية وما نجم عنها من طالبان وقاعدة وداعش ما كان لها أن تنشأ لولا الحروب التي شهدتها كلٌّ من أفغانستان والعراق.
ثم يتوقف الكاتب في فصل آخر عند الجاليات الإسلامية في الغرب الذين يقدر عددهم بحوالي أربعين مليون مسلم. يقدم الكاتب لفصله هذا بالقول "إن الهجرة من البلاد الإسلامية إلى أوربا وأمريكا وأستراليا قد أثرت المجتمعات الغربية بعدد كبير من الأفراد الموهوبين والمبدعين". ثم يسمي منهم عددًا من الناجحين في مجال الفن والرياضة والسياسة "بالإضافة إلى الآلاف من العمال واللاجئين الذين يعملون بتفانٍ وإخلاص فيحسنون ظروفهم الحياتية من جهة ويساهمون في بناء مجتمعاتهم الجديدة" وتقدمها من جهة أخرى. ويضيف: "إن سرد الأسماء الناجحة منهم يحتاج إلى أوراق أكثر من أوراق هذا الكتاب". في الوقت نفسه يرى الكاتب أن المهاجرين من البلدان الإسلامية جلبوا بعض مشاكل تلك البلدان الإسلامية معهم، ويعتبر "الطرح الذي يعزو مشاكل التأخر في الاندماج والتطرف الديني ومعاداة السامية وكره المثليين إلى التمييز الاجتماعي بدلاً من عزوها إلى الدين الإسلامي" طرحًا ساذجًا. وهنا يقحم الكاتب مصطلح معاداة السامية – أي كره اليهود – في الحديث بدون أيّ مبرر له. فعلى الرغم من بعض الحالات التي وقعت في أوروبا والتي اعتدى فيها شبان مسلمون على يهود، فإن هذه الحالات فردية وليست تمثل تيارًا منتشرًا بين المسلمين. بل إنها لا تساوي – كميًا – شيئًا مقابل اعتداءات اليمين المتطرف على اليهود وعلى مقابرهم التي تتعرض من وقت لآخر للتخريب والتدنيس الممنهجين. فالكاتب لا يذكر اليمين المتطرف هنا ويصور الأمر وكأن الموجة الجديدة من معاداة اليهود سببها الشباب المسلم الذي يتعاطف مع القضية الفلسطينية كما يتعاطف أكثر يهود الغرب مع إسرائيل. وبدلاً من ذلك يركز الكاتب على ما يعتبره مشاكل المسلمين الداخلية ويجد فيها انعكاسًا لمشاكل "العالم الإسلامي". ثم يعزو تلك المشاكل التي ذكرها في كتابه إلى الإسلام الذي "أصبح يسيطر عليه المتشددون" كما ذكر أكثر من مرة في محاولة لترسيخ ذلك في ذهن القارئ. وللأسف الشديد فإن التعميم ينسف كل مرة محاولة الكاتب لأن يكون موضوعيًا في طرحه. وفي آخر هذا الفصل يتوقف الكاتب عند نتائج بحث أجراه مع زملاء له في ست دول أوربية حول نسبة مشاركة المرأة المسلمة في سوق العمل. كانت النتيجة كما يلي: "تنشط 60% من النساء غير المحجبات في سوق العمل مقابل 45% من النساء المحجبات". ويستنتج من ذلك بأن أكثر من نصف النساء المحجبات يفضلن البقاء في المنزل للاعتناء بالأسرة وتربية الأطفال بدلاً من المشاركة في سوق العمل. ويرى الكاتب أن من نتائج ذلك، في مجتمعات غربية تعمل فيها الرجل والمرأة معًا لتحصيل مستوى معيشي جيد يمكنهما من الاستثمار في تعليم الأبناء وتطوير مواهبهم، أن حوالي نصف الأسر المسلمة لا تستطيع الاستثمار بما فيه الكفاية في تعليم أبنائها وتطوير مواهبهم. وهذا حكم قد يصح في سياقات ولكنه لا يصح في سياقات أخرى.
ثم يختم الكاتب فصله المتعلق باندماج المسلمين في الغرب بالقول إن القناعات الإسلامية المتعلقة بالعلاقة بين الرجل والمرأة مشكلة إسلامية داخلية لا تؤثر على المجتمع بشكل عام. "لكن الأمر يصبح مختلفًا عندما يتعلق الأمر بقناعات وسلوكيات تصطدم مع المبادئ الأساسية للمجتمع المنفتح وتريد أن تحد من حرية الآخرين بواسطة العنف". ويرى أن هذا العنف "مُمَأسَس قانونيًا في دول إسلامية كثيرة عندما يتعلق الأمر بالتجديف والردة والمثلية أو الجنس خارج إطار الزواج". ثم يصرح الكاتب بأن السواد الأعظم من المهاجرين المسلمين وأبناء الجيل الثاني والجيل الثالث والجيل الرابع في الغرب يتعايشون بسلام تام مع سائر أطياف المجتمع، "لكن جزءًا صغيرًا منهم لم يتخل عن التطرف الديني والعنف ضد الأقليات المنتشرين في دولهم الأصلية [كذا]. يمارس هذا الجزء العنف ضد اليهود وضد المثليين وضد النساء". وهذا حكم ظالم لأنه يجعل من عمليات فردية شاذة قاعدة يعممها على جزء من الجاليات الإسلامية في الغرب.
الكتاب ينتمي إلى سلسلة من الكتب التي تنطلق من رؤية نقدية للإسلام مغلفة بإطار موضوعي لكن سرعان ما تنحرف عن منطلقها لتستحيل إدانة ظالمة لدين لا يكاد يرى أصحاب تلك الرؤية فيه شيئًا إيجابيًا. وقد لا نبالغ إذا قلنا إن هذا الكتاب يحتوي على جميع الأحكام المسبقة عن الإسلام التي تراكمت في الغرب منذ 1979، وذلك دون إنكار مسؤوليتنا نحن المسلمين عن قسط من المشاكل التي نعاني منها في العالم الإسلامي، وأهمها التطرف الديني والطائفية وتسييس الدين.
--------------------------------------------------------------------
الكتاب:
العنوان: دار الإسلام المتهاوية. حول أزمة العالم الإسلامي
الكاتب: رُود كُوبمانس (Ruud Koopmans)
الناشر: دار بروميثيوس – أمستردام، هولندا
اللغة: الهولندية
عدد الصفحات: 279 صفحة
سنة النشر: 2019
* عبدالرحمن السليمان
أستاذ الترجمة في جامعة لوفان في بلجيكا.
