حديث من دون أن يكون غربيا في أصول يابان اليوم

Picture1.png

بييرـ فرنسوا سويري

محمد الشيخ

لما زار صاحب هذا الكتاب ـ بيير- فرنسوا سويري الأستاذ الفرنسي بجامعة جنيف السويسرية حيث يدرس التاريخ الياباني، والمتخصص في الشأن الياباني الذي أمضى 15 سنة من عمره باليابان مديرا للبيت الفرنسي الياباني بطوكيو، وصاحب كتب مهمة عن تاريخ اليابان الوسيط والحديث والمعاصر ـ مدينة الدار البيضاء الشهر الماضي لكي يقدم كتابه ـ حديث من دون أن يكون غربيا: في أصول يابان اليوم (2016) ـ  كان قد سُئل من لدن الجمهور عما إذا لم يكن عنوان كتابه هذا عنوانا مستفزا: كيف يمكن لبلد أن يكون "حديثا" من غير أن يكون "غربيا"؟ أَوَ ليست "الحداثة" و"الغرب"، كما "التحديث" و"التغريب"، مفهومين مترادفين؟ وكان جوابه أن اليابان إنما "تحدثت" ولم "تتغرب"، وأن التسوية بين الأمرين خلط شنيع، وأن مبتغاه من كتابه هذا كان هو أن يرد على ما اعتبره "استفزازات" طلبته له، وحتى استفزازات أغلب مفكري أوربا الذين تعودوا على رؤية غير الأوربيين يستلهمون الثقافة الأوربية، فلا يرون إلا "أوربا وبقية العالم"، ولم يتعودا على العكس؛ وذلك حين يتحدثون عن "تغريب" اليابان، تلقاء "تحديثه"؛ فكان أن فكر المؤلف في استفزاز مضاد: ثمة "حداثات متعددة"، وليس حداثة واحدة. كلا، ما كانت اليابان بدعا من الدول في هذا، بل تعد هي بمثابة "مشتل" لاختبار الحداثة غير الغربية. وهي "مثال" تاريخي للتأمل، وليست بالضرورة "أنموذجا" للحذية.

يطرح هذا الكتاب الإشكال التالي: "ما هي المسالك التي سلكها فكر المجتمع الياباني والتي من خلالها تساءل هذا الفكر عن ذاته خلال حقبة بناء دولة حديثة؟ كيف ولماذا ومتى نشأت في هذا البلد أشكال الحداثة وممارساتها؟ وفي النهاية، ما الحداثة يا ترى؟

وقد قام هذا الكتاب لدحض نظرية تبناها مفكرو الغرب وبعض متنوري مفكري اليابان على حد سواء. تقول هذه النظرية: الحداثة الغربية هي "المرجع" الأوحد، بل هي التي تجسد الحداثة في جوهرها، وما "الحداثات الأخرى"، إذا ما هو حُقِّق أمرها، سوى "خيارات فاسدة". وفي أمر حداثة اليابان، كان التأثير الغربي هو المحدد بلا مدافعة. وقد عدت بهذا الصدد عشرينية 1850-1870 حاسمة. ثمة إذن "مروية" غربية "وهمية" عن اليابان: في البدء كانت اليابان بلدا غافيا منزويا بعيدا، فيودالي البنية، محافظ التقاليد؛ ثم لما جاء الأوربيون حدثت الصدمة. كان الأمريكيون هم الواصلون الموقظون الأوائل، وهم يعتقدون أن اليابانيين أصغوا إليهم جيدا، وأنهم استوعبوا الدرس الغربي، وأنهم نجحوا في النهاية لأنهم قلدوا الغرب.

وكان أن وجد الغربيون في بعض مفكري اليابان من زكى مرويتهم هذه. نعم، دعا تنويريو اليابان، شأن فوكوزاوا، إلى الخروج مما اعتبروه "عبودية المجتمع الياباني التقليدي الفكرية" إلى "الانعتاق الفكري"، وذلك حسب عبارة شهيرة لهذا المفكر التنويري: "دعك يا هذا عن آسيا، ويَمِّم بنا صوب أوربا"، بما قد يشي بقبولهم مبدأ التحديث = التغريب. لكن المؤلف يجيب بالقول: هذه الدعوة كانت محدودة بأمرين: أولا؛ كان القصد منها "مواجهة" الغربيين، وإِنْ باتباع طريقهم في الحداثة. وثانيا؛ هؤلاء التنويريون هُمِّشوا ولم تتح لهم فرصة حكم بلاد اليابان، بل إن خصومهم من الميجي ـ وهم المحافظون بامتياز ـ هم الذين مارسوا الحكم على الحقيقة وليس بالاسم. وإذ اعتبر الأوائل الحداثة "معاني"؛ أي قيما وطرائق تفكير غربية، شأن الفردانية والحرانية، ينبغي الاتساء بها، فقد عَدَّ الثواني الحداثة "أواني" بالأولى؛ ومن ثمة رفعوا الشعار: "روح يابانية، وتقنية غربية". ولهذا لم يسلكوا هم في تحديث اليابان طريق التغريب، وإنما سلكوا طريق إعادة تأويل التقاليد وإبداعها من جديد، لا منسلين من ربقتها بالكلية، على طريقة التنويريين، ولا محافظين عليها كل المحافظة، على طريقة الجموديين.

وإذن، يعتبر المؤلف أن "مروية الحداثة اليابانية" كما يرويها الغربيون والمتأثرون بهم من اليابانيين مزيفة ومضللة. ويرى أنه لئن كانت اليابان قد أفلحت في حداثتها، فذلك لأسباب أساسية غير الأسباب المعهودة:

  1. بدأت الحداثة اليابانية قبل ذاك التاريخ الذي يتحدث عنه الغربيون؛ أي قبل النصف الثاني من القرن الثامن عشر. كان هناك ما يسميه المؤلف "الحقبة الممهدة للحداثة"، أو "الحقبة للممهدة للتصنيع"، والمتمثلة في إحداث صناعة قروية شديدة الدقة عالية المهارة اليدوية، وفي فلاحة إنتاجية، وفي زيادة للإنتاج. وهو ما أدى إلى بناء "مجتمع اقتصادي" قبل الثورة الصناعية في نهاية القرن 19. وهي حقبة لا يمكن بأي حال فصلها عن حقبة الحداثة، كما يسعى إلى ذلك الغربيون. فقد مست عملية التحديث المبكرة كل مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والتقنية، بحيث أفضت إلى بروز "مجتمع الكتابة" نهاية القرن 18، حتى شهدت اليابان عام 1840 قبل وصول الأمريكيين على وجود 20 ألف مدرسة، وعلى ظاهرة المكتبات المتنقلة، كما شهدت على تكوين "مجتمع مديني واستهلاكي" قائم على "المحظيات" و"الإعلان"، وعلى تكون "مجتمع الفرجة"، اللهم باستثناء الناحية السياسية التي لم يمسسها تغيير. ولهذا الداعي اعتقد الغربيون أن اليابان كانت سابحة في غفوتها.

  2. تطور الفكر الياباني تطورا مذهلا. وكان الفضل في ذلك لا يعود إلى عملية "تغريب" شمولية مزعومة، بقدر ما كان يؤول إلى تبني الفكر الكونفشيوسي الصيني. حتى إنه لئن كان لنا أن نتحدث عن "تغريب" للفكر الياباني، فإنه كان، على التدقيق، "تصيينا" لا "تغريبا". وبناء عليه، لا يني المؤلف يؤكد على أن اليابان إنما تحدثت بالصين. والشاهد على ذلك، عند المؤلف، أن أول دستور ياباني كان كونفشيوسي الهوى، أكثر مما كان هو غربيه.

  3. عصر الإصلاحات المسمى عصر الميجي، بدءا من عامي 1868-1867، حيث برز "نقاش عمومي" لم يكن معهودا من ذي قبل: ظهور "صحافة رأي"، وتشكيل "سلطة رابعة"، وتكوين "رأي عام". وكل ذلك  لم يكن مستوردا من أوربا، بل وجد في الصين القديمة على الأقل منذ القرن 15. إثرها تم إخراج المجتمع الياباني من عهد المجتمع الاقطاعي إلى العهد الحديث بفضل سنوات تطور نقاش عمومي هيمنت عليه الطبقات الوسطى، وأثر في مجريات الشأن السياسي. فكان من ثمرة ذلك أن تم وضع دستور للبلاد، وهو دستور حتى وإن كان سلطويا فإنه كان الدستور الأول في تاريخ البلاد، وكانت بذلك اليابان أول دولة غير غربية تتخذ لنفسها دستورا. ثم كان ما كان من إقامة أول برلمان ...

والحق أنه لم تنطل "المروية" التي وضعها الغربيون للحداثة باليابان على النظرة العالمية السائدة إلى حداثة اليابانيين فحسب، وإنما انطلت على المؤرخين اليابانيين أنفسهم لمدة تجاوزت القرن ونصف القرن، فكانوا يفكرون في تاريخ اليابان على أنه تاريخ نقص (ما الذي نقص اليابانيين حتى يمسوا غربيين ويحققوا الحداثة أسوة بالغرب؟ وتحت تأثير ماكس فيبر ـ وقد ترجموه قبل أن يترجمه الفرنسيون ـ تساءلوا: لماذا نجح الأمر في أوربا ولم ينجح لا في الصين ولا في اليابان؟)، وعلى أن الحداثة اليابانية "حداثة عرجاء"، إلى أن برز مؤرخون يابانيون جدد أشهرهم المؤرخ الياباني المعاصر كاتو شو إيشي ـ مؤرخون يعتبرهم المؤلف أكثر إنصافا ـ منذ حوالي عقدين من الزمن وصاروا إلى مراجعة هذه المروية. وكان أول ما لفت انتباههم أنه لا توجد علاقة "تقدم وتأخر" بين حداثة الغربيين وحداثة اليابان حتى يصار إلى القول بأن هذه إنما "حاكت" تلك، وإنما يوجد "توازي" في سير الحداثتين جنبا إلى جانب. فصير إلى تصور تاريخ التحديث الياباني على أنه كان ذا إيقاع "مضاهي" و"موازي" لإيقاع التحديث الغربي. وكان من أثر ذلك أن تم الكف عن طرح السؤال: ما الذي نقص الحداثة اليابانية حتى تسير السير الحسن [الغربي]؟ وطفق في التساؤل، بالضد من ذلك، عن كيف نجحت حداثة اليابان [غير الغربية النزوع] بطريقتها الخاصة؟ فكان أن لم تعد تفهم الحداثة على أنها تقدم موصول، وإنما على أنها حركة تقدم وتراجع. مما يجعل انتكاسات الحداثة اليابانية جزءا من الحداثة اليابانية نفسها وليس أمرا غريبا عنها. ومما يرفع عنها تهمة أنها حداثة "شوهاء". وإذا كان المؤرخ الياباني الشهير إيروكاوا دايكيشي قد افتتح كتابه عن اليابان عام 1970 بالقول: "كم هو غريب بلد اليابان!" فإنَّ مؤرخي اليابان الجدد يردون عليه اليوم: "كم كنت مخطئا يا أيروكاوا! كلا وألف كلا ما كان اليابان بلدا غريبا، إنما اليابان بلد عاد!"

وقد قادت هذا الأمر المؤلف إلى أن طرح "مروية أخرى" في هذا الشأن ترى أنه في نهاية القرن 19 تم وضع أسس الحداثة اليابانية التي لا ينكر بأي وجه أنها تدخل في مشتركات الحداثة الكونية، لكن على الطريقة اليابانية: خلق صناعة، بل اختلاق شعب، توحيد اللغة، إنشاء أدب وطني موحد، إنشاء تاريخ وطني، إنشاء جغرافيا وطنية، إعادة اختلاق تقاليد إمبراطورية ... وقد حدث كل ذلك في عشرية 1880-1890 وبالموازاة مع ما كان يحدث آنها في بقية بلدان العالم، ولا فضل ولا سبق ... وبالجملة، نما تيار وطني، هو تيار الدراسات القومية، الذي أنشأ خطابا قوميا متمايزا عن الصين، وطرح السؤال: ما أصل اليابان قبل وصول الصينيين؟ ما مباحث اليابانيين قبل وصول الغربيين؟ ولماذا تغيرت اللغة اليابانية؟

أكثر من هذا، لئن كانت أوربا هي عادة ما كان يقدم دروسا إلى بقية العالم في شأن الحداثة، فإن لليابان، حسب المؤلف، ألف درس ودرس في الحداثة تقدمه إلى أوربا، ليس أدناه أن النزعة البيئية [الوعي الإيكولوجي] بدأت عند اليابانيين حتى قبل أن تصير نزوعا أوربيا!  

فقد ساغ الآن التساؤل: ترى ما هي سمات الحداثة اليابانية؟ يرى المؤلف أن للحداثة اليابانية سمات ثلاث: الحداثة اليابانية متنوعة، بَلْهَ مهجنة بعناصر متعددة، بَلْهَ قابلة للتصدير أحياناً كما في رياضة الجودو اليابانية التي غزت العالم بأكمله ...

أخيرا، لا ينكر المؤلف أن ثمة ما يسميه "نحوا مشتركا للحداثة"، لكنه يرى أن الحداثة "تنويعات"، ومن أهمها "تنويعة حداثة اليابان". والحال أنه كان قد شُرع في الحديث عن "الحداثات المتعددة" منذ نهاية التسعينات. والشرارة الأولى التي انقدح عنها القول بالحداثات المتعددة إنما هي نواة فكرية تقول بوجود أشكال من الحداثة ثقافية خاصة شكلتها مختلف المواريث الثقافية والشروط الاجتماعية والسياسية. وهي أشكال تختلف عن بعضها البعض في نظام قيمها وفي مؤسساتها. وكل هذا التحول خرج من معطف "المنعطف الثقافي" ...

ومن يكون مفكرو "الحداثات المتعددة" الذين أومأ إليهم المؤلف من غير أن يقف عندهم الوقفة؟ هم كثر بحيث يصعب عدهم، لكن أهمهم اثنان: الفيلسوف الكندي تشارلز تايلر (1931-     ) والمفكر الاجتماعي اليهودي صمويل نوح آيزنشتات (1923-2010). ذلك أن تايلور يذهب إلى أن نظرية الحداثة الواحدة تعاني من نقص شديد: إذ يمكن أن نفهم كيف أنه في السنوات 1910 كان الناس يفكرون على هذا النحو؛ لأنه آنذاك فقط المجتمعات الغربية كانت قد تحدثت، وكان ثمة ضرب واحد من الحداثة. لكن اليوم ظهر أن ثمة أكثر من نموذج للحداثة، بما في ذلك في الغرب نفسه. وهي نماذج مرتبطة بتعدد النماذج الثقافية، وذلك لأن التغيرات الثقافية ليست متناغمة. ويتساءل: هل الإخفاق في تحقيق الحداثة على النمط الغربي يعني الإخفاق في تحقيق الحداثة في ذاتها؟ يرى تايلور أن ظاهرة "الحداثات المتعددة" تدل على استحالة حداثة واحدة مفردة، وأن تطبيق معيار واحد على مختلف المناطق في العالم يمكن أن يقود إلى ضرب من تحصيل الحاصل: عندما نقول بأن بلدا ما قد أخفق في التحديث، فإننا نعتبر عادة النموذج الغربي للحداثة معيارا للنجاح، وفي هذه الحالة القول بأن النمط الغربي في الحداثة غير ناجح يضاهي القول بأنه غير غربي. وإذا ما نحن طرحنا السؤال على المفكر الاجتماعي آيزنشتات: "أهناك في نظركم حداثة بالمفرد أم حداثات بالجمع؟" فإن جوابه يكون على النحو التالي: لطالما اشتكى الرجل من الطابع المهيمن للنموذج "الغربي" للحداثة، مدققا، أوّلا، في معنى "الغربي" الذي يجده "مُشْكَلا"؛ لأنه معنى"مُتخيل" أكثر مما هو معنى واقعي. وإذا كان يعد هذا النموذج "مرجعا" في الحداثة، فإنه ليس في ذاته لا نموذجا "ثابتا" ولا نموذجا "متناغما". والذي عنده: إنما الحداثة حداثات، لأنها برامج ثقافية متعددة. فالتغريب Westernization والحداثة ليسا سواء. ونماذج الحداثة الغربية ليست هي الحداثات الوحيدة الحقة الأصيلة، رغم أنها لعبت دور "السابقة التاريخية" وتستمر في كونها "المرجعية الأساسية" للآخرين. وأول الحداثات المتعددة عنده كانت "غربية" هي حداثة الأمريكيتين ـ الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية ـ وقد أبرز توكفيل سمات النموذج الحداثي الأمريكي وببن كيف يختلف عن النموذج الأوربي ـ وإن لم يسمه "حداثة". وأمريكا اللاتينية لم تحظ بشرف أن يحلل نموذجه الحداثي رجل مثل توكفيل. وثاني الحداثات المتعددة النماذج الآسيوية كما تحققت في اليابان والهند والتايلاند مثلا ...

هذا وتقوم فكرة "الحداثات المتعددة"، عنده، على بعض الفرضيات حول "طبيعة الحداثة":

  1. الحداثة حضارة مختلفة. والحضارة تعني، عنده، أمرين: سمات ثقافية ومؤسسات خاصة (برنامج ثقافي وتنظيم مؤسسي). وهي حضارة تقطع مع تطور المجتمعات القديمة.

  2. هذه الحضارة، التي هي برامج ثقافية وتنظيم مؤسسي، "تبلورت" أول ما تبلورت في الغرب، ثم سرعان ما بدأت تتشرق. ويذكرنا انتشار الحداثة بانتشار الأديان العالمية. وقد نشأت عن هذا التبلور في البلدان المختلفة نماذج ثقافية ومؤسسية في تحول دائم، فكان أن لم نصر أمام حداثة ـ حضارة ـ نمطية وإنما أمام حداثات تعددية.

والخلاصة التي ينتهي إليها بيير-فرانسوا سويري أنه كلاَّ ما كان الأوربيون هم الأوصياء على الحداثة، وإنما هناك أشكال أخرى للحداثة، وأن علينا تغيير سلم الرؤية حتى ندرك هذا الأمر.

على أن النغمة غير المنسجمة التي تنبعث من هذا الكتاب هي رؤية المؤلف التشاؤمية للحداثة، لا سيما منها الغربية، حيث ينتهي إلى تعريف الحداثة، في نهاية المطاف، على أنها المقدرة على قتل أكبر عدد من الناس [في إشارة منه إلى نزوعها التقني الحربي]. وهو يستنجد في ذلك، في مقدمة الكتاب، بما ذكره صاحب "كتاب الشاي"، حين قال: "لقد تعود الغربي على اعتبار اليابان بلدا متوحشا طالما لم تكن تقام به إلا فنون مسالمة [كفن طقوس حفل الشاي]، وقد اعتبر اليابان بلدا متحضرا ما أن شرع في ممارسة القتل على نطاق واسع في معركة منشوريا".  وهو الكاتب الياباني نفسه الذي يختم هذه الملاحظات بالتساؤل: متى إذن يفهم الغرب الشرق أو يسعى إلى فعل ذلك؟

على أن المؤلف يختم كتابه بالقول: لا ينبغي علينا أن نعتبر التحديث مجرد إحصاءات فحم وصلب، أو مجرد تقدم نوعي في مستوى العيش، وإنما هو يكمن، فضلا عما تقدم  ـ وهذا هو الأمر الجوهري في نظره ـ في هذه المقدرة على إحداث تقليد نقد ورفض وتمرد:  رفض للأهداف التي تحددها الدولة للمجتمع، ورفض للأنماط الجديدة للرقابة الاجتماعية، ورفض للإيديولوجيا القوية المهيمنة. وإنما نقد الحداثة جزء من الحداثة وليس يقع خارجها. ومن أدرانا، فلربما تكمن الحداثة اليابانية ـ أساسا ـ في قدرتها على إسماع الخلافات التي ما فتئت تثيرها؟

 --------------------------------------------------------

عنوان الكتاب : Moderne sans être occidental Aux origines du Japon d’aujourd’hui
اسم المؤلف : Pierre-François Souyri

لغة الكتاب :الفرنسية

دار النشر : NRF, Editions Gallimard, Paris, France

سنة النشر :2016

عدد الصفحات :490

 

 

أخبار ذات صلة