«ما بعد بيكيتي.. الأجندة الاقتصادية واللامساواة»

51O6y+hY84L.jpg

علي الرَّواحي

يتناول هذا المؤلَّف الجَمَاعي، وعلى مدى عشرين بحثاً تقريباً، كتاب الاقتصادي والمفكر الفرنسي توماس بيكيتي "رأس المال في القرن الحادي والعشرين"، والذي صَدَر بلغته الفرنسية الأصلية في العام 2013م، ثم سرعان ما تُرجم إلى الإنجليزية في العام 2014م، ثم تمَّت ترجمته إلى الكثير من اللغات العالمية المختلفة؛ حيث يتطرق هذا العمل "ما بعد بيكيتي" إلى الأثر الكبير الذي لعبه هذا العمل "رأس المال 21" من حيث الانتشار، والتأثير الكبير على الدراسات الاقتصادية اللاحقة، ذلك أن كتاب رأس المال 21 لم يتم استقباله كبقية الكتب الاقتصادية المملة والمعتادة، بل قُوْبِل بحفاوة واستقبال كبيريْن، وهو ما جَعَل الفصل الأول من هذا العمل "ما بعد بيكيتي" يتحدث عن ظاهرة بيكيتي، كما سيتم توضيحها في سياق هذه القراءة، كما أنَّ هذا العمل لم يقتصر في تحليلاته فقط على الأرقام والإحصائيات، بل استخدم إلى حدٍّ كبير العلوم الإنسانية في ختام نتائجه، وهو الردُّ الذي نجده مرفقاً في نهاية هذا العمل المعروض هنا من قِبل مؤلف العمل توماس بيكيتي، وهو ما يجعلنا نتعرض في المقام الأول لما أسماه مترجم العمل إلى اللغة الإنجليزية "ظاهرة بيكيتي".

يتطرَّق جُولد هامر في الفصل الأول -وهو مترجم كتاب بيكيتي من اللغة الفرنسية إلى اللغة الإنجليزية- للكثير من الإحصائيات والأرقام المختلفة في هذا الشأن، وهي التي جعلت بيكيتي يشبه الظاهرة، من حيث تأثير الكتاب الكبير على البحوث الاقتصادية، وعدد الترجمات المختلفة التي وصلت إلى 13 لغة (لحظة كتابة بحثه)؛ حيث تُرجم للعربية عن دار التنوير في نهاية عام 2016م، كما تم بيع ما يزيد عن مليوني نسخة من هذا العمل وهذا نادراً ما يحدث لعمل اقتصادي وأكاديمي فيه الكثير من الأرقام والجداول والإحصائيات والمعادلات المختلفة، حتى إنَّ المؤلف قد تحول إلى ما يشبه "نجم الروك الاقتصادي" (ص:29)، فلقد تم استضافته في الكثير من القنوات الإذاعية والتليفزيونية، وأجريت معه الكثير من المقابلات الصحفية المختلفة، كما تم استضافته من قبل وزير الخزانة الامريكي جاكوب ليو(2013م-2017م) وغيره من المسؤولين الآخرين.

كلُّ هذا الاحتفاء وغيره الكثير الذي صاحب هذا العمل، جعل كاتب الفصل الأول ومترجم الكتاب إلى اللغة الانجليزية يَطْرَح تساؤلات مختلفة حول هذا الأسباب التي حولت هذا العمل إلى ظاهرة غير مسبوقة، وربما لن تتكرر قريباً؛ حيث يتطرَّق في المقام الأول إلى التوقعات المختلفة لاستقبال هذا العمل، وثانياً إلى السياق السياسي والاجتماعي الذي تزامن مع الكساد الكبير والذي امتد من العام 2007م-2009م، وتأثير ذلك على استقبال الكتاب، كما يتتبع ثالثاً الانتقادات المبكرة لهذا العمل، في حين أنه يتطرق في السؤال الرابع إلى ردود الأفعال الأكاديمية من خارج المجال الاقتصادي، وفي الأخير وخامساً يُقيمّ الردود السياسية على الكتاب وتحديداً على العلاقة بين الديمقراطية والرأسمالية.

ففي مجال استقبال الكتاب، وهو موضوع السؤال الأول، نجد أنَّ الناشرَ الإنجليزيَّ للعمل -وهو محرر مطبوعات هارفارد- لم يكن يتوقع أن تتجاوز مبيعات هذا العمل 200 ألف نسخة للثلاث أعوام القادمة(ص:30)، وذلك من استقراء تجارب سابقة له في النشر لدى جامعة برنستون أيضاً، فهذا العمل ظهر للإنجليزية متزامناً أو سابقاً على ظهوره باللغة الفرنسية، وهو ما ينطبق على كتاب آخر للمفكر الفرنسي بعد هذا الكتاب والمعنون باقتصاد اللامساواة.

وإضافة لذلك، نجد أنَّ السياق السياسي والاجتماعي لحظة صدور هذا العمل، يعتبر عاملاً مهُماً في انتشاره وذيوعه، وذلك تحديداً بعد الكساد الكبير 2007-2009م؛ حيث إنَّ هذا الحدث قد زعزع الثقة في عدم التشريع للسوق الحُرة (ص:33)، وحول قدرة الاقتصاديين على فهم الأزمة الاقتصادية في النظام الرأسمالي، ففي العام 2008م نجد أن الاقتصادي الفرنسي أوليفر بلانشارد الذي أصبح لاحقاً مديراً لصندوق النقد الدولي من العام 2008م لغاية 2015م، الذي صرح بأن "دولة الاقتصاد الكبير في صحة جيدة" غير أنه وبعد عامين من هذا التصريح قال بأنه ينبغي التفكير من جديد في هذا النمط الاقتصادي وبشكلٍ خاص بعد هذه الأزمة الاقتصادية، وهو ما هيأ المناخ بالإضافة للكثير من التصريحات المختلفة إلى الحديث عن اللامساواة في ظل هيمنة الليبرالية الجديدة من 1980-2008م والتي كانت تُعتبر ولفترة طويلة من التابوهات أو المحرمات التي لا يمكن الحديث عنها.

وفي الجانب الآخر، فإن الانتقادات الصحفية التي تم استقبال الكتاب بها وتحديداً في السوق الأمريكي، لفتت الانتباه له، ولموضوعه ولأهمية الطرح الذي تضمنه هذا العمل؛ حيث نجد أن النقد الأول وربما الأهم لهذا العمل جاء عن طريق الاقتصادي الصربي الأصل والأمريكي الجنسية برانكو مالينوفيتش الذي اعتبر أن بيكيتي قد ذهب بعيداً في الحديث عن النظرية الرأسمالية.

غير أنَّ هناك استقبالا آخر بعيداً عن الجانب الاقتصادي أو من خارج المختصين في المجال الاقتصادي، ذلك أنه في العام 2012م قام بيكيتي بعقد محاضرة في مركز هارفارد للدراسات الأوروبية، وفيها تحدث عن الخطوط العريضة لكتابه رأس المال الذي صدر لاحقاً، بينما أقام في العام 2015م بعد صدور الكتاب محاضرة في نفس المركز لم تتسع القاعات الكبيرة من الجمهور متعدد الاختصاصات والاهتمامات، وهو ما يعني أنَّ المؤلف قد انتقل من الحديث الاقتصادي عن اللامساواة بالشكل الاقتصادي إلى الحديث بطريقة العلوم السياسية والآثار الاجتماعية للرأسمالية؛ حيث قام بيكيتي في عمله رأس المال بالمزاوجة بين الإحصائيات الاقتصادية والعلوم الاجتماعية بشكل كبير؛ مما جعل الكتاب يجد هذا الصدى الكبير وغير المسبوق.

 

العهد الذهبي الجديد

وفي هذا الفصل، يتناول بول كروجمان -الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد في العام 2008م- وهو يقصد بالعهد الذهبي الجديد أو بالعهد الذهبي الثاني تلك الفترة التي تزايدت فيها نسبة الأثرياء الذين دخلوا نسبة 1% من أغنياء العالم (ص:60)، ففي بداية القرن العشرين لم يكن من الممكن تعقُب الدخل والثروة بشكلٍ معُمق على العصور السابقة وتحديداً في القرن الثامن عشر إذا تحدثنا بشكلٍ خاص عن بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، غير أن النتائج المتوفرة والإحصائيات الحالية تجعلنا نعيش في ثورة معلوماتية نتمكن من خلالها فهم وتحليل اللامساواة على المدى الطويل، وهو الذي قام بيكيتي وزملاؤه بتطبيقه في كتاب "رأس المال" على نسبة 1% من الأثرياء؛ ذلك أنه وفي فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى استقبلت هذه النسبة من الأثرياء 5% من نسبة الدخل في أمريكا وبريطانيا؛ حيث إنَّ هذه النسبة قد تأرجحت بين الزيادة والنقصان في السنوات اللاحقة لغاية الثمانينات، وهو ما انعكس على النخبة الاقتصادية التي تغيرت كثيراً في الفترة الأخيرة.

وتكمُن الفكرة المهمة والأساسية لكتاب رأس المال لبيكيتي -حسب كروجمان- وذلك لفهم اللامساواة في الدخل لا يكفي العودة للقرن الثامن عشر، بل ينبغي النظر إلى "الرأسمالية الموروثة" (ص:61)، وهو ما يجعل الطبقة الاقتصادية العُليا مُسيطرا عليها من قِبل السلالات الحاكمة وليس من قِبل المهارات الفردية؛ الأمر الذي يجعل هذه الفكرة فارقة ومهمة بشكلٍ كبير وهو ما يتوجب اختبارها ونقدها.

يطرح كروجمان تساؤلاً حول ما الذي نعرفه عن اللامساواة الاقتصادية؟ ومتى؟ ذلك أنه قبل الثورة التي توصل إليها بيكيتي لم نكن نعرف عن الدخل واللامساواة إلا من خلال الاستبيان العشوائي الذي عن طريقه يتم اختيار بعض الأسماء لملء هذه الأسئلة وتعبئتها؛ حيث إنَّه ومن خلال هذه الإجابات من الممكن تعقُبها في الإحصائيات الوطنية بشكلٍ عام لتكوين صورة غير واضحة عن اللامساواة؛ حيث إنَّ هذه الإحصائيات لم يكن من الممكن معالجتها أو تطبيقها دون وجود الأنظمة التكنولوجية المتقدمة، وهو موضوع الفصل القادم من هذا الكتاب.

وفي الفصل الثامن (ص:170)، تتطرَّق لورا تايسون وميشيل سبنس إلى أثر التكنولوجيا في تفاقم الفجوة وصعود اللامساواة، خصوصاً في العقود الأخيرة والمستقبلية أيضاً؛ حيث تعتقدان بأن التكنولوجيا قد لعبت دوراً حاسماً في تفاقم هذه الفجوة بين نسبة 1% والآخرين خارج هذه النسبة؛ فالتكنولوجيا مساهم كبير جداً في الإنتاج والنمو الاقتصادي ذلك أنها إحدى سُبل الرفاهية، غير أن الحواسيب الآلية والرقمية تعتبر عاملاً مهمًّا من عوامل اللامساواة، فهي تفُضل أصحاب المهارات المتعددة دون أصحاب المهارات القليلة والمتواضعة؛ مما يُسهم في زيادة العوائد لملاك رأس المال على حساب العُمال.

يضع بيكيتي عمله (رأس المال 21) بمثابة نظرية في تاريخ توزيع الثروات والدخل، كما يركز بشكلٍ كبير على كيفية مساهمة المؤسسات، والقوانين، والسلطة، والسياسات في اللامساواة، حيث إنه وبناءً على الكثير من التحليلات المختلفة نجد أن نظريته تعتمد على معايير الإنتاج الوظيفية التي تقوم على رأس المال، العُمّال والتكنولوجيا (ص:173). ففي المقام الأول نجد أن العائد على رأس المال يتزايد بشكلٍ طبيعي مع نمو رأس المال الاقتصادي، وثانياً فإن مُلاّك رأس المال وبالتالي توزيع رؤوس المال ستتركز بشكلٍ كبير في أيدي فئة معُينة. وهو ما يعني أنَّ النموَّ يتزايد مع هذه الفئة؛ وبالتالي تتزايد اللامساواة؛ الأمر الذي يؤدي إلى أن أصحاب رؤوس الأموال يوفرون الأموال أكثر من العُمال. فالتكنولوجيا تظهر في نظرية "رأس المال 21" بعدة طرق مختلفة؛ فهي تتضمَّن في عنصري الإنتاج الوظيفي؛ ذلك أنها وعندما لا تتغير فإن رأس المال يتزايد، كما أنَّ العُمال في ازدياد في الجانب الآخر، وهو الذي يُقلّص العوائد المالية. في جزئية هامة من هذا الفصل (ص:187) يتم الحديث عن: التكنولوجيا، والعولمة وتوزيع الثروات؛ حيث إنَّ مُعظم التحليلات تذهب إلى أن توزيع الثروة والدخل في الدول النامية خلال العقود الثلاثة الأخيرة قد مرا بتحولات دراماتيكية شديدة للغاية، أثرت من خلالها في هيكل الاقتصاد وتكوين سوق العمل، وذلك من خلال العلاقة الوثيقة بين القوة التكنولوجية والسوق العالمية؛ فهذه الثورة الرقمية بما تعنيه من عولمة قد ساعدت على تعميق توزيع الثورات والمداخيل أيضاً.

 

تأويل نسوي للرأسمالية الموروثة

وفي الفصل الخامس عشر (ص:355)، تتناول هيذر بوشي وهي عالمة اقتصاد أمريكية، اللامساواة من منظور نسوي مختلف، بأبعاد مغايرة، فهي تستلهم رؤية بيكيتي القائلة بأننا نعيش في عصر "الرأسمالية الموروثة"، محاولة أن تضيء لنا هذا المسار من وجهة نظر نسوية؛ فهي تمنحنا وجهة نظر مختلفة، ومتفائلة، حول الإنجازات النسوية في الاقتصاد وضرورة المساواة الطبيعية بين الجنسين، بالرغم من تصاعد اللامساواة؛ الأمر الذي لا يعني التقليل من حقوق النساء الاقتصادية والسياسية. ففي الجانب الأول، فإنَّ الدراسات الأكاديمية تذهب بعيداً للأمام لفهم دور العديد من المؤسسات الاجتماعية والسياسية في الجانب الاقتصادي. وبالعودة لكتاب "رأس المال 21"، وحسب الكاتبة، فإنَّ بيكيتي يذكر لمرة واحدة فقط مفردة الإرث في حديثه عن الثروة الموروثة؛ ففي الجزء الأول من الكتاب يتطرق بيكيتي إلى أن الثروة تتكون من العمل، غير أنه مع مرور الوقت يشير بأننا نعيش في عصر الثروة "الرأسمالية الموروثة"، والتي جاءت من رأس المال وليس من العمل.

وبرؤية متفائلة، تذهب بعض الآراء إلى أنَّ النمو سيكون شاملاً بطبيعته متجاوباً بذلك مع التحولات التي تعيشها المجتمعات والعلاقات بين الأفراد؛ ففي مُنتصف القرن العشرين ذهب الكثير من الاقتصاديين إلى أن النمو من شأنه تقليل الفجوة بين الأفراد (ص:357)، وهو ما سيكون عاملاً مهماً وجيداً للجميع، حيث نجد في العام 1955م أن سايمون كينز قد ذهب في فكرته الأساسية والمتماسكة -والتي أطلق عليها "مخطط كينز"- إلى أنَّ اللامساواة ستقل وتتقلص بتطور الاقتصاد؛ وذلك عن طريق تزايد الفرص التعليمية وأساليب الزواج المختلفة، التي من شأنها تغيير خارطة الثروات وانعدام تركزها في فئة معينة.

وفي مقابل هذه الرؤية المتفائلة، نجد أنَّ هناك رؤية تذهب عكس ذلك تماماً، وهي التي ذهب إليها بيكيتي في "رأس المال 21" عن طريق جمع الكثير من البيانات والمعلومات التي تدلل على أن تطوُّر الاقتصاد ليس بالضرورة أن يكون مُنصفاً، بل من المحتمل إلى حدٍّ بعيد أن يكون سبباً رئيسيًّا من أسباب اللامساواة.

ولكن، ما هي أهمية المسألة الجندرية في هذا السياق؟ هل تؤثر هذه الفروقات على البيئة الاقتصادية واللامساواة؟

تأتي أهمية هذه المسألة من مجالين اثنين: ففي المجال الأول يتم توريث الثروات في المجتمع حسب الأعمار؛ مما يعني أنَّ الأكبر هو الذي يستحوذ على هذه الأموال بشكلٍ شرعي إلى أقربائه وبعض العلاقات الأسرية الأخرى، غير أنَّه مُؤخراً نرى أنَّ بعض الآباء يتركون الوصايا متساوية لجميع الأطفال، حتى وإنْ لم يكن هناك ورثة كُثر، لكنها في كل الأحوال تُعيدنا إلى إنتاج القرن الثامن عشر بحسب بيكيتي، في حين أنَّ المجال الثاني لأهمية المسألة الجندرية تأتي من ذلك التساؤل حول كيف يتصرف الأغنياء؟ ذلك أن النقطة الأساسية لصاحب رأس المال 21، تتلخص في أن النخبة الاقتصادية لديها قوة سياسية، والمديرين الجدد كما هو في الشركات الكبيرة لديهم قوة اقتصادية (ص:377)، وهذا يقودنا للحديث بشكلٍ مختصر عن دور المؤسسات المختلفة في صناعة اللامساواة بين أفراد المجتمع بحسب الاختلافات الجندرية.

ومن الواضح -حسب الكاتبة- أننا أمام سيناريوهات محتملة لكل ذلك، فهناك السيناريو المتفائل (ص:379) الذي يذهب إلى استمرارية توارث الثروات حسب النظام القديم كما هو معمول به في القرن الثامن عشر. فعلى المستوى التاريخي نجد أنه في الولايات المتحدة وإنجلترا تحت حكم القانون العام كانت النساء تحصل على حقوقها عند الزواج.

في حين يذهب السيناريو الثاني المتشائم إلى عكس ذلك؛ حيث يشير إلى عودة البطريركية أو الهرمية (ص:381)، وذلك من خلال الأخذ بعين الاعتبار الهوية الجندرية في الحسبان وبشكلٍ خاص في المجال السياسي؛ فمن الملاحظ أنَّ الرجال مُؤخراً وربما منذ فترة طويلة يحتلون أعلى المناصب في المجالات السياسية والاقتصادية العالمية، وفي هذا يرى بيكيتي أنَّ الرجال قد قاموا بسن القوانين لتتناسب مع هذا المسار.

ردود بيكيتي.. الاقتصاد والعلوم الإنسانية

وفي ختام هذا الجَهْد المليء بالتحليلات المختلفة لهذا العمل الاقتصادي والإنساني المهم جدًّا، نطالع إضافة مهمة من المؤلف تتعلق بمراجعة العلاقة بين الاقتصاد والعلوم الإنسانية (ص:543 وما بعدها)، ذلك أنَّ الحدود بين هذين المجالين لم تعد واضحة المعالم في ظل التداخل الكبير بين العلوم؛ فهذا التداخل من شأنه أن يقوض هذه الفجوة بين العلوم المختلفة، فالكثير من التحليلات الاقتصادية بشكلها التقليدي لم تعد تُغير من الواقع اليومي المعُاش، بل أصبحت مزدحمة بالأرقام والأشكال البيانية...وغيرها، في حين أنَّ التعاونَ والتداخلَ بين الاقتصاد والعلوم الإنسانية من الممكن أن يقوم بهذه العملية التي تُعتبر تحوُّلاً في البحوث الاقتصادية من جانب والعلوم الإنسانية من الجانب الآخر.

ويقوم بيكيتي بتوضيح الأبعاد التاريخية المتعددة لرأس المال (ص:556)، والقوة المرتبطة به، وذلك عن طريق مراجعته بين كارل ماركس وعالم الاجتماع الفرنسي بيير بوردو؛ فرأس المال بشكلٍ عام مُرتبط بالملكية والهيمنة وخلق علاقات قوة وهرمية اجتماعية بين الدخل من العمل، ذلك أنَّ العلاقة بينهما مرتبطة إلى حدٍّ كبير، وبشكلٍ خاص، في بعض المجتمعات؛ فالتقسيم الطبقي بين الأثرياء والطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة لا يستجيب أو يتفاعل مع جميع القضايا الاجتماعية بشكلٍ واحد، بل يعتمد في ذلك على الكثير من العوامل والمحددات المختلفة.

-----------------------------

- الكتاب: "ما بعد بيكيتي.. الأجندة الاقتصادية واللامساواة".

- المؤلف: مجموعة مؤلفين.

- الناشر: (Harvard University Press)، 2017، باللغة الإنجليزية.

- عدد الصفحات: 678 صفحة.

أخبار ذات صلة