تحدّي الإسلام، التّقاربات المسيحيّة

Picture1.png

 كلاوش فون شتوش

رضوان ضاوي: باحث في الدراسات المقارنة، الرباط، المغرب.

يعتبر البروفيسور "كلاوس فون شتوش" أهم ممثِّلٍ لدراسة الأديان المقارنة في ألمانيا، وهو أستاذ اللاّهوت في جامعة بادِربورن، ويعمل بشكلٍ وثيقٍ مع علماء مسلمين وشخصيّات يهوديّة على مشاريع بين-دينية: ويعدّ كتابه (تحدّي الإسلام، التّقاربات المسيحيّة) من أهم الكتب التي طرحت انشغال اللّقاء بين الدّيانات (الإسلام والمسيحيّة) الذي غفل عنه الكثيرون وهو موضوع في غاية الأهميّة، "بهذا المعنى يريد "شتوش" من خلال هذا الكتاب الدّعوة إلى اللقاء مع الإسلام". باعتبار هذا اللّقاء يمكن أن يساهم في إعادة اكتشاف الآخر، وفي فهم عميق للنّصوص الدّينيّة والسنيّة.

إذن هذا الكتاب لم يكن ليكتمل لولا التّبادل العلمي مع الأصدقاء المسلمين في مركز اللاّهوت المقارن، وقسم علوم الثّقافة في جامعة بادربورنمن، حيث قاموا بتزويد الكاتب بمعلومات قيّمة، وساعدوه بصفته مسيحيّا. إنّه عرض مميز للإسلام من خلال "الإدراك المسيحي" الذي يحاول دائمًا أن يقويّ نفسه بالأصوات المسلمة.

ويمكن توزيع فصول هذا الكتاب المرجعي "لكلاوس فون شتوش" إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول (الفصل1-2)، يعرض فيه "شتوش" تاريخ نشأة القرآن من منظور نقدي تاريخي، حيث ذكر فيه أهميّة القرآن عند المسلمين، ونشأة القراءات المتعدّدة له. كما تحدّث عن النّبي محمد صلّى الله عليه وسلم، وسيرته، ومدى إعجاب المسلمين بشخصيّته، وتحدّث بإسهاب عن مسألة ارتياب الغرب للنّبي، وقد اجتهد في رسم سيرة النبي بوعي واضح فاستعمل الاسم: "Muhammed" الذي يستعمله شركاؤه المسلمون النّاطقون بالألمانيّة.

وجاء القسم الثاني (الفصل 2-6)، ليقدّم لنا دراسة لصفات الله المتنوّعة، كما خصّ فيه بالتّفسير لصفة الرّحمة، وأركان الإسلام الخمسة، وعلاقة الإسلام بالحقوق والحرّيات والعدالة، وعلاقة الدّيانات التّوحيديّة بالعنف، فمثّل لهذا بآيات ضدّ العنف في القرآن الكريم.

أمّا في القسم الأخير (الفصل 7)، فقد تناول فيه الكاتب العلاقة بين المسيحيّة والإسلام من منظور مسيحي، وكيف ورد المسيح في القرآن في السّور المكيّة والمدنيّة.

أمّا بالنّسبة لأهميّة هذا الكتاب فهي تكمن في طرحه لمجموعة من الأسئلة الجوهريّة انبنت عليها أطروحة الباحث الألماني "شتوش" وتعنى بشكل واضح ومباشر على التّقارب بين المسيحيّة والإسلام.. وهذه الأسئلة هي:

- هل القرآن؛ كلمة الله موجّهة أيضا للمسيحيّين؟

- هل محمد هو نبي مرسل أيضا إلى المسيحيّين؟

- هل نؤمن (نحن المسيحيّون) والمسلمون بالرّب نفسه؟

- وهل نغامر (في ألمانيا) بمزيد من الشّريعة؟

- وما الذي يمكن للمسيحيّين أن يتعلّموه من القرآن؟

استعان الكاتب بعبارة كارل ماركس "اللّحظة تحدّد الوعي"، ليذكر مسلسل شيطنة المسيحيّين اليوم للقرآن، وللنّبي محمد في أوروبا، فقد بدأت حملة مسعورة على الإسلام في فترة ما بعد انهيّار جدار برلين. وجاءت هذه الشيطنة من منبعين هما: المسيحيّون الذين يعلنون معاداتهم للإسلام، والمسلمون المتشدّدون الذين يدّعون دفاعهم عنه، في هذا الإطار ازداد الاهتمام المسيحيّ بالإسلام، فتم إنشاء قسم يعنى بعلوم القرآن الكريم ودراسته بشكل صحيح في أكاديمية برلين - برانديبنورج العلميّة، مما يُعبِّر عن تعايشٍ أصيلٍ وحواريٍ بين الأديان.

فجوهر الحوار الإسلامي المسيحي اليهودي هو دراسة المسلم للإنجيل بعهديه القديم والحديث، إلى جانب التّوراة، ودراسة النّصراني واليهودي للقرآن الكريم دراسة صحيحة. وستكون ثمرة حوار طويل على مدى سنوات طويلة، ولقاء مع اليهود والمسيحيّين والمسلمين من أجل التّعرف على الممارسة الدّينيّة الحقيقيّة للشّركاء تحت شعار: "احك لي عن دينك وعن روحانيتك".

ويرى "كلاوس فون شتوش" في علاقة المسيحيّة بالأديان ضرورة و"تحدياً أكبر على الإطلاق للاّهوت المسيحي"، فهي "تعزّز الجوانب المسالمة في الأديان ومن واجبها أيضًا أنْ تساهم في تحديدنا لهوياتنا من خلال الحوار مع الآخر لا من خلال الانعزال والابتعاد عنه".

وأساس هذا الحوار المستمرّ هو إمكانيّة تعلّم المسيحيّين من أربع تظاهرات للجمال في خطاب الله، وهي:

  1. مظاهر الجماليّة في الخطاب القرآني باعتباره نصا جميلاً، وهو جانب مهمل في قراءة الإنجيل عند المسيحيّين.
  2. شفاهية القرآن، أعجب الكاتب بشفاهيّة القرآن، وتلاوته المستمرّة ممّا يضمن له حضورا محينّا.
  3. حوارية القرآن، من خلال الحوار وخطاب الله إلى البشر، والنّقاشات القرآنيّة بين المؤمنين والكفّار.
  4.  الرّد على خطاب الأديان القديمة الموجودة.

جاءت أهميّة هذا الكتاب من كون الدّراسة قام بها عالم دين لاهوتي مسيحي. ويناقش الكتاب إمكانيّة فهم القرآن انطلاقا من أبعاده الجماليّة. حيث يعتبر التّفسير الجمالي واعدا، ويفتح العلاقة بين الوحي والعقل الذي يتحرّك في تناغم مع التّقليد الإسلامي.

فالجماليّة هي مفتاح لفهم الإسلام، والجديد الذي جاء به الكاتب هو تجريب الإبدال الجمالي على أهم عناصر أماكن الإيمان الإسلامي: عن الصّورة الإلهيّة، وعن صورة النّبي، وعن المواضيع الحسّاسة، مثل ارتداء غطاء الرأس. وكانت "آنه ماريشيمل" قد أكدّت في العديد من الدّراسات القيّمة على شاعريّة وجماليّة الخطاب الإسلامي، والتّأثير النّفسي لأشكال مختلفة للتّعبير الذّاتي الإسلامي.

     كما جاء كتاب "الله جميل" لـ"نافيد كرماني" باعتباره أفضل عمل يعالج فيه الكاتب خطوة مهمّة تهدف إلى إعادة بناء مطلب الوحي الإسلامي جمالياً. ولقد عمل الكاتب على تلقي القرآن والتّعرف عليه جماليّاً، وأوضح أنّه بينما أرسل الله المسيح إلى شعب له دراية بالعلوم، من فلسفة وطب، وتوّجب عليه تجاوز هذه الفنون في عصره بمعجزة إحياء الموتى، إلاّ أنّ النّبي محمد جاء في عصر كانت فيه الفصاحة واللّغة أكثر شيء يجلب الفخر، لهذا كانت معجزته جماليّة ولغويّة وبلاغيّة متمثّلة في القرآن الكريم.

تقدّم المسيحيّة نفسها على أنّها ميزان للتّنوير، ويتم تقديم الإسلام في الغالب على شكل صفحة سوداء ظاهريّا في الثّقافة الأوروبيّة خاصّة حين يتحدّثون عن صورة الله. وإله المسلمين- هكذا في اللاّهوت المسيحي- هو إله آخر مختلف عن الإله المسيحي.

فرغم مسلّمات المسيحييّن والمسلمين المشتركة، بأنّه لا يوجد سوى إله واحد، يأتي الإدّعاء من اللّسان المسيحي بأنّ المسلمين يبجّلون الرّب الذي لا صبر له على الغيرية، وهو متخلف في حتميّته وفي وحدانيته وسالب لاستقلاليّة وحريّة البشر. والله لا يقبل أي تنوّع ولا يترك أي مساحة خاصّة للإنسان، فالإسلام يميل إلى نفي التنوّع. إنّه دين لا يريد أن يتصالح مع الفكر الغربي ولا مع القيّم الغربيّة.

ويقول "شتوش" إنّ مسألة الثّالوث المقدّس عند المسيحيّين تبدو من المحرّمات عند المسلمين، الذين يؤمنون أشّد الإيمان بوحدانية الله. حين ينتقد علماء اللاّهوت المسيحيّون جوهر الله عند المسلمين، الذي لا يمكن بصفته تلك التي رسمها المسيح ربط علاقات مع البشر، وهي حجّة على تفوق المسيحيّة، لأنّ الإسلام يعجز بهذا الفهم عن رؤية صفة المحبّة في الله، وبذلك لا يكون هناك مكان للتّعدد في الله من النّاحيّة الفقهيّة.

لكن "كلاوس فون شتوش" يرى في تعدّد أسماء الله الحسنى ومجيئها على شكل أضادٍ مثل: "الأول"/ "الآخر"، و"الظاهر"/ "الباطن"، في هذا معادلاً في الإسلام وسبيلاً للمسلمين يدركون من خلاله التعدّد في الوحدة.

وردّا على اتّهام المسيحيّين رب المسلمين بافتقاده للمحبّة، وبأنّ إله المسيحيّين ضحّى بنفسه عندما تجسّد بشرًا لكي ينشر المحبة، يذكّرنا الكاتب بـــ: دراسة "محمد خورشيد" أستاذ التّربية الدّينية الإسلاميّة في جامعة مونستر، الذي تحدّث عن وصف الله نفسه بالرّحمن أو الرّحيم. فقد قال "محمد خورشيد" إنَّ "رحمة الله لا توجد في كلمته التي جاءت في القرآن وحسب بل وفي الخلق نفسه أيضًا"، وهذا يعني أنّ الرّب موصوف بالمحبّة بالمفهوم المسيحي، وبالرّحمة بالمفهوم الإسلامي.

وبخصوص مسألة الشّريعة، فإن الكاتب "كلاوس فون شتوش" يذكر بأنّ مفهوم الشّريعة يظّنه الكثيرون منحصراً في مبدأ الرّجم والعقوبات، مشيرا إلى أنّ الشّريعة هي القانون الإسلامي الذي يعنى ببؤرة التّوجيه المركزي للمسلمين. كما أوضح أنّ الشّريعة نظام يمنح حرية الإيمان والمعتقد للجميع، ويدعو إلى عدم الاعتداء على كرامة النّاس، كما يدعو إلى المساهمة في نشر الخير بين الأجيال القادمة. في هذا المعنى يتوّجب أيضا على ألمانيا أن تغامر بمزيد من الشّريعة حسب قول "شتوش".

وبخصوص مواضيع جوهرية مثل: العنف واللّباس الشّرعي، فقد تناول الكاتب على نحو بارز النّداءات اللاّمنتهية إلى العنف ضدّ الذين يؤمنون بأديان أخرى، بالقول إنّ للعنف الإسلامي أصولا ترجع جذورها إلى الفترة الاستعمارية. ونبه الكاتب إلا أنّ الدّافع الثاني هو أنّ الآيات التي يحتج بها الإرهابيون قد تم منحها تفسيرا خاطئا، كما أنّ هؤلاء المتشدّدين الإسلاميّين يقدّمون أنفسهم جهلة بدينهم وبالتّقاليد التفاعليّة: "السّلفيون الجدد لا يكرهون شيئا بقدر كرههم للتّقاليد الإسلاميّة".

وقد ادّعى اللاّهوت المسيحي أنّه يعمل من أجل مساعدة الإسلام على الخروج من العصور الوسطى، والدّخول في العالم المعاصر: فالإسلام لم يقدّم أي تنوير، ويحتاج لهذا السّبب إلى مساعدتنا لكي نخرجه من القرون الوسطى. إنّ المساعد على التّطور يقترح على الإسلام ما يتوجب عليه، و"من الأفضل بواسطة تعاليم الثالوث، وأفضل مسلم هو المسيحي، وأفضل عارف بالإسلام هو مسيحي". وقد قرأ هؤلاء القرآن معزولا عن سياقه فشيطنوه، ومن الطّبيعي أن يحدث سوء فهم عام وواسع للكثير من الآيات أثناء هذه القراءة وبالتّالي تشوّه سمعة القرآن باعتباره كلمة الله.

من الواضح أن الكاتب كان غرضه حين يكتفي بتحريم ومنع تشويه مصداقيّة النبي محمد، أن يراه القرّاء المسيحيّون معلماً للكنيسة، تماماً كما صوّره القرآن معلماً ينتمي إلى العصور القديمة مثل المسيح. ويتعلّق الأمر في النّهاية بهيرمينوطيقا القرآن وتبليغه وقراءته بشكل مفهوم وصحيح، لهذا أعاد كلاوس النبي محمد إلى الواجهة لكي يغلق باب التّشويه الحقيقي الذي طال القرآن ومكانة النبي محمد في الإدراك المسيحي. وقد ذكر المؤلف في المقدّمة أنّ اللاّهوت المسيحي شارك باستمرار في تشييد صورة كاريكاتوريّة مستفزّة للإسلام، وعلى مدى سنوات طويلة عمل الكاتب على التّخلص من نموذج اللاّهوتي المسيحي الذي يساعد على تطوّر الإسلام، الذي تعود جذور تخلّفه إلى القرون الوسطى، فيدخله إلى العالم المعاصر. فالإسلام من وجهة نظرهم يواجه صعوبات في التّصالح مع الدّيمقراطيّة وفي قبول حريّة التّدين والعلم الفردي و"ليس لديه سمعة طيّبة اليوم".

يدعو الكاتب الدّيانتين إلى نقاشات مستفيضة حول القرآن وحول النّبي محمد، متمنيّا أن تزول كلّ الحصى السّاخنة من النّقاشات المعاصرة حول الإسلام. ويطلب من المسيحيّين ألاّ يرو في القرآن تعارضاً مباشراً مع المسيحيّة، فهو دين شريك، كما أنّه مرآة تعكس مضامين الدّيانة المسيحيّة. ويعتبر الإسلام تاريخياً شريكاً للمسيحيّة واليهوديّة. ويلاحظ القارئ أنّ أهم موضوع للبحث في اللاّهوت المقارن هو "المسيح في القرآن"، فقد تم ذكره في أكثر من 100 آية قرآنية. وهنا يفتح الكاتب مساراً مسيحياً غنياً بالمعارف مفصلاً فيه، يربط رؤى تاريخيّة مع تجارب اللّقاءات الشّخصيّة.

أراد "كلاوس" إعادة فتح النّقاشات عن وضعية القرآن في اللاّهوت المسيحي، حيث يأخذ بعين الاعتبار الفروقات الكبيرة، ويعترف في الوقت نفسه بالمشترك: وبالتّالي هذا الكتاب هو موجه لكل ارتياب، يمكن له أن يفتح أعيننا في نقاشاتنا الثّقافيّة المعاصرة عن الإسلام. وينظر الشّرق والغرب، والإسلام والمسيحيّة، إلى تاريخ متبادل ومشترك: تاريخ من الحروب، ومن التّجارة، وتاريخ من التّبادل في العلم والثّقافة.

وقد تبلور هذا التّاريخ مع الحروب الصّليبيّة الدّينيّة في القرن 11/13، والتي كانت لها أهداف اقتصاديّة واستراتيجيّة موجّهة ضدّ الدّول الإسلاميّة في الشّرق الأوسط. وعلى العكس من ذلك عملت الإمبراطوريّة العثمانيّة في ميلها إلى الغرب وجنوب أوروبا، حتّى أسوار فيينا، وشواطئ إيطاليا، وإسبانيا، والبرتغال، على التأثير على "الغرب الإسلامي" وكسر شوكته.

وكرمز لمطلب الكاتب الملح، من منظور غربي، كنيسة آيا صوفيا في اسطنبول، فقد كانت الكنيسة (بنيت سنة 532م) مركزا للدّين المسيحي وكاتدرائية، ثم تحولت إلى مسجد على يد السّلطان محمد الفاتح بعد فتح القسطنطينيّة. ويجمع هذا المبنى بين العمارة البيزنطية والزخرفة العثمانية. ولم يأمر السّلطان بإزالة رسومات الموزاييك الموجودة بداخلها حفاظاً على مشاعر المسيحيّين، وما زالت الرّسومات موجودة حتى الآن. بينما لا يتوانى الحكّام المسيحيّون في محاربة تأثير الإسلام في أوروبا، وتحويل المساجد إلى كنائس.

         يرى "شتوش" أنّه من يعتقد بأنّ الإسلام ليس جزءا من ألمانيا، فهو يؤكّد بأنّ المسيحيّة هي أيضا ليست جزءا من ألمانيا وأوروبا، ويؤكّد على جهله بالمسيحيّة والإسلام. لأنّ أوروبا لم تقتبس تقاليدها من التّأثير اليهودي عليها، فاليهوديّة في ألمانيا لم تساهم بنشر الحضارة والعلوم بمثل ما نشره المسلمون، وأوروبا اقتبست من الإسلام ثقافتها وعلومها.

واعتبر "فون شتوش" القرآن الكريم مرجعا للنّصارى، فمن يريد معرفة حقيقة المسيح عيسى بن مريم فعليه قراءة القرآن الكريم، فالمسيح ذُكر بالقرآن أكثر مما ذكر فيه اسم رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، ففي أكثر من مائة أية بالقرآن يوجد فيها ذكر المسيح، والنّصارى، وهناك من اعتنق الإسلام من النّصارى بسبب توضيح القرآن الكريم عن النّصرانيّة، ونفيه نبوة المسيح بشكل دقيق وواضح للغاية، وعلى النّصارى فهم القرآن الكريم من الإنجيل ومن المسلمين حتّى يكون للحوار الإسلامي مفهومه ويتحقق هدفه الذي يكمن في التّعايش السّلمي .

يعطي الكاتب قيمة كبيرة لـــ: "حوارية القرآن" التي تحيل على تعدّد دلالات النّص وفتح إمكانياته اللاّنهائيّة، وهي علامة مميّزة للإسلام. وبما أنّه كاثوليكي مسيحي يعمل بجدّ على الاقتناع بقوة اللاّهوت المسيحي، كما يحاول أيضا إظهار الجانب القوي والصّفحات المتينة من اللاّهوت الإسلامي. وبناء على ما تقّدم يتبين لنا أن "شتوش" كان حريصا في تعامله مع الإسلام في إطار انتباه وحرص مليء بالحب.

من خلال هذه القراءة يمكن أنّ نستنتج أنّ المسيحيّين يمكنهم أن يتعلموا مع المسلمين من خلال محاولة "كلاوس" في كتابه (تحدّي الإسلام، التّقاربات المسيحيّة) رفع المشترك الدّيني والثقافي الموجود بين الإسلام والمسيحيّة على ضوء النّقاش الموجود في ألمانيا عبر تكريم مسيحي للإسلام. ويتمنى الكاتب أن تساهم هذه الدّراسة في تغيير الحوار حول الإسلام في ألمانيا، وأن نتعلّم الاعتراف بحظوظ اللّقاء التّفاعلي ما بين-الدّيني، وفتح باب المساعدة في تغيير صورة الظّهور للإسلام في الحاضر بشكل مختلف؛ فهذا الكتاب موجه لكل ارتياب، ويطوّر وجهة نظر ثالثة حول ثقافة الدّيانات. ويمكن له أن يفتح لنا آفاقا مستقبليّة حول الثّقافة المعاصرة عن الإسلام، فهدف هذا الكتاب هو منح الإسلام قيمته الحقّة.

ويمكن أن يكون هذا الكتاب خطوة مهمّة على طريق إدماج وتدريس الإسلام والقرآن في النّسق المسيحي، من خلال دراسات الأديان المقارنة التي تبحث عن طرقٍ ينهجها المسيحيّون لتمكـِّنهم من تقدير قناعات دينيّة أخرى، فدراسة الأديان المقارنة هي "منارة راشدة في عالم الأديان".

     وانطلاقا من وجهة النّظر هذه، يريد الكاتب تقديم عمل مختلف يعتمد على التنّوع، ويريد التّركيز على الفروقات الموجودة بين الإسلام والمسيحيّة على مبدأ "الملك لير": "أنا سأعلمك الاختلافات"، وقد عمل الكاتب على إظهار هذه الفروقات من أجل توسيع مدارك الثقافتين، إلى درجة أنّ هذا التّمايز يقدّم عمليّة تعليميّة مهمّة، وينصح بـــ:"عدم طرح سؤال عما إذا كنّا نؤمن بالرّب نفسه، بل كيف تلتقي صورنا عن الله مع بعضها البعض".

     وعلى العموم يريد الكاتب الدّعوة إلى لقاء مكثف بالإسلام من خلال الفهم والتّعلم المتبادل، وأيضا المشاركة في الممارسة الدّينية. وبهذا ننصح الجميع بقراءة هذا الكتاب وترجمته إلى اللّغة العربية، خاصّة المسيحيّين، الذين يريدون أن يفهموا الإسلام ويبحثون عن حافز للحوار البين-ديني، وعقد صداقات مع مختلف معتقدي الدّيانات الأخرى، من أجل إثراء إيمانهم الإنساني، كما ينصح بذلك الكاتب قرّاءه.
-------------------------------------------------------------------

الكتاب: تحدّي الإسلام، التقاربات المسيحية. الكاتب: كلاوش فون شتوش.

دار النشر وسنة النشر: فرديناند شونينغ، بادربورن، 2017.

لغة الكتاب: اللغة الألمانية.

 

 

أخبار ذات صلة