أمجد سعيد
إن التطور الذي يشهده العالم الإسلامي يشهد صراعات عدة، منها صراعات حول الفهم المنطقي للدين الإسلامي كفكر مستقل، والآخر يناقش قضية الإسلامي كفكرة متمركزة جغرافياً في الشرق الأوسط. من هذه الصراعات يستمر التطور والنهوض بالإسلام كفكرة تستطيع أن تلخص التكوين والجذور الإسلامية الشرق أوسطية سابقاً والعالمية حالياً.
لقد تطورت الملاحظات حول الحركات الإسلامية مع تطور الصراعات والنشوء المستمر لها، وأُدخلت هذه الملاحظات في إطار المنهجية الأكاديمية من خلال المقاربات والبحوث الأكاديمية عن هذه الحركات. ويشير الأستاذ ناثان براون في مقالته البحثية المعنونة بـ"مراجعات كتب في سياسات الإسلام المعاصر"، يشير إلى أنه لا يمكن حصر الملاحظات التي أدلى بها العلماء في مقالات سريعة ومختصرة ولكن لابد من الإشارة إلى بعض هذه الملاحظات التي تلخص التأملات والتطورات التي مزجت نشوء ما يُسمى مرحلة الإسلام المعاصر وانتشاره من عدة زوايا مختلفة.
إنَّ أول التأملات هي تلك التأملات التي تتحدث عن ذلك التداخل بين حقول البحث والدراية، وفائدة ذلك في الوصول إلى نتائج مثمرة، فقد أشار عمرو حمزواي على سبيل المثال إلى الفوائد المجنية من وراء المزج بين عدة تخصصات في تأمل الإسلاميات الجديدة، وكيف أدى ذلك المزج إلى تغيير في الرؤية للظاهرة، وإلى قواعد الرؤية أيضاً. أما ثاني التأملات فيختص بالمجال الجغرافي، فهناك انطباع منتشر بأن مراعاة العامل الجغرافي في دراسات الإسلام المعاصر هو أمر قد تحقق؛ لكن ذلك في حقيقة الأمر ما يزال في بداياته، فقد أشار حمزاوي إلى أن الدارسين قد تجاوزوا المركزية المصرية في الدراسة. أما السيدة برنا تورام فذكرت التجوال بين تركيا والمجتمعات العربية، ثم إنه كان هناك التفات بارز إلى إيران. أين مضت الدراسات الميدانية وراء ذلك؟ فهل الإسلامية الجديدة قصر على الشرق الأوسط؟ أم أن هناك مقارنات ومقاربات أُخرى ضرورية على مدى العالم الإسلامي؟ وهل هناك تنوع في المناطق الجغرافية الإسلامية المختلفة وإلى أي حدود؟ وقد أدلى المتدخلون بملاحظات تخص هذه الأمور مما يشير إلى نقص العمل على المناطق الجغرافية المختلفة.
أما المجال التأملي الثالث فهو يتعلق بالتعاون في مسائل دراسة الحركات الإسلامية بين الأكاديميين وغير الأكاديميين، فقد ذكر الدارسون تقاطعات بين دارسي السياسات ودارسي الحركات، دون أن تبدو نتائج ملموسة لهذه الإمكانية. وهذا الموضوع معقد أكثر مما يبدو للوهلة الأولى؛ فالأكاديميون غير مسيسين كفاية، كما أن دراسة السياسات تتوجه إلى الجمهور العام؛ بينما لا يهتم الأكاديميون في دراستهم بذلك. هذا الأمر ذكره جليان شودلر بالتحديد؛ لكنه ما كان بعيداً عن اهتمامات الآخرين. ونلاحظ أنه في السياسات تُراعى المسائل الأمنية والعسكرية والبيروقراطيات وصناعة القرار والاستخبارات والمنتديات السياسية والإستراتيجيات واللوبيات وجماعات البحوث المباشرة. وهذه أمور قد لا تعني الأكاديمي؛ لكنه ما عاد يستطيع إهمالها مهما تكن اعتباراته؛ وبخاصة عندما يكون الأكاديمي غير راضٍ عن سياسة بلده أو السياسات الدولية تجاه الحركات الإسلامية. هنالك مسألة تتعلق بالعلاقة بين الإسلاميين والأكاديميين، ومنها مسألة يجب أن تذكر. فالإسلاميون الجدد مهتمون بما يكتبه الأكاديميون عنهم لعدة أسباب، ومنها اهتمامهم بتصحيح ومراجعة الانطباع عنهم؛ لأنهم يرون أنه قد أسيئ فهمهم، أو يعتقدون بأنهم سوف يؤثرون على الدراسين ليغيروا من استنتاجاتهم، أو الدعاية والشهرة لأنفسهم في العالم سواء أكان العالم الغربي، أم على المستوى المحلي الشرقي.
تعد دراسات الشرق الأوسط من ضمن ما يسمى
الـ "Area Studies"التي تنفتح بدورها على تفرعات أكثر تفصيلا وتنوعا مثل الحركات الإسلامية والجماعات الدينية والفاعلين الاجتماعيين. ولذا فهي تجلب إلى سياقها دارسين من تخصصات مختلفة، إنما يغلب عليهم حتى الآن التاريخ والعلوم الإنسانية. وهناك اهتمامات ما تزال جانبية بما يمكن أن تقدمه الجغرافيا والسوسيولوجيا والعلوم الإنسانية في فهم الظواهر الإسلامية الجديدة. لقد كانت البحوث حول الحركات الإسلامية كثيرة وبخاصة ما تعلق منها بمقدار ما تسهم به تلك الحركات في التنوير والتقدم وحشد الجمهور لذلك أو العكس.
عبر العقدين الأخيرين أنتج الدارسون المهتمون بالإسلام السياسي عشرات البحوث المعنية بالحركات والسلوكيات المختلفة في هذا المجال، وانصب أكثر عملها على الجانب الأكاديمي، غير مهتمين بالسياسات الدولية والجمهور العام، وابتعدوا عن أعمال الصحفيين والمهووسين بموضوعات السياسيين بشأن الخوف من الإسلام، ووقائع وسلوكيات الكراهية من الغرب، معتمدين في بحوثهم الجادة على المصادر الأساسية باللغات المختلفة منها العربية والفارسية والتركية. إنما ما ينبغي الاعتراف به الآن أنه ما عاد يمكننا الإعراض الكلي عن الصور والقراءات والمقارابات النمطية التي سادت في الانطباع العام عن الإسلام الشرق أوسطي. ومما يدل على ذلك أننا في الدراسات التي قمنا ونقوم بها دائما من الأسئلة والانطباعات التي طرحها ويطرحها الصنفان (المعتدل والمتطرف)، بمعنى تصنيف تلك الحركات إلى متطرفة ومعتدلة. والذي أقترحه أن نبتعد تماماً عن تلك الاستجابات، وأن نتخلى عن اعتبار سياسات الإسلام المعاصر موضوعا مفرداً علينا أن نصدر حكماً فيه أو عليه أو أن ندور من حوله لكي نصل لغاية ما.
