تغيير واحد بالمائة فحسب كفيل بأنْ تختلف الحياة!

Picture1.png

للكوري لي مين كيو

محمود عبد الغفار مدرس الأدب الحديث والمقارن كلية الآداب- جامعة القاهرة

يعرف الذين عاشوا أو درسوا في كوريا أن الخط الدائري العريض حول الرقم واحد بالمائة هو علامة "صح" التي يضعها المعلمون والمدرسون عندما يصححون أوراق الطلاب، وبالتالي فكأننا أمام غلاف وضعت عليه علامة "صح" التي احتوت داخلها معنى جملة العنوان بشكل حرفي. هذا التصميم يوحي للوهلة الأولى بالعلاقة بين الكتاب والتعليم والمتعلمين كما أنه يمنح القارئ الكوري نوعًا من الثقة في المحتوى؛ تلك الثقة المستمدة من المخزون الذهني الطيب لتلك العلامة الدائرية التي أشرنا إليها من قبل. أما عن الجملة التي وضعت بفنط طباعي صغير أعلى العنوان فهي جملة تشويقية لأنها تشير إلى وجود خمسة وعشرين مشروعًا لتطوير الذات بين دفتي الكتاب. لقد حقق هذا الكتاب مبيعات تجاوزت المليون نسخة وبالتالي كان على قائمة الأكثر مبيعًا عند طباعته في المرة الأولى، ومن ثم أعيد طبعه من جديد عام 2016م لأنه أصبح بمثابة الدليل الإرشادي لكل الذين يعانون من مشكلات في التواصل والاتصال، كما رشحه معهد مؤسسة سامسونغ للدراسات والبحوث الاقتصادية ليكون أحد الكتب الإرشادية المهمة لوزارة الثقافة والإرشاد السياحي. الغلاف يشير كذلك إلى أنَّ الكتاب يتضمن النصائح الجديدة للأستاذ الأكاديمي لي مين كيو؛ الأمر الذي يعني أنه شخصية معروفة ولها مكانتها المرموقة لدى القراء في بلده.

في مقدمة الكتاب تأكيد من جانب المؤلف على أن نسبة "واحد بالمائة" تعد كافية لكي تُحدثَ أثرًا في تغيير الحياة بشكل ملموس. يتحقق هذا التأكيد عبر الكشف عن سبل التدريب أو التدريس نحو توجيه الحياة وجهة أفضل ولو عبر تغييرات صغيرة. يغطي الكتاب ستة موضوعات وخمسة وعشرين تفصيلة أو نقطة محورية على نحو ما أشار غلافه، مثل تحديد الأهداف والتخطيط نحو الارتقاء نحو الأفضل، والتعرف على المواهب والقدرات الخاصة وتطويرها بعد التعرف عليها واكتشافها. التأثير الفعال هنا يتيح الوقت ويمكّن كذلك من السيطرة عليه، وذلك من منظور أن التحكم في الذات واكتشاف الوقت المهدر هو العنصر الأول والأهم في حياة كل إنسان. يتضمن الكتاب كذلك عددًا من النصائح من قبيل "تعلّم شيئًا واحدًا واستخدم عشرة طرق وعِشْ ببساطة"، و" قدّم الهدية المناسبة لمن يقدم لك معروفًا"، و" لا ترهن عينيك على الهدف طالما كانت الطرق مسدودة وأنفِقْ وقتك وجهدك في هذه الحالة بحثًا عن سبيل أو وسيلة أخرى"، و" تعلّم فن إيجاد البدائل التي تقود نحو تصحيح المسار وتعدّل أو تغيّر العادات السلبية التي يجب أنْ تُلقى بعيدًا". هذا الفن وتلك المهارة من أهم ما ينبغي على المرء التمتع به لكي ينجح في حياته. "عندما تغير أفكارك يُمكن للدراسة أن تصبح أكثر إمتاعًا". من ناحية أخرى، فكل نقطة أساسية تناولها المؤلف ارتكزت على عنصرين أساسيين يقومان على تأمُّل التفكير ونماذج السلوك بحيث تتحرك الحياة نحو اتجاهات مختلفة؛ اتجاهات يريدها المرء بعد أن قام بتحليل الأسباب والدوافع التي مكنته من بلوغ ما أراده. ومن هذه الزاوية فحسب يمكن للمرء أن يعيد تطوير ذاته نحو حياة أبسط وأكثر نجاحًا في بُعدها الواقعي بتفاصيله اليومية المعيشة. أما أكثر الجمل التي يرتكز عليها الكتاب كله فهي أنه ليس من الضروري القيام بتغييرات كبيرة لأجل بلوغ حياة بسيطة ومستقرة وناجحة، فواحد بالمائة فحسب يعدُّ تغييرًا كافيًا للتأثير في حياة الناس بشكل إيجابي ملموس.

المؤلف " لي مين كيو" عالم نفس وأستاذ أكاديمي بجامعة "آجو" بكوريا الجنوبية، وهو مشهور بأنه "عالم النفس الفذّ صاحب نسبة الواحد بالمائة"، لأنه نشر الكثير من الوعي السيكولوجي بشكل مبسط بين عامة الناس، وأقنعهم بأن تغييرًا ولو بنسبة واحد بالمائة فحسب كفيل بأن يجلب النجاح ويحقق نوعًا من السعادة. تخرج "لي مين كيو" في قسم التعليم الخاص بجامعة دنكوك، ثم حصل على الماجستير ثم الدكتوراه من قسم علم النفس العلاجي بجامعة سول الوطنية. وقد خدم في أهم المكاتب الحكومية المشرفة على اختيار الطيارين بسلاح الجو الكوري، كما عمل مستشارًا للطلاب بمعهد جامعة "سول" الوطنية. وترأس مركز جامعة "آجو" للدراسات النفسية. حصل على جائزة أفضل معلم بجامعة "آجو" عام 2001م، كما تم اختياره ضمن أفضل خمسة وعشرين كاتبًا كبيرًا في كوريا الجنوبية على هامش الاحتفال بمرور ثلاثين عامًا على إنشاء مؤسسة "كيوبو" العريقة للنشر والتوزيع عام 2001م. من مؤلفاته الأخرى: "عندما تفكر بطريقة مختلفة سيكون العالم مختلفًا" عام 1996م، ذلك الكتاب الذي سهّل أو بسّط فيه المعرفة السيكولوجية لدى عامة الناس. بعد ذلك نشر كتاب "حلمك وسعادتك تم إقرارهما في سن المراهقة"، وقد اعتمد فيه على رسائل البريد الإليكتروني المتعددة التي جمعها وحللها لكي يساعد ابنه المراهق في تحديد أهدافه وتحقيقها. في عام 2014م نشر كتابًا بعنوان "لا بأس أنْ تبدأ الآن"، وهو الكتاب الذي لاقى صدى واسعًا بين المعلمين وأولياء الأمور ومَنْ في سن المراهقة، كما أنه يعدّ كتابًا تشجيعيًّا لتلاميذ المرحلة الإعدادية وللمراهقين كذلك. أحد أهم كتبه بعنوان "الممارسة هي الحل"، ذلك الكتاب الذي ركز فيه على مفهوم الممارسة لدى أولئك الذين يحسنون التخطيط لكن تنقصهم إرادة الفعل. فضلاً عن أنه واحد من الكتب المفضلة لدى القراء الأجانب عندما تُرجم ونُشر في اليابان وتايوان وتايلند.

في القسم الأول من هذا الكتاب يتناول المؤلف مسألة التخطيط ووضع الأهداف لأجل الارتقاء. ويبدأ هذا القسم بعبارة مفتاحية مفادها "إنه ليس متأخرًا أبدًا أنْ تبدأ". إنها مقولة أو حقيقة يتبناها بالفعل لكن هذا لا يعني أنه يوافق على ما يردده أولياء الأمور بشأن رغبتهم في العودة إلى الدراسة من جديد، فهو يرى أن هذه العبارة مجرد حثّ لأبنائهم على الاجتهاد في الدراسة فحسب. وتحت عنوان "الشخص الناجح ليس من مكان مختلف عن مكاننا". يذكر المؤلف أن الذين يرون أنفسهم غير موهوبين هم في الغالب لم يحاولوا بالقدر الكافي أن يتعرفوا على ما لديهم من قدرات. ثم يضيف "قبل أن تعقد العزم على الانطلاق عليك أن تحدد الوجهة أولاً". إن كل أولياء الأمور يتمنون أن يعيش أولادهم حياة أفضل من التي عاشوها هم لأنهم يعرفون حقيقة أنّه عند وضوح الهدف تصبح الدوافع أقوى، وعندما تصبح الدوافع أقوى تتزايد احتماليات تحقق الهدف. وتحت عنوان "ليس هناك شجرة يستحيل تسلقها"، يرى أنّ كثيرًا من الناس يعتقدون أنّ الفشل هو المقابل للنجاح، وهذا أمر غير محمود لأن الفشل ليس عكس النجاح كما أنه ليس أمرًا سيئًا. فالنجاح والفشل يخرجان من رحمٍ واحد. ثم تحت عنوان "الطموحات العظيمة تحتاج إلى أهداف محددة"، يرى أنّ الكثيرين يعتقدون أن الأهداف يجب أن تكون عظيمة من أجل أن تتحقق طموحات عظيمة ولذلك يعجزون عن وضع أهدافهم وبالتالي يفشلون في تحقيقها. إن المرء لا يحتاج إلى طموحات عظيمة، إنه في حاجة إلى أهداف مهمة ولو مرتكزة على تفاصيل بسيطة. الأهم هنا التعرف على الأهداف وتحديدها بدقة. ويختتم هذا القسم بأن الذين لا يقدرون على تحقيق مخططاتهم عليهم أنْ يقوموا بتجهيز وإعداد قويين.

 القسم الثاني بعنوان "التعرف على الإمكانيات الكامنة داخل المرء، واكتشاف القدرات والمواهب وتطويرها". يبدأ هذا القسم بقوله "لا تتحدث مطلقًا عن نفسك بنبرة شفقة". فالنظر إلى الناحية المظلمة باستمرار تجعل المرء بائسًا ولا تساعد على إضاءة العالم من حوله. هناك شرط يجعل من وجهة النظر السلبية نقطة قوة فعّالة وإيجابية، وهي أنها يمكن أن تقوده لاكتشاف الجانب الإيجابي الكامن داخله. وتحت عنوان "انتقل مما يجب عليك فعله إلى ما ترغب في فعله"؛ يشير المؤلف إلى أن البالغين عادة ما يقضون قرابة خمسة وسبعين بالمائة من وقتهم في أنشطة تتعلق بما يقومون به من عمل لا بما يرغبون في فعله، وهذه من العادات التي يجب العمل على تغييرها. وتحت عنوان "اعمل بجدٍّ تحصل على مبتغاك"، يرى أنّ هذه المسألة تحديدًا أشبه بمعادلة يصعب تفسيرها بوضوح. فالعمل الشاق قد لا يكون مصحوبًا بأهداف واضحة أو خطط معينة ومع ذلك فإنه يقود إلى الوصول إلى المراد. وتحت عنوان بالغ الأهمية لأنه يتعلق بمسألة شديدة الحساسية في كل الثقافات تقريبًا يقول "ليس هناك تقييم أفضل من النقد" يرى أن الذين يتحاشون النقد ويمقتونه ولا يفسحون له المجال في حياتهم لن يتمكنوا مطلقًا من تطوير إمكانياتهم. وسيعود في القسم الأخير من الكتاب للحديث مرة ثانية عن هذه المسألة. ثم ينتقل إلى النقطة التالية قائلاً "اعملْ أقل تحصل على ما هو أكثر". فبعض الناس مع الأسف لا يحققون أي شيء لأنهم يضيعون أوقاتهم في البحث عن إجابات أو حلول لمشكلات لا تعنيهم في شيء. ثم يختتم هذا القسم بنصيحة مفادها "تعلم شيئًا واحدًا واستخدمه في عشرة أشياء".

القسم الثالث من الكتاب بعنوان "ابحثْ عن الوقت المهدر.. جِد الوقت وتحكم فيه". ويغطي هذا الفصل عددًا من النقاط أو لنقل النصائح الأساسية التالية: "إنْ عجزت عن تنظيم وقتك فشلت بالضرورة في تنظيم حياتك". فحتى الأسطورة بل جيتس وونستون تشرتشل لديهم أربع وعشرون ساعة مثلنا، لكنهما أحسنا استغلال الوقت حتى أصبحا شخصين غير عاديين. "إذا نظرت لتتأمل يومك المنقضي فسيكون غدك مختلفًا"؛ ولهذا إنْ أردت أن تتحكم في وقتك عليك أن تتعرف على طبيعة استغلالك للوقت. "قم بالأشياء المهمة أولاً"؛ الناجحون يقومون عادة بإنجاز الأشياء التي لا يرغب الفاشلون في القيام بها. بالمناسبة، هم أيضًا لا يرغبون في القيام بها ولكنهم يطمحون في تحقيق أهدافهم. "ابدأ الآن وهنا"؛ إن الذين يؤجلون الأشياء المهمة إلى وقت لاحق، ويؤجلون ما يرغبون في فعله إلى وقت لاحق كذلك سوف يدفعون الثمن. "استمتاعك بما تدخر يوفر الوقت"؛ بإمكان المرء أن يرمي بقطعة قطن احتياطية لكنه لا يستطيع أن يرمي وقت الفراغ لأن الوقت مع الأسف محدد بأربع وعشرين ساعة في اليوم الواحد لكل البشر بغض النظر عن تمايزهم، فالوقت تحديدًا مختلف في حياتنا عن أي شيء آخر. ولهذا فالحكماء لا ينفقون وقتهم بالتساوي على كل مَن حولهم، وذلك لأنهم يعرفون أن قيمة الوقت بل وقيمة الحياة نفسها قد حددها قلة من الناس وليس كل الناس. "عِش ببساطة"؛ مفتاح النجاح بسيط جدًّا. فلو أردت أن تدير شركة بنجاح عليك أن تركز على المجال الأساسي الذي ستعمل فيه تلك الشركة. فأعظم الشركات في العالم غالبًا ما تكون شركات بسيطة.

القسم الأخير من الكتاب بعنوان "السيطرة على الذات والتحكم فيها سبيلان لأن يتحكم المرء في حياته ويسيطر عليها". ويغطي هذا القسم النقاط التالية: إن نجح المرء في تغيير نفسه سيتغير العالم من حوله. يستطيع المرء أن يقوم وحده بأشياء صغيرة ولكنه في جماعة يستطيع القيام بأشياء كبيرة جدًّا. النقد شيء بالغ الأهمية لكنه مخيف ومزعج ومع كل ذلك على أولياء الأمور والمعلمين والمسؤولين القيام به، فمن الصعب جدًّا مهما بذل المرء من جهد لجعل النقد معروفًا أو خدمة يتم استقباله كما لو كان هجومًا شخصيًّا، أو باعتباره نقضًا إن جاز التعبير. "اعتذر أولاً"؛ يمكن للمرء أن يتجنب الكثير من المواقف والمشكلات التي تزداد تعقيدًا باعترافه بالخطأ. فترك الغضب كامنًا دون اعتذار قد يؤدي لنتائج في غاية الخطورة. "لو اشترى ابن عمك قطعة أرض، عليك أن تدعوه إلى الغداء على حسابك"؛ فالحسد والغضب لا يؤذي الآخرين، إنه يؤذي صاحبه فحسب. "النهاية عادة مجرد بداية جديدة"؛ فعلى المرء أن يتطلع دائمًا نحو بداية جديدة عقب النهايات، لا أن يظل هناك باستمرار عند مهمة أو أمر يعلم أنه قد انتهى.
-----------------------------------------------------------------------------------

عنوان الكتاب: تغيير واحد بالمائة فحسب كفيل بأن تختلف الحياة.

المؤلف: لي مين كيو

الناشر: دونان للنشر

اللغة: الكورية

عدد الصفحات: 296

سنة النشر: الطبعة الثانية 2016م

أخبار ذات صلة