لكيم بوم جون
محمود عبد الغفار
مدرس الأدب الحديث والمقارن
كلية الآداب - جامعة القاهرة
يأتي غلاف هذا الكتاب مصحوبًا بأمرين مهمين جدًّا من حيث التلقي: الصورة المرسومة التي تتوسط الغلاف. وخمس عبارات- من بينها العنوان- تحيط بتلك الصورة وتكشف الكثير عن مضمون الكتاب بشكل يعزز الرغبة في الاطلاع عليه. أما عن صورة الغلاف فلشخص جالس في صالون قص الشعر؛ أحد أكثر الأماكن التي يمكن للمرء أن يتحدث فيها بحرية مع الحلاق لأسباب عديدة؛ فالحلاق عادة ما يجيد لعب دور المستمع بحكم خبراته المتنوعة مع الزبائن. كما أنه يجيد اختيار أساليب الكلام المناسبة لكل شخص. فضلاً عن إجادته إظهار التعاطف والاهتمام لما يسمعه. وربما الأكثر أهمية من كل ذلك أنه لن يكشف ما يبوح به الزبائن بأسمائهم الحقيقية حتى وإن تحدث مع غيرهم فيما تحدثوا معه بشأنه، مما يجعل الجميع يتبادل الحديث معه بكل أريحية. فوق صورة الغلاف من ناحية اليسار يأتي عنوان الكتاب بخط عريض بارز، ثم ناحية اليمين تأتي عبارة بخط أقل بروزًا تقول "عادة بسيطة يمكن للأشخاص الجيدين أن يتذكروها". وفي أسفل الصورة تأتي عبارة بخط بارز تقول: "هذا الشخص أرغب في مقابلته مرة ثانية". وتحتها تأتي جملتان ربما تتعلقان بهوية هذا الشخص وما يتمتع به من صفات: "التلميح المناسب لجعل مَن نقابلهم سعداء"، و"أسلوب الكلام الذي يُمَكّنُك من أن تصنع مناخًا طيبًا في لمحة عين". على هذا النحو المتميز جاء غلاف الكتاب الذي خرج في خمسة فصول نستعرض أهم ما تناولتها فيما يأتي.
مؤلف الكتاب: كيم بوم جون
تخصص كيم بوم جون في الاقتصاد بجامعة "كوريا" وعمل في عدد من الشركات الكبرى مثل "إس كي" و"سامسونغ" و"إل جي"، كما كان متحدثًا باسم بعض تلك الشركات إلى جانب بعض المؤسسات المالية مثل بنك "كي بي"، بالإضافة إلى عدد من المؤسسات التعليمية والتكنولوجية مثل "كيست". ساهم كل ذلك بدون شك في قيامه بنشر عدد من المؤلفات المهمة خلال تلك الفترة. كان في شبابه مجرد عامل أو موظف عادي في إحدى الشركات، ولكنه أراد لنفسه حياة أفضل. سعى وراء أحلامه، ولما وجد أن قيامه بكل تلك الأعمال لن يمنحه ما يريد، ترك العمل وتفرغ تمامًا لدراسة اللغة الإنجليزية، الأمر الذي منحه الفرصة ليبحث عن معنى السعادة وبخاصة بعد أنْ سمحت ظروفه بأن يقضي وقتًا أطول مع أسرته. حاليًا يَدْرُس في الجامعة ذاتها التي تخرج فيها في مجال التكنولوجيا والتعليم. له عدد من الكتب مثل: "كلمات الأب التي غيرت أبنائي"، و"تعبيرات المجاملة الجيدة والسيئة"، و"المحادثة الممتعة"، و"متحدثًا كعاملٍ"، و"كما يتحدث الرجل"، و"التعليم الإنساني للأب".
يبدأ الكتاب بمقدمة يقول فيها المؤلف إننا عادة ما نجد أولئك الناجحين يتمتعون بأساليب كلام مختلفة ومتميزة تثير الإعجاب. فطريقة أو أسلوب الكلام فعلاً بالغ الأهمية في إقامة علاقات موفقة مع الآخرين. لماذا يشدد المؤلف على كلمة "فعلاً" في العبارة السابقة؟ لأن بعض الأشخاص الرائعين الذين لديهم مهارات خاصة ربما تطيح طريقتهم في الكلام بكل ما يمتلكونه من روعة. إنّ طريقة كلامنا بدون شك تجعلنا مقبولين أو تدفع الآخرين للنفور منا! ولهذا فالغرض الأساسي من هذا الكتاب هو إرشاد القارئ إلى كيفية التعبير الجيّد في المواقف المختلفة، وتجنب التعبيرات السلبية التي لا تحقق الغرض من تواصله مع الغير، بحيث يكون لكلامه دور في مدّ جسور الثقة والمحبة مع الآخرين وليس العكس. أهم ما يؤكد عليه المؤلف هنا هو أن طريقة كلامنا ليست "فطرة" وإنما "عادة" يمكننا تغييرها بالتعلم على النحو اللائق المفيد. كيم بوم جون يتحدث هنا من منظور خبراته العملية، فقد كان يروج لمنتجات الشركات التي عمل بها، ولذا لديه الكثير من الإدراك لقيمة الكلمات والأهم الأسلوب الذي نقولها به، وما يؤديه ذلك في التأثير على المتلقي. من هذه الزاوية يسعى الكتاب لزيادة وعي القراء بأهمية الدور الذي تقوم به طريقتنا في الكلام في بلوغ مآربنا على المستويين الإنساني والعملي في حياتنا.
جاء الفصل الأول تحت عنوان "يبدو الناس مختلفين عندما تتغير طريقتهم في الكلام". يركز هذا الفصل على مسألة أن "أسلوب الكلام" مجرد "عادة" وليس "فطرة"، ونحن غالبًا ما نحكم على الآخرين من خلال عاداتهم في القيام بالأشياء ومن بينها عاداتهم في الكلام. يتناول الفصل بعد ذلك مسألة الحاجة إلى مهارة الكلام مقابل الحاجة لأسلوب خاص في الكلام، مؤكدًا على أنّ طريقة الكلام أهم لتحقيق الغرض من التواصل من أي شيء آخر. فالمهم هنا ليس ماذا نقول وإنما الطريقة التي نقول بها ما نريد للمستمع إلينا أن يدركه ويهتم به. الأمر بالغ الأهمية في هذا السياق في رأي المؤلف هو أن "أسلوب" أو "طريقة" الكلام هنا لا يعني "المنطق" الذي يحكم نسيج العبارات والأفكار وإنما يعني لديه إظهار "العواطف" أو "المشاعر" الخاصة تجاه ما نتحدث عنه ومَن نتحدث إليهم، وهذا أمر ليس من المنطق بالمعنى المألوف لدينا في شيء. المثال الفذ المعبر هنا يأتي من الفصل الرابع في عبارة تقول: "اعتذار بسيط خير ألف مرة من عُذر منطقي". فالعبارات الجوفاء الخالية من الشحنات الانفعالية والعاطفية لا جدوى منها لأننا في نهاية المطاف بشر تحركنا عواطفنا بشكل يفوق الوصف. ولهذا عندما ندرك أو نتعرف جيدًا على طبيعتنا وطبيعة الآخرين الذين نتواصل معهم، نصبح قادرين على تجديد دماء علاقاتنا بشكل طيب وفعّال. عندما تتبدل الأدوار ونأخذ موقع المستمع، سنجد أننا أيضًا نركز على طريقة كلام الآخرين بدرجة أكبر من تركيزنا على ما يقولونه بالفعل. على أية حال علينا- بغض النظر عن دورنا كمتحدثين أو مستمعين- أن نضع في اعتبارنا الفوارق العمرية بيننا وبين الآخرين لأنها ترجّح أسلوب كلام على الآخر، وكذلك علينا أن ندرك أن "كل موضوع" يفرض الأسلوب المناسب لطرحه. اختيار الموضوع ربما ليس لنا يد فيه في مواقف كثيرة، ولكن لنا دور بكل تأكيد في اختيار الكلمات، ونملك تجنب التمثيلات التي تبث في المستمعين طاقة سلبية أو تؤدي لسوء فهم ليس مرغوبًا فيه إطلاقًا. مما يجب وضعه في الاعتبار كذلك "المكانة" الإنسانية أو الوظيفية لنا وللآخرين. فقبل أنْ نشرع في الحديث، علينا أن نحدد بوضوح موقعنا ومكانتنا جيدًا في ضوء مواقع الآخرين ومكانتهم. ثم يختتم المؤلف هذا الفصل بالتأكيد على ضرورة أن نتخلص من أساليب الكلام التي تؤدي إلى شعور الآخرين بالحزن أو تزج بهم نحو حالات شعورية سيئة، وأن ندرك باستمرار أننا قادرون على الحصول على ما نريده من خلال الحديث بأساليب تمتزج بالحب والتعاطف.
الفصل الثاني بعنوان "طريقة الكلام التي تُشعِرك بالراحة كلما وحيثما تحدثت!". يتناول المؤلف هنا عددًا من الكلمات التي يمكن وصفها بالسحرية من حيث قدرتها على دعمنا لبلوغ مقاصدنا في الحديث بفتح مغاليق النفوس التي تستمع إلينا على مصراعيها. من هذه الكلمات التي يجب أن تكون في حواراتنا: "شكرًا" و"أثقك فيك" أو "أثق فيما تقول". ثم يتوقف المؤلف عند مسألة مهمة؛ ما نسميه بالعربية "الحقيقة المُرّة" أو ما يطلق عليه هو "الوضوح الذي يدخل في عداد الوقاحة". ويرى أنه يجب علينا أن نتعلم كيفية قول الحقيقة دون انتقاص من قيمة الآخرين أو جرح مشاعرهم. فطريقة كلامنا تحتاج عادة إلى بعض "مساحيق التجميل" التي تلخصها العبارة البسيطة التالية: "اختيار الكلمات المناسبة حسب الموقف وطبقًا لهوية الذين نتحدث إليهم". من مساحيق تجميل الكلام كذلك "التظاهر بأنك لا تعرف حتى وإن كنت تعرف الكثير". هذا التظاهر سيجلب لك الكثير من المعرفة التي ربما لم ولن تتوقعها أبدًا، فضلاً عن أنه يعزز من رغبة الآخرين في الحديث إليك. فلماذا يقبلون على الحديث معك مجددًا إنْ كانوا قد تيقنوا في مرات سابقة أنك تعرف كل شيء مقارنة بهم؟! ومن بين هذه المساحيق كذلك إظهار مدى قبولنا للفوارق بيننا وبين الآخرين. فعندما يدرك الناس أنك تقرّ بأنهم ليسوا نسخة منك ولا نسخًا من غيرهم ستجدهم مقبلين عليك، راغبين في الحديث معك. ثم يختتم هذا الفصل بمقولة مهمة لأحد علماء النفس الأمريكيين "ماجواير" مفادها إنه ليس من الصعب على ذي الخبرات الكبيرة إقناع الأشخاص الأقل خبرة. الهدف من هذه المقولة هو رغبة المؤلف في التأكيد على أن خبراتنا لها دور كبير في قدرتنا على اكتساب أو تعديل أساليب كلامنا على النحو المأمول.
الفصل الثالث بعنوان "عادات الكلام التي تجعل العلاقات والعمل على نحو أفضل". ويستهل كيم بوم جون هذا الفصل بالقول إن العبارات التي تُقال في المقهى تختلف تمامًا عن تلك التي تُقال في قاعة المؤتمرات العلمية. ثم ينتقل بعد ذلك إلى عدد من النقاط مثل: - عندما تكون لديك مهارة طرح الأسئلة، فغالبًا لن يتم حجب سؤالك. فجزء من مهارة طرح الأسئلة هنا هو أنك جعلت الآخرين يشعرون بالاحترام مهما بلغت حساسية سؤالك. أنْ يحس الآخرون بالاحترام هذا أحد أهم المفاتيح السحرية لبلوغك ما تريد. - التخلي عن بعض صيغ الكلام المفضلة لديك إن كانت لم تساعدك في تحقيق مرادك من التواصل، وتعلم كيفية التركيز على النقاط ذات القيمة والأولوية، وبخاصة ما يعبر عن المشاعر الإيجابية طوال الوقت - في مجال التسوق- كما في الحياة
- أكثر الطرق في الإقناع هو التجارب العملية لا العبارات التجريدية.
- ضرورة إدراك النقاط الإيجابية في الآخرين والتركيز عليها والحرص على ذكرها أمامهم، لأن ذلك يجعلهم يفتحون قلوبهم إليك دون تردد. لكن عليك أولاً أن تكتشف هذه النقاط وتحددها بدقة.
- عبارات مثل "نعم" و" أنت على حق" تضمن لك بكل تأكيد تواصلاً ناجحًا. عندما تكون في موقع المستمع؛ فكلما قللت من مقاطعتك للمتحدث إليك حظيت بتواصل موفق وكانت النتائج أكثر جدوى. ثم يختتم هذا الفصل بمثال بالغ الأهمية. فيقول: تخيلوا الفارق بين هاتين العبارتين من حيث التأثير على المتلقي المُستهدَف: "سأبيع هذه السيارة بمليون ونصف المليون وون كوري"، و"سأعطيك أنت هذه السيارة بمليون ونصف المليون وون كوري". العبارة الثانية- على حد تعبير المؤلف- تجعل المشتري أو الزبون يحس بمدى الاهتمام به من قِبل الجهة التي تروج لمنتجها.
الفصل الرابع عنوانه "طرق الحديث التي ينبغي أن نتجنبها". ومن بين هذه الأساليب ما يأتي: - تجنب كل ما يقلل من شأن الآخرين؛ لأنّه قد يؤدي إلى
أن ينصرف الناس من حولك.
- الحسم أو الاقتصاد في القول دون ضرورة قد يؤدي إلى قطع العلاقات أحيانًا.
- إذا جعلت الآخرين يشعرون دومًا أنك تعرف ما يدور برؤوسهم فهل سيحافظون باهتمام على التواصل معك؟
- تجنب المبالغة في إظهار التعاطف مع نقاط ضعف الآخرين حتى وإن كان الجميع يعرفونها جيدًا. فالتعاطف أمر آخر مختلف عن هذا، فضلاً عن أنّ الخوض في نقاط ضعف الغير يسبب دائمًا الكثير من الأذى الفعلي.
- الاعتذار البسيط خير ألف مرة من العذر المنطقي.
- المسافات بيننا وبين الآخرين مهمة، وكذلك التوقيت. فالاعتذار عن الخطأ له وقته المناسب الذي قد يفقد قيمته إنْ تجاوزه.
الفصل الخامس والأخير بعنوان "طريقة التعبير عن الذات بقوة لا بعدوانية". يتحدث فيه المؤلف عن ضرورة التعرف على نقاط القوة والضعف فينا لنكون قادرين على توظيف قدراتنا بشكل إيجابي وفعّال. يرى المؤلف مثلاً أن التعبير عن المستحيل باعتباره ممكنًا لا يوصف بالقوة التي يعنيها في عنوان هذا الفصل. القوة عنده تعني "التواضع" الذي يمكنك من أن تقول "لا أستطيع القيام بهذا العمل"، أو "لا تتحدث معي هكذا" لشخص آخر دون أن تنتقص من قدره ولا من قدر نفسك، ودون أن تحمل عباراتك معاني عدوانية حتى وإن كانت محملة بطاقة سلبية جراء رفضك. في أعقاب مثل هذا الرفض عليك أن تتعلم كيف تضع خطوطًا إيجابية دائمًا. من طرق التعبير عن الذات على نحو طيب كذلك أن تستخدم صيغ الغائب دون إشارة إلى نفسك أو إلى آخرين محددين. عليك أن تدرك أيضًا الفارق الكبير بين الحديث الذي ينم عن طيبتك والعبارات التي تخرج كما لو كانت اعترافًا يحمل الكثير من نقاط الضعف. ثم يختتم هذا الفصل بمقولتين مهمتين: الأولى؛ علينا أن نراجع مدى محبتنا لأنفسنا ومدى تحملنا لما نواجهه في الحياة بشكل يومي وأن نضع أيدينا على الدور الذي ساعدنا فيه أسلوب كلامنا لنكون أفضل. والثانية؛ عدم إقحام كل معارفنا ومطالعاتنا فيما نقول لأجل إبراز تميزنا الثقافي والمعرفي. فربما لا يؤدي ذلك إلى النتيجة التي نرجوها من تواصلنا مع الغير.
--------------------------------------------------------------------------------
عنوان الكتاب: كل العلاقات تبدأ من طرق الحديث!
المؤلف: كيم بوم جون
اللغة: الكورية
سنة النشر: يونيو 2017م
دار النشر: ويسدوم هاوس- سيول
عدد الصفحات: 200
