كيم سونغ جين
محمود عبد الغفار
مدرس الأدب الحديث والمقارن
كلية الآداب- جامعة القاهرة
على غلاف الكتاب وفوق العنوان تأتي عبارة بخط صغير: "إنْ أردت أنْ تتحرر من أسر النقود في حياتك، عليك أنْ تبدأ في دراستها من سن العشرين!" هذه العبارة الكاشفة ربما تتصل بشخصية المؤلف الذي لم يتجاوز العقد الرابع من عمره. أمّا صورة الغلاف فهي لقلم رصاص في نهايته ممحاة؛ كناية عن الدراسة والتعلم ووقوع الأخطاء ثمّ تجاوزها ومحوها. هناك أيضًا رمز العملة الأمريكية "الدولار" الذي له صلة وثيقة بموضوع الكتاب من ناحيتين: الأولى أنّ المؤلف بدأ برنامجه الذاتي الطموح في اكتساب النقود بعهد قطعه على نفسه؛ ألا وهو ادخار "تسعين ألف دولار" خلال خمسة أعوام وإلا سينتحر. والثاني أنّه العملة العالميّة في مجال استثمار المال والأعمال بشكل عام. أسفل هذه الصورة الموحية تأتي عبارات تتعلق ربما بتجربة المؤلف الخاصة مع النقود، فلأنّه يكره مسألة الاستسلام لعدم كسب النقود شرع في دراستها بيقين أنه إنْ حصّل مائة مليون وون كوري في سن الخامسة والعشرين، فسوف يتمكن من تحقيق مليار وون في الثلاثين!
في مقدمة الكتاب يستعرض المؤلف (كيم سونغ جين) حكايته مع النقود. فقد كان يعيش في شقة من حجرة واحدة بإيجار لا يزيد عن مائة دولار في الشهر لكي يدخر من النقود ما يكفي للقيام بالاستثمار، فقد كان على دراية تامة بأمرين: الادخار والاستثمار. وقد ظل يحاول ذلك جاهدًا رغم ارتكابه العديد من الأخطاء (لعل القلم الرصاص على غلاف الكتاب له إيحاءات مهمة في هذا السياق على نحو ما أشرنا من قبل). في تلك المرحلة أيضًا أدرك "كيم" أمرًا بالغ الأهمية يتعلق بطبيعة الاستثمار كما فهمه: "على المرء أن يستثمر نقوده بانتظام في منتجات جيدة. صحيح أنّ الادخار مفيد ولكنه يجب أن يكون مرحلة مؤقتة لأنّ الاستثمار يحقق أرباحًا تفوق أية فوائد يحققها الادخار". عند هذا الحد من الإدراك شرع "كيم" في دراسة "تقنيات الاستثمار". وقد سجل في هذا الكتاب كل تفاصيل رحلته مع النقود ادخارًا واستثمارًا عبر المحاولة والخطأ لأجل أن يفيد منها القراء.
أمّا عن شخصية المؤلف "كيم سونغ جين" فهو رجل أعمال الآن، وهو صاحب ماركة معروفة " ويدبنج بونج"، كما أنه مهووس بتقنيات استثمار الأموال إلى الحد الذي يرى معه أنه جاء إلى الحياة لأجل ولوج هذا الدرب وتعبيده وكشف كل خباياه وأسراره. عندما كان طالبًا في المرحلة الثانوية، وفي الوقت الذي انشغل فيه كل أقرانه بالإعداد للالتحاق بالجامعة، كانت أسرته قد أفلست بعد أن خسر والده وظيفته بسبب تعثر الشركة التي كان يعمل بها. عاش "كيم" تلك الأيام الصعبة التي تمنى خلالها لو انتهى أجله عند هذا الحد. في ذلك الوقت قطع على نفسه عهدًا؛ فقد قرر الانتحار لو لم يدخر تسعين ألف دولار خلال خمس سنوات! ثم شرع على الفور في دراسة أساليب استثمار النقود، واتبع خططًا معينة حتى تحقق له ما أراده بالفعل، ثم وضع اسمه في مقابلة بإحدى الجرائد المهتمة بالاستثمار تحت عنوان "اقتصاد كل يوم" كمستثمر محترف مع أنّه ما يزال طالبًا بالجامعة! هو الآن في الثلاثينيات من عمره ولم يحقق من الثراء ما يجعله أحد أثرياء كوريا مثلاً لكنه خطّ هذا الكتاب لعدة أسباب: - مساعدة الفقراء تحديدًا على التخطيط الآمن لمستقبل إنفاقهم وتعاملهم مع النقود في هذا الزمن الصعب. - توجيه رسالة قوية للأجيال الجديدة وللناس بشكل عام: " ن كنتُ أنا قد تمكنتُ من تحقيق طموحي فهذا يعني أنه يمكنكم جميعًا بلوغ ما تحلمون به". – لفت الانتباه إلى أحد أهم متطلبات الاستثمار الناجح؛ التحلي بالشجاعة وسرعة اتخاذ القرار. ولهذا اختتم مقدمة الكتاب بهذه العبارة: "يا شباب كوريا! عندما تكونون على أتم استعداد، عليكم أن تبدأوا فورًا."
يتألف الكتاب من ستة فصول. جاء الفصل الأول بعنوان "دراسة تقنيات الاستثمار أكثر أهمية من البحث عن وظيفة!" بعد اقتباس على لسان المؤلف مفاده "أنا الذي عشت في شقة صغيرة من حجرة واحدة ادخرتُ تسعين ألف دولار في سن الخامسة والعشرين". وفيما يبدو أن هذا الشاب الثريّ يقرأ كثيرًا ويحب دائمًا أن يضع اقتباسات لمقولات الفلاسفة ورجال الأعمال والساسة في كتابه. يتوقف الفصل ليناقش أهمية البدء بتأمل الذات ودراستها في سن العشرين. وليلفت نظر الشباب إلى مسألة ربما تغيب عن أذهانهم؛ ألا وهي أنه كلما ازدادت المؤهلات التي تطلبها الشركة في المتقدم لشغل وظيفة لديها كلما كانت الوظيفة صعبة. وكلما ازدادت صعوبة العمل ارتفع سقف مطالبنا بالحصول على مكافآت وازدادت رغبتنا في الحصول على المال. لكن العجيب والسخيف في هذا الأمر أنه للحصول على تلك المكافآت علينا العمل أكثر وأكثر. وبتكرار هذا العملية نجد أنفسنا في غاية الحيرة بعد فترة رغم حصولنا على مال أكثر كل مرة لأنّ حياتنا تصير خاوية ورتيبة. أمّا تحت عنوان "ليس لدينا المال ولا الخبرة ولكن لدينا الوقت" فيناقش فكرتين: الوقت أهم ما نملكه في هذا الحياة، وقيمة المنتج تتحدد وفقًا لمدى رغبة الناس في شرائه. والحياة أيضًا على هذه الشاكلة؛ فما يجعلني سعيدًا ليس الوقت الذي أمضيه مستمتعًا بتحقيق هدفي وإنما بذلك الوقت الذي كنت أكافح الحياة فيه لبلوغ ذلك الهدف. ومما يستحق الشكر والثناء أن الحياة تمنحنا الوقت الكافي لمثل هذا الكفاح! ثم ينتقل إلى مسألة أخرى تحت عنوان "ما اكتشفتُه حديثًا بشأن تقنيات الاستثمار" فيقول إن القراء يفهمون كلمة "تقنيات" الاستثمار بشكل حرفيّ بمعنى "ازدياد الأموال"، في حين أعتبرها أنا نوعًا من الكدّ الذكيّ لأجل المستقبل. لماذا نوع من الكدّ؟ لأن التعامل مع استثمار المال بمنطق الازدياد والربح قد يؤدي إلى خسارة المال أصلا جراء الخوف من الفشل. ثم يختم هذا الفصل تحت عنوان "معنى ادخار تسعين ألف دولار في كوريا الجنوبية". حيث يرى أنّ امتلاك المال عند حدّ معين وليكن "تسعين ألف دولار" يعني أنّ لحظة البداية أو الانطلاق للاستثمار قد حانت. صحيح أنت في عرضة لارتكاب أخطاء ولكن هذا لا يعني بالضرورة الفشل.
الفصل الثاني بعنوان "عندما تكتسب عادة فهم المال في سن العشرين فسوف تحتفظ بها إلى الأبد". ثم يفتتح هذا الفصل بمقولة معبرة لأكاديمي أمريكي بجامعة كاليفورنيا هو لورناس ج. بتر: "إنْ لم تكن تدري إلى أين أنت ذاهب، فسينتهي بك المطاف بمكان لم تكن تبغيه!" ثم يتناول الفصل عددًا من العناصر مثل: المستهلك الذكي في بلد استثماري، والذي يحسن التخطيط لما يملكه من مال يكتسب عادة إنفاقه على النحو السليم. فالناس ليسوا أجهزة حواسيب ولهذا فهم يتذكرون جيدًا مواقفهم ومتطلباتهم في إنفاق المال، وكلما أحسن المرء التعامل مع تلك المتطلبات كلما تمكن من إدارة أمواله بشكل طيب. ثم ينتقل إلى عرض متطلبات الإنفاق اللازمة وكيفية القيام بذلك الإنفاق، وقرار تحديد المبلغ اليومي الذي يتم إنفاقه، ونظام الفصل بين الحسابات البنكية. فالشخص الذي لا يستطيع تجنب إنفاق مبالغ مالية كبيرة بشكل مفاجئ عليه أنْ يتعلم كيف ينفق أمواله باحترافية. ويختتم هذا الفصل بالحديث عن أوجه الإنفاق الصحيح، وعند الرغبة في شراء سيارة، وأذكى الطرق لاستخدام بطاقات الائتمان، ثم ضرورة القلق بشدة أمام سهولة الحصول على قروض!
يأتي الفصل الثالث بعنوان "المستوى الأساسي لأول استثمار جاد في حياتك". ثم كالعادة يضع اقتباسًا معبرًا في مفتتح هذا الفصل لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة "مارجريت تاتشر": "تخيل أكثر الأيام التي تشعر فيها بالرضا عن نفسك. إنه ليس اليوم الذي تجلس فيه مسترخيًا بلا عمل ولكنه اليوم الذي تكون لديك فيه الكثير من الأعمال التي تتمكن في إنجازها كلها". ثم يتناول بعد ذلك عددًا من العناصر مثل؛ عندما تعرف عن الفائدة المركبة يمكنك أن ترى كيف تستثمر أموالك. الحقائق حول الفوائد المركبة للمدخرات. استخدام حسابات ادخارية خاصة ومتعددة. كل ما عليك فعله هو أنْ تقرر ما تقوم به من عدمه. ادخار تسعين ألف دولار في خمس سنوات. التقنيات لا تتغلب على العقل.
الفصل الرابع بعنوان "المستوى المتقدم لأول استثمار جاد في حياتك". وفي هذا الفصل غطى المؤلف النقاط التالية: الفرق الخادع بين تداول رأس المال في البورصة ورأس المال نفسه. ثم أتبع المؤلف ذلك بعدد من الأمور المتعلقة بتداول المال في البورصة بشكل اختصاصي وتقني لينتقل منه إلى مسألة كيفية اكتساب المال وأوجه إنفاقه، ثم الشكل الأمثل لاستراتيجية استثمار قوية هو "4-4-2"، وأخيرًا أهم ثلاثة أشكال للمال في كوريا "الوون الكوري، الدولار الأمريكي، الذهب، ويختم هذا الفصل بثلاثة أمثلة لفشل استثمار الشهادات والسندات المالية. في الفصل الخامس بعنوان "القواعد التي ينبغي عليك معرفتها لتعيش كشخص غنيّ" ويبدأ هذا الفصل باقتباس من سقراط يقول فيه "الذي يقدر على أنْ يحرك نفسه يستطيع تحريك العالم". ويغطي هذا الفصل عددًا من الأفكار عن طبيعة الرأسمالية العالمية، وطريقة تفكير الأثرياء وما يلفظونه من عبارات. ويوجه الكاتب النصيحة للمستثمرين الذين قد يضنيهم فهم التوجهات الرأسمالية بضرورة تغيير توجهاتهم في التعامل مع المال، فالأموال كما يقول لا يكتسبها المرء وإنّما يصنعها بالكد والعمل الشاق، ولذا فبإمكان المرء أن يدّعي أنه المالك الحقيقي لأمواله عندما يحصل عليها بنفسه نتيجة لعمله. النصيحة الأخرى هي ضرورة الثقة بالنفس واتخاذ المبادرة عند الشعور بالاستعداد التام.
الفصل السادس والأخير من الكتاب بعنوان "عندما تدرس ما يتعلق بالنقود فأنت تدرس ما يتعلق بالحياة في الوقت نفسه". فصل ختامي مناسب جدًّا لكل القراء لا المهتمين بالاستثمار فحسب. والاقتباس الذي يضعه المؤلف في مفتتح الفصل اقتباس شعري بليغ جدًا للأم تيريزا: "إنّ ما نقوم به الآن قد يكون أقل وأضأل من قطرة الماء في البحر، لكن البحر عندما يفتقر إلى تلك القطرة فإنّ ماءه سيتناقص". السؤال الأهم الآن الموجه للقارئ- على نحو ما يقول المؤلف- هو: لأجل أي شيء تحيا الآن؟ إنّ الذين كسبوا الكثير من الأموال لا يقولون أبدًا أنّهم عملوا لأجل المال، بل إنهم عملوا بكل اجتهاد في مجالهم ثم أتاهم المال الوفير تباعًا. ولهذا ضع المال خلف ظهرك وأخلص في عملك وثق بأن المال سيتبعك. ولا تنسَ أيضًاّ أيها القارئ أنّ المال للإنفاق بينما الوقت للاستمتاع. عليك أن تتعلم ذلك وأن تتذكر أنّ ابتسامتك الأخيرة كانت نابعة من قدرتك على تنظيم وقتك وتعلم كيفية الاستمتاع به. صحيح إنّ الكتب فيها خبرات وعوالم لا تنضب لكنها تطرح الأسئلة التي لن نجد الإجابات عنها إلا في تجارب البشر الذين نعايشهم. ثم يختتم المؤلف كلامه بنقطتين: الأولى تتعلق بدوافعه لدراسة المال من أجل فهم ذاته وفهم الحياة والعثور على إجابات كثيرة يتعذر على غيره معرفتها بسبب اعتيادهم التعامل مع ما يكسبونه من أموال بشكل تقليدي. الثاني يتعلق بفكرة أنّ عدم وجود ما يعمله المرء لا يعني أنّه ليس عليه القيام بأي شيء على الإطلاق. فلحظة تأمل صادقة بتطلع نحو المستقبل كفيلة بأن يبدأ المرء أول خطوة جادة لصنع أسطورته الخاصة. وبهذه العبارة التفاؤلية التي تمنح الكثير من الطاقة الإيجابية ينتهي هذا الكتاب الممتع.
-------------------------------------------------------------------
اسم الكتاب: دراسة ماهية النقود في سِنِّ الشباب
اسم المؤلف: كيم سونغ جين
الناشر: جاشيو بيا
اللغة: الكورية
سنة النشر: ديسمبر 2016
عدد الصفحات: 224
