لبيتر توبس ويان ترومب
* عبدالرحمن السليمان، أستاذ الترجمة في جامعة لوفان في بلجيكا
إذا كانت الجريمة قديمة قدم الإنسان، فإنَّ تنظيمها تطور منذ الثورة الصناعية حتى اليوم تطورًا كبيرًا، وشهد مع انتشار الشبكة العنكبية وثورة الاتصالات الرقمية تعقيدًا كبيرًا. وليست المافيا وغيرها من منظمات الجريمة السرية إلا مظهرًا واحدًا فقط من مظاهر عالم الجريمة السري الذي بات يطلق عليه اليوم اسم "العالم السفلي" تمييزًا له عن "العالم العلوي" الذي يراد به مؤسسات الدولة في دولة القانون. وزاد تماهي السياسة مع رأس المال والمصالح المرتبطة به من جهة، وتداخل العالم السفلي" مع "العالم العلوي" من جهة أخرى، من تعقيد المشهد الذي لا يكاد يتحدث عنه أحد لضبابيته وخطورته. من ثمة أهمية هذا الكتاب الجديد: "البوابة الخلفية لهولندا: أو كيف يتماهى عالم الجريمة مع الدولة والمجتمع" لكاتبيه بيتر توبس (Pieter TOPS) أستاذ العلوم الإدارية في جامعة تلبورخ في هولندا)، ويان ترومب (Jan TROMP) الصحفي الهولندي المعروف. ويكتسب الكتاب أهمية خاصة نابعة من كون هولندا واحدة من الدول الديموقراطية العريقة القليلة في العالم التي تكاد الدولة تنظم معظم جوانب الحياة فيها: من السكن إلى التعليم، ومن العمل والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية إلى التقاعد، وتراقب ذلك بدقة متناهية. وهذا يضع القارئ أمام مفارقة عجيبة لأن ازدهار الجريمة غالبًا ما يكون نتيجة لضعف الدولة المركزية أو غيابها عن بعض المجالات الاجتماعية الحيوية. من ثمة الضجة التي أحدثها الكتاب الذي يلقي ضوءًا على ظاهرة تكاد تكون مجهولة في هولندا.
يستهل الكاتبان كتابهما بالعبارات المثيرة التالية: "اللهب يلتهم مقر البلدية، ورؤساء البلديات أو المحافظون يتعرضون للتهديد، والمجالس البلدية مخترقة". في أثناء ذلك "يمول مجرمون غاية في الثراء النوادي الرياضية". أما في الأحياء الشعبية فإن تجار المخدرات هم "المصلحون الاجتماعيون الجدد". وعندما يُقتل شاب تركي بالرصاص في عملية تصفية حسابات بين العصابات "فإن أعضاء نادي الدراجات النارية ساتوداره (Satudarah) هم الذين يأتون لتنظيم حركة المرور" بدلاً من شرطة السير. وبذلك يثبت الكاتبان بأن للشبكات الإجرامية تأثيرًا كبيرًا – "أكبر مما قد نظن" – على الحياة العامة في هولندا. "كيف يكون ذلك، وفي هولندا؟" يتساءل الكاتبان باستنكار. ثم يجيبان بالقول "إن في هولندا طبقة اجتماعية تحتية محمية لا تفتأ تعبر عن اشمئزازها من النخبة" واحتقارها لها. لهذه الطبقة التحتية أفكارها الخاصة بها حول أهم مبدأ من مبادئ المجتمع الليبرالي: حق تقرير المصير. لقد طورت هذه الطبقة التحتية ما يسميه الكاتبان "اتحاد الجريمة المُبادِر"، لأن عصابات الجريمة المنظمة تبرز على الساحة وتتخذ فيها مبادرات شتى بعضها اجتماعي. في أثناء ذلك تكتفي الحكومة وسلطات الدولة "بالمشاهدة" كما يقول الكاتبان.
يتكون الكتاب من تسعة عشر فصلاً هي بمثابة التقرير لرحلة طويلة من البحث عن تفسير لبعض الظواهر المثيرة التي تطرحها وسائل الإعلام من وقت لآخر، وبعض الأحداث التي تقع في البلاد ولا تجد لها تفسيرًا معقولاً. يبدأ الكاتبان بمقدمة يتوقفان فيها عند التقرير السري الذي حرر صيف سنة 2013 واطلع عليه الكاتبان قبل إذاعته بين الناس بنصف سنة. يفجر التقرير قنبلة سياسية واجتماعية واقتصادية عندما ينص بأن "زراعة مخدر القنب الهندي أو "الكيف" في مدينة تلبورغ الهولندية هي الصناعة الأكثر ازدهارًا في المدينة". وحسب التقرير "فإن ألفين إلى ثلاثة آلاف مواطن في مدينة تلبورغ يكسبون خبزهم اليومي من الاشتغال بصناعة مخدر القنب الهندي هذه والتي يتراوح إيراده السنوي من 750 إلى 900 مليون يورو". ويضيف التقرير بأن حوالي "ستين منظمة إجرامية تنشط في مدينة تلبورغ" من أجل تنظيم صناعة القنب الهندي في مدينة تلبورغ وحدها. إن أهم مراحل هذه الصناعة هي (1) زراعة القنب، و(2) معالجته و(3) بيعه وأخيرًا (4) تبييض الأموال المكتسبة من الاشتغال به.
يعالج الكاتبان في فصل بعنوان "محافظون تحت التهديد" مشكلة الظهور الرسمي للشبكات الإجرامية في المجتمع، ويعزوان الكلام فيه لمحافظ مدينة تلبورغ في تصريح له بمناسبة إذاعة التقرير بين الناس: "لدينا هنا أشخاص يتجولون في المدينة بسيارات فخمة وغالية وهم يتكئون بسواعدهم على نوافذ سياراتهم المفتوحة وكأنهم أمراء، مرسلين بذلك رسالة إلى الجميع مفادها: نحن السادة المتصرفون في هذا المكان". ويقصد المحافظ بذلك تلك الطبقة التي جمعت ثروات مالية كبيرة من الاتجار بالمخدرات في دولة تشرعن استخدام المخدرات بكميات محددة. فهولندا واحدة من دول قليلة في العالم تشرعن استعمال كميات محددة من المخدرات في مقاهٍ مخصصة لتناول المشروبات والحشيش والماريوانا، تسمى "مقاهي الحشيش" (Coffeeshops). وقد حددت وزارة العدل الهولندية شروطًا كثيرة للترخيص لهذه المقاهي أهمها حد كمية البيع فيها بخمسة غرامات من الحشيش للشخص الواحد في اليوم. إن أهم حجة يسوقها المدافعون عن شرعنة استعمال المخدرات في الأماكن العامة والخاصة هو محاربة الاتجار غير الشرعي بها المؤدي إلى تحقيق أرباح طائلة بسبب غلاء المخدرات المهربة. ومع ذلك تزدهر تجارة المخدرات في هولندا خصوصًا وفي الغرب عمومًا، ذلك أن شرعنة استعمال المخدرات في هولندا مقتصر على المخدرات الخفيفة (مخدر القنب الهندي ومنتجاته من حشيش وماريوانا إلخ)، ولا يشمل المخدرات الثقيلة كالهيروين والكوكائين والحبوب المهلوسة. من جهة أخرى أصبحت أمستردام والمدن الهولندية الحدودية المتاخمة لبلجيكا وألمانيا محجًا لمتعاطي المخدرات من كل دول أوربا، مما يجعل الطلب على المخدرات أكبر من العرض فيها. وهذا ما يؤدي إلى انتشار ظاهرة مزارع الحشيش السرية في هولندا داخل الأراضي الفلاحية أو في المنازل الكبيرة أو في مستودعات كبيرة تحت الأرض. ويعتقد الكاتبان أن هذه المزارع لا يمكن أن تبقى مستورة بدون علاقة ما بين "العالم السفلي" (عالم الجريمة) و"العالم العلوي" (دولة القانون). ولعل التهديد الذي يتلقاه محافظو المدن ورؤساء البلديات القروية – ومنهم محافظ بلدية غِلزة راين (Gilze-Rijen) الواقعة جنوب مدينة تلبورغ والذي شمَّع عقارًا يملكه هولندي من أصل تركيّ كان يستخدمه مزرعة للحشيش – أكثر ما يثير التأمل في هذا السياق. يقول ذلك المحافظ: "عندما استدعيتُ ذلك المواطن إلى دار البلدية، فإن لغة جسمه كانت تقول لي: إياك أن تشمّع العقار وتصادر الغلة"! ويضيف المحافظ: "أظن أنهم سوف يراجعون أنفسهم ثلاث مرات قبل أن يتعرضوا لمسؤول في الدولة. وإذا ترك مسؤول في الدولة الخوف يقوده، فإن النتيجة ستكون الفوضى. هذا اعتقادي الراسخ. نعم، أناقش ذلك في البيت مع أسرتي. أقول لهم: لستُ خائفًا، لكنني حذر. في الوقت نفسه لا أستطيع أن أتصرف وكأن شيئًا لم يكن".
ويتوقف الكاتبان في فصل آخر عند "الضبابية التي تغلف صناعة القنب الهندي" والإجراءات البوليسية التي تهدف إلى محاربة هذه الصناعة التي تشكل العمود الفقري للجريمة المنظمة في هولندا. فعلى الرغم من "وسائل التحري الذكية التي تحاصر عصابات المخدرات المنظمة"، فإن قسطًا من الإحباط يعتري ضباط الشرطة الذين يعتقدون أنه من الصعب "الإمساك بالرؤوس الكبيرة" التي تدير هذه الصناعة. في هذا السياق يستحضر الكاتبان تصريحًا مثيرًا لقائد شرطة إحدى البلديات التي تنشط عصابات المخدرات فيها: "عندما نضبط المنازل المستعملة في صناعة المخدرات فإن المجلس البلدي يطالبنا عشية الاحتفال بعيد ميلاد المسيح بالتوقف عن ملاحقة مجرمي المخدرات معتبرين عملنا هذا عملًا غير اجتماعي ويطالبوننا بتركهم يكسبون بعض المال لإنفاقه في أعياد الميلاد" .. ويضيف: "إن المشكلة تكمن فينا نحن، وليس في مجرمي المخدرات"، خصوصًا وأن الشرطة تسير طائرات بدون طيار مزودة بأجهزة اكتشاف نبات القنب الهندي فوق المدن بحثًا عن المنازل المستخدمة في زراعة القنب الهندي، وتستطيع في أي وقت ضبطهم.
ويخصص الكاتبان فصلاً يناقشان فيه جهة المال المكتسب من صناعة المخدرات هذه ويتساءلان: "أين المليارات الذي تُكتسب عبر البوابة الخلفية لهولندا؟ وهل من السهولة إخفاء المال في هولندا أو تصريفه"؟ وإذا كان الإيراد السنوي من الاتجار بالقنب الهندي لوحده في مدينة تلبورغ لوحدها يتراوح من 750 إلى 900 ميلون يورو، فماذا عن المدن الأخرى؟ وكيف يُصرَّف هذا المال الذي يبدو أنه "أكثر بكثير من هذه التقديرات الأولية" كما يرى الكاتبان؟ "هل يُطمر في حفر تحت الأرض؟"، يتساءل الكاتبان بسخرية. الجواب بالطبع لا. وهنا يأتي دور شركات تصريف المال، أو تبييضه، من خلال تهريبه إلى الخارج، أو توظيفه في مشاريع بطريقة تمكن الموظِّفين من الاحتيال على أجهزة الرقابة المالية وتضليلها. ولعل هذه الجريمة، أي تبييض الأموال المكتسبة من الجريمة المنظمة عمومًا والاتجار بالمخدرات خصوصًا، هي ثاني أهم جريمة يُشتغل فيها في هولندا (وسائر دول العالم). يقول الكاتبان: "ولكن تنفيذها غير ممكن بدون اتصال بين العالمَيْن السفلي والعُلوي". فهذا التداخل بين عالم الجريمة المنظمة ومؤسسات الدولة كثيرًا ما يُشار إليه على أنه تفسير بعض الظواهر المثيرة للتأمل كتبييض الأموال أو تهريبها أو حتى تطوير صناعة المخدرات وحمايتها ضد العدالة. ولعل في تصريح ممثلة النيابة العامة في مدينة برابانت، التي تقارن فيه مدينة برابانت بمدينة "سدوم وعمورة" أو مدينة قوم لوط التي دُمِّرت عقابًا لأهلها على إتيانهم الفاحشة، ما يوحي بذلك. وهذه المقارنة مثيرة لأن مدينة قوم لوط رمز الرذيلة والفساد والانحطاط الأخلاقي في الذاكرة الجمعية لليهود والنصارى والمسلمين. وتحتوي هذه المقارنة على اتهام ضمني بأن ثمة في "العالم العلوي" من هم جزء أيضًا من "العالم السفلي" أو البوابة الخلفية للبلد. وهذا ليس مثيرًا بحد ذاته لأنه أصبح يبدو وكأنه سر علني، ليس في هولندا فحسب، بل وفي دول كثيرة. فهذه أهم جريدة بلجيكية (جريدة دي ستاندارد/De Standaard) تكتب في عددها الصادر بتاريخ 8 أيلول/سبتمبر 2017 بأن القضاء على تجارة الكوكائين عبر ميناء مدينة أنتورب في بلجيكا – وهو ثاني أكبر ميناء في أوربا بعد ميناء روتردام الهولندي – شبه مستحيل وأن هذه التجارة في نمو مستمر وذلك على الرغم من محاربتها، مما جعل الجريدة تكتب في العنوان: "يُخشى بأن يكون مجرمو المخدرات قد أصبحوا نافذين في قطاعات استراتيجية كقطاع الشرطة والجمارك والعدالة".
ولمحاولة فهم هذه النقطة بالذات، يعنون الكاتبان فصلاً بعنوان (كيف تَخترق الإدارة؟) ويستشهدان فيه بحديث لمحافظ تحدث إليهما وفضل ألا يكشف عن اسمه في الكتاب. يستطرد الكاتبان: "لقد رأى هذا المحافظ" أو رئيس المجلس البلدي "الكثير وصار يعرف جيدًا كيف يتغلغل المجرمون في الإدارة الحكومية وكيف يسيطرون عليها، وكيف تعمل آليات هدم دولة القانون" من الداخل. من هم المتغلغلون، وكيف تعمل هذه الآليات؟ "إنهم أشخاص متعلمون يأتون إلى الكتل الحزبية في المجالس البلدية"، والحديث هنا للمحافظ الذي فضل ألا يكشف عن اسمه، "ثم يقدمون أنفسهم متطوعين للقيام بأعمال داعمة لأنشطة الكتل الحزبية، ويبحثون عما يدور في الأحياء المختلفة". مع مرور الوقت يصبحون أعضاء في المجالس البلدية، فيحصلون على مهام وواجبات ينبغي القيام بها ويشاركون الأعضاء الآخرين في الحديث والمشورة واتخاذ القرار. ويضيف: "وغالبًا ما يبعث دخول أشخاص مؤهلين علميًا واجتماعيًا الكتل الحزبية المختلفة شعورًا بالسعادة لدى الأحزاب السياسية المنتخبة". فيتغلغل هؤلاء الأشخاص في الكتل الحزبية والمجالس البلدية "ويكونون لأنفسهم في وقت قصير شبكات اتصال وتواصل متشعبة داخل الأحزاب السياسية وخارجها". بعد ذلك يبدأ هؤلاء المتغلغلون التدخل في قضايا بعينها كالشؤون المالية وتنظيم الفضاء العمراني والاجتماعي. في هذا السياق يبدي الكاتبان تعجبهما الشديد من السرعة التي يتم فيها ذلك التغلغل والتدخل، "بحيث تكتشف الأحزاب على أخرة من الوقت أن هؤلاء الأشخاص إنما ترشحوا للعمل متطوعين" ثم أصبحوا أعضاء في المجالس البلدية مشاركين في اتخاذ القرار فيها "من أجل التحكم في ملف واحد هو الملف العقاري" الذي تشرف عليه الحكومة في هولندا ولا تترك منه شيئًا للقطاع الخاص، "أو من أجل السيطرة على مشاريع إصلاح العقارات القائمة الكبيرة". وهذان القطاعان، قطاع البناء وقطاع الترميم والإصلاح أهم قطاعين اقتصاديين تستثمر فيهما الأموال المكتسبة من الجريمة المنظمة في الدول الغربية، حيث تشترى تلك العقارات بقروض من المصارف، وتُبيَّض الأموال السوداء في عمليات الترميم والإصلاح. "وفجأة يُتَّخذ قرار في المجلس البلدي غير متوقع"، وغالبًا ما يكون هذا القرار "ضد وجهة نظر الحزب المعلن عنها" كما يقرر المحافظ الذي عايش ذلك كله، ويضيف قائلاً: "إنهم لا يهددون أحدًا، بل يدخلون بلطف ويعرضون مساعدتهم على الجميع. والمساعدة عندما تُقبل تفرض نوعًا من العلاقة والعهود ورد الجميل الذي قد يطالب المتغلغلون به بطريقة لا تخلو من ابتزاز " في نهاية المطاف. لقد أصبح تغلغل الجريمة المنظمة في السياسة "سببًا من أسباب الصداع السياسي المزمن في البلد" كما يقول الكاتبان، وصارت الخشية من تحكم المجرمين بالقرار السياسي حقيقة لأنهم يؤمنون بأنهم قادرون على شراء أي شيء بملايينهم الكثيرة، بما في ذلك ذمم المسؤولين في الدولة.
الكتاب مليء بالمعلومات المثيرة، ويعالج الكاتبان فيه العديد من مظاهر الجريمة المنظمة التي تحتل تجارة المخدرات وتبييض الأموال المكتسبة منها حصة الأسد من أنشطة القائمين على الجريمة المنظمة. إلا أن الفصل المعنون بـ "العالم العجيب للشبكة العنكبية المظلم" وخصوصًا فيما يتعلق بالمعاملات المالية مثير للغاية. لقد صُمِّم نوعٌ من المعاملات المالية بناء على ما صار يُسمى بـ "العملة المُعَمّاة" (Bitcoin)، وهي عملة كاليورو والدولار والين، إلا أنها عملة رقمية يتم تداولها عبر الشبكة العنكبية فقط، ولا وجود حقيقي لها على أرض الواقع، ولا يقف خلفها مصرف وطني أو مؤسسة مالية مركزية، ولا تُدعم بالذهب أو بالمعادن الشريفة الأخرى. إنها عملة افتراضية خالصة تستخدم للشراء والبيع وإبرام الصفقات عبر الشبكة العنكبية وفي متاجر رقمية. يتم تداولها عبر "بطاقات بيتكوين" مثلما تستعمل بطاقات الائتمان "الفيزا" أو "الأمريكان إكسبرس"، مع فارق أن العملة المؤدى بها عبر البطاقتين المذكورتين عملة حقيقية تقف خلفها دول ومصارف وطنية وهيئات مركزية. "إن الملفت للنظر في هذه العملة المعماة أنها قانونية" من جهة، وفي الوقت نفسه "تحول تكنولوجيا سلاسل الكتل (Blockchain Technology) دون رفع السرية عن أنشطتها بواسطة تدخل المصارف أو الموثقين القانونيين" من جهة أخرى. بكلام آخر: "إن العملة المعماة عملة لا مركزية مستقلة قائمة بنفسها تستعمل للدفع في الشبكة العنكبية عبر العالم ولا تخضع لمراقبة أية سلطة مركزية أو نظام مصرفي والتعامل بها مجاني بدون رسوم مالية ولا تستطيع أية حكومة في العالم تجميدها أو مصادرتها". ولا شك في أن توظيف هذه العملة المعماة في طرق استثمار هي أقرب إلى القمار واليانصيب منها إلى المضاربة المالية، هو الذي جعل الكثيرين من المغامرين يلجؤون إلى التعامل بها بحثًا عن الحظ وكسب المال، مما يفتح الباب على مصراعيه لعمليات النصب والاحتيال وتبييض الأموال التي لم تسلم منها هولندا أيضًا. ففي بداية سنة 2016 ألقت الشرطة الهولندية القبض على عصابة في روتردام وحجزت سيارات أعضائها الفاخرة التي اشتريت بواسطة هذه العملة المعمّاة. كانت تلك العصابة تتكون من عشرة أفراد منها شخص من ليتوانيا في القطب الشمالي، وآخر من المغرب في الجنوب، والآخرون من هولندا، "تمكنوا" بكل سهولة "من تبييض خمسة عشر إلى عشرين مليون يورو من المال المكتسب من الاتجار بالمخدرات باستخدام هذه التكنولوجيا المالية الجديدة".
----------------------------------------------------------------------
الكتاب:
العنوان الرئيس: "البوابة الخلفية لهولندا: أو كيف يتماهى عالم الجريمة مع الدولة والمجتمع".
الكاتب: بيتر توبس ويان ترومب.
الناشر: دار بالانس (هولندا).
اللغة: الهولندية.
عدد الصفحات: 254 صفحة.
سنة النشر: 2017.
