محمود عبد الغفار
مدرس الأدب الحديث والمقارن
كلية الآداب- جامعة القاهرة
تتصدر غلاف الكتاب صورة الرئيس الكوري الجنوبي "مون جيه إن" الذي تم انتخابه في مايو هذا العام بعد تهم بالفساد أدت إلى عزل الرئيسة السابقة "باك كون هيه" وسجنها. بابتسامته المعهودة، وبعادة الكوريين في تغطية الأفواه احترامًا وتأدبًا عند الضحك، وبعبارة مأخوذة من شعاره في الانتخابات "الناس أو الشعب أولاً" يأتي هذا الكتاب الذي يحمل العنوان الفرعي كذلك إشارة إلى محتواه: "قوة مون جيه إن"، فالكتاب تجميع لأهم الأفكار والعبارات التي ألقاها الرئيس الكوري الحالي خلال تدشينه لحملته الانتخابية الأولى عام 2012م، وهي السنة التي شهدت الطبعة الأولى لهذا الكتاب، وفي شهر يوليو تحديدًا. ونظرًا للاهتمام الكبير الذي لاقاه من جانب القراء فقد ظهر في طبعة جديدة لأمرين أساسيين: الأول هو أن ما قاله مون جيه إن قبل سنوات ينتظر الناس الذين كان يقصدهم في كلامه تنفيذه الآن. والثاني هو العودة للعبارات التي قالها وبيان قيمتها ودورها في شعبيته الكبيرة التي مكنته من بلوغ كرسي الرئاسة في مايو هذا العام. ويبقى من أهم ما قاله تلك العبارة الشهيرة: "الشعب أو الناس أولاً"، فهو يريد أن يكون رئيسًا حقيقيًّا لكل الكوريين وبخاصة الفئات العادية الكادحة التي قد لا يلتفت إليها كثير من رجال السياسة.
ركزت مقدمة الكتاب على بيان سبب نشره. فهو تجميع قد يحمل بُعدًا توثيقيًّا لأهم ما قاله مون جيه إن قبل بلوغ منصب الرئاسة، وأهم ما ذكره خلال قيامه بالعديد من الأنشطة في مجال السياسة، وما قاله أيضًا في المقابلات الإعلامية المختلفة بشأن تطلعاته نحو تأسيس كوريا جنوبية جديدة مستفيدًا من مخزون كبير من المعارف والخبرات العديدة التي اكتسبها. كما ركزت أيضًا على التأكيد أن الهدف من الكتاب هو الكشف عن سبب اتخاذ مون جيه إن قراره بالترشح للرئاسة منطلقًا من قناعة خاصة وحقيقية بضرورة إجراء تغييرات جذرية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلده. ولهذا يتضمن الكتاب كل ما يتعلق بتفسيراته لمواقف معينة وطموحاته وبرامجه المتعلقة بتحرير الاقتصاد من أي تبعية وبإحداث ثورة في مجالي التعليم والتوظيف. ما قاله وما تصوره وتطلع إليه كان سببًا في اهتمام كبير حظي به من الشارع الكوري مما جعله يتلقى تعليقات متميزة من القراء والمتابعين مقارنة بغيره من مرشحي الرئاسة آنذاك. كما رسمت مقدمة الكتاب صورة بانورامية لشخصية مون جيه إن المولود عام 1953م بمقاطعة جونغ نام، وخريج كلية الحقوق جامعة جونغ هيه، كما عرفت بخلفياته وأنشطته السياسية والاجتماعية العديدة كناشط سياسي وكمدافع عن حقوق الإنسان في مدنية بوسان. تم اعتقاله في أحداث ثورة الثامن عشر من مايو عام 1980م، تلك الثورة التي أطاحت بالحكم الدكتاتوري في كوريا ومهدت لميلاد دولة مدنية حديثة يتم تداول السلطة فيها بشكل سلمي ولا أدل على ذلك مما حدث مع مون جيه إن نفسه. فقد انتفض الشعب ضد الرئيسة السابقة وتم إدانتها وسجنها وانتخاب رئيس جديد دون إراقة دماء. أنهى دراسات خاصة بمعهد بحوث وتدريب القضاة عام 1982م وجاء في المركز الثاني بين الدارسين لكن ما ورد في صحيفة حالته الجنائية بشأن اعتقاله حرمه من تولي وظيفة القضاء فاتجه للمحاماة متوليًّا الدفاع عن حقوق الإنسان. وخلال تلك الفترة حتى عام 1990م تولى عدة قضايا شهيرة مثل جامعة دونغ جي وقضايا أخرى كانت متعلقة بما جرى من أحداث في كوريا. خلال عمله في بوسان التقى بالرئيس السابق "نو مو هيون" الذي كان محافظًا للمدينة آنذاك. التحق للعمل بالبيت الأزرق متوليًّا رئاسة السياسات المدنية. اعتذر عن ذلك المنصب لظروف صحية ثم عاد إلى البيت الأزرق من جديد عام 2005م مع الرئيس نو مو هيون ليتولى رئاسة شؤون المجتمع المدني وليكون السكرتير الأول للرئيس، كما عاد لممارسة نشاطه السياسي فيما بعد. كان عضوًا بلجنة الانتخابات الوطنية لمحافظة بوسان في دورة الانتخاب رقم تسعة عشر، كما ترأس حزب "مين جو". تم انتخابه ليكون الرئيس التاسع عشر لكوريا الجنوبية في مايو 2017م. الكتاب باختصار مقولات مجمعة لهذا الرئيس تم تقسيمها حسب محتواها إلى ثلاثة أقسام سنستعرض أهمها في السطور التالية:
القسم الأول تحت عنوان "مستقبل السياسات":
- "أنتم أيها الشباب تجدون صعوبة هذه الأيام في الدراسة؟ أعليكم أن تدرسوا كثيرًا؟ سأجعل العالم الذي تعيشون فيه أقل تكدسًا بأعباء الدراسة المرهقة".
- النهاية هي البداية: "سأجعل الناس تعيش العالم الذي حلمت به، وسأجعل الدولة تتعامل مع المواطن كأولوية أولى قبل أي شيء آخر. إنها البداية الآن، حيث الدولة هي المركز الذي يملكه الناس؛ الناس وحدهم ولا أحد غيرهم."
- السبب وراء خوض غمار السياسة: "درجنا على رؤية السياسة تدور في حلقة مفرغة من الانتقام المتبادل بين السياسيين والأحزاب السياسية بالطبع في لعبة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بعامة الناس وتفاصيل حياتهم، بل إن هؤلاء العامة يتحولون لوقود مستهلك في تلك الدوائر".
- أعلن ترشحي: "سنتسلق الحائط معًا متشابكي الأيدي؛ حائط الامتيازات والحصانات الخاصة، حائط التمييز والتقسيم لنسقط كل هذا ونجتاز حائط الانهزامية ونفتح بابًا جديدًا لعالم جديد معًا!".
- السياسات الخاصة هي المستقبل: "السياسات الجديدة نتاج لنظام جيد وليس بالضرورة نتاجًا لساسة جيدين. أما السياسة الحكيمة فيمكنها أن تصنع المستقبل."
- مستقبل السياسة. وتحت عنوان فرعي يقول "العين ترى روح العصر" تأتي مقولة مهمة للرئيس مون جيه إن: "لقد تركزت الثروات وتحقق النمو لعدد قليل جدًّا من أفراد مجتمعنا. يرى كثيرون أن هذا المجتمع منقسم الآن إلى شريحتين بنسبة 1% إلى 99%، ويمكنني القول إن هذه النسبة، وبفضل جهودنا معًا، ستكون 0.1 % إلى 99.9 %.
- سياسة المزج والتعايش ممكنة: "يمكن تحقيق المزج والتعايش ليس في إطار السياسة فحسب، بل في خلق حالة ثقافية عامة يكون فيها المجتمع قادرًا على التجمع والتعايش والاندماج في كل الأحوال وتحت أي ظروف وفي كافة المجالات. هناك ثقافة تنافس فرضتها السياسة وفرضها الاقتصاد وانتقلت لكل مجالات الحياة وعلينا الآن أن نتجاوزها نحو الاندماج لا التنافس والتعايش لا التناحر".
- الإقليمية والتغلب على الصراعات: "إنه لمن المخجل التصريح بأننا نحن السياسيين لا نعمل لأجل أوطاننا بقدر ما نعمل لأحزابنا وللمناطق التي منحنا أفرادها أصواتهم في الانتخابات لنصبح ساسة بعد ذلك. لقد صوتوا لهذا المرشح أو ذاك لأنه ابن منطقتهم وهو أمر يجعل الوطن مقسمًّا باستمرار."
- أهمية الملاحقات القضائية: "يجب أن يبقى القضاء مستقلاً وقويًّا، ويجب وضع كل الضوابط التي تجعله نزيهًا وتمكنه من القيام بعمله حتى داخل البيت الأزرق نفسه وبدون أي عوائق."
- سياسة رائعة: "سأحافظ على علاقات كوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الوقت نفسه سأفتح الملفات الشائكة مع اليابان ولن أتجاهلها."
- أمن قوي: "سأعمل على توفير مستويات أمن رفيعة عبر نظام يكفل تحققها على المستويين الداخلي والخارجي."
- الشمال والجنوب والسلام: "لقد وصلت العلاقات بين الكوريتين لطرق مسدودة مؤخرًا وعلينا أن نمضي قدمًا نحو تحسينها من خلال تعاون اقتصادي قوي يحقق نموًا اقتصاديًّا للبلدين."
القسم الثاني تحت عنوان "المستقبل الاقتصادي":
- مستقبل الاقتصاد: "في الطريق نحو اقتصاد ديمقراطي بكل ما تعنيه الكلمة نحن في حاجة إلى تقريب الفجوة التنافسية المتسعة عبر اقتصاد يحقق الرفاهية للجميع دون استثناءات. هذا الطريق هو وحده القادر على تقليص تلك الفجوة بالاعتماد على استثمار المال العام."
- الاقتصاد الاجتماعي وثلاثة عصافير بحجر واحد: "إنه بكل بساطة اقتصاد لا يسعى لثراء مادي وإنما يضع في أولوياته التعاون الاقتصادي والاجتماعي البناء. قد يبدو المسمى غريبًا بعض الشيء- الاقتصاد الاجتماعي- لكن الهدف على أية حال هو تحقيق التعاون المثمر اقتصاديًّا واجتماعيًّا".
- التكنولوجيا العلمية هي التحدي الحقيقي لهذا البلد: "على كوريا الجنوبية أن تولي اهتمامًا خاصًّا بالعاملين في مجالات البحث العلمي وتقديرهم على المستويات كافة."
- على الزراعة أن تظل حيّة: "ليس هناك أدنى احتمال للتخلي عن الزراعة تحت أي ظروف وبخاصة زراعة ما نحتاج إليه من المواد الغذائية."
- إدارة الأموال من منطلق أساسي: "لا يجب على البنوك مثلاً أن تُدار كما لو كانت سببًا أو لعبة في أيدي السياسيين لإخضاع الناس الذين هم ملاكها الحقيقيون."
- "ليس هناك استثناءات أمام تحصيل الضرائب، وليس هناك أي توجه للتخلي عن الفقراء وتأمين معيشتهم في مساكن يمتلكونها بالفعل."
القسم الثالث والأخير من الكتاب تحت عنوان "مستقبل المجتمع":
- ثورة في مجال التوظيف: "تصوري لفكرة الثورة في مجال التوظيف ليس بخلق وظائف جديدة وإنما في تغيير المفهوم نفسه. فسوف تتغير الوظائف في بلدنا بشكل مقنع وبحد أدنى نحو ثلاثة معايير: الأجر القانوني، والتأمين الاجتماعي، ومعدل العمل القياسي."
- مقياس العلاقة بين العمل ورأس المال هو الأشخاص: "سيكون الهدف دائمًا هو أن تقوم هذه العلاقة على الحوار والتفاوض في إطار القانون وحده."
- حرية الصحافة: "سيكون هناك توازن ملموس وحرية حقيقية ممنوحة للصحافة والإعلام. فقوة الحكم أو السلطة من واجباتها أن تضمن حرية الصحافة والإعلام بشكل عام بما يرتقي للمستوى الذي يستحقه الشعب."
- المنزل أيضًا رخاء ورفاهية: "مع تشجيع الاقتصاد الذي يحقق الرفاهية للجميع لن نتغافل عن الاهتمام بتقنين أسعار معقولة للمنازل حتى يتسنى للناس امتلاكها. فالمنزل أيضًا رفاهية."
- التجهيزات الخاصة بكبار السن: "لا يمكن لأحد أن يوقف تقدم الناس في العمر. سأحرص على أن ينعم كبار السن بكل الرفاهية وأن ينالوا فرصًا في التوظيف. فالبلد الذي يعيش فيه كبار السن سعداء يكون بلدًا سعيدًا."
- المرأة أيضًا مستقبل: "ستدخل المرأة إلى المجتمع من أوسع الأبواب عندما لا يكون عليها أن تختار بين أمرين لا ثالث لهما: البيت أو العمل"!.
- وطن للأطفال: "أن يتمتع أطفالنا بالصحة وأن يكبروا في جو صحي على كافة المستويات هو أفضل استثمار للمستقبل."
- الناس أولاً أيضًا في التعليم: "تربية الأطفال وتعليمهم ليس مسؤولية شخصية موكلة إلى الوالدين في المنزل، إنها مسؤولية الدولة والمجتمع في الوقت نفسه. هذا هو السبب في أن الأطفال الذين يخسرون أحد السباقات في حاجة إلى التشجيع ليحلموا حلمًا أكبر!"
------------------------------------------------------------
عنوان الكتاب: الناس أولاً؛ قوة مون جيه إن
الكاتب: مون جيه إن
الناشر: بربل كاو
سنة النشر: طبعة ثانية 2017م
عدد الصفحات: 352
اللغة: الكورية
