لنير برعام
*أميرة سامي
- اهتم الكاتب الإسرائيلي ניר ברעם نير برعام بقضية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، فعرف الكثير عنها من المقالات والكتب الفلسطينية والنصوص التي تمت ترجمتها إلى العبرية بواسطة يهودا شنهاف وعاموس عوز ودافيد غروسمان وغيرهم، قبل أن يخرج عام 2014- 2015 في رحلة لأكثر من عام في الضفة الغربية والقدس الشرقية، لأجل معرفة كيف يمكن للناس أن تعيش حقًا في هذه الأماكن، التي هي في نظر معظم الإسرائيليين الآن، منطقة غامضة تمامًا، يعرفونها فقط في خيالهم.
- قابل الكاتب في رحلته العديد من الشخصيات والأماكن المختلفة التي من الصعب أحيانًا أن يؤمن بوجودها، ومن هذه الأماكن التي زارها رأس خميس ورأس شحادة وكفر عقب ومخيم بلاطة وغيرها، والتقى المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، والذين سجنوا وراء الجدار الفاصل في القدس ويعيشون في أحياء مثل أحياء الغرب السيئة للغاية، والتي تسكنها سحب الدخان وحاويات النفايات المحروقة، ويذكر الكاتب أن هذه البؤر الاستيطانية يعرف مكانها عدد قليل من الطلاب والطالبات الشبان وأسرى حماس الذين أسسوا منظمة אולפן أولبان للعبرية (هي منظمة توفر الفرصة للطلاب لتطوير مهاراتهم في اللغة العبرية وإعدادهم للحياة في إسرائيل).
يقول الكاتب: (لقد أدركت أن الجدار الفاصل هو أول ما ينبغي إسقاطه وإزالته قبل أي حديث عن ترتيبات أو تسويات سياسية).
- شاهد الكاتب العديد من الأحداث التي تجري في هذه الأماكن ومنها شابان فلسطينيان مكبلا الأيدي بالقرب من طريق مهجور بعد أن اقتحما معسكر الجنود وكانت السكاكين في أيديهما، وأعمال الشغب بجبل الهيكل، وقتل الشباب العربي في القدس، وقتل ثلاثة شبان يهود، وحرب غزة والانتخابات الإسرائيلية، وموجات العنف الجديدة وغيرها من الأحداث التي بدأ يكتشفها تدريجيًا من خلال رحلته.
-على خلفية هذه الأحداث المتحركة بين لحظات الأمل والشعور باليأس والتعسف من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، قدم الكاتب نير برعام في كتاب "البلاد في ما وراء الجبال" صورة بانورامية جريئة ومثيرة ومفاجئة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني ولم يتردد في طرح الأسئلة التي تتناسب ووجهات النظر، من أجل الإقدام على أفعال ملموسة في سبيل المستقبل.
- هدف الكاتب من هذا الكتاب، هو أن يقرأ الناس الأمور على حقيقتها كما هي في الواقع، لذا لم يذكر الكاتب رأيه الشخصي إلا فيما ندر، حيث يرى أن المستقبل غامض في هذه الرحلة، بل إن "كتاب البلاد في ما وراء الجبال" قد كشف حقيقة هامة عن مستقبل الطرفين الإسرائيلي – الفلسطيني المتنازعين وهو أن الإسرائيليين لا يملكون أي رؤية بالنسبة للمستقبل، وعلينا أن نرتاب من الوضع الإسرائيلي الفلسطيني فيما بعد، فهو أمر يدعو إلى الارتياب حقًا.
- من الأماكن التي ركز عليها الكاتب في كتابه، كان مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين، وهو أكبر مخيم في الضفة الغربية، تم إنشاؤه عام 1950، داخل حدود مدينة نابلس، ويتكون من شرائح سكانية تعود لأصول مختلفة.
- يصف الكاتب مخيم بلاطة بقوله: عدد قليل من السيارات تسير على الطريق ونحن نمر على أكوام من قطع السيارات والأشجار المتناثرة المحيطة حول الجبال، والمنازل المكونة من طابق واحد، وبالقرب من قرية בורין بورين جنوبي مدينة نابلس، اعتقلت قوة من الجيش الإسرائيلي اثنين من الفلسطينيين أثارا شكوك الجنود، ولكن لم يحملا معهما السكاكين.
- أزقة مخيم بلاطة مزدحمة والطرق مليئة بالحفر والقمامة وأكوام من الأوساخ والمجاري والشوارع الواسعة تتفرع منها الأزقة الضيقة طولها وعرضها بعرض جسم الإنسان، وفي كل زقاق تجد فئات من الأطفال يسألونك مرارًا وتكرارًا ويضحكون How are you? كيف حالك؟ وجدران البيوت مليئة بالكتابة والرسومات تحمل شعار الحرب على شكل بندقية وحمامتين "شعار السلام".
ويقول الكاتب، إن منظمة ארגון الطبية للمساعدات الإنسانية، أقامت نوعًا من العيادات ليتمكن جميع سكان المخيم من الحصول على العلاج.
- التقى الكاتب نير برعام العديد من المستوطنين واستمع إلى ما يقولون وكيف ينظرون إلى المستقبل، واستمع إلى مجموعة من الشباب الفلسطينيين يقومون بالأعمال التطوعية وخدمة الناس في المخيم، حيث يعانى الشباب من البطالة ويساعدون الفقراء والمحتاجين، ويقومون بتنظيف الطرق وتفعيل الأنشطة والمسارح، وأدار الكاتب حوارًا معهم، متسائلاً عن الحل السياسي في آرائهم، فقال أحدهم أنا من يافا، وقال آخر من כפר סבא كفر سابا (في إشارة إلى القرية العربية כַּפְר סַאבַּא كفر سابا، وتقع إلى الشرق من כפר סבא كفر سابا العبرية)، والآخر من غزة، وهي أسماء مدن أو قرى أجدادهم، التي تم ترحيلهم منها، يخبرنا صلاح: عندما احتل الإسرائيليون كفر سابا هربت أسرته إلى مدينة קלקיליה قلقيلية، وبعد ذلك قرية قرب סלפית سلفيت، إنهم يعتقدون عودتهم في غضون بضعة أسابيع.. فجده مزارع، وله أراضٍ في منطقة كفر سابا.
كانت آراء الشباب أن الأشياء الجيدة هي التي سوف تأتي بالسلام، بالنسبة للفلسطينيين، الإسرائيليون هم الاحتلال فكل واحد منهم له إخوة أو أعمام قتلهم الجيش أو في السجن الآن، إنهم يؤمنون بدولة فلسطينية والعيش مع الإسرائيليين، ولكنهم يرون أن هناك فرقًا بين الإسرائيلي والصهيوني، فاليهود الإسرائيليون هم الذين لهم رب ويعتقدون في الدين، بينما الصهيونية هي منظمة الإرهاب.
تحدث الكاتب نير برعام عن الوزير الفلسطيني زياد أبو العين، الذي قتل في مواجهة مع الجنود، حيث علم من أحد أقاربه أنه كان قائدًا بحق، فقد كان مسجونًا ويدعو إلى تقديم تقارير عن حالة الأسرى والمحتجزين.
كما التقى الكاتب نير برعام، غسان دغلس، مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية، ووفقًا لأقواله، إنه "يوميًا يزور القرى التي هوجمت من قبل المستوطنين، وخاصة في منطقة نابلس، حيث يوجد هناك 12 مستوطنة في منطقة نابلس، على بُعد حوالي 2500 شخص يعيشون هنا، وخاصة الناس من مستوطنة יצהר يتسهار يهاجمون باستمرار القرية ونحن نحميهم بقدر ما نستطيع"، ويشكو أيضًا من ضعف الأنشطة والإمكانيات، مما أدى إلى قيام المبادرات المحلية من قبل الناس لحمايتهم والدفاع عنهم، خاصة أنه قد قدم شكواه للجيش الإسرائيلي، ولكن دون جدوى.
- يقول الكاتب نير برعام بكل صراحة، إنه لا يتحدث باسم الفلسطينيين، بل يقول ما سمعه، فاليهود يناقشون يوميًا حل الدولتين، بينما ما يبحث عنه الفلسطينيون هو الحصول على أبسط حقوقهم، مثل التنقل وحرية الحركة، لذا يؤيد الكاتب أي حل يمكن تطبيقه، وفيه ينهي معاناة الناس اليومية.
- اهتم الكاتب نير برعام بالتحدث إلى عدد كبير من الفلسطينيين، ورصد ما يقوله في كتابه لفحص الإنكار المتعمد في إسرائيل لما حدث في عام 1948، فوجد أن النظرية المكرَّسة في أوساط اليسار والوسط الإسرائيلي عن أن الفلسطينيين يتحدثون عن حدود 67، بينما هم يريدون حدود 48 فعليًا، وعندما كنت أسأل الناس حيث هم، فإنهم غالبًا ما يشيرون إلى منزل العائلة قبل 48، وهنا أظهر الكاتب رأيه الشخصي قائلا: "باختصار أردت فحص مواقفي كلها وفيما يتعلق بـ48 وجدت أنه عليّ إعادة صياغة وبناء رؤيتي وموقفي السياسي من جديد، ومما قرأته للكاتبين عاموس عوز ودافيد غروسمان اللذين يعتبران 67 مفتاحًا لفهم كل شيء"، ويقول نير برعام: لقد أزعجاني جدًا من هذه الناحية لأنهما لم يصغيا للفلسطينيين في حين أنني لم أجد فلسطينيًا واحدًا مما التقيتهم لا يتحدث عما حدث في 48، فليس جميعهم ممن طردوا آنذاك، لكنني التقيت أشخاصًا طردوا بالفعل، منهم مثلا أحمد طوقان، المسؤول عن حركة فتح، قال لي: "أريد العودة إلى قريتي وإلى بيتي، وأنا مستعد أن أصبح مواطنًا في دولة إسرائيل".
ويوجه الكاتب حديثه إلى الإسرائيليين، والذي يعرفه الفلسطينيون جيدًا، بأن خط 67 لن يجسد الرؤية السياسية المستقبلية، وهي حقيقة يجب الاعتراف بها وتسجيلها.
يقول الكاتب: في الطابق الثاني من مبنى قسم للاجئين تجمع عشرات من الناس ينتظرون، لم ينتظروا الطبيب، وإنما لقاء قصير مع مدير قسم شؤون اللاجئين، الذي هو جزء من اللجنة الشعبية في مخيم بلاطة، وتتبع اللجنة إدارة شؤون اللاجئين الفلسطينيين، وهي تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تأسست عام 1995م، بعد أن اتخذت السلطة الفلسطينية مقرها في الضفة الغربية، لقد كانت هناك دائمًا هذه اللجان في مخيمات اللاجئين في الأردن أو لبنان، لكن بعد أن تم حظر اتفاقيات أوسلو لم تعد تقام في الضفة الغربية، يجلس رئيس اللجنة أحمد طوقان، في مكتبه الممتلئ بالدخان، وهو طاولة كبيرة حولها الكثير من الناس يتحدثون عن الأرض التي اشتريت في المخيم ويريدون بناء روضة للأطفال، لكن القضية الرئيسية هي المال.. ليس هناك ما يكفي من المال، واستمع الكاتب نير برعام للعديد من المشاكل الموجودة داخل المخيم، منها ما يعانيه السكان من أمراض متعددة من أمراض الجهاز التنفسي وارتفاع الضغط والسكر، وخاصة مرض السكر المنتشر بين الأطفال، وإغلاق العيادات الطبية في وقت مبكر، والعلاج باهظ الثمن، وارتفاع أسعار الأدوية في الصيدلية، بالإضافة إلى مشكلة البطالة وصعوبة العثور على العمل، هذا بالإضافة إلى مشكلة المسجونين، فالرجل يخرج من السجن في سن 35 ولا توجد له أسرة ولا عمل ولا تعليم، إضافة إلى وجود أكبر عدد من السجناء والوفيات من نابلس، حيث قتل حوالي 300 شخص في الانتفاضة الثانية، والتوتر الذي يعيشون فيه، تقول إحدى السيدات "هناك ضوضاء في الليل وأحيانًا إطلاق النار".
بعدما شاهد الكاتب بعينه هذه الأحداث، وجد أن اتفاقية أوسلو التي تم التوقيع عليها، كانت راجحة بالكامل لصالح إسرائيل، بسبب الوضع السيئ الذي يحيط بالفلسطينيين على خلفية الأوضاع الإقليمية، وهو ما استغلته إسرائيل أفضل استغلال، وخصوصًا عقب وفاة رابين، وعلى هذا يقول الكاتب: لقد أدركت الهراء الذي يدور في إسرائيل حول التنازلات التي قدمت في أوسلو وتيقنت أن اتفاقية أوسلو بعدما رأيت ما رأيته في الضفة الغربية والقدس، كانت في الحقيقة تنازلاً فلسطينيًا قام على أساس الإيمان بسلامة النية الإسرائيلية وصدقها، هكذا كان الإنجاز الأول لأوسلو يكمن في أنها أتاحت لإسرائيل تطبيع المستوطنات وشرعنتها ثم مواصلة البناء فيها، دون أن تكون لدى الفلسطينيين أي شرعية لمجرد الاعتراض.
من أهم استنتاجات برعام في هذا الكتاب:
1- إنه ليس بالإمكان التوصل إلى حلٍ ما للصراع الإسرائيلي الفلسطيني من دون الحديث الصريح حول ما جرى في 1948(النكبة الفلسطينية)، فينبغي أولاً الاعتراف بما حدث، وعلى اليسار في إسرائيل أن يعرف كيف يناقش وينتقد نفسه قبل انتقاد اليمين.
2- أوضح الكتاب نقطة منغلقة تمامًا وهي تشدد الإسرائيليين، ورفض اليسار الصهيوني الحديث عن 1948.
3- إن فكرة حل الدولتين لشعبين يفقد على أرض الواقع، الكثير من معناه ومن فرص تحقيقه، خصوصًا حيال مواصلة البناء في المستوطنات والحوار عن "الكتل الاستيطانية".
4- حمل الكاتب اليسار في إسرائيل مسئولية التحريض العنصري المتفشي في الآونة الأخيرة واعتبره المسئول عن الفصل بين اليهود والعرب داخل الخط الأخضر، والذي أسهم في إيجاد "جيتو يهودي" يرى في غير اليهود خطرًا يلاحق اليهودي ومشروعه.
5- إن الحل الأكثر معقولية من وجهة نظر الكاتب نير برعام، حتى الآن، دولتان لوطن واحد، فهو من مؤيدي فكرة الكونفدرالية.
6- المشكلة الأساسية في أوسلو، أن أحدًا لم يتطرق هناك إلى السؤال المركزي "وماذا عن الحل النهائي؟" تأجل البحث مرارًا وتكرارًا، ولكن أوسلو لم تكن محاولة خداع قام بها رابين ضد الفلسطينيين، ولكن اليسار الصهيوني (حزب العمل وحركة ميرتس بصورة أساسية) لم يفهم حقًا مجال التسوية الفلسطيني.
------------------------------------------------------------
اسم الكتاب: البلاد في ما وراء الجبال
اسم المؤلف: نير برعام
الناشر: دار نشر عوفيد
سنة النشر: فبراير2016
اللغة: العبرية
عدد الصفحات: 142صفحة
