حقوق الإنسان تدين بالإنسانية

فاطمة بنت ناصر

يتناول الكاتبُ مُحمَّد بوبوش، عبر مقاله "حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي"، والذي تمَّ نشره في مجلة "التسامح"، مسألة حقوق الإنسان في الإسلام، وهي مسألة إن تعلقت بمصطلح "حقوق الإنسان" تعتبر معاصرة، وإن تعلقت بمفهوم تكريم الإنسان تعتبر تقليدية؛ وذلك لحداثة المفهوم الأول ولأسبقية الغرب في المطالبة به، وهو ينطوي على مبادئ عِدَّة؛ منها ما يجد القبول في الفكر الإسلامي، ومنها ما يجد الرفض. يعرض هذا المقال تلخصياً لما كتبه بوبوش، متضمناً بعض الملاحظات والآراء الشخصية.

من مُنطلق ذكر تكريم الإنسان عن سائر المخلوقات في القرآن وتشريفه بخلافة الأرض لعمارتها، تأتي الشريعة الإسلامية كدستور يحوي كافة الحقوق الفردية والاجتماعية، بل إنها حسب الكاتب سبقت المواثيق والمعاهدات الدولية بقرون من حيث تكريم الإنسان. بعدها، يفصل الكاتب الحديث حول حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي؛ وذلك بتناول ثلاثة محاور رئيسة؛ هي:

1- الدستور الإلهي وحقوق الإنسان.

2- تقسيمات حقوق الإنسان في الإسلام.

3- نقاط الاتفاق والاختلاف بين الفكر الغربي والفكر الإسلامي.

 

* الدستور الإلهي وحقوق الإنسان:

ينطلق الكاتب في الحديث هنا من نقطتين؛ أولاهما: التفصيل في منطلق "الخلافة"، وكون الإنسان في الإسلام خليفة الله -عز وجل- في هذه الأرض، وكيف لهذا المنطلق أن يوسع النظرة من حقوق الإنسان الضيقة إلى نظرة شاملة حول تكريم الإنسان ككل وليس حقوقه فقط. ونرى كيف أن رسالة الإسلام للإسلام وتكليفه بالخلافة في الأرض قد أسهمت في تشكيل وصياغة تكريم الإنسان وصون حقوقه؛ فهو الخليفة الذي يستوجب صونه ورعايته. وهذا الخليفة قد وُلِد كما يرى الكاتب على الفطرة التي تجنبه الانحراف، وإن حاد عن الدرب القويم؛ فذلك لاتباعه الشهوات أو لسوء في التربية، وكلاهما يستوجب العقاب. وإضافة إلى الفطرة السليمة، هناك تكريم آخر يتعلق بمد هذا الإنسان "بالبيان" الذي مكَّنه من صياغة وترتيب أفكاره، وتحويل إبداعاته إلى حقائق ملموسة وأوصاف محسوسة. وفي كل الحالات، فإنَّ تكريم الإنسان في الإسلام غطَّى الجانبيْن النسبي والمطلق؛ حيث كرَّمه في الجانب النسبي بمنحه مميزات عن غيره جعلت المخلوقات الأخرى مسخرةً لخدمته، ومن الجانب المطلق الإقرار العام الثابت بكرامة الإنسان وترسيخ العلاقات الاجتماعية على هذا الأساس.

 

* مصادر حقوق الإنسان في الإسلام:

تَنْبُع مصادر حقوق الإنسان في الإسلام من مصادر التشريع الإسلامي؛ المتمثلة في: القرآن، والسنة النبوية، والإجماع ، والاجتهاد. وكونها جزءا من التشريع الرباني، يجعل أمر تطبيقها من الضروريات والواجبات الشرعية؛ وبالتالي تتخطى تصنيف الحقوق الضيقة؛ فهي أوامر ونواهٍ مُلزمة. ويقول الكاتب إن من أهم عيوب القانون الدولي في حقوق الإنسان هو عدم إمكانية إحقاق القانون؛ حيث لا توجد مرجعية قضائية للعودة إليها، بينما لا يعاني التشريع الإسلامي في حقوق الإنسان من هذه المشكلة؛ فالفرد سواء كان مسلماً أو غير مسلم يعيش في حماية الإسلام، فهو يلجأ للقضاء ويأخذ حقه. وهذا من وجهة نظري حجة غريبة؛ فالأعراف والمواثيق الدولية تصبح إلزامية بمجرد الاعتراف بها، وحينها تطوع الدول قوانينها لتنفيذ وصون هذه الحقوق مهما كان جنس أو ديانة الشخص، بينما القضاء الإسلامي الذي يتكلم عنه الكاتب فهو يصاغ حسب المذاهب الشائعة، وهناك أحكام لا تساوي بين المسلم وأصحاب الديانات الأخرى. فهل من التكريم أو من حقوق الإنسان أن يجبر شخصا -مهما كانت عقيدته- على أن يحتكم بأحكام ديننا مهما كانت إنسانية تلك الأحكام؟ إن ربط القانون بدين معين قد ينشأ بسببه حساسيات لمختلف الديانات، وهذا أمر طبيعي إن كنا فضلنا شريعة معينة للفصل بين الناس. لهذا؛ نرى أن البلدان العربية قد تُرحل الغرباء ليحتكموا إلى قوانين بلدانهم مع حفظ حق الدولة في عدم السماح بدخول ذلك المذنب إليها مرة أخرى.

 

* تقسيم الحقوق والحريات في الإسلام:

يتحدَّث الكاتب عن الحريات مُنطلِقاً من مبدأ الحريات الشخصية ومبدأ الحقوق الشخصية. أما الحريات الشخصية، فيرى الكاتب أنَّها حريات مُقيدة، طالما أنَّ هناك واجبات على الأفراد يقومون بها تابعين حدود الله من حلال وحرام؛ لهذا ليست هناك حرية مطلقة في الإسلام. كما أن الإنسان ملزم إسلاميًّا بمراعاة المجتمع وأفراده، فعليه أن يطبق مبادئ التكافل الاجتماعي التي بدورها تحقق الحماية من موجات الاستغلال المادي التي تعصف بالعالم. ومن حقوق الإنسان في الإسلام: الحق في الحياة والإلزام بحفظ النفس وتحريم إزهاقها، وحفظ حق الناس في الاعتقاد والتعبير.

فنَرَى أنَّ الحقَّ الأول جاء للحفاظ على الحياة بصفتها هبة ربانية وهبها الله ولا يجوز أن يكون خيار إنهائها حقاً من حقوق عباده، وهذا يعاكس التوجهات الداعية إلى أن يكون إنهاء الحياة خياراً شخصيًّا (كالانتحار والإجهاض)، أو خياراً إنسانياً (كالموت الرحيم) في حالات انعدام الأمل في العلاج واستمرار المعاناة. أمَّا الحق الثاني، فيتعلق بحرية الاعتقاد والتعبير.. يقول الكاتب إنَّ الإنسان يولد حرًّا وله الحق في اعتناق أي معتقد، إلا أنَّ الكاتب يخصص هذا الأمر بأنه ينطبق على غير المسلمين. أما المسلم، فلا يجوز أن يبدل دينه ويبرر ذلك بأن الردة فتنة في الدين. والغريب في قول الكاتب هذا أنه يناقض العديد من الآيات القرآنية: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"؛ فالأفعال في هذه الآية تبيِّن الانتقال من شيء لشيء آخر. فمن سيؤمن بلا شك كان كافراً، ومن سيكفر فلا شك أنه كان مؤمناً. كما أن المبدأ القرآني (لا إكراه في الدين) لا يمكن أن يُقابله إلزام المسلم بأنْ يبقى على إيمانه رغم خروجه النفسي عنه؛ فذلك سيزيد من وجود من يبطنون عكس ما يظهرون وقد يضرون الدين أكثر ببقائهم فيه دون قناعة.

 

* نقاط الاختلاف والاتفاق بين الفكر الغربي والإسلامي

يَرَى الكاتبُ عِظَم الشقاق بين الفكريْن؛ لدرجة قوله إنَّه لا يُمكن مقارنة المنظومتين ببعضهما -رغم أنه سيورد لاحقاً خمسا من نقاط الاتفاق بين المنظومتين؛ وهي: سواسية الناس، ومنع التعذيب، وحماية القانون، وبراءة المتهم حتى إدانته، وحقوق عامة أخرى: كالتملك والصحة والتعليم والعمل..إلخ). أما نقاط الاختلاف، فهي حسب قوله: التمايز والتمييز؛ فيرى الكاتب في هذا الشأن أن الإسلام لا يصح أن يستورد منظومة القيم الغربية؛ فهذا حَرَم المسلمين من صياغة منظومتهم الخاصة، وحرم الغرب من الاستفادة من الإسهام الإسلامي ليحرره من التفسخ الاجتماعي الذي يعانيه!

وختاماً.. وجدتُ الكاتبَ يُعارض القيم الغربية دون حجة حقيقية سوى أنها غربية وليست إسلامية! بينما هي نأت بنفسها عن هذا، وأجمع عليها الغرب والشرق بمختلف دياناتهم. فالإنسانية لا تتعارض مع الدين، ولكن الدين يتعارض مع الإنسانية برؤيته التمييزيه لمعتنقيه مقارنة بغيرهم.. وهذا بدوره ينسف أهم الحقوق؛ وهو: المساواة المطلقة بين البشر.

أخبار ذات صلة