هونج جانغ وون
محمود عبد الغفار
مدرس الأدب الحديث والمقارن
كلية الآداب- جامعة القاهرة
ما العلاقة بين النموذج المُدهش لشركة "علي بابا" الصينية المذكور في الجملة الفرعية أسفل عنوان الكتاب، وصورة اللوح الإلكتروني والهاتف الذكي وأيقونة الدولار الأمريكي بغلاف الكتاب؟ العلاقة باختصار تجسدها الجملة الأولى أعلى العنوان حول كيفية إدارة المال في عصر ثورة التكنولوجيا الرقمية عبر الإنترنت؛ تلك العلاقة التي سيتناول المؤلف جوانبها المُختلفة عبر صفحات الكتاب.
الكتاب في حد ذاته إطلالة تمهيدية لاختصاصي محترف في مجال التكنولوجيا الرقمية لإدارة الأموال عبر الإنترنت في المستقبل القريب، يُقدمها صاحبها بنوع من التبسيط غير المخلّ، بحيث يحافظ على الدقة العلمية لما يطرحه من أفكار دون خوض في تفصيلات تكنولوجية قد لا يرغب القارئ العادي في التعرف عليها أصلاً. المؤلف "هونج جانغ وون" متخصص في الاقتصاد وإدارة الأعمال بجامعة "يون سيه" بالعاصمة سيول بكوريا الجنوبية. رجل شغوف بالمعرفة والاطلاع، مما دفعه لتأمل الكيفية التي يعيش بها النَّاس في هذا العالم بحدود معينة من المال والتكنولوجيا في عصر اصطلح على تسميته "العولمة"! وهو يُقدم عرضًا شائقًا لموضوع الكتاب عبر خبراته الشخصية وتجاربه الخاصة بهذا المجال بعد أن قام بزيارة العديد من البلدان المُتقدمة في استخدام تكنولوجيا الإنترنت في إدارة الأموال وما يتعلق بها من عمليات وأنشطة حياتية يومية مختلفة. زار فرنسا وإنجلترا وطوكيو وموسكو وكندا وبولندا بهدف التعرف عن قرب على مصطلح "تكنولوجيا إدارة الأموال" الذي لم يكن معظم الناس في كوريا يعرفون عنه الشيء الكثير.
يأتي الكتاب في خمسة أبواب. الباب الأول عنوانه " تكنولوجيا المال تعني التوافق أو المزج بين المال والتكنولوجيا الرقمية عبر الإنترنت"، ولذا فمن البديهي أن يستهل المؤلف هذا الباب بطرح سؤال أساسي حول مفهوم "تكنولوجيا المال". وفي الإجابة عنه يرى المؤلف أنّ تكنولوجيا الأموال مصطلح عالمي يتضمن داخله مجالات عديدة. كما يرى أنَّ هناك نماذج بسيطة جدًّا في هذا المجال مثل القيام بعمليات مالية ودفع فواتير والقيام بخدمات بنكية كالاقتراض وكذلك القيام بعمليات تتعلق بشركات التأمين على السيارة مثلًا من خلال الهاتف الذكي. فبعض شركات التأمين تقوم الآن بوضع "حسّاس" متصل بالإنترنت داخل السيارة المؤمَّن عليها، كما أنَّه متصل كذلك بالبنك الذي يتعامل معه صاحب السيارة وذلك لتسهيل الكثير من الأمور المتعلقة بالسيارة حال وقوع الحوادث.
ويرى المؤلف أنَّ هذا النوع من التكنولوجيا المتطورة جدًّا تأخر في كوريا رغم وجود البنية التكنولوجية اللازمة له، وذلك بسبب بعض القوانين المكبلة للإبداع أو الابتكار بشكل عام، مما يعوق الكثير من التطورات الطموحة التي ينشدها الكثيرون في الوقت الذي قامت فيه الولايات المتحدة الأمريكية والصين بدراسات جادة في هذا المجال؛ بما يعني أنَّ الدولتين تجاوزتا مرحلة البداية وبلغتا مرحلة الانطلاق التي تجعلهما رائدتين حقيقيتين بالفعل. صحيح أن كوريا تأخرت عن بعض الدول لكنها بكل تأكيد في موقع أفضل بكثير بل ولا يمكن مقارنتها بالدول الأفريقية مثلاً. ففي كوريا بنوك عديدة لها خبرات متقدمة في استخدام الإنترنت بحيث يمكن لعملاء تلك البنوك القيام بكل ما يُريدونه من بيع أو شراء بسهولة ودون قلق أو انزعاج عبر الحواسيب والألواح الإلكترونية والهواتف الذكية. ويضرب المؤلف نموذجًا لإحدى الشركات الناجحة جدًّا في إدارة الأموال عبر تكنولوجيا الإنترنت بشركة "بليون" البولندية التي تُهيمن على إدارة الكثير من الأمور الاقتصادية لشركات عديدة في العالم. "جوجل" و"علي بابا" نموذجان فذان كذلك في هذا المجال. ويقدم المؤلف مثالاً لما يُمكن لهذه التكنولوجيا أن تقوم به فيقول لو أنّ صاحب أحد المحلات قام بتشغيل خدمة الدفع الفوري عبر الإنترنت بحساب المحل فإنِّه يستطيع أن يعرف عدد الهواتف القريبة من المحل والتي لديها خاصية الشراء أو التسوق عبر الإنترنت، وبالتالي يمكنه أن يرسل رسائل ترويجية وتقديم عروض تخفيضية لمثل هؤلاء العملاء وفي أوقات قربهم من محله. المثال الثاني من فرنسا، حيث يذكر المؤلف أنَّ بنك "مرحبًا" في باريس يتيح لمستخدمي الهواتف الذكية أن يحصلوا على قروض بنكية بمجرد القيام بكتابة البيانات المطلوبة وإرسالها إلى البنك عبر الهاتف، وكذلك شراء تذاكر الطيران وإرسال النقود إلى الغير دون الحاجة إلى الذهاب إلى البنك.
الباب الثاني عنوانه "مرورًا بكل ما يتعلق بالحياة هنا وهناك". ويرى المؤلف أن تلك الشركات الجديدة تستثمر مبالغ طائلة في مشروعات كبرى ستغير كل أشكال سوق التداول المالي، كما أنهم يصممون وينتجون ما سيغير الحياة الحقيقية على سطح الأرض؛ كمركبات الفضاء وآلات السير الإلكترونية وأجهزة التصوير وتبادل المعلومات الرقمية. ومن مميزات نظام إدارة الأموال عبر تكنولوجيا الإنترنت أنه يتيح لمستخدميه التعبير عن وجهة نظرهم وكتابة التعليقات حول ما يزعجهم أو يقلقهم عند استخدام هذا النظام، وبخاصة عند حدوث أخطاء تتعلق بكتابة البيانات في استمارات الدفع النقدي أو أية أمور غير مريحة تتعلق بتقنيات تلك التكنولوجيا. هذا النظام أيضًا يكفل لمستخدميه معرفة أسعار الفائدة ومُعدلات تغيرها بدقة شديدة بل ويقوم بحسابها لهم على الأمدين القريب والبعيد جدًّا وبالدقة ذاتها. لقد وفر هذا النظام كذلك بطاقات ائتمانية متطورة جدًّا وكأنها صنعت في الجنة على حد وصف المؤلف. فبطاقة "شِن هان" الائتمانية تستطيع أن تتنبأ بأحوال السوق وبالتالي فهي قادرة على التنبؤ بما يفكر فيه عملاء البنك من مُستخدمي البطاقة، وبما يرغبون في شرائه عادة ثم ترسل البطاقة كل هذه البيانات إلى موقع البنك الذي يمكنه في هذه الحالة أن يتعرف بمنتهى البساطة على مدى رغبة عملائه في مواصلة استخدام بطاقات البنك من عدمها، كما يمكنه التغلب على مسائل كثيرة تتعلق بطلبات إلغاء الشراء قبل حدوثها من خلال تحليل الخطوات التي يقوم بها العملاء عند الشراء. أما شركة "سامسونغ" فقد طورت بطاقة ائتمانية تقوم بعمليات حسابية متطورة جدًّا بحيث تزيد من استخدام عملائها لتلك البطاقة. هذا فيما يتعلق بمعرفة العميل لأرقام استهلاكه ونسب الفوائد التي عليه تحملها بدقة وتحديد شديدين، أما بالنسبة لشركة "سامسونغ" ذاتها فالبطاقة الجديدة تمدها بمعلومات قيمة عن عدد مرات استخدام العميل لها، وعدد مرات قيامه بالتسوق والمحلات والمطاعم والمقاهي التي يتردد عليها ونوع المُنتجات التي يشتريها، وبالتالي تتحرك الشركة لعمل اتفاقيات مع أكبر عدد ممكن من تلك الأماكن بحيث تضمن استمرار قيام عملائها باستخدام البطاقة الجديدة، كما تضمن تلك الأماكن زبائن دائمين مقابل حصول هؤلاء الزبائن على تخفيضات مُرضية ومتميزة أيضًا. ثم يتطرق المؤلف لمسألة البطاقة الذكية التي أنتجتها إحدى الشركات الهندية والتي تتيح لشركة "شِن هان" مثلاً إدماج (8) بطاقات ذكية في بطاقة بلاستيكية واحدة مزودة بخاصية الضغط على زر موجود بها فيقوم على الفور بتحويلها إلى بطاقة ثانية بحساب للعميل نفسه في بنك آخر حتى ثمانية بنوك! أي أنها باختصار ثماني بطاقات ذكية مدمجة في بطاقة واحدة.
الباب الثالث بعنوان "بنوك الإنترنت الشهيرة". يرى المؤلف أنَّ كوريا كانت متأخرة عن ركب البنوك المحترفة في التعامل مع تكنولوجيا إدارة الأموال عبر الإنترنت مقارنة ببعض الدول التي أشار إليها من قبل. لقد بدأت كوريا اللحاق بهذا الركب عام 2016م، من خلال بنك "كاكاو" الذي مقره "ك- بنك"، فهل ستنجح كوريا الجنوبية في التعامل مع هذه التقنيات؟ أهمية هذا السؤال تكمن في أنَّ بنوك الإنترنت لا تستطيع تجاهل قوة السوق الأمريكية. فطبقًا لدراسات أجرتها مؤسسة "أو- ري" الكورية للتعاملات المالية فإن بنوك الإنترنت الأمريكية تحتل نسبة 3.9% من تعاملات البنوك بالولايات المُتحدة، وهو رقم كبير في ضوء الفترة الزمنية البسيطة جدًّا التي بدأتها هذه البنوك وواجهت معها عثرات تعافت بعدها سريعًا بداية من عام 2011م. القوة الثانية موجود بالصين من خلال شركة "علي بابا" الشهيرة والتي تأسست عام 2013م، وهي شركة يمكن من خلالها إدارة كل ما يتعلق بالأموال والاستثمار- بدون استثناء تقريبًا- بالإنترنت عبر الهواتف الذكية. أما اليابان فقد تأسس فيها حتى الآن بنكان اثنان. في أوروبا هناك ما يقرب من ثلاثين بنكًا مركزها بنك "مرحبًا" الفرنسي الذي تأسس في باريس وامتدت خدماته إلى بلجيكا وإيطاليا وألمانيا. أعتقد أنّ هذا العرض للقوى التنافسية التي تواجهها كوريا عالميًّا يجيب عن السؤال الذي طرحه المؤلف في هذا الباب من الكتاب. صحيح أن الأمر صعب لكن كوريا تمتلك كل مقومات النجاح في اقتحام هذا المجال دون شك.
الباب الرابع بعنوان "معالم أسواق المال في المستقبل القريب". يرى المؤلف أنه عندما تنجح شركات المال في تحويل خدماتها إلى الإنترنت، فإنِّها ستضمن إقبالاً أكبر من عملائها على استخدام تقنيات تكنولوجيا إدارة الأموال عبر الهواتف الذكية فيما يقومون به من بيع أو شراء وبشكل يومي تقريبًا. في هذا السياق سيكون آمنًا للعميل أن يعطي بياناته المتعلقة بما يملكه من أموال إلى الحاسوب المتصل بشركات استثمار الأموال، وسيقوم الحاسوب بتزويده بكل المقترحات المتعلقة بتحقيق أرباح مضمونة بدون وساطة أو سمسرة من شركات توظيف الأموال المألوفة. أسواق إدارة الأموال مستقبلاً متطورة جدًّا إلى حد دفع إحدى شركات التأمين الكورية إلى تزويد السيارات التي تتولى مسؤولية التأمين عليها بشريحة إلكترونية متصلة بالإنترنت تمد الشركة بمعلومات دقيقة عن أسلوب قيادة مالك السيارة وعاداته في القيادة، الأمر الذي يسمح لها أن تقرر إن كانت ستعطيه تعويضًا عن الأضرار الناجمة عن وقوع حوادث من عدمه! الجانب المظلم في هذا المستقبل التكنولوجي هو اختفاء حوالي 7.1 مليون وظيفة في مجالات التصنيع والفنون والإعلام حتى عام 2020م في 15 دولة بالعالم، وفي المقابل سوف توجد حوالي 2 مليون فرصة عمل جديدة في مجال الحواسيب والرياضيات والعمارة، مما يعني أن نقص الوظائف سيبلغ 5.1 مليون وظيفة. المستقبل التكنولوجي القريب في إدارة الأموال كتب سطرًا جديدًا في التاريخ وبالتحديد في 22 أكتوبر 2015م وذلك بقبول " Bit Coin" كعملة معترف بها ويمكن التعامل من خلالها عبر الإنترنت. صحيح أنها تكنولوجيا جديدة وقد لا يُكتب لها النجاح لكنها وبكل تأكيد ستُحدث تغييرات على النموذج الاجتماعي المألوف في إدارة ما يتعلق بالأموال وعلاقة البشر بها على وجه التحديد.
الباب الخامس والأخير من الكتاب بعنوان "ابتسامات ودموع متعلقة بنظام تكنولوجيا إدارة الأموال عبر الإنترنت في كوريا الجنوبية". يرى المؤلف أن الدول التي قررت التعامل بهذه التقنيات ومن بينها كوريا الجنوبية تخوض الآن حربًا ضروسا تحت سطح الماء على حد تعبيره بهدف ترسيخ أقدامها في عمل يمكن وصفه بكل بساطة بكلمة "مغامرة". في هذا السياق هناك ما يدعو للتفاؤل بشأن كوريا. فقد اقتحمت شركة "سامسونغ" السوق الأمريكية عام 2015م وحققت نجاحًا ملحوظًا رغم التعاطف الكبير من الإعلام الأمريكي مع شركة "آبل" المنافس الشديد لسامسونغ. ولذا يثق المؤلف أن كوريا يمكنها القيام بدور رائد في آسيا في مجال تكنولوجيا إدارة الأموال عبر الإنترنت، ويؤكد أنه لن يدخر جهدًا في تقديم كل خبراته وما يملكه من معرفة قيمة ومعلومات بهذا المجال لأجل أن تبلغ كوريا تلك الريادة المنشودة.
-----------------------------------------------------------------------------------
عنوان الكتاب: تكنولوجيا إدارة الأموال في الغد القريب
المؤلف: هونج جانغ وون
الناشر: ميل كيونج جيه
سنة النشر: فبراير 2016م
اللغة: الكورية
عدد الصفحات: 228

