المباراة الطويلة: كيف خالف أوباما واشنطن وأعاد تعريف دور أميركا في العالم

Picture1.png

لديريك شوليت

 

محمد السماك

 

ليس مؤلف هذا الكتاب السياسي كاتباً أكاديمياً فقط؛ إنه إضافة إلى ذلك مسؤول منغمس في السياسة حتى أخمص أذنيه. كان ديريك شوليت من كبار العاملين في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وفي وزارة الخارجية الأميركية. كما كان عضواً في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال فترتي رئاسة الرئيس السابق باراك أوباما. ولذلك فإنّه من مواقعه في تلك المناصب - المفاتيح التي تقلّب عليها، يبدو مؤهلاً أكثر من كثيرين غيره لإصدار الأحكام على سياسة الرئيس أوباما وعلى مواقفه التي تعرضت للكثير من الانتقاد.

 

ينطلق المؤلف في كتابه "المباراة الطويلة: كيف خالف (أو عصا) أوباما واشنطن وأعاد توصيف دور أميركا في العالم"، من مقولتين متناقضتين:

تعترف الأولى بأن مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية ذهبت بعيداً في التقليل من أهمية الإنجازات التي حققها أوباما في إدارتيه المتعاقبتين.

وتتهم الرئيس السابق بأنّه ذهب بعيداً في استخلاص العِبَر من الاجتياح الأميركي للعراق. وأنه كان مبالغاً جداً في حذره من استخدام القوة للدفاع عن النظام العالمي ودعم أصدقاء الولايات المتحدة في العالم، الأمر الذي تسبب في خيبة أمل الحلفاء وشجع الخصوم والأعداء.

أمّا المقولة الثانية فإنّها تعرب عن ذهولها من القرارات التي اتخذها الرئيس أوباما بدم بارد لاستخدام القاذفات من دون طيّار (الدرون) لقتل من وصفهم - أو اعتبرهم- بأنهم أعداء الولايات المتحدة (خاصة في باكستان وأفغانستان واليمن). وتتهمه بأنه قصف عدداً من الدول أكثر مما فعله الرئيس الأسبق جورج بوش الابن. ويؤخذ عليه أيضاً وبشدة، التزامه بتحديث وتطوير البرنامج النووي الأميركي والذي حمّل الخزينة أعباء مالية تنوء الآن تحت أعبائها، ومن دون جدوى!!

بعد ذلك يطرح المؤلف السؤال الذي بنى كتابه في محاولة للإجابة عنه. والسؤال هو: من هو باراك أوباما، هل كان رئيساً ليبرالياً أم أنه كان رئيساً واقعياً لا يحسب للمشاعر أي حساب؟

في الإجابة عن السؤال يبين المؤلف أن أوباما لم يكن لا هذا ولا ذاك. ويقول إنّ الرئيس الأميركي السابق أُسيء فهمه لأنه كان يلعب، أو كان يريد أن يلعب "المباراة الطويلة". ومن هنا جاء عنوان الكتاب.

فما هي هذه المباراة الطويلة؟

يقول المؤلف ديريك شوليت إنّ أوباما كان يقود سفينة السياسة الخارجية بعقلية التجار أو الباعة. كان يعرف - أو أنه كان يعتقد أنه يعرف جيداً- ما هي مصالح الولايات المتحدة على المدى البعيد، وكان يرفض الخضوع للضغوطات وللمطالب التي كانت تحثّه على التدخل استجابة لحاجات آنية ومرحلية لأنّ النجاح فيها ما كان يساوي تكاليفها المادية والمعنوية.

انطلاقاً من هذه الحسابات وضع الرئيس أوباما، كما يقول المؤلف، لائحة من المبادئ العامة التي بنى عليها سياسته الخارجية بما في ذلك سياسة استخدام القوة العسكرية كإحدى أدوات هذه السياسة، واتخذ منها قاعدة لبناء خياراته الاستراتيجية.

وفي مقدمة هذه المبادئ - يقول المؤلف- التوازن بين المصالح والقيم، والتوازن بين الأولويات الأمريكية الداخلية والخارجية، وبين الأهداف الأمريكية المعلنة في مختلف أنحاء العالم وقدرة أميركا على الاحتمال، وقدرة حلفائها على المشاركة في تحمّل الأعباء والمسؤوليات.

ويتحدث المؤلف بعد ذلك عن الميزان الدقيق الذي وضعه أوباما لنفسه لقياس النتائج الإيجابية والأعباء السلبية التي تترتّب على قراراته.

ويقول إن هذا الميزان يشمل:

  • القوة العسكرية
  • القوة الدبلوماسية
  • القوة الاقتصادية والتنموية

ويقول المؤلف بعد ذلك إنّ هذا المقياس لم يكن معتمداً، بل لم يكن موجوداً في الأساس في عهد الرئيس جورج بوش – الابن، ولذلك ورث أوباما عنه وضعاً بالغ السوء تمثل في وجود 150 ألف جندي أميركي يقاتلون في الخارج "دفاعاً عن الكرامة الأمريكية (؟)".

ينقل المؤلف عن أوباما قوله: "لا تسأل ماذا تستطيع أميركا أن تفعل. اسأل عما يفترض بها أن تفعل ". ولأن الولايات المتحدة هي أقوى دولة في العالم، فإنّ معنى ذلك أنّ عليها مسؤوليات استثنائية، مما يؤهلها لدور قيادي عالمي. ولكن ذلك لا يعني أنّ لها السلطة على فرض إرادتها سواء من حيث المضمون أو التوقيت. ولذلك كان أوباما يدعو إلى استخدام عامل الوقت - بما يعني ذلك من الصبر - لمنح محاولات التسوية فرصاً للنجاح، مع حساب دقيق لإمكانات النجاح أو الفشل، والاستعداد لمواجهة النتائج المترتبة على كل من الحالتين.

غير أنّ هذه الحسابات أدت عملياً إلى وجود أكثر من مبرر لاتهام إدارة الرئيس أوباما بأنها أنتجت القليل، وأن ما أنتجته جاء متأخراً أيضاً. فالبراغماتية الحذرة، والواقعية الباردة اللتان تميّز بهما عهدا أوباما، يتماهيان مع ما تميز به أيضاً عهد كل من جورج بوش الأب، وقبله عهد الجنرال إيزنهاور، وكلاهما - على عكس أوباما - من الحزب الجمهوري، غير أن عهديْ بوش الأب وإيزنهاور تميزا بالإنتاج السياسي البنّاء على مستوى الداخل الأميركي والعالم. بعكس ما حدث مع الرئيس أوباما رغم أنه تربّع على عرش البيت الأبيض ثماني سنوات متواصلة. إلا أنّ المؤلف يؤكد أنّ هذه الصورة السلبية سوف تتغير مع الوقت ـ لتتكامل مع الصورة المرسومة عن بوش الأب والجنرال إيزنهاور.

ولتبرير هذا الحكم الإيجابي، يسجل المؤلف للرئيس أوباما نجاحه في إعادة التوازن إلى العلاقات الأمريكية – الصينية، وإلى النجاح في السيطرة على العلاقات مع روسيا رغم إقدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على انتزاع شبه جزيرة القرم من أوكرانيا وضمّها إلى بلاده.

غير أن المؤلف يعترف، وهنا بيت القصيد بالنسبة لنا؛ أنّ مبدأ أوباما منيَ بكارثة في كل من أفغانستان والعراق وخاصة في سوريا. ويقول إنه كان لسياسته تداعيات مدمرة. ففي أفغانستان أعلن أوباما أن القوات الأمريكية سوف تنسحب تماماً بعد 18 شهراً فقط، إلا ـنه اضطر إلى زيادة عددها. وكرّر الخطأ مرة ثانية في عام 2014 عندما حدد عام 2016 موعداً أخيراً لانسحابها، وهي لا تزال هناك حتى اليوم!

ويقول المؤلف إن خطأ الرئيس أوباما كان بإعلان التزامه بالانسحاب من جانب واحد من دون أن تتوفر على الأرض معطيات تغطي هذا الانسحاب وتدعمه أو على الأقل تبرره. ويقول إن ما حدث كان على العكس، إذ استغلت طالبان الأمر لتصعّد من هجماتها على المواقع العسكرية الأمريكية وعلى مؤسسات الدولة الأفغانية معاً.

ويصف المؤلف قرار الرئيس أوباما بالانسحاب من العراق في نهاية عام 2001 بأنه كان كارثياً ومأساوياً. ويقول لو أن الرئيس أبقى جزءاً من هذه القوات لكان بإمكانه التعرف على المتغيرات السياسية التي رافقت الانسحاب ولعمل على صدّها، وربما ما كان لداعش أن تقيم دولتها في شمال العراق!.

وعن سوريا، يتحدث المؤلف عن مجموعة من الأخطاء التي ارتكبتها إدارة أوباما سواء بعجزها عن معاقبة النظام حتى بعد تجاوزه الخط الأحمر باستخدام السلاح الكيماوي، أو بفشله بمساعدة الانقلابيين على النظام. ويقول المؤلف إنّه من خلال موقعه هو نفسه في إدارة أوباما كان يطالب وبشدة بضرورة تغيير سلوك الإدارة وعلى إعادة النظر في تعاملها مع القضية السورية، ولكن دون نتيجة.

مع ذلك كله يعتبر المؤلف أنّ أهم نجاح لمبدأ أوباما يتمثل في التوصل إلى اتفاق مع إيران حول ملفها النووي. وأنه ما كان ممكناً تحقيق ذلك من دون اعتماد دبلوماسية النفَس الطويل.

يتحدث الكتاب مطولاً عن هذا الملف من خلال المحادثات التي "تميزت بالصبر وطول الأناة" حتى أمكن التوصل إلى التسوية التاريخية.

ويكشف عن أمر أساسي، وهو أن الرئيس أوباما كان يتابع ويطّلع بنفسه على كل صغيرة وكبيرة في المحادثات، وأنه كان يبدي رأيه ويحدد موقفه الذي كان وزير الخارجية الأمريكية (والوفد المفاوض) يلتزم به التزاماً مطلقاً.

ولكن بالرغم من كل الانتقادات التي تعرّض ويتعرّض لها عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، فإن من حسن حظه بالتأكيد أنه جاء بين رئيسين يثار الكثير من الغبار السياسي حول عهديْهما داخل الولايات المتحدة وخارجها؛ وهما الرئيس جورج بوش الابن، والرئيس الحالي دونالد ترامب.

----------------------------------------------------------------------------------------------------------

اسم الكتاب: المباراة الطويلة: كيف خالف أوباما واشنطن وأعاد تعريف دور أميركا في العالم

The Long Game : How Obama Defied Washington and Redefined America’s Role in the World

اسم المؤلف: ديريك شوليت Derek Chollet

اسم الناشر: Public Affair

تاريخ النشر: 2016

عدد الصفحات: 247

اللغة: الإنجليزية

 

أخبار ذات صلة