"الإصلاح الفاشل: التفكير السلفي وتجديد الإسلام"
لمحمد سمير مرتضى
* رضوان ضاوي
جَاءَ كتابُ الباحث الألماني من أصل باكستاني محمد سمير مرتظى "الإصلاح الفاشل: التفكير السلفي وتجديد الإسلام"، لكي يُقدِّم للقارئ الألماني صورةً عن تاريخ الإصلاح والتجديد في الإسلام؛ من خلال عرضٍ نقديٍّ للحركات الإسلامية؛ مما يُعطي هذا القارئ ويحقِّق له رُؤيةً وفهماً عقلانيًّا لعملية الإصلاح التي عرفها الفكر الإسلامي. ويعتقد المؤلف أنَّ تحليلاً مؤسساً على السياق التاريخي هو وحده الكفيل بإعطاء جواب مناسب.
ويتكوَّن الكتاب من مُقدِّمة وفصليْن مطوَّلين. وكلُّ فصل مذيَّل بمجموعة من العناوين التي تطرح أسئلة أساسية وتعالجها. وعلى مدار الفصل الأول -وهو بعنوان "الإسلام لا يحتاج لأي إصلاح"- وضع المؤلف في حسبانه مجموعة من آراء مفكرين وجماعات إسلامية ومنظرين لهذه الجماعات، ودعواتهم للإصلاح، ورؤيتهم الخاصَّة له.
عالم الدين عادل تيودور خوري نَشَر كِتاباً له في العام 1991، جاء عنوانه على شكل سؤال؛ وهو: ما الذي حدث في العالم الإسلامي؟ وبالنسبة للباحث الألماني من أصل تركي نافيد كرماني، فلغة القرآن نزلت بشكلها النهائي البشري في لغة مفتوحة على التأويل الذي يجب أن يباشره المؤمنون. ويتفق نافيد كرماني مع المفكر الإسلامي محمد إقبال في القول إنَّ القرآن يتفجر عنه عالم جديد؛ ويقول محمد إقبال إنَّ التقليدَ هو تعبير عن تعب الحياة وفقدان الرغبة في الإبداع الخلاّق، والنتيجة هي: انحطاط وجمود فكري واجتماعي أصله اشكالية الارتباط بالماضي وبالتقليد. ومحمد إقبال يؤمن بأنّ الكتاب المقدس يفتح للناس العديد من نوافذ التفكير، وقد عبر محمد إقبال عن هذه الفكرة في قصيدة رائعة يقول فيها: انهض واصنع عالماً جديداً... انظر إلى داخلك وإلى القرآن... في آياته مئات العوالم... عالم واحد يناسب عوالمَ متعددة... والمؤمن هو آية الله... ينزع العوالم عنه كما ينزع ملابسه... عندما يتقادم عالم على صدره.. إنه هو القرآن الذي ينفجر عنه عالم جديد.
ويبدو لي أنَّ إغفالَ الباحث لمجهودات المفكر المغربي محمد الجابري غير مبرَّرة، خاصَّة وأنَّ هذا العالم قد استوعب جيداً فكرة محمد إقبال، ولهذا نراه قد ختم حياته العلمية بدراسة تحدث فيها عن فهم القرآن وليس عن تفسير القرآن مع مراعاة كون الفهم والتأويل يضمان جزءًا من الذاتية.
لم يرغب الكاتب في حصر كتابه في زاوية منظري الحركات الإسلامية العرب فقط، بل ناقش في كتابه أفكار الفلاسفة والمفكرين الإسلاميين والفقهاء ومنظري الحركات الإسلامية ودعاة الإصلاح والتجديد؛ سواء كانوا عرباً أو أجانب، وسواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، وسواء أكانوا مقيمين في البلدان العربية والإسلامية أم مقيمين في ألمانيا. لهذا؛ نراه يستعين برأي محمد عبدو، الذي أجاب عن مسألة تحريم التماثيل والصور بالقول إن الحداثة اليوم لا غنى لها عن الصور في العروض العلمية، وهذا لا علاقة له بالأهداف الدينية، ويجب أن يُنظر إليها بصفتها وسائل علمية تعليمية. ونعتقد أن المسلمين ما زالوا يجادلون حتى اليوم في هذه المسألة، ويطرحون السؤال: هل التصوير جائز أم حرام ويدخل ضمن مجال منع الصور؟
ويفحص الكاتب الحجج التي أسهمت في انحطاط العالم الإسلامي، ويقول إنَّ سبب انحطاط العالم الإسلامي، هو أنه وبعد تدمير مراكز الحضارة الإسلامية بغداد ودمشق، وبعد وفاة العالم المجدد ابن خلدون، حصلت عملية تجفيف من الداخل اختصاراً لأرثوذوكسية معادية للعقل وللحرية والفلسفة، فجمدت عشية النهضة الإسلامية تطور علم في العالم الإسلامي. وبداية من القرن الثالث عشر ازداد هذا التوجه قوة بسبب دوغما مفهوم البدعة.
وفي رأينا أنَّ البدعة في جوهرها تمنع التجديد في مضمون الإيمان الإسلامي وفي محتوى عبادة الله. كما نعتقد أن رافضي التجديد يدعون بأن البدعة هي ما لا يعتمد على القرآن والسنة. هذا التخوف يجعل المعرفة الجديدة التي تم التوصل إليها عبر الفلسفة جالباً لعداء كبير للفلسفة وللعلم؛ وبالتالي فعقيدة البدعة هي سلاح ضد التقدم، كما يقول مراد هوفمان، والنتيجة هي أن العالم الإسلامي قد فوت على نفسه الإصلاح والدخول في الحياة المعاصرة، فنتج عن هذا حضارة إسلامية متعبة في مقابل أوروبا المتجددة من خلال الحداثة.
ويتميَّز هذا الكتاب بحسن انتقاء الشواهد والنماذج؛ مثل: نموذج المستشرق الألماني توماس باور الذي أعْلَن أنَّ العلماء المسلمين الكلاسيكيين قد اعترفوا بالتعدد ومارسوه على مستوى المؤسسات. وكان توماس باور قد انتقد هذا الوضع، فكتب يقول: إن هناك أيديولوجية متداولة في الشرق والغرب موروثة عن الاستعمار الأوروبي مفادها أن العالم الإسلامي كان يعيش منذ القرن العاشر والحادي عشر في حالة تأخر وجمود إن لم يكن في جهل عام. ويرى أن على ممثلي نظرية التخلف ومن يريد الاشتغال بالفقه الإسلامي أن يترك سطوة العصور السابقة خلف ظهره ويبحث هنا حيث سادت علوم الإسلام حتى وقت قريب.
تعدُّ السلفية حركة إصلاحية خرجت في القرن التاسع عشر من رحم الإسلام السني. وقد تنوعت واختلفت فروع السلفية في المضمون، ويمكن الحديث عن أربعة فروع هي: السلفية الحرفية، والوهابية، والإخوان المسلمون، والسلفية الإصلاحية. إنَّ العديد من الإصلاحيين والحركات الإصلاحية التي ظهرت في العالم الإسلامي تحت مسمى السلفية هم علامة على البحث عن التغيير. وكعلاج من مرض التقليد الذي لا تزال الأمة تعاني منه يقترح هؤلاء المجددون خطاباً نقدياً عن مسلمات الأمة الإسلامية. وتدعو السلفية كعلاج لتخلف الأمة ولمشاكلها، إلى العودة للقرآن.
وتتحدث السلفية الحرفية عن معنى الإسلام الحقيقي الذي يعود للأجيال الثلاثة الأولى في مكة. وغالباً ما ترمي هذه الجماعة باقي الأمة بأنها بعيدة عن الإيمان. ومن مفاهيمها الشرك والتوحيد والتكفير، وهي تريد العودة بالأمة إلى المجتمع الإسلامي في مكة وقت الدعوة النبوية، وتنظر إلى التطور التاريخي للإسلام وانقسامه إلى مذاهب سنية وشيعية، وتكوين المدارس الإسلامية والشرعية في الإسلام السني باعتباره انحرافاً عن الإيمان الحقيقي الذي يمثلونه، فالحقيقة غير قابلة للقسمة؛ وبالتالي الصوفية هي بدعة، والإسلام الشعبي الخرافي بدعة. وقالت إن كل آية من القرآن لا تحمل إلا معنى واحداً ولا تجيز أي مجال لتعدد التفسير. أما الوهابية فقد نشأت في رقعة لم تتأثر بالاستعمار، أو بالاستشراق الغربي، إلا أن الأمة الإسلامية كانت توجد في حالة تقليد وفي حالة تفسخ. وانتشرت أفكار الوهابية التي تجنح إلى تكفير كل من يخالفها من خلال فكرها المتشدد.
وفي بداية القرن التاسع عشر، انبثقتْ السلفية الإصلاحية من داخل حركة السلفية والوهابية، وتقول السلفية الإصلاحية: إنَّ الانغلاق الفكري للمذاهب، والتقيد بالتقليد، والإسلام الشعبي الخرافي، كلها عوامل تُسهم في تخلف الحضارة الإسلامية، ويتوجب على العلماء أن يتجنبوا التقليد، والحفظ الآلي في الدروس، كما يجب عليهم تشجيع الفكر المستقل، وامتلاك قدرات على التفسير.
ويُمكن استخلاص ما يعنيه الإصلاح هنا؛ فهو عبارة عن محاولة إدماج المسلم في الحياة المعاصرة الحديثة عبر الاحتكام للفكر العقلاني؛ حيث يتوجب تفسير الشريعة على ضوء مشاكل العصر، وهذه هي وظيفة الفلاسفة والمفكرين وعلماء الدين مثل الأفغاني ومحمد إقبال ومحمد عزيز لحبابي ومحمد عبدو، ومحمد رشيد رضا، وعلى عبدالرزاق، وجواد سعيد، وقاسم أمين، ومالك بن نبي، ومراد هوفمان.
يُتخذ المؤلف موقفاً نقدياً من طروحات دعاة الإصلاح؛ فقد كان هدف هؤلاء الدعاة في الإصلاح هو التركيز على رسالة القرآن الأصلية. كان الإصلاحيون مقتنعين تقريباً بأنَّ تجديد الإسلام سيجعل المسلمين في النهاية يقدمون أفضل ما لديهم للإنسانية من خلال عملية تركيب بين الدين والحداثة. وربما لهذا السبب حذر محمد عبدو من أن يصبح نص القرآن صنماً معبوداً، حين ينزع المرء من الوحي سياقه التاريخي كما فعل الوهابيون. وطرح محمد عبدو فكرة جديدة وهي في جوابه عن السؤال الذي طرحه: كيف يمكن للعلماء أن ينتظموا في الحداثة، لكي يكونوا متحرِّرين من التبعية السياسية؟ يجب أن يكون فهم الإسلام إنسيًّا؛ أي "ذا صبغة إنسانية". لهذا؛ نجد مفكري السلفية الإصلاحية منفتحين على مواضيع مثل حقوق الإنسان وحقوق المرأة وتحريرها والديمقراطية والعلمانية.
وبالمقابل، قامتْ حركة الإخوان بمخاطبة عدد واسع من المصريين الذين يعانون من الحكم الأجنبي، واشتغلت الحركة على الأعمال الاجتماعية ودروس محو الأمية وأسست مدارس ونوادي للثقافة والرياضة، وكونت مشاريع اقتصادية حتى إنها أوصلت الكهرباء للقرى. ولم يهتم الإخوان بمفهوم الخلافة، فقد آمنوا بفكرة الدولة العصرية والحديثة؛ حيث الوطنية الإسلامية مبنية على الإيمان الشامل بالله. وما ساعد الإخوان في تحقيق غرضهم هو معرفتهم بواقع المصريين. ومن المؤسف حقاً تحول فكر حسن البنا من بنية شمولية للإسلام إلى أيديولوجية شمولية يمكن أن تؤدي بالعالم الإسلامي للنتائج نفسها عند الاشتراكية الوطنية أو الفاشية بالنسبة لأوروبا. كما أن اختراع سيد قطب -أهم رواد السلفية الحرفية الأيديولوجية- لمفهوم الجاهلية الذي يقول إن المجتمع الإسلامي يوجد عليها، قد أساء كثيراً لشعبية الحركة.
ويُواصل الكاتب حديثه عن أسباب فشل الإصلاح، ويقول إنَّ ما أفشل مشروع السلفية الإصلاحية وسارع في انهزام الأمة وانحطاطها: السلفية من وجهة نظر الفكر العقلاني كما عند الغزالي ومحمد إقبال. وعند مالك بن نبي وعزيز لحبابي اللذين مارسا نقدا فلسفيًّا وذاتيًّا من داخل السلفية: هو عدم قدرة هذا التيار الإصلاحي على فهم المجتمع الصناعي والحداثة الغربية. وبالتالي لم يجد للأسئلة ذات الطبيعة الاقتصادية أجوبة، كما أنَّ الأيديولوجية أسهمت في إفشال المشروع الإصلاحي؛ ففَهْم الإخوان المسلمين الأيديولوجي للإسلام يدل عليه واقع تاريخ الإسلام في القرن العشرين حتى الآن. ففي ظل الانحياز الشامل للإخوان إلى الأيديولوجيا أراد هؤلاء منع انقسام المسلمين إلى مذاهب ومدارس دينية عبر فكرة جديدة للسلوك الاجتماعي من خلال قواعده الخمس: الله هدفنا، محمد النبي قدوتنا، القرآن دستورنا، الجهاد طريقنا، الشهادة في سبيل الله غايتنا. ويقول مالك بن نبي إن الإخوان هم الوحيدون من بين باقي تيارات السلفية الذين عملوا على إنزال برنامج اجتماعي.
أمَّا المؤلف، فيعتقد أنَّ رؤية حسن البنا عن الوطنية الإسلامية قد جلبت فكرة الاستحواذ على الفضاء الشامل في الفكر الإسلامي، ويُمكن رؤية نتائج هذا الابتكار بوضوح حين ننظر إلى تجربتهم في الحكم: قمع الآخر وممارسة القمع. وهذا هو الفيروس الرابع وهو العنف، فمفهوم الجاهلية هو مفهوم تكفيري جلب على الأمة الفتنة وسيلا من الدماء بين مختلف الفرق الإسلامية.
ومن وجهة نظر الكاتب، يعدُّ جمال الدين الأفغاني هو مارثن لوثر الإسلام، خاصة من خلال جداله مع المستشرق الفرنسي آرنيست رينان الذي توفي سنة 1892. والقصد من إثارة هذه الفكرة في رأينا هي اعتبار تجربة المسيحية المعادية للإسلام هي الحل الأنسب بالنسبة للإسلام اليوم؛ حيث إنَّ أوروبا مدينة للإصلاح الديني الذي فتح أبواب الغرب على العلم والتقدم والتفكير النقدي. غير أن الأفغاني قال إن الإسلام أصغر من المسيحية بـ600 عام، وبالتالي يحتاج لوقت كاف لكي يصل إلى ما وصل إليه الغرب، ولكن لا يزال هناك أمل في أن يصل المسلمون في يوم ما إلى الحداثة الغربية. وكان محمد إقبال قد تطرق أيضاً لنتائج الإصلاح المسيحي على الغرب، ورغب في تجاوز سلطة العلماء والتقليد: فالسلفية تزيد من الاعتماد على الكتاب، وتيار الإصلاح يريد إصلاحاً نسقياً ممارساً للدين في التعاليم والحياة عبر الرجوع إلى الكتاب وحده. وهذا معناه رفض التجديد والابتكار والإصلاح.
الإسلام يحتاج شيئًا مغايرًا
يبدأ المؤلف الفصل الثاني والأخير من هذا الكتاب بطرح تساؤل مهم؛ وهو: كيف يمكن أن نعمل على القطيعة مع التقليد في الفكر الإسلامي؟ ويجيب المؤلف بأنَّ الأمَّة لا تحتاج لإصلاح؛ فقد عاشت لتوها تجارب فاشلة. ويقول المؤلف إن الجواب جاء في مفهوم الإسلام اللبرالي في مقابل الإصلاح الديني.
وكانت لمياء قدور قد استعملتْ في رمضان 2011، في مقال لها بصحيفة جنوب ألمانيا، مفهوم الإسلام الليبرالي، ووضعته في مقابل مفهوم الإسلام المحافظ. ولمياء قدور هي نائبة في الاتحاد اللبرالي الإسلامي في ألمانيا، وكانت قد انتقدت محافظي المذاهب الأربعة في المجلس الاستشاري لدروس الدين المكوَّن من ثمانية أعضاء في نوردهاين فستفاليا في ألمانيا. وقد أعلن الاتحاد الليبرالي الإسلامي عن أجندته السياسة التي ستفشل فيما بعد: قد أعلن هذا الاتحاد أنه يمثل الأغلبية الصامتة للمسلمين، ويهدف لقيادة المؤمنين في الطريق إلى التغيير.
ويقول الكاتب إنَّ لمياء قدور لم تحدد في أي موضع من كتاباتها معنى الإسلام الليبرالي أو الإسلام المحافظ، ولم تحدثنا عن كيفية تحقيق إسلام ليبرالي حتى اليوم. ويواصل الكاتب كلامه عن عدم قدرة دعاة الليبرالية في تحديد المفاهيم بدقة، كما أن الاتحاد الليبرالي الإسلامي ومنذ تأسيسه تحدث عن 150 عضوا فقط أغلبهم غير مسلم، ولا ننسى أن هذا الاتحاد لم يتم تأسيسه في إطار مؤسسة إسلامية.
وفي هذه الفقرة التي عنونها الكاتب بـ"القرآن رسالة تويتر إلهية"، يتناول المؤلف بالدراسة والتحليل مسألة تعدد القراءات. ويعطي مثالاً من خلال سورة "الكافرون" التي يرى فيها ضماناً لحرية التدين. ولكن هل نملك لكل سورة تأويلا؟ هل نملك لكل آية مصدراً ثانويًّا يوافق القراءة التاريخية السياقية؟ يحضر السياق التاريخي لكل آية مما يجعل الوصول إلى فهم هذه الآية متاحاً، حين نأخذ بعين الاعتبار ذاتية المفسر. لهذا؛ لا يُمكن أبداً إعطاء منهجية تأويلية منفردة، بل قراءة سياقية تاريخية إلى جانب طرق عديدة، يمكنها أن تتكامل وتفتح نوافذَ للتفكير. ويجب على مُفسِّر القرآن الاعتراف بذاتية تأويل النصوص وبعدم ثبات التفسير. يقول عزيز لحبابي: "ليس القرآن هو الوحي، بل الوحي هو ما يكتشفه المؤمن كل مرة، حين يقرؤه".
ويستمرُّ المؤلف في طرح الأسئلة النقدية، ويدير عليها مُجمل ردوده؛ ومن بينها سؤاله الذي جاء على هيئة عنوان لفقرة من كتابه: "من يتحدث من أجل الإسلام؟".
إنَّ الإسلامَ ليس دينَ فِرَق، بل هو دِيْنُ أمة. والفِرَق تقسم الأمة، والجماعات تطوِّر دائما دينامية شوفينية خاصة، والمسلم هو عضو في الأمة فقط، ويجب أن يعمل من أجلها ومعها بغية العمل على خير الأمة؛ ففي الأمة وبواسطة الأمة ومن أجل الأمة يجب أن نقرر كيف يفهم المسلم الإسلام، وما هي امتدادات التفسير التي تتيحها المصادر؟ وما هي بالتالي طريقة العيش المرتبطة بها؟ وهذا الأمر يحتاج شجاعة في تكوين الرأي والرغبة الاستطرادية، ويجب على الأمة أن تكون فضاءً يوفر إمكانية النقاشات المبنية فقط على الحجج العلمية.
وأخيراً، يعتقدُ المؤلف أنَّ الربيعَ العربيَّ يُعطينا درساً، خاصة في مصر، بأنَّ الديمقراطية الوظيفية وما يرتبط بها من تعامل انعكاسي مع الدين مرتبطة بالمظاهر الاقتصادية للمواطنين. فرغم كل الانتقادات لسيد قطب، فإنَّ ما قاله صحيح بخصوص المعدة الفارغة التي لا يمكنها أن تهتم بالدين أو بالثقافة؛ لأنَّ صاحبها مشغول بتأمين حاجياته الإستراتيجية وتأمينها. وإلى جانب الزكاة، يجب على الدولة إدراك كل الوسائل الضرورية من أجل ممارسة سياسة توزيع عادل للثروات: "المعدة التي تعاني من الجوع لا تعرف أي معنى سام".
إنَّ مِنْ مُميزات هذا الكتاب اطلاع مؤلفه على عشرات الفلاسفة والمفكرين والنقاد، وعلى المصادر الأولى للإسلام، وتقديمه لنا مجموعة من الآراء لمفكرين ألمان يصعب على المتلقي العربي الاطلاع عليها بسبب عامل اللغة، ولعل ترجمة منصفة لهذا المؤلف المهم تجعل استقبال هذا المؤلف يفي بالغرض من تأليفه.
----------------------------------
- الكتاب: محمد سمير مرتضى.
- الكتاب: "الإصلاح الفاشل: التفكير السلفي وتجديد الإسلام".
- الناشر: دار هيردر، ألمانيا، 2016م، باللغة الألمانية.
* باحث في الدراسات الجرمانية - المغرب
