«آدم وإدريس ونوح وأيوب: الخلق المبكر للكتاب المقدس والقرآن من خلال رؤية يهودية وإسلامية»

لمحمد مرتظى

رضوان ضاوي*

تخلو الكتابات الأكاديمية من الحوار الديني في المجال الناطق باللغة الألمانية، من إحالات على قصص الأنبياء في القرآن وفي التوراة. هذا في الوقت الذي كثيراً ما تتخذ قصص الأنبياء في التوراة والقرآن من الحوار موضوعاً أساسيًّا لها: بين الأنبياء والله، بين الأنبياء وشعوبهم، وبين الأنبياء والشيطان.

وعليه، اخترتُ قراءة كتاب "آدم، إدريس، نوح، أيوب: الخلق المبكر للكتاب المقدس وللقرآن من خلال رؤية يهودية وإسلامية" لمحمد سمير مرتظى، الذي صدر سنة 2017؛ بهدف تحيين فهم الإشكالات الدينية التي ظل الباحث مرتظى يطرحها في جل كتاباته، وهي إشكالات الحوار بين الأديان.. وفي هذا الكتاب يقدم المؤلف محمد سمير مرتظى امتدادا لمشروع فلسفي أساسه في كتابيه "الإسلام.. مدخل فلسفي"، و"الفلسفة الوجودية الإسلامية.. قراءة محمد إقبال نتشاويا".

فمن خلال الربط بين عرض الإسلام فلسفيًّا بشكل رصين، من خلال القرآن والسنة، ثم فحص تأثير هذه الرسالة الدينية على الفرد، سيكون الهدف من هذا الكتاب هو إعادة التفكير من جديد في علاقة الله -الإنسان من خلال قصص الأنبياء: آدم، إدريس، نوح وأيوب كما وردت في التوراة وفي القرآن.

يعتبر الأنبياء نموذجاً نتعلم منهم الطريقة الصحيحة للتعامل والتصرف، لأنهم يحملون رسالة تدعو للتحلي بالأخلاق الفاضلة. ومن هنا، يمكن أن ألخص أهداف هذا الكتاب كما يلي: رواية قصص الأنبياء بأمانة، كما وردت في التوراة وفي القرآن والتعامل مع قصص الأنبياء؛ باعتبارها قصصا عن البشر الذين منحهم الله تجربة غير عادية وقبلوا هذا التحدي من خلال تبليغ الرسالة.

والغرض من معالجة قصص القرآن في التوراة ومقارنتها بمثيلتها في القرآن الكريم، هو التطرق إلى البعد اليهودي من أجل تقوية فكرة الجماعة الإبراهيمية التي ينتمي إليها المسلمون واليهود والمسيحيون. فمن خلال مسلك الفهم المتبادل والأخلاق المشتركة، والملاحظة الإسلامية واليهودية لنفس القصص يكتسب القارئ نفس التجارب مثل الكاتب عنها: أي الحصول على الفهم العميق والتفكير باهتمام وبدقة في الجذور الدينية المشتركة.

فحين ندرك ما يحدث في الشرق الأوسط على أنه صراع بين معادين للسامية من جهة، ومعادين للدين الإسلامي من جهة أخرى، ندرك مدى انتشار الكراهية والعداء بين أتباع هاتين الديانتين. بالمقابل توجد أصوات يهودية ومسلمة ناقدة للتشدد اليهودي والإسلامي، وهم الحاملون للأمل، فلا ينسبون تصرفات الصهيونية العالمية للديانة اليهودية، كما أنهم لا ينسبون تصرفات المتشددين الإسلاميين للإسلام؛ وعلى هذا الأساس يمكن أن تعتمد رسالة الصلح الدينية.

والكتاب ينطلق من وجود وحدة حوارية-ثقافية يهودية إسلامية كمُسَلَمة، بالرغم من أن أتباع هاتين الديانتين لا ينتبهون لها. وقد ركز الفكر اليهودي والإسلامي منذ النشأة على أخلاق المسؤولية. ودعا القرآن إلى الإيمان بمن سبق من الرسل والأنبياء، كما أن سفر التثنية يقول: "عليكم أن تؤمنوا بالغرباء، لأنكم كنتم أيضا غرباء في بلاد مصر".

يقول المؤلف إن الديانتين الإسلامية واليهودية لديهما تحد كبير وهو البحث عن الحوار المشترك بينهما، وما يربط بينهما من قناعات إنسانية مشتركة، يسهمان في تحقيق السلام في عصر الصراعات بين الديانات الموحدة. ومن المهم جدا أن يستند المسلمون واليهود في سلوكهم وفكرهم على الأخلاق والقيم المشتركة التي نجدها في القصص المشتركة في التوراة والقرآن.

ويعتبر آدم في التوراة وفي الإسلام أبا الخلق، وأبا البشر، وأول الأنبياء. وترجع بدايات تاريخ الإيمان في الديانات الإبراهيمية بآدم، كما تنتمي قصة آدم إلى القيمة الثقافية للتوحيد الإبراهيمي. وقصة آدم ليست قصة تاريخية عن بداية البشرية، ولكنها تمثل الفترة البشرية المبكرة. وتتشابه الروايتان في التوراة والقرآن الكريم في الكثير من التفاصيل، رغم أن الأحبار أضافوا تفاصيل من عندهم حسب فهمهم، وهذه التفاسير والتكميلات تسمى المدراش. ويظهر في الحوار بين الله والملائكة اهتمام كبير بالبشر، ففي هزيمتهم أمام الله وأمام آدم تكريم للإنسان؛ فالكرامة هي لكل البشر ولا يهم جنسه أو دينه أو أصله أو وضعه الاجتماعي حسب مبدأ المفكر الإسلامي محمد إقبال: "لا أحد أفضل منك، لكن أنت لست أفضل من الآخرين".

لقد بشَّر الله في التوراة وفي القرآن بكرامة الإنسان المصانة والمحفوظة. إنها قيمة حتمية مرتبطة بالوجود الإنساني. إنها تتجذر في الربط الوجودي للإنسان مع الله، ولها علاقة كبيرة مع صفات الإنسان التي تميزه عن باقي المخلوقات، وتجعله قادرا على قيامه بدوره باعتباره محافظا على الأرض وخليفة الله عليها. يقول محمد إقبال في أبيات له: "خلق الله العالم/الإنسان جمله/ اعترف-ربما- بأن الله هو شريكه".

وتكمن أهمية كتاب "آدم، إدريس، نوح، أيوب: الخلق المبكر للكتاب المقدس وللقرآن من خلال رؤية يهودية وإسلامية" لمحمد سمير مرتظى، في أنه يقدم قراءة جديدة في سياق النقاشات الراهنة حول علاقة دور النصوص الدينية اليهودية والإسلامية ورؤى العالم في قصص الأنبياء. فانطلاقا من مبدأ "اذهب وتعلم" تجتمع اليهودية والإسلام على قواعد مشتركة نتعرف عليها في قصة آدم التي تعلمنا بأن الإنسان لا يحق له فعل كل شيء يريده، ووظيفته هي: "الحفاظ على الأرض".

فقصة آدم هي قصة تعليمية عن التجربة الأصلية المبكرة للإنسان وعلاقته بالله، وأن لكل فعل جزاء، وبأن الإنسان يتحمل مسؤولية فعالة حسب تفسير عالم الدين باول مايبيرغر" (Paul Maiberger)، لا يحق للإنسان القيام بكل شيء يريد القيام به، وليس كل شيء قابل للقيام به، مسموح به".

أما وصف الشر في قصة آدم في القرآن الكريم ارتبطت بخلق إبليس، الذي يقوم بتصرفات وسلوكات شريرة، كما ارتبطت بسؤال الله البلاغي عما إذا كان إبليس يعتبر نفسه الأفضل، وجواب إبليس بالإيجاب يوضح خطر الشر الذي يتنافى مع التعاليم التي أرساها القرآن الكريم، كما يعكس أنانيته وتكبره وتفاهته على ما أنعم الله عليه. ولم ينظر إلى مدى ارتباط خلق آدم بالله، لكنه نظر إلى أن الله ميزه عن بني آدم عندما خلقه من نار.

هنا.. يتجذر الشر في الكبرياء، وفي عدم الاحترام للكرامة الإنسانية، وهذا ما يتميز به اليوم تيار "العداء للسامية" و"العداء للإسلام"، اللذان مهما تغلفا بالطابع الديني أو السياسي، وعليه كلا التيارين يمثل ذلك الشر الذي وصفه القرآن ووصفته التوراة.

ودورنا نحن المسلمين بالدرجة الأولى الوقوف ضد هذا العداء للبشرية ونشر رسالة الوحي الرائعة عن الكرامة البشرية. وبخصوص الشر، تقول اليهودية إنه ضروري؛ لأنه يمنح البشر إمكانية الاختيار لكي يتحمل البشر مسؤولية تصرفاتهم، وهو نفس التصور الذي يقدمه الإسلام عن الاختيار الحر. فقد أصبح الاختيار مبدأ الحياة الخلاقة وجزءا ينتمي إلى وجودنا. ورغم وجود اختلافات في قصة آدم بين التوراة والقرآن إلا أن هناك مجموعة من التوافقات نذكر من بينها:

- الحديث عن الخلق والسؤال عن ماهية الإنسان وما علاقته بالله، وبباقي البشر.

- التوراة كما القرآن لهما منذ البداية أفق كوني: التوحيد والبشرية.

-عدم المساس بكرامة الإنسان.. فكل مؤمن بالله يجب أن يشعر بالمسؤولية وبالواجب: وهو ما يفرض احترام كرامة الإنسان الآخر والحفاظ عليها

- الإنسان يتحمل حريته بكل مسؤولية؛ في فعل الخير أو الشر.

-أساس الشر وجذوره هي التكبر، واحتقار الآخر، والأنانية التي يجب تجنبها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تقرير المصير وتحقق الذات هي شرعية ما دامت لا تؤدي إلى خرق المسؤولية. إنها أخلاق مشتركة تمكن المسلمين واليهود من بناء جسر في حاضرنا الدامي.

ويقول الغزالي إن الإنسان لا يمكنه إخفاء الوجه العنيف في شخصيته؛ فهي جزء من تكوينه النفسي والخلقي: "لكن بواسطة التربية والضبط الذاتي يتم كبحها". وقد اعترف إبليس بعداوته للبشر من خلال وعيده للإنسان وتكبره حين رفض تكريم الإنسان، وواجه محبة الله بالعنف والتهديد. إنه خطر "الأنا" على البشر حين تعلن عن المعصية والتمرد.

إذن؛ فهم الذات عند إبليس لا ينبع من محبة الله، بل من "أناه" الشريرة والطامعة في التميز والترفع على الخالق والخلق، علماً أنه من خلال الخضوع الفعال لله أو من أجل إيجاد السلام يحد الإنسان من "أناه" فيحصل على المعرفة الدقيقة عن نفسه أو حسب اللغة الشعرية عند إقبال: "إن قتل الشيطان هو كفاح صعب؛ لأنه يختبأ في القلب الأكثر عمقا، الأفضل هو، أن نجعله مسلما، ونقتله بسيف القرآن" (إقبال 1977).

إن ممارسة العنف تشعر الفاعل بأنه متحرر من المراقبة الذاتية ومن مراجعة الذات؛ فممارسة العنف تعني له القوة الذاتية، والانطلاقة اللامحدودة التي تجد تعبيرها في تحطيم الأجسام الأخرى بدون نقد ذاتي.

ويعتقد الكاتب محمد سمير مرتظى أن عبارة ابن آدم المسالم هابيل كان ملحاً في إقناع الممارس للعنف بأنه يظلمه. إنها الثورة السلمية الفعالة ضد العنف. فالابن المسالم لا يريد تحطيم أخيه، وإنما غرضه هو أن يشعره بالخجل. وعليه يتوجب على المؤمن مقابلة الكراهية التي تواجهه بالحب وفعل الخير. ففي اليهودية القاتل لم يرَ من قبل قتيلاً ميتاً. ولهذا كان الحوار بين القاتل والله؛ وهو حوار يسأل فيه الله قابيل عن أخيه.

وفي سؤال الله لقابيل عن أخيه "أين هو أخوك؟" دعوة إلى الحوار لكي يعترف القاتل بذنبه. لهذا؛ ففي النسخة الإنجيلية لم يكن التركيز على هابيل وتبريره لماذا لم يقابل تهديدات قابيل بالعنف، وإنما كان التركيز على أن الله بحث عن الحوار مع القاتل، وهو ما يعكس دلالة قوية على أن الله مستعد لقبول توبة إنسان ضال. فلا إنسان يبقى للأبد حاملاً لجريمة قابيل. وجواب قابيل عن السؤال بسؤال استنكاري: "هل أنا حارس غير مقبول. يُفترض في المؤمنين الحفاظ على بعضهم البعض. ففي كل الديانات: السامية، اليهودية، والمسيحية، والإسلام، هناك اتفاق مشترك على حب الخير للآخرين وهو سلوك واقعي وملموس. بناء على ذلك يكون ابن آدم المسالم مثالاً يجب أن يحتذي به اليهود، والمسلمون، كواجب من أجل تثبيت عقيدة وثقافة السلم واللاعنف، فهو نموذج لكل البشر. وعليه في هذه القصة يتعلم المؤمنون الحكمة.

لكن من المؤسف حقاً أن نلمس في الديانات الإبراهيمية تغيبا واضحا لهذه الحكمة؛ مما أدى إلى نشوب حروب دموية بدلا من البحث عن مسالك جديدة لحل الصراعات. لهذا كان من الضروري إعادة النظر في حياتنا والاقتداء بهذه الحكمة الإلهية التي نشأت مع ميلاد بني آدم؛ فحياة الإنسان مقدسة، وهي قيمة مشتركة بين اليهودية والإسلام، وكل من يحتقر حياة إنسان آخر لا يتصرف فقط ضد الله، بل يحصر نفسه في تقليد قابيل.

بناء على ما تقدم تنطلق فصول الكتاب من موقف مسبق يتبنى قاعدة "لا يوجد سلام بين الأمم بدون سلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان دون حوار بين الأديان، ولا حوار بين الأديان دون أبحاث تأسيسية في الأديان". وعليه؛ يرى الكاتب محمد سمير مرتظى على الخصوص البحث والحوار بين اليهودية والإسلام، أي بين اليهود والمسلمين، لهما أهمية كبيرة، خاصة دون التطرق الصريح للصراعات الراهنة بين أتباع الديانتين.

لهذا؛ يجب علينا التخلي اليوم عن التركيز القصير النظر على العلاقات المسيحية-اليهودية، وعلينا عرض التحدي الحقيقي في القرن 21 وهو: "الحوار الإسلامي اليهودي". فبدون حوار مسالم لا يمكن أن يكون في هذا العالم سلام. لأن المكان الذي يتم فيه الحوار، تصمت فيه الأسلحة، والمكان الذي يتم فيه البحث عن المشترك، يسود فيه الهدوء، ومن يقود حوارا ويظهر قوة وصبرا في الاستماع، يكون قادرا على فهم الآخر. وعليه الحوار هو مؤسسة من خلاله وفيه نأتي إلى عالم كوني يضمن لنا العيش المشترك، والأديان هدفها الأسمى هو العمل على خلق عالم مثالي.

لينتقل بنا الكاتب إلى الحديث عن العلاقة الفريدة بين إدريس والله وكيف رفعه إليه. ففي الديانة اليهودية يعد إدريس نموذجا للمعرفة الربانية والعطاء في كل الأزمنة. حيث يرى اليهود في إدريس معلما للبشرية وكاتبا للحضارة. وكان منسجما بطريقة فريدة مع رغبة الله وإرادته. إن أول واجب لإدريس التوراتي هو تربية الناس على السلام وعلى اللاعنف، لكي تنشأ الحضارة، لهذا فهو تعبير عن الله في رحمته.

وفي الإسلام حسب العلماء، تطابق خلق النبي إدريس مع التوراتي إدريس. ففي القرآن إدريس هو رجل صالح، وكان ميزانا واعتدالا داخليا، يمكن للإنسان أن يحققه. هذا الميزان يشع على العالم حيث يعيش الإنسان مع جماعة من أناس آخرين.

وتعني كلمة صالح السلام وهي مفردة تشير إلى نوعية الحياة التي يحاول أن يبلغها الأنبياء إلى شعوبهم، كما جاء في مزامير داوود: "اهتم بالأتقياء، وانظر إلى الصادقين؛ لأن المستقبل هو بيد رجل السلام". أما اسم إدريس فهو يدل على أنه الشخص الذي يتعلم ويعلم، وله في القرآن واليهودية نفس الصفات: هما معلمان للبشرية ومؤسسان للحضارة ورسولان ينيران درب الشعوب في القيام بالعمل الصالح.

إن أعمال العنف البشري هي المشكل الأساسي الذي يعيق وجود الإنسان. وفي هذا المعنى يكتب المؤلف الأرثوذكسي رابينر Rabbiner إن اليهودية ترفض الميل إلى المثالية وإلى اللاخطيئة. كل إنسان يحمل جوانب القوة والضعف في ذاته حسب ما تؤكده التوراة. وتصور التوراة نوحا على أنه شخصية مطيعة لربها وقريبة منه.

أما في القرآن، فيوجد فرع من القصة لم تذكره التوراة، وهو نهاية زوجة نوح وابنه: وهنا تأتي الحكمة والمبدأ الأساسي في القرآن: الله يحاكم ويحاسب الناس حسب إيمانهم وتقواهم، وليس حسب أصلهم.

مرة أخرى يؤكد الكاتب على أن القرآن ليس كتاب تاريخ؛ لأنه بينما ذكرت التوراة أسماء أبناء نوح، لم يذكر القرآن أسماءهم، تماماً كما أنه لم يذكر أبناء آدم، وهذا دليل على أن القرآن ليس كتاب تاريخ وليس الهدف منه هو رواية تاريخ البشرية، ولكن هو كتاب تعليمي أخلاقي وروحي وكوني. تأسيسا على ما سبق فإن على المؤمن أن يقنع الآخرين بالإيمان بالله بأدلة عقلانية؛ فالإنسان ليس قاضيا على الآخرين، فهذه وظيفة الله.

يُمكن لنا أن نثمن النتائج التي خرج بها الباحث من دراسته لقصة آدم ونوح من خلال تطرقه أيضا إلى مفهوم التسامح؛ باعتباره ممارسة تتضمن وعدا بتجنب العنف، وتشجيعا على حرية التدين وحماية لأتباع دين ما من الاضطهاد، وصبرا على القناعات الغريبة. وهو اعتراف إيجابي بالتصورات الإيمانية الأخرى.

وهو ما تم الحديث عنه في المؤتمر الثالث للحوار بين الأديان في الدوحة بقطر سنة 2005، وبالضبط مع رابينر الذي تحدث عن تغير إبدال في الديانات الإبراهيمية التي تعترف بأن: الله تحدث إلى كل الأمم، وكل أمة لها مسلكها الخاص إلى الله، وأن الله كوني، لكن الأديان مجزأة، وليس هناك بشر قادرون على معرفة كل الحقيقة، فكلنا لا نملك سوى شذرات من الحقيقة: "إن الله أكبر من كل شعيرة دينية صغيرة/ لا دين يضم الله ولا دين يحد الله/ أو يسجنه فيه".

ومن هذه النتائج، نذكر أيضاً أن اليهودية تفضل التواجد السلمي مع الديانات الموحدة بدل الصراع الحربي، لكن وضع الشعب اليهودي باعتباره شعب الله المختار يبقى موقفاً لا جدال فيه. والتسامح في القرآن هو نفسه في اليهودية مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل الأديان تحتوي على إمكانيات التسامح لكن أيضا على إمكانيات عدم التسامح.

وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن أخطار نشر أسلحة الدمار الشامل، وفشل تحقيق الشرط الإنساني، كان يجب علينا أولا أن نفهم ذواتنا على أننا مواطنون عالميون. كلنا نتحمل مسؤولية هذا الكوكب، واليهودية والإسلام يعلماننا أخلاق المسؤولية الذاتية والمسؤولية العالمية. وأخلاق المسؤولية هذه يتوجب على اليهود والمسلمين أن يحققوها.

كما يعد التسامح جزءا جوهريا في الديانة اليهودية والإسلامية، إضافة لوجود تصورات جيدة للتسامح، ولكن يجب على الديانتين أن تعترفا بأنهما لا تقومان بهذا دائما، ويتوجب عليهما تجاوز أخطاء الماضي والتوجه نحو مستقبل مليء بالأمل. في حين ركزت النصوص الدينية في قصة أيوب على قيمة الألم بعاتبارها جزءا من الكينونة البشرية، وتحديا للمؤمنين الصابرين.

هنا.. نستنتج أن الباحث يركز على الحوارية التي تجمع المؤمن بالله، ويجب فهم حياة المؤمن على أنها حوار متعدد مع الله. وهذا الحوار يوجد في الحياة على ثلاثة مستويات: الوحي الذي يؤثر في تفكير الإنسان، والخلق باعتباره آية ربانية، والتجربة المعاشة.

وبالتالي، فإن فشل الأمة في تحقيق الآية الكريمة: "وجعلناكم أمة وسطا"، هو فشل تاريخي ومتواصل في تحقيق هذه الوظيفة، وفشلها اليوم يبرهن عليه العنف الذي يغزو الأمة، هذا الشر الذي لا يريد أن يختفي. وعسى أن تتحقق دعوات الكاتب إلى الحوار بين اليهودية والإسلام، على الأقل في المجال الناطق باللغة الألمانية، في انتظار تعميم هذه الوظيفة النبيلة في عالمنا الإسلامي ضمن مراعاة التعددية حسب القول المأثور: "آخر دين هو هنا، لكن آخر فهم للدين لم يصلنا بعد".

--------------------------

- الكتاب: "آدم، إدريس، نوح، أيوب: الخلق المبكر للكتاب المقدس وللقرآن من خلال رؤية يهودية وإسلامية".

- المؤلف: محمد سمير مرتظى.

- الناشر: tredition Verla، هامبورج 2017، باللغة الألمانية.

* باحث في الدراسات المقارنة/ الرباط، المغرب.

أخبار ذات صلة