فاطمة بنت ناصر
الكاتب في سطور:
اللورد مارك برايس (MARK PRICE) رجل أعمال بريطاني معروف، له خبرة طويلة في إدارة أبرز الشركات البريطانية كشركة: وايتروس وجون لويس (WAITROSE / JOHN LEWIS). التحق بالحكومة عام 2006 كوزير للتجارة والاستثمار ممثلاً عن الحزب المحافظ.
" هناك اتهام يشير إلى غياب الثقة بين (القطاع الخاص) و(المجتمع) ولكن دعونا نتساءل من هو المجتمع؟ أليس المجتمع إلى حد بعيد يمثله ذات الأفراد العاملين في القطاع الخاص" بهذه الجملة التي تضع المؤشر نحو حقيقة نتجاهلها تتمثل في كون طبقة العمال في القطاع الخاص تحديداً هم الجزء الأكبر من المجتمع، وأن التحديات التي يواجهونها لا تمثلهم وحدهم ولكنها تواجه المجتمع بأسره. ولنتساءل هنا ما الذي يجعلنا نفصل بين المجتمع وأفراد القطاع الخاص؟ لعل ذلك يعود إلى الفرق الكبير بين العاملين في هذا القطاع، فهناك رؤساء هذا القطاع والذين غالباً يكونون مصدر اتهام في تدني أحوال عُمال هذا القطاع واستئثارهم بالسلطة والمال. ونلاحظ في المقابل أن الطبقة العاملة في سلك الإنتاج في هذا القطاع تواجه تحديات تاريخية وتحدياتها اليوم ليس سوى استمرار لها. فالزمن ينتج لنا المعدات الآلية التي تستبدل البشر، كما أن الزمن يدفع بعض الجنسيات للهجرة وهذه الجنسيات تشكل لاحقاً مصدر تحدٍّ للعمالة الوطنية حيث ترضى برواتب قليلة وقد تعمل لساعات أطول، وهناك تحديات كثيرة على هذه الشاكلة. وفي مقابل هذه التحديات يزداد الأغنياء غنى وهذا ما يجعل أمر نجاح إدارة العلاقة بين الرئيس والمرؤوس سر نجاح واستمرارية هذه المؤسسات.
في هذا الكتاب الذي يستعرض تجربة شخصية لرجل إدارة ناجح وضليع بهذه التحديات نجد أجوبة وحلولاً أثبتت نجاحها الباهر رغم بساطة فكرتها.
(من حيث المبدأ)
الأهداف غالباً ما تحدد جودة النتائج. الأهداف النبيلة تحقق نتائج مبهرة، إلا أن الأهداف النبيلة أصبحت منسية في ظل التنافس الرأسمالي الجشع. يقول الكاتب إنه حضر ورشة على مستوى الإدارة التنفيذية وكان سؤال المحاور لهم: ما هدف الرئيس التنفيذي لأي شركة؟ تفاوتت الإجابات من الرؤساء إلا أن أغلبها ركز على تحقيق الأرباح المادية. ويقول الكاتب إن إجابته عن هذا السؤال كانت محل استغراب من الكثيرين، حيث أنه جاوب بقوله: "غاية الرئيس التنفيذي يجب أن تكون تحقيق أعلى معدلات السعادة للعاملين معه!". يرى الكاتب أن سعادة العامل هي السبب الأهم لنجاح أي مؤسسة. ولكن كيف تكون السعادة مفتاحاً للنجاح؟ بحسب المؤلف: "إنّ الموظف السعيد يعكس سعادته على محيطه وعلى المجتمع ككل. فالسعادة تنبع بشكل رئيسي من إحساس ملك زمام الأمور والسيطرة والشعور بالرضا والإيجابية للبيئة المحيطة بنا".
ويفصل الكاتب طريقة تحقيق هذا النجاح بالحديث عن المبادئ النظرية وعن الطرق التطبيقية التي ستحقق النجاح المؤسسي الأمثل والذي لا يهمش فيه أي عنصر لصالح الآخر.
أما المبادئ الثلاثة فهي:
- إشراك الموظفين
الشراكة بين الموظفين والرؤساء في إدارة شؤون المؤسسة يجعلهم جميعاً يتحملون مسؤولية نجاح أو فشل المؤسسة. تتنوع طرق إشراك الموظفين ولعل من أبرز هذه الطرق (تمليك الموظفين) تمليك الموظفين نسبة من الشركات التي يعملون بها أثبت أنه يحقق نجاحات باهرة. فالموظف في هذه الحالة لم يعد أداة لجلب المال لصاحب المؤسسة ولكن أصبح هو أحد أصحاب رأس مالها، وبالتالي يسعى إلى تحقيق النجاح لمؤسسته الخاصة والعامة في نفس الوقت.
- رضا وولاء الزبائن
لا يمكن تحقيق هذه الغاية دون تحقيق الإشراك السابق ذكره. فالموظف الشريك يسعى لكسب ولاء ورضا الزبائن باعتبارهم أهم أهداف تحقيق الشراكة. في تجربة شركة لويس التي ذكرناها قامت الشركة بتطبيق فعال لهذا المبدأ، وذلك عن طريق ربطه بتوزيع المكافآت السنوية. فالموظف يأخذ حصته من المكافآت السنوية على ضوء الأرباح الكلية التي تحققها الشركة ويتم توزيعها بشكل نسب على كل موظف تبعاً لراتبه الشهري. لهذا وجدت الشركة أن الجميع يتكاتف لنيل رضا الزبائن. فالزبون السعيد غالباً ما يكون ولاؤه أكبر وهذا بدوره ينعكس على الأرباح التي تحققها الشركة والتي يسعى الجميع إلى تحقيقها لنيل مصلحتهم الشخصية التي لم تفصل عن مصلحة الشركة ككل. لهذا لا نرى تنافسا فرديا قائما على مصلحة شخصية كالذي تقوم به بعض الشركات من ربط مكافأة الموظفين بتحقيقهم عددا معينا من المبيعات. وبالتبعية سنجد أن جودة الخدمة تتحسن وذلك مرة أخرى يعود إلى سعي الجميع لتحقيق هدف واحد يحقق مصلحة جميع الأطراف.
- تحمل المسؤولية
إن المؤسسات التي تعي قيمة وأهمية المسؤولية المجتمعية نراها تحقق نجاحاً أكثر استدامة من غيرها. فالشركات القائمة على تحقيق استفادة قصيرة المدى مقابل إلحاق الأذى البيئي أو المجتمعي هي مؤسسات فاسدة أخلاقياً ولا تحقق الرضا بين أفرادها ولا من يحيطون بها. فكما ننشد أن ننشئ مواطناً مسؤولاً يهتم بمن حوله ويعتبر مصلحة المجتمع جزءاً من تحقيق مصلحته الشخصية، فإن المؤسسات ينبغي أن تكون كذلك مؤسسات مسؤولة تعطي للمجتمع كما تأخذ منه ولا تركز على الأخذ دون عطاء. وقد حثت الكثير من الأديان على سلوكيات تحث على هذا المبدأ. وقد أورد الكاتب ما حثت إليه الديانة اليهودية من عدم زراعة الحقل في السنة السابعة وذلك لتذكير صاحبه بأنه لا يملك الأرض وإنها هبة الله. والكثير من الأديان تدعو إلى تحمل الإنسان المسؤولية عما هو حوله وفيما لا تزال الأديان والفلاسفة وغيرهم يدعون إلى هذه المسؤولية إلا أن الممارسات توضح أن هناك حفنة قليلة من أصحاب الأموال يلحقون ضرراً كبيراً بالبيئة وبما هو حولهم. إن وجود مؤسسات فاعلة اجتماعياً يؤدي إلى وجود موظفين فاعلين اجتماعياً كذلك فهذا الموظف يدرك أن عمله سيعود بالنفع على محيطه وهو مستفيد على كل الأصعدة.
أمثلة ملهمة عن الموظف الشريك
هناك قصة قصيرة ملهمة يعرضها الكتاب عن كيفية معرفة الموظف الشريك والذي يشعر بالولاء والمسؤولية ويعي قيمة عمله وأهميته. تقول القصة إنّ حارساً يعمل في وكالة (ناسا) الفضائية سُئل من قبل مجموعة من الزوار عن ماهية عمله في ناسا؟ فأجابهم: أنا أقوم بإرسال البشر إلى سطح القمر.
مثل هذه القصة تجعلنا نتساءل كيف سنجيب إن تم سؤالنا ذات السؤال والإجابة التي سنجيبها ستعكس ما إذا كنا نسعى إلى كسب المصلحة الشخصية فقط أم كنا موظفين نشعر بالولاء والارتباط بالمؤسسة التي نعمل بها.
(من حيث الممارسة)
أما من حيث تطبيق المبادئ سالفة الذكر فيقترح الكاتب من واقع تجربته تطبيق ستة أمور وقد سماها (الخطوات الست لتحقيق السعادة في بيئة العمل) وهي:
- التقدير والمكافأة.
لا يتعلق الأمر هنا بالمال؛ فالراتب المجزي لن يجعل الموظف أكثر مسؤولية اتجاه عمله ولن يجعله كذلك يشعر بالانتماء والفخر لما يقوم به. إذن ما الذي يمكننا فعله لتحفيز الموظف؟ يستشهد الكاتب بعالم النفس فريدريك هيرزبيج Frederick Herzberg ونظريته المتعلقة بـ (التحفيز في بيئة العمل) والتي يشدد فيها على عدم جدوى المال في تحفيز الموظف مالم يلازم ذلك شعور الموظف بأن هناك من يقدر مجهوده. وهناك عوامل كثيرة تسهم في تعزيز التحفيز ومن أهمها: المسؤولية التي يتحملها الموظف، وحس الإنجاز في تحقيق الأهداف التي عليه القيام بها، وتقدير المؤسسة للجهود التي يقوم بها. من المؤسف إننا نجد في واقعنا الكثير من المؤسسات تساوي بين موظفيها في العطاء والمكافآت، فإنها إما توزع على الجميع أو يحرم منها الجميع! هذا النوع من السلوك المؤسسي يحبط الموظفين أصحاب العطاء الأكبر وقد يجعلنا نخسر حماستهم في العمل، فهو يرى أمامه أن مؤسسته يتساوى فيها المجيد والمهمل. للأسف تظن هذه المؤسسات أنها تفعل خيراً بتطبيقها مبدأ المساواة ولكن المساواة لا تعني تحقيق العدالة وهنا يكمن الفرق.
- مشاركة المعلومات
تمارس مؤسسات كثيرة إخفاء عثراتها وتحدياتها عن موظفيها وتكتفي بمناقشتها في نطاق الإدارة العليا. نجد أن هناك تبعات تؤثر سلباً على سلوكيات الموظف المهمل والذي لا يتم مشاركته بشفافية بأحوال المؤسسة وتحدياتها. إن الشفافية ومشاركة البيانات تنعكس على الموظف وكيفية تعامله لما حوله بينما حجب البيانات قد يجعله يتخذ قرارات تضر بالمؤسسة دون علم منه وذلك لعدم درايته بأحوال المؤسسة. مشاركة البيانات أيضاً تجعل الموظف أكثر تقديراً لعمله وأكثر إصراراً بجعله الأفضل لأنه يستشعر بأنه فرد ذو أهمية وليس مجرد مؤدٍّ لعمل محدد لا يعي شيئاً عن مؤسسته.
- التمكين
يتمثل تمكين الموظف في عدة أوجه أبرزها منحه الثقة والسلطة للقيام بما يظنه صائب بمشاركة الآخرين في صناعة القرار وجعله يناقش أفكاره حول المؤسسة بشفافية مع الإدارة. هذا النوع من السلوكيات يعزز انتماء الموظف للجهة ويستشعر أنها مؤسسته وليست مجرد مؤسسة يعمل بها من أجل الراتب.
- الرفاهية والعافية
اهتمام المؤسسة بسلامة الموظف وصحته البدنية والذهنية تؤدي إلى حصولها على موظف ذي أداء مستقر. بينما نرى أن إهمال المؤسسات لسلامة الموظف النفسية والجسمانية تنعكس على نوعية الموظفين الذين تحصل عليهم تلك المؤسسة. فهذا الموظف الذي يستشعر بعدم أهميته وإهمال المؤسسة له غالباً لا يعطي المؤسسة بالقدر الذي تتوقعه منه. على سبيل المثال نجد الاقتصاد البريطاني يتكبد خسائر سنوية تقدر ب 29 بليون جنيه إسترليني وذلك بسبب غياب الموظفين وتقدر هذه البيانات إهدار 130 مليون يوم عمل. إن تقليل نسبة غياب الموظفين وزيادة صحتهم النفسية والجسدية ينعكس على زيادة الإنتاج واستقرار أحوال الاقتصاد.
- غرس الاعتزاز والفخر
يعد الاعتزاز والفخر من أهم الحوافز التي تجعل الفرد يقدم ويبذل أفضل ما لديه. وقد نشر المعهد المعتمد للأفراد والتنمية ما يوضح بأن 4. 0 فقط من الموظفين الذين شملتهم الدراسة في بريطانيا يشعرون بالفخر بعملهم وهذه النسبة في تناقص[1]. إن الشعور بالفخر والاعتزاز اتجاه ما نعمل يجعلنا أكثر إيجابية وتسويقاً للمؤسسة التي نعمل بها. فالموظف الفخور ينعكس فخره بالمؤسسة من خلال أحاديثه مع زملائه والمتعاملين مع جهة عمله. وهذا الأمر بدوره يسهم في نجاح المؤسسة وتسويقها بشكل جيد. هناك ارتباط وثيق بين شعور الموظف بالفخر في عمله ومدى مساهمة جهة عمله في مساعدة وتنمية المجتمع من حوله، فكلما زادت المؤسسة من أدوارها الإيجابية ومساهمتها الفعالة في خدمة المجتمع زاد الفخر في نفوس من يعملون فيها. من الأمثلة التي عرضها الكتاب في هذا الشأن هو قيام الخطوط الجوية البريطانية بتسيير رحلات سنوية لموظفيها لتقديم مساعدات لبعض المناطق المتأثرة بالكوارث الطبيعية. وفي هذا الأمر عدة فوائد فتسيير هذا النوع من رحلات الإغاثة يعلم الموظفين كيفية اتخاذ القرارات وإنجاز المهمات بروح الفريق الواحد، كما أنها تجعلهم يشعرون بأن مؤسستهم التي ينتمون إليها تحمل مبادئ إنسانية وأخلاقيات نبيلة، وهذا بدوره يعزز من ولائهم اتجاهها.
- الرضا الوظيفي
يقول إبراهام لينكولن "الناس الذين يستحقون الثقة المطلقة ويحظون بها سوف يردون جميل هذه الثقة". تحقيق الرضا الوظيفي يأتي من تطبيق كل ما سبق ذكره. فالموظف الذي تمنحه المؤسسة الثقة والتقدير والمكافأة والعناية به وبالمجتمع من حوله، سوف يرد هذا العطاء بلا شك. كما أن معاملة الموظف كإنسان له وقته الخاص الذي تحترمه المؤسسة يجعل الموظف أكثر عطاءاً في الوقت المخصص للعمل. ويعرض الكاتب مثالاً ملهماً لما قامت به شركة Waitrose حين قامت بتوزيع أجهزة الآيباد على موظفيها فقد أرفقت بها ملحوظة تقول: " لا تعتقد إننا نتوقع أو نرغب منك أن ترد على الإيميلات بعد الساعة 6 مساءً أو قبل الساعة 8 صباحاً - وهي ساعات الدوام الرسمي بالشركة-".
ينهي الكاتب كتابه بالحديث عن أهمية التعددية في بيئة العمل وأثرها في تطور الأفراد. فالبيئة التي تحتضن التوجهات المختلفة والآراء المتباينة تكون أكثر إبداعاً وثراء من تلك البيئة التي يسود فيها رأي واحد فقط. وأخيراً يؤكد المؤلف على أهميّة وجود أدوات لقياس سعادة الموظفين وهناك طرق عديدة لمعرفة مدى سعادتهم في بيئة العمل سواء بتصميم الاستبيانات أو بوجود مجلات ونشرات داخلية تعرض آراءهم ومقترحاتهم لتحسين بيئة العمل، إلا أن الأهم من كل هذا هو إيمان المؤسسة بأهمية هذه الآراء وأن تفعل كل هذا عن قناعة وليس عن فرض وإكراه.
------------------------------------------------------------------------
عنوان الكتاب: العدالة للجميع Fairness For All
المؤلف: مارك برايس Mark Price
الناشر: منشورات ستور Stour Publishing
سنة النشر: 2017
عدد الصفحات: 270
اللغة: الإنجليزية
[1] Creating an Engaged Workforce, CIPD,January 2010
