صراع الهويات أمام موجة العولمة

عاطفة ناصر المسكري

يحمل العالم ثقافات وأديانا متنوعة تختلف باختلاف الأمكنة. وإن وجدت مجموعات يجمعها دين وثقافة مشتركة في مكان ما فغالبا ما تكون هناك أقلية بينهم تحمل دينا مختلفا وثقافة مختلفة أيضا. نجد هذا التنوع حاضرا بقوة في منطقة المحيط الهندي – على ضفافها تحديدا- التي تجمع دولا تمتاز ببعد استراتيجي مهم في السياسة والاقتصاد. نجد ذلك مفصلا في مقال للدكتور عبدالرحمن السالمي بعنوان ثقافة المحيط الهندي؛ حيث عبر فيه عن هذا التنوع نتيجة التطورات التي حدثت في تلك المنطقة. وأتت العولمة لتؤثر في هويات مجموعات كثيرة وثقافتها ومن ضمنها منطقة المحيط الهندي بما فيها من تنوع. حيث تتجه العولمة نحو تشكيل وحدة واحدة ذات صفات مشتركة غالبا على العكس من فكرة الهويات والثقافات التي تدعم أو تعكس واقع الاختلاف بين المجموعات البشرية. فحتى أبرز نقاط تلاقي الاختلافات في العالم تأثرت بشكل أو بآخر بموجة العولمة بل حاولت في بعض الأحيان أن تصبح مؤثرة عبر مختلف وسائل التأثير المحسوسة واللامحسوسة. والذي لا بد من إقراره هنا وفي ظل تشكل النظام العالمي الحالي- نظام القطب الواحد – أنه وعلى الرغم من محاولة بعض العناصر أن تصبح مؤثرة لكن يظل تأثير العنصر القوي من نواحي الاقتصاد والسياسة أبرز وأبقى من تلك العناصر التي تستخدم الطرق المؤثرة الأخرى والغير ملموسة في الغالب. فمحاولة نشر ثقافة مجموعة ما عبر وسائل الإعلام، تبدو طريقة ناجعة تلامس كافة المستويات في المجتمع إلا أن الدور السياسي والاقتصادي لا غنى عنه. فهو يعد أقوى وقعا من الوسائل غير الملموسة لكونه يلامس فئة متخذي القرار" أهم الفئات المجتمعية".

ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أنّ الواقع الحالي يجعل من القوي أكثر قوة والعكس صحيح؛ وكل ذلك يتضح من خلال سعي هذه القوى في سبيل خلق التأثيرات وخاصة في ظل العولمة يتم استخدام القوى غير الملموسة في سبيل نشر ثقافة الدولة "القوية" تمهيدا للحصول على قبول مختلف الشرائح في المجتمعات العالمية. ويتم ذلك عن طريق التعريف بالثقافة وما تحمله من إيجابيات، ومحاولة خلق صورة نمطية أقرب للمثالية. بجانب ذلك تكون تلك الدول من الأساس أدت ما يتوجب عليها من ناحية التأثير السياسي والاقتصادي – اللذين يعدان أكثر أهمية حقيقة من الجوانب غير الملموسة – محققة التأثير المطلوب من أجل جعلها قوى عالمية بارزة. من هذا المنطلق يصبح الحديث عن العولمة التي توفر أسباب انصهار الفروقات الثقافية واندماجها نحو وحدة واحدة؛ لولا المقاومة النابعة من هذه الثقافات أكثر جدوى من الحديث عن هذه الفروق التي تم تدارسها لسنوات عديدة، فالعالم أصبح يعيش تقارب الثقافات المختلفة واطلاعها على الاختلافات من حولها نتيجة العولمة. فعندما كانت الحوارات والتساؤلات عن العناصر المشكلة لثقافة ما سواء من الناحية التراثية، والتاريخية، والدينية، والاقتصادية – التجارية – أصبحت تميل الآن نحو التساؤل عمّاهية الوسائل المستخدمة للتصدي لهذه الصورة الكبرى التي تلغى فيها بعض الثقافات من أجل ظهور الثقافات الأكثر تأثيرا. لكن لا بد من الإشارة هنا إلى مفهوم العولمة المتعارف عليه والمتمثل في تكامل عدة جوانب – منها الثقافية والاجتماعية - أو التقائها وتحول العالم إلى قرية صغيرة وفكرة أن الجوانب الإيجابية تعد حاضرة في معظم تلك الجوانب. من الأساس ابتدأت الأمور تأخذ منحى إيجابيا من ناحية نقل المعارف والعلوم والتجارب المتراكمة والمعلومات واختصار الجهود الفردية التي كانت ستبذل لولا وجود وسائل تنقل تجربة شعب ما إلى الشعوب الأخرى، ومنها بدأ انتقال الأفكار بما تحمله من أمور قد تتوافق مع الأفكار السائدة في المجتمعات الأخرى – المستقبلة للمعلومات – وقد لا تتوافق مؤدية إما إلى القبول والذوبان في الآخر أو الصراع والرفض والتصدي للآخر. وتشكل الأخيرة عنصرا مهما في الفكرة التي طرحها صموئيل هانتجتون في نقاشه لصراع الحضارات حيث تكاد تجزم مجموعة ما على أنّ العولمة ليست صدفة أو نتيجة لشيء ما إنما هي خطة مرسومة بدقة في سبيل تحديد العناصر المسيطرة من الشرق أم الغرب، ومن ناحية أخرى هنالك الفئة التي تؤمن بأن العولمة جاءت كنتيجة حتمية للتطور التكنولوجي الذي حصل وظهور وسائل الاتصال والتواصل. وعليه، يصبح التواصل أسهل عن ذي قبل مع توافر كل هذه الوسائل بجانب المواصلات التي أصبحت في متناول فئات كثيرة من المجتمع وغير مقتصرة على فئة محددة. لذلك ومن منطلق الحيادية من الإجحاف أن نلقي باللوم على دولة ما نتيجة الضرر الناتج عن موجة العولمة؛ لكن لابد من إقرار وجود العناصر التي تترقب الفرصة لتستغل هذه الموجة في سبيل التأثير وتحقيق المصلحة على حساب الأطراف الأقل قوة. كذلك تكون هذه الأطراف تملك مقومات تحقيق ذلك عن طريق خلق الأسباب المؤدية لانبهار الأطراف الأقل قوة بهم مما يسهل تحقيق المهمة. ومن المهم هنا فهم رأي المدرسة الواقعية فيما يتعلق بهذا الجانب فالتساؤل المنطقي كذلك هنا هو إن أتيحت الفرصة لدولة ما أن تصبح بهذه القوى وهذا التأثير هل ترفض ذلك؟ قد تكون الإجابة نسبية إذا ما تقمصنا دور تلك الدولة لكن المنطق يقول إنّ الدول دائما ما تسعى أن تصبح أكثر قوة من ذي قبل لذلك من اللامنطقي أن ترفض هذه الفكرة. وتكمن النسبية في الإجابات المحتملة على كم الأضرار التي ستتسبب بها تلك الدول في الدول الأقل قوة منها وهنا تبرز وجهة نظر المدرسة الواقعية المهيمنة على طبيعة العلاقات الدولية – في الفترة الحالية على الأقل – إنّ مسألة إلحاق الضرر بالطرف الآخر لا تعد أولوية أمام مسألة تحقيق القوى لا سيما إذا كانت الدولة تتبوأ مركزا عالميا مهما اقتصاديا وسياسيا حتى تسهل مهمة الإفلات من محاسبة القانون والمنظمات الدولية. فتبقى التساؤلات قائمة فيما يتعلق بالعولمة والهويات والثقافات وتحديدا أمام المتغيرات العالمية المتسارعة التي بدأت ولا زالت مستمرة إلى يومنا هذا.

أخبار ذات صلة