العصا الغليظة: حدود القوة الناعمة وضرورة القوة العسكري

41M6XdhhJFL._SX330_BO1,204,203,200_.jpg

لإليوت كوهين

محمد السماك

 

تزامن صدور هذا الكتاب عن استراتيجية القوة العسكرية في السياسة الأميركية الخارجية مع صدور كتاب ثانٍ لمؤلف آخر يقدم دولة لاوس نموذجاً لممارسة هذه الاستراتيجية . واسم الكتاب هو "المكان العظيم للحرب: أميركا في لاوس وولادة المخابرات العسكرية"، ومؤلف الكتاب هو المؤرخ جوشوا كيرلنشيك. والكتاب الذي يقع في 323 صفحة هو من منشورات سايمون وشوستر في الولايات المتحدة .

 

يتكامل الكتابان في معالجة موضوع دور القوة العسكرية في السياسة الخارجية الأميركية . ولكن قبل عرض هذا التكامل، من المهم نقل الصورة التالية على لسان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما نفسه. ففي شهر سبتمبر – أيلول 2016، أي قبل نهاية ولايته الرئاسية بشهرين تقريباً، زار الرئيس الأميركي مدينة فينتيان عاصمة لاوس، وألقى هناك خطاباً –اعترافياً- قال فيه ما ترجمته حرفياً : "بين عامي 1963 و 1974، ألقت الولايات المتحدة على هذه الدولة –لاوس- مليوني طن من المتفجرات. وهذه الكمية هي أكبر مما ألقته الولايات المتحدة على اليابان وألمانيا مجتمعتين خلال الحرب العالمية الثانية".

 

وقال الرئيس أوباما أيضاً: "إن هذا الأمر يجعل من لاوس أكثر دولة تعرضت للقصف في التاريخ". وقد اعترف الرئيس أيضاً "بأن ضحايا القصف لا يزالون يتساقطون حتى اليوم رغم مرور أربعة عقود على إنهاء الحرب هناك، وذلك لأنَّ ثمة قنابل لم تنفجر في حينه، إلا أنها تتفجر من وقت لآخر تحت أقدام الأبرياء فتقتل وتشوّه الكثيرين منهم في كل عام" . ولذلك تعهد بأن يرفع من قيمة التمويل الأميركي لإزالة هذه القنابل والألغام .. ولكن ولايته انتهت قبل أن يتمكن من الوفاء بوعده. ولقد تبوأ الرئاسة في البيت الأبيض رئيس جديد هو دونالد ترامب الذي تصفه الصحافة الأميركية بأنه " أمّي في السياسة الخارجية ".

من هنا تأتي أهمية كتاب "العصا الغليظة"، فالعصا عندما تكون بيد "أمي في السياسة الخارجية"، وعندما تكون عصا غليظة جداً، فإنّ خطرها يصبح خطيرًا جداً أيضاً .

يلخص الغلاف مضمون الكتاب، وهو عبارة عن صورة حذائي جندي فوق أرض موحلة .

ويقول المؤلف إنه في عالم تتكاثر فيه الأنظمة غير العقلانية، والثورات الدينية، والتجسس الإلكتروني، والتنافس المتفلت، فإن الولايات المتحدة تجد نفسها مضطرة أو مدعوة لاستخدام القوة العسكرية خلال العقود الأولى من القرن الواحد والعشرين في مواقع متعددة من العالم، وبدرجات متفاوتة من القوة .

ويضع المؤلف لائحة باهتمامات الولايات المتحدة الخارجية، تقع الصين في رأس هذه الاهتمامات. ويقول إن المبادرات التي قام بها الأسطول الصيني البحري في بحر الصين الجنوبي وما ترتب عليها من اضطرابات مع دول الجوار (كوريا الجنوبية واليابان تحديداً) من شأنه أن يعيد رسم النظام العالمي .

ويسلط الضوء كذلك على مبادرات الاتحاد الروسي خاصة في ضوء تنامي قوى سياسية أوروبية جديده ترفع شعارات وطنية (لا اتحادية) وتدعو إلى أنظمة وطنية وقومية منغلقة ومتشددة في انغلاقها على الذات .

 

ويقول المؤلف أيضاً إنه من دون الوحدة الأوروبية فإن حلف شمال الأطلسي سوف يتعرض للشلل. ويضيف المؤلف أن هذا هو بالتحديد ما يريده أو ما يؤمن بصوابيته الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب !!

ويتحدث الكتاب عن دور العصا الغليظة في مكافحة الإرهاب . ويقول إنَّ الطريق الوحيد لمكافحة الإرهاب الدولي بطريقة صحيحة وسليمة هو باستخدام القوة من البر والجو . ويتساءل: تصوروا كم كانت ليبيا ستكون مستقرة الآن لو أن الولايات المتحدة وحلفاءها أرسلوا قوات برية مباشرة بعد سقوط الرئيس السابق معمر القذافي !

ويطرح المؤلف سيناريوهات حول قضايا بالغة الأهمية والخطورة، منها :

· ماذا إذا وقع خطأ صدام عسكري نووي بين الهند والباكستان؟

· أو بين إيران وإسرائيل؟

· أو بين كوريا الشمالية والجنوبية؟

· أو حتى بين الصين والولايات المتحدة؟.

ويقول إن المخاطر الكبيرة المترتبة على أي من هذه الاحتمالات، توحي بأن حدوثها هو أمر مستحيل. ويضيف إلى ذلك قوله: ولكن الاعتقاد بصحة ذلك هو كالاعتقاد بأن أصحاب القرار في هذا الشأن ليسوا بشراً خطاءين .. وبالفعل ألم تلقى القنابل النووية في نهاية الحرب العالمية الثانية على هيروشيما وناجازاكي في اليابان؟.

ويلاحظ المؤلف الدكتور كوهين أن جميع مرشحي الرئاسة الأميركية كانوا ينظرون إلى مسألة الأمن القومي لدى دخولهم البيت الأبيض من منظار مختلف عن المنظار الذي كانوا يستخدمونه أثناء حملاتهم الانتخابية. ويعود السبب في ذلك إلى المعلومات التي تقدمها وكالة المخابرات المركزية (سي.آي.إيه) إلى الرئيس – وليس إلى المرشح للرئاسة- عن حقيقة أوضاع العالم وتأثيراتها على الأمن الأميركي وعلى المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة. ولكن المؤلف يلاحظ بقلق أن الرئيس ترامب لا يستمع إلى جهاز المخابرات .. أو أنه يقلل من شأن المعلومات التي يقدمها الجهاز إليه لأنه لا يثق به أو برجالاته المحترفين.

وفي هذه الحالة ماذا تكون النتيجة؟

نجد الجواب على هذا السؤال في كتاب جوشو اكيرلنشيك "المكان العظيم للحرب" . فالمؤلف يروي حديثاً مسجلاً وموثقاً جرى بين الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر. يجري الحديث على النحو التالي :

يسأل نيكسون: كم قتلنا من اللاوسيين؟

يردّ كيسنجر: ما بين 10 و 15. وهو يعني ما بين عشرة آلاف وخمسة عشر ألفاً . إلا أن الرقم الحقيقي كما يذكر المؤلف هو 200 ألف. فقد أدت الحرب إلى قتل عُشْر سكان لاوس .

ويقول المؤلف إنه خلال الفترة الأولى من رئاسته، طلب نيكسون رفع عدد عمليات القصف الجوي يومياً من 15 عملية في اليوم إلى 300 عملية. وقد أدى ذلك إلى تحويل لاوس إلى أرض محروقة وإلى جحيم حقيقي .

غير أن الأمر المثير في هذه العملية هو أنها بقيت بعيدة عن الإعلام وعن الرأي العام العالمي وحتى في الولايات المتحدة. وقد لعبت وكالة المخابرات كما يؤكد المؤلف الدور الأساس في إخفاء حقائق الفواجع الإنسانية التي كانت تحدث في لاوس في ذلك الوقت .

ويذكر المؤلف أن السبب في تلك الحرب على لاوس ربما يعود إلى تنبيه الجنرال داويت ايزنهاور إلى خلفه الرئيس جون كندي بأن لاوس تشكل غطاء "الزجاجة الشيوعية" في آسيا. فإذا تمكنت الشيوعية من الخروج من هذا العنق ومن تجاوزه، فإنها سوف تفيض وتنتشر في كل آسيا .

في ذلك الوقت كانت واشنطن تعتبر الشيوعية خطراً عليها وعلى حلفائها. وكانت تعتقد أن القوة العسكرية قادرة وحدها على القضاء عليها ومنع انتشارها. غير أن ما حدث بعد ذلك في فيتنام أثبت عدم صحة هذه النظرية. مع ذلك يؤكد المؤلف الدكتور كيرلنشيك أن نجاح وكالة المخابرات المركزية في التعمية على التورط العسكري الأميركي في لاوس من حيث الحجم تدميراً وتكاليف مالية وخسائر بشرية، جعل من تلك الدولة الآسيوية المكان العظيم للحرب .

ولما فشلت الوكالة في القيام بالدور ذاته أثناء الحرب في فيتنام، قامت المظاهرات الشعبية المعارضة للحرب . وكان محمد علي كلاي (بطل الملاكمة العالمي) أحد أبطال مقاطعة الحرب ورفض التجنيد العكسري لأسباب أخلاقية دينية .

يروي الكتاب كيف أن جهاز المخابرات الأميركية أقام في ذلك الوقت موقعاً مزورا في لاوس شبيه بالموقع العسكري لقائد قوات التحرير اللاوسية الجنرال فانغ باو. ويقول إن القيادة العسكرية الأميركية كانت تدعو الإعلاميين ورجال الكونغرس لزيارة الموقع باعتبار أنّه الموقع الحقيقي وأنه أصبح بيد القوات الأميركية. وفي ذلك الموقع كانت تقدم للزائرين وثائق مزورة أيضاً تؤكد على هزيمة اللاوسيين التي لم تحدث أبداً .

وفي عام 1971 قدم السفير الأميركي لدى لاوس بيل سوليفين شهادة أمام الكونغرس تتوافق مع برنامج التضليل الذي أعدته المخابرات. أقسم فيه اليمين على أنه يقول كل الحقيقة وبكل شفافية عن أوضاع الحرب. ولكنه في الواقع لم يقل سوى ما أعدته له المخابرات من تقارير لا تمتّ إلى حقيقة المجازر البشرية التي كانت تتوالى بصورة شبه يومية في لاوس .

لم يقل للكونغرس مثلاً ما نقله المؤلف عن وثائق سرية رسمية تتحدث مثلاً عن أحد القادة العسكريين الأميركيين الجنرال توني بو، وكان سكيراً مدمناً على الخمر. وتروي هذه الوثائق بالصور كيف أنه كان يتلذذ بقتل الأسرى اللاوسيين، وكيف كان يقطع رؤوسهم ويعلقها على الأعمدة في ساحات القرى التي كانت تحتلها القوات الأميركية، لإرهاب السكان.

ويشير المؤلف إلى أنَّ دور المخابرات في إخفاء هذه الجرائم لم يتوقف. فهو مستمر حتى اليوم في أفغانستان للتغطية مثلاً على المجازر التي تتسبب بها الطائرات القاذفة من دون طيار (درون) والتي أمرَ الرئيس السابق أوباما باستخدامها ضد حركة طالبان في كل من أفغانستان وباكستان، وكذلك في اليمن .

يعتبر مؤلف كتاب "العصا الغليظة" اليوت كوهين أحد كبار المؤرخين العسكريين في الولايات المتحدة. وكان مستشاراً لوزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس .

أما مؤلف كتاب "الموقع العظيم للحرب" جوشوا كيرلنشيك فهو خبير في شؤون جنوب شرق آسيا، وعضو في مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة . ولذلك فإنَّ كتابيهما عن القوة العسكرية الأميركية واستخداماتها، يتمتعان بصدقية عالية، ليس في الدوائر السياسية الأميركية فقط، ولكن في الأوساط الجامعية والأكاديمية المعنية بدراسة العلاقات الدولية .

--------------------------------------------------------------------------------------------

اسم الكتاب: العصا الغليظة: حدود القوة الناعمة وضرورة القوة العسكرية

The Big Stick : the Limits of Soft Power and the Necessity of Military Force.

اسم المؤلف: إليوت كوهين Eliot Kohen

عدد الصفحات : 285

تاريخ النشر : 2017

اسم الناشر : باسيك بوكس Basic Box

أخبار ذات صلة